أخبار

عالِم أحياء روسي يخطط لعمليات تحرير جيني جديدة بتقنية «كريسبر»

يأتي هذا الاقتراح عقب ولادة توأمتين، تكوَّنَتا من جنينين حررهما جينيًّا عالِم صيني في العام الماضي.

ديفيد سيرانوسكي 
  • Published online:
يعتزم عالم الأحياء الجزيئية الروسي دينيس ريبريكوف إجراء تجارب مثيرة للجدل؛ لتحرير الجينات في النساء اللاتي تم تشخيص حالاتهن بأنهن مصابات بفيروس نقص المناعة البشرية.

يعتزم عالم الأحياء الجزيئية الروسي دينيس ريبريكوف إجراء تجارب مثيرة للجدل؛ لتحرير الجينات في النساء اللاتي تم تشخيص حالاتهن بأنهن مصابات بفيروس نقص المناعة البشرية.

صرَّح عالِم روسي بأنه يعتزم تخليق أطفال رُضّع ذوي جينات محررة، وهو ما يجعله ثاني شخص يُعرف عنه إجراؤه لهذه العملية. وسيمثل هذا الفعل تحديًا للإجماع العلمي الذي يرى ضرورة حظر هذه التجارب، لحين الاتفاق على إطار أخلاقي دولي حول الظروف وإجراءات السلامة التي تُبَرِّر إجراءها. 

كان عالِم الأحياء الجزيئية دينيس ريبريكوف قد صرّح لدورية Nature بأنه يدرس زرع أجنة مُحررة جينيًّا داخل نساء، وذلك - على الأرجح - قبل نهاية العام الجاري (2019)، إذا استطاع الحصول على موافقة بحلول هذا الوقت. وكان العالِم الصيني هُو جيانكوي قد أثار موجة استنكار عالمية، عندما أعلن في نوفمبر الماضي عن تخليقه لأول الرضع المحررين  جينيًّا في العالم؛ ونتج عن ذلك طفلتان توأمتان. 

وستستهدف التجربة الجين المسمى CCR5، وهو الجين ذاته الذي استهدفه هُو جيانكوي، لكن ريبريكوف يزعم بأن تقنيته ستقدم فوائد أكبر، وأنها تنطوي على مخاطر أقل، وستكون أكثر قبولًا عند الجمهور من الناحية الأخلاقية. ويعتزم ريبريكوف تعطيل جين تشفير البروتين الذي يسمح لفيروس نقص المناعة البشرية HIV)) بدخول الخلايا، وذلك في الأجنة التي سيجري زرعها في نساء، نتج عن تشخيصهن إصابتهن بفيروس نقص المناعة البشرية، وهو ما من شأنه أن يحدّ من خطر تمرير الفيروس إلى الطفل الرضيع داخل الرحم. وكان جيانكوي - على العكس من ذلك - قد حرر الجين في أجنة حصل عليها من آباء مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، وهو ما اعتبره كثير من علماء الوراثة ذا فائدة إكلينيكية محدودة، لأن خطر تمرير الأب لفيروس نقص المناعة البشرية إلى أبنائه ضئيل.  

ويرأس ريبريكوف مختبر تحرير جينوم في أكبر عيادة خصوبة في موسكو بروسيا، وهي مركز كولاكوف الوطني لبحوث طب أمراض النساء والتوليد وطب ما حول الولادة. وهو أيضًا باحث في جامعة بيروجوف الوطنية الروسية للبحوث الطبية في موسكو. 

ووفقًا لما ورد عن ريبريكوف، فإنه قد توصل بالفعل إلى اتفاقٍ مع مركز مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية في موسكو، لتعيين نساء مصابات بفيروس نقص المناعة البشرية ممن تُرِدْن المشاركة في التجربة، لكن العلماء والمتخصصين في مجال أخلاقيات علم الأحياء - ممن تواصلت معهم دورية Nature - يشعرون بالقلق إزاء خطط ريبريكوف.  

وترى جينيفر دودنا عالمة الأحياء الجزيئية بجامعة كاليفورنيا، في بيركلي، والرائدة في تطوير نظام تحرير الجينوم «كريسبر-كاس9» CRISPR–Cas9، الذي يعتزم ريبريكوف استخدامه، أن "التقنية ليست جاهزة بعد للاستخدام"، مضيفة أن استخدامها بهذه الطريقة: "غير مفاجئ، ولكنه مقلق، ومخيب للآمال بشكل كبير".  

أما ألتا تشارو، وهي باحثة في أخلاقيات علم الأحياء والقانون في جامعة ويسكونسن-ماديسون، فتقول إن خطط ريبريكوف تُعَد استخدامًا غير أخلاقي للتقنية. وتضيف تشارو، العضو في لجنة منظمة الصحة العالمية المعنية بصياغة سياسات الإدارة الأخلاقية لتحرير الجينوم البشري: "إن المُضيّ قُدمًا في هذا البروتوكول ينم عن انعدام المسؤولية". 

غموض قانوني

تحظر بلدان كثيرة زرع الأجنة المُحرَّرة جينيًّا، إذ تملك روسيا قانونًا يحظر الهندسة الوراثية في أغلب الحالات، لكنْ ليس واضحًا ما إذا كان سيجري إنفاذ القانون فيما يتعلق بتحرير الجينات في أحد الأجنة، أم لا

ويتوقع ريبريكوف أن توضّح وزارة الصحة الروسية القواعدَ المتعلقة بالاستخدام الإكلينيكي لتقنية تحرير جينات الأجنة خلال الأشهر التسعة القادمة. ويقول إنه يشعر بضرورة مساعدة النساء المصابات بفيروس نقص المناعة البشرية، وإنه يميل إلى المضي قدمًا في تجاربه، حتى قبل أن تناقش روسيا اللوائح التنظيمية. 

وللحدّ من فرصة خضوعه للعقاب، يعتزم ريبريكوف الحصول في البداية على موافقة ثلاثة أجهزة حكومية، من بينها وزارة الصحة الروسية، وهو ما قد يستغرق فترة تتراوح بين شهر واحد، وعامين، حسب قوله. 

ويقول جورج دالي - عالِم الوراثة في كلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن، ماساتشوستس، الذي عرف هو الآخر بخطط ريبريكوف عبر دورية Nature - إنه قبل أن يحاول أيّ عالِم زرع أجنة محررة جينيًّا في نساء، يجب أن يكون هناك نقاش شفاف وصريح حول الجدوى العلمية، والمشروعية الأخلاقية لذلك. 

وأحد الأسباب التي جعلت الأجنّة المحررة جينيًّا محور نقاش عالمي ضخم، هو أنه إذا سُمح للأجنّة بالنمو لتكوِّن رُضّعًا، فإن هذه التعديلات يمكن أن تُمَرَّر إلى الأجيال المستقبلية. وهو تدخُّل بعيد المدى، يُعرف بتغيير الخط النسيلي. ويتفق الباحثون على أن التكنولوجيا قد تساعد، يومًا ما، في القضاء على الأمراض الوراثية، مثل فقر الدم المنجلي، والتليف الكيسي، لكن ثمة حاجة إلى إجراء المزيد من الاختبارات، قبل أن تُستخدَم لتغيير البشر. 

في أعقاب إعلان جيانكوي عن تجربته، جدد كثير من العلماء دعواتهم لفرض حظر عالمي على تحرير الخط النسيلي. وعلى الرغم من عدم تحقُّق هذا حتى الآن، فإن منظمة الصحة العالمية (WHO) وغيرها من المنظمات البارزة قد ناقشت كيفية منع التحرير الجينومي، الذي يشكل مخاطر كبيرة - أو غير ضرورية - على البشر.  

وعلى الرغم من تعرُّض جيانكوي للانتقاد بسبب إجراء تجاربه باستخدام حيوانات منوية من رجال مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، فإن الحجة التي قدمها كانت رغبته في حماية الناس من العدوى، لا أكثر. وهو ما يعترض عليه الباحثون، موضحين أن ثمة طرق أخرى لتقليل خطر العدوى، مثل وسائل منع الحمل. وحسب قول تشارو، فإن هناك أيضًا طرقًا لمنع انتقال فيروس نقص المناعة البشرية من الأمهات إلى أبنائهن. 

ويتفق ريبريكوف مع ذلك، ويخطط لقصر عمليات زرع الأجنة على مجموعة فرعية من الأمهات المصابات بفيروس نقص المناعة البشرية ممن لا تستجبن للعلاج القياسي، وممن هن أكثر عرضة لنقل العدوى إلى أطفالهن. وحسبما يقول ريبريكوف، فإن تعطيل الجينَ CCR5 عن طريق التحرير الجيني يقلل خطر حدوث ذلك إلى حد كبير، ويضيف: "هذا وضع إكلينيكي يتطلب هذا النوع من العلاج".  

يقول أغلب العلماء إنه حتى مع وضع ذلك في الحسبان، فلا يوجد مبرر لتحرير جين CCR5 في الأجنة، لأن المَخاطِر المتوقعة تفوق المنفعة المترتبة.. فحتى لو سار العلاج على النحو المخطَّط له، وعُطِّلت كلتا نسختي جين CCR5 في الخلايا، تظل هناك احتمالية لإصابة هؤلاء الأطفال الرُّضع بفيروس نقص المناعة البشرية، إذ يُعتقد أن بروتين سطح الخلية الذي يُشفره جين CCR5 هو المدخل في حوالي 90 % من حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، لكن التخلص منه لن يؤثر في بقية مسارات العدوى.  

الأجنة المزمع زرعها في البشر يُحظر تحريرها جينيًّا من الناحية القانونية في العديد من البلدان

الأجنة المزمع زرعها في البشر يُحظر تحريرها جينيًّا من الناحية القانونية في العديد من البلدان

ZEPHYR/SPL

وبوجه أعمّ، هناك أيضًا مخاوفَ بشأن أمان تحرير الجينات في الأجنة. 

ومن أكثر ما يثير القلق في ما يخص تجربة جيانكوي – والبحوث الأخرى المشابهة – هو أن  تقنية كريسبر-كاس9 قد تسبِّب طفرات غير مقصودة في «جينات غير مستهدفة»، بعيدة عن الجين المستهدَف، وهي طفرات يمكنها أن تشكل خطورة، إذا تسببت في تعطيل تشغيل أحد الجينات المثبطة للأورام، على سبيل المثال، لكنّ ريبريكوف يقول إنه يطوِّر تقنية، من شأنها ضمان عدم حدوث طفرات بعيدة عن الهدف؛ وهو يعتزم نشر النتائج الأولية على شبكة الإنترنت في غضون شهر واحد، وربما على خادم ما قبل النشرbioRxiv. 

هذا.. ولكنّ العلماء الذين تواصلت معهم دورية Nature كانوا متشككين في إمكانية تقديم هذه الضمانات بشأن الطفرات الناشئة في الجينات غير المستهدَفة، أو فيما يتصل بمشكلة أخرى معروفة تتولد عن استخدام تقنية كريسبر-كاس9، لإحداث «طفرات في جينات مستهدفة»، يتم فيها تحرير الجين الصحيح، لكن بطريقة غير تلك المقصودة.

كان ريبريكوف قد كتب في ورقة بحثية، نُشرت العام الماضي، في دورية «نشرة الجامعة الطبية الحكومية الروسية» Bulletin of the Russian state medical university، التي يترأس بنفسه تحريرها، أن تقنيته تُعطل نسختي جين CCR5 في أكثر من 50% من الحالات (T.A.Kodyleva et al. Bull. Russ. State Med. Univ. Http://doi.org/c642;2018). وهو يدعي أن النشر في هذه الدورية لا يمثّل تضاربًا في المصالح، لأن أسماء مؤلفي الورقة البحثية تُحجب عن  المراجعين والمحررين، إلا أن دودنا متشككة في نتائجه، إذ تقول: "إن البيانات التي رأيتها توضح أن التحكّم في الطريقة التي يعمل بها إصلاح الحمض النووي ليس بهذه السهولة". 

ويرى عالِم الوراثة جيتان بورجيو - الذي يعمل في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبرا - هو الآخر أن عمليات التحرير الجيني في الغالب قد أدت إلى عمليات حذف أو إضافة أخرى، يصعب رصدها، كما هو الحال عادة مع التحرير الجيني. 

إنّ التحرير الجيني الذي يُجرى في غير موضعه قد يعني أن الجين ليس معطلًا كما ينبغي، وبالتالي يظل بإمكان فيروس نقص المناعة البشرية الوصول إلى الخلية، أو قد يعني أن الجين المحوّر قد يعمل بطريقة مختلفة تمامًا، ولا يمكن التنبؤ بها. وحسب تعبير بورجيو: "يمكن لهذا أن يسفر عن فوضى حقيقية".  

وفوق ذلك.. على حد قول العلماء المنتقدين لخطط ريبريكوف، فجين CCR5 غير المحوّر يؤدي العديد من الوظائف غير المفهومة بشكل جيد حتى الآن، لكن لها بعض المزايا، فعلي سبيل المثال.. يبدو أن الجين يوفر بعض الحماية ضد المضاعفات الرئيسة التي تتبع الإصابة بفيروس غرب النيل، أو الإنفلونزا. وفي ذلك.. يقول بورجيو: "إننا نعرف الكثير عن دوره في دخول فيروس نقص المناعة البشرية، لكننا لا نعرف الكثير عن آثاره الأخرى". كذلك كانت دراسة نُشرت خلال شهر يونيو الحالي، قد اقترحت أن الأفراد الذين لا يملكون نسخة فعّالة من جين CCR5  قد تكون دورة حياتهم أقصر. (X.Wei & R.Nielsen Nature Med.25, 909-910;2019). 

يدرك ريبريكوف أنه إذا مضى قدمًا في تجربته قبل اعتماد روسيا للوائحها المُحدثة، فقد يُنظر إليه باعتباره هُو جيانكوي الثاني، لكنه يقول إنه لن يشرع في أي من ذلك، إلا في حال تأكده من سلامة الإجراء. ويضيف قائلًا: "أعتقد أنني مجنون بما فيه الكفاية لأفعل ذلك".