أخبار
البِنَى الذَّرّية تُستنتج في دقائق
التعاون بين مختلف التخصصات تمخض عن استخدام إحدى الطرق على الجزيئات الصغيرة.
- Nature (2019)
- doi:10.1038/d41586-018-07213-3
- English article
- Published online:
Credit: Dirk Wiersma/SPL
في بشرى سارة لعلماء الكيمياء العضوية؛ يمكن الآن استنتاج بِنَى الجزيئات العضوية الصغيرة، كتلك المستخدَمة في العقاقير، في غضون دقائق بدلًا من أسابيع، وذلك بفضل تقنية تَستعمِل حِزَمًا من الإلكترونات.
ولطالما استخدم بعض علماء الكيمياء غير العضوية، وعلماء المواد، تقنية حيود الإلكترونات ثلاثية الأبعاد منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة. في حين أن علماء الكيمياء العضوية، التي قد يؤدي استعمالها إلى تغيرات جوهرية بالنسبة لهم، فلم يعتمدوها على نطاق واسع. وفي منتصف شهر أكتوبر عام 2018، ظهر بحثان1,2 على الإنترنت، يصفان طريقة لاستخدام تلك التقنية في العقاقير، تسرِّع وتسهِّل - بنسبة كبيرة – فهم طبيعة بِنَى هذه الجزيئات العضوية الصغيرة، مقارنة بالتقنيات السابقة.
يقول جون روبنستاين، عالِم البيولوجيا البنيوية في جامعة تورونتو بكندا، الذي يستخدم تقنيات ذات صلة في دراسة الجزيئات الكبيرة: "أعتقد أن ثمة أشخاص كثيرين نادمون بشدة، متسائلين: لماذا لم نفكر في فِعْل ذلك من قبل؟"، فالطرق الحالية المستخدمة لتحديد بِنَى الجزيئات الصغيرة تتطلب من العلماء إنماء بلورات لتحليلها، وهي عملية شاقة، قد تستغرق أسابيع أو شهورًا. ويستطرد روبنستاين: "إنّ ذلك الأمر الذي مَثَّل عقبة حقيقية في طريق بحوثهم قد أُزيل من جذوره".
تُعَد معرفة ترتيب الذرات داخل الجزيء في صميم فهم وظيفة المادة. فعلى سبيل المثال، يَعتمِد الكيميائيون القائمون على تطوير عقاقير جديدة على هذه البِنْية؛ لفهم كيفية عمل المركَّب داخل الجسم، وكيفية تعديله؛ لكي يرتبط بقوة أكبر مع هدفه العلاجي، أو لتقليل الآثار الجانبية.
ولعقود من الزمن، استُخدمت تقنية التصوير البلوري بالأشعة السينية؛ لاستنتاج ذلك الترتيب، إلا أنها قد تستغرق أسابيع من العمل، ولا تُكلَّل دائمًا بالنجاح. إذ يتعين على العلماء أولًا معالجة الجزيئات كي تتبلور، ثم يقذفون البلورات بحزمة من الأشعة السينية. وتتسبب بِنْية البلورة الشبكية في حيود الأشعة السينية، ويسجل كاشفُ النمط الناتجَ، ثم يستخدم العلماء برامج الحاسوب لتحليل ذلك النمط، وتحديد بِنْية الجزيء.
وتظهر الصعوبات نظرًا إلى أن تقنية حيود الأشعة السينية لا تعمل إلا مع البلورات الكبيرة، التي قد يستغرق تكوُّنها شهورًا. كما أن بعض الجزيئات تصعُب للغاية بَلْوَرتها، حتى أنه قد يستحيل تحليلها بهذه الطريقة.
وعليه، كان أحد البدائل هو الاستعاضة عن الأشعة السينية بحِزمَ من الإلكترونات، يمكنها توليد أنماط حيود لبلورات أصغر بكثير. وفي عامي 2007، و2008، طوَّر علماء التصوير البلوري في جامعة يوهانِّس جوتنبرج في مَايْنتس بألمانيا، وفي جامعة ستوكهولم - على التوالي - أولى طُرق كشف البِنَى ثلاثية الأبعاد للجزيئات آليًّا، باستعمال حيود الإلكترونات3،4. وفي السابق، كان العلماء يضطرون لتحمل مشقة دمج عدة أنماط حيود ثنائية الأبعاد معًا؛ من أجل الحصول على هذه البِنْية ثلاثية الأبعاد.
في البداية، استُعملت هذه التقنية في الأساس في البِنَى غير العضوية، التي تتأثر بالإشعاع بدرجة أقل، مقارنة بالجزيئات العضوية. ثم طوَّر تامير جونين، عالِم البيولوجيا البنيوية في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجيليس، في عام 2013، نسخة من تقنية حيود الإلكترونات، سُمِّيت «حيود الإلكترونات الميكروية» MicroED، يمكن استخدامها على جزيئات بيولوجية كبيرة، كالبروتينات5.
وقد بيَّن مؤخرًا فريق جونين، ومجموعة أخرى في سويسرا، أنه يمكن استعمال تقنية حيود الإلكترونات أيضًا لتحديد بِنَى الجزيئات العضوية الأصغر. وذلك يُعتبر برهانًا مهمًّا على مدى سرعة وسهولة هذا النوع من التحليل، كما يقول زيودونج زو، عالِم الكيمياء البنيوية بجامعة ستوكهولم.
واستعرض فريق يقوده عالِم التصوير البلوري تيم جرونِيه، بمعهد بول شيِرَّر بسويسرا، تكوين نموذج أوّلِي لجهاز يحدد بِنَى الجزيئات الصغيرة باستعمال حِزَم من مجهر إلكتروني، وكاشف متوافق معه1.
بسيط وفي الوقت نفسه مؤثِّر
يجري تحليل أنماط الحيود باستخدام برنامج مستخدم بالفعل في علم التصوير البلوري بالأشعة السينية. يقول جرونيِه: "كل شيء يتألف من أجزاء كانت موجودة مسبقًا، لكن سر النجاح يكمن في الدمج السلس للنظام". وقد استخدم فريق جرونِيه هذا البرنامج من أجل العثور على بِنْية مسكِّن الألم «باراسيتامول»، وسط بلورات ضئيلة مكونة من المسحوق المستخدَم داخل الكبسولات. وكان طول تلك البلورات لا يتجاوز بضعة ميكرومترات، أي أصغر كثيرًا مما يمكن تحليله بتقنية حيود الأشعة السينية.
عَدَّل فريق جونين تقنية حيود الإلكترونات الميكروية؛ لتحديد بِنَى جزيئات صغيرة، بدلًا من البروتينات2. ويقول جونين إن صنع هذا التغيير كان "بسيطًا". أمّا التعديلات الرئيسة، فقد اختصت بتحضير العينات، كما يقول؛ ففي حين تتطلب البروتينات الهشة عناية خاصة في التعامل معها، فإن كل ما كان عليه فِعْله في هذه الحالة هو طحْن المساحيق الدوائية. وقد استخدم الفريق هذه النسخة المعدلة من تقنية حيود الإلكترونات الميكروية، من أجل تحديد بِنَى مساحيق دوائية، منها الإيبوبروفين، وعقار كاربامازبين المضاد للصرع.
كان عرض بعض هذه البلورات حوالي 100 نانومتر - أي أصغر بمليار مرّة من الحجم اللازم للتصوير البلوري بالأشعة السينية - وقد أمكن تحديد بِناها خلال أقل من 30 دقيقة.
يقول روبنستاين عجيب أن تكون هناك تقنية قد استُعملت بالفعل في مجالات أخرى، ولم يعتمدها علماء الكيمياء العضوية حتى الآن على نطاق واسع. ويستطرد قائلًا: "لطالما كان هذا الحل الرائع موجودًا على مرأى من الجميع بوضوح".
ويُلْقِي جونين بالمسؤولية عن هذا الخطأ على انعدام التواصل بين التخصصات، ويقول إنه عندما بدأ في التواصل مع الكيميائيين، أدرك أنهم عانوا من إنماء بلورات كبيرة، من أجل تحليل جزيئات صغيرة؛ مما جعله يُدرك أنه يمتلك حلًّا لهم. ويقول: "بصفتي عالِم تصوير بلورات البروتين، لم أهتمّ كثيرًا بالتفكير بإمعان في الجزيئات الصغيرة من قبل. فالجزيئات الصغيرة بالنسبة لنا هي الأشياء التي نحاول التخلص منها".
References
Gruene, T. et al. Angew. Chem. Int. Edn http://doi.org/cvw3 (2018).| article
- Jones, C. G. et al. Preprint at ChemRxiv http://doi.org/cvvh (2018).| article
- Kolb, U., Gorelik, T., Kübel, C., Otten, M. T. & Hubert, D. Ultramicroscopy 107, 507–513 (2007). | article
- Hovmöller, S. Electron Rotation Camera. Patent WO/2008/060237 A1 (2008). | article
- Shi, D., Nannenga, B. L., Iadanza, M. G. & Gonen, T. eLife 2, e01345 (2013). | article