صندوق الأدوات

رسم الخرائط بميزانية منخفضة

أدوات رسم الخرائط منخفضة التكلفة تسهل رسم الخرائط

جيفري إم بيركل

  • Published online:
Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et             dolore magna aliqua.

ILLUSTRATION BY THE PROJECT TWINS

كان عالم الجليد كينيتشي ماتسوكا يقود فريقه البحثي عبر طبقة جليدية في القطب الجنوبي عام 2005 عندما انقطعت برمجية الخرائط التي يعتمدون عليها.

كان ماتسوكا يعتمد على نظام معلومات جغرافية تجاري في مراجعة البيانات وتخطيط الجولات في تلك المناطق الجليدية النائية. ولكن في خضم الاستعدادات للسفر وجد ماتسوكا، الذي كان يعمل حينئذ بجامعة واشنطن في سياتل، أنه كان قد نسي تجديد ترخيص البرمجية. وحسبما يقول: "كان ذلك بمثابة كارثة".

لكنها كارثة تمكّن باقي أفراد الفريق من تداركها. إذ كان لديهم عدد قليل من الأدوات الأخرى على حواسبهم المحمولة، وقد استخدموا تلك الأدوات للتوصل معًا إلى حل سريع. "لقد تدبرنا أمرنا"، هكذا يقول ماتسوكا الذي يعمل حاليًا بالمعهد القطبي النرويجي في ترومسو بالنرويج. تابع الفريق القيام بتطوير مورد مجاني قائم بذاته ومفتوح المصدر لرسم الخرائط للقارة القطبية الجنوبية يُسمى «كوانتاركتيكا» Quantarctica. ويضم المورد حاليًا عدة مئات من المستخدمين حسبما يقول جورج روث، الذي يقوم بمهام منسق المشروع.

لا شك في أهمية الخرائط والدور الأساسي الذي تضطلع به عبر نطاق واسع من العلوم، بداية بعلم البيئة (الإيكولوجيا) وعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا) وانتهاءً بعلم الاجتماع وعلم المناخ، واليوم تُتاح أمام الباحثين المعاصرين تشكيلة ثرية من الأدوات غير المكلفة أو المجانية للاختيار من بينها. تتراوح تلك الأدوات ما بين حزم نظم المعلومات الجغرافية المكتبية المتقدمة والبوابات السحابية والمكتبات المخصصة للعلماء الذين يستخدمون لغتي آر وبايثون في الترميز. يمكن للباحثين استخدام تلك الأدوات لرسم مخططات لمواقع دراساتهم، ولدمج مجموعات متعددة من البيانات وكذلك لرصد العلاقات المكانية التي كان من المرجح أن تظل مخفية لولا وجود تلك الأدوات. لكن صناعة الخرائط علم دقيق، ويمكن لمنحنى التعلم أن يكون بالغ الصعوبة.

يقول ميكل مارون، الذي يقود التوعية المجتمعية بشركة «ماب بوكس» Mapbox، وهي شركة لتقديم الخدمات ذات الصلة بالخرائط في سان فرنسيسكو بولاية كاليفورنيا، إن الخرائط "يمكن أن تسرد قصصًا غاية في الروعة". ومع توفر تلك المجموعة الثرية والمتزايدة من الأدوات صار الباحثون يجدون أن سرد تلك الحكايات قد أصبح أسهل كثيرًا من أي وقت مضى.

آليات لرسم الخرائط

على سبيل المثال، يدرس أوليفر جروبنر، وهو عالم جغرافية صحية بجامعة هومبولت في برلين، الصحة النفسية في أعقاب الكوارث. طبق جروبنر خوارزمية «لرصد المشاعر» على منشورات موقع تويتر التي تضمنت بيانات عن الموقع (تغريدات «موسومة بمواقع جغرافية») في أعقاب أحداث مثل الانهيار الأرضي الناتج عن إعصار ساندي في نيويورك عام 2012، والهجوم الإرهابي الذي وقع في باريس عام 2015. أتاح له ذلك التعرف على تجمعات إقليمية من حالات الصدمات الوجدانية، وهو اكتشاف يمكن أن يساعد في نشر وتوزيع الموارد المحدودة للصحة النفسية. يقول جروبنر: "ليس من المفاجئ أننا نلاحظ ظاهرة ما، لكن الأمر السار يتمثل في أننا نستطيع في الحقيقة قياس تلك الظواهر".

تعرف جروبنر على تلك التجمعات باستخدام حزمة زمانية مكانية مجانية للتحليل الإحصائي تسمى «سات سكان» SaTScan ورسم لها خريطة باستخدام أداة سطح المكتب مفتوحة المصدر، «كيو جي آي إس» QGIS. يقول جروبنر: "كيو جي آي إس هي أداة مجانية ويجري تحديثها باستمرار، وتتميز بخصائص وظيفية عظيمة. وفيما يخص معظم الأشياء التي تريد رسم خريطة لها، فإن تلك الأداة تتسم بقدر كبير من الاكتفاء الذاتي والكفاءة".

لكن فهم «كيو جي آي إس» وإتقان استخدامها يستغرق وقتًا، في حين توجد بدائل أسهل متاحة. فباستخدام هاتف ذكي لا غير، يمكن للباحثين التقاط صور موسومة بالمواقع الجغرافية للأماكن التي يدرسونها، وهي خاصية مُفعلة تلقائيًا على كثير من الهواتف الذكية. يمكن للباحثين بعد ذلك تخطيط خرائط لتلك البيانات وتصميمها ومشاركتها باستخدام أدوات سحابية مثل خرائط جوجل، أو «ماب بوكس ستوديو» Mapbox Studio، أو «أرك جي آي إس أونلاين» ArcGIS Online (وتلك الأداة الأخيرة من إنتاج شركة «إسري» Esri، وهي شركة لأدوات رسم الخرائط تقع في ريدلاندز بولاية كاليفورنيا)، إضافة إلى لغتي البرمجة «آر» R و«بايثون» Python (انظر «رسم الخرائط بلغة آر»).

توفر أداة «ماب بوكس ستوديو» على سبيل المثال تحكمًا متقنًا في مظهر الخريطة، بينما تجسد خرائط جوجل قمة البساطة. تركز أداة «ستوري مابس» لشركة «إسري» على خبرة الجمهور. فالأداة تتيح للمستخدمين ابتكار ونشر وثائق على شبكة الانترنت تدمج بين البيانات المكانية وبين النص والفيديو والصور، مع استخلاص معلومات الموقع من الصور إذا كانت متاحة. يقول أوين إيفانز، عضو فريق العمل في أداة «ستوري مابس»، إنه بمقدور العلماء أيضا استحداث موارد إضافية على شبكة الانترنت باستخدام الأداة. بل يمكن للمستخدمين حتى تصميم السرد الخاص بهم لتسليط الضوء على السمات المختلفة للخرائط بينما يتجول القارئ بين صفحات الحكاية. في أحد الأمثلة المنشورة، رسم الباحثون بالمؤسسة الأمريكية للأسماك والحياة البرية خرائط تبين مواقع مصائد الأسماك عبر المنطقة الشمالية الغربية من المحيط الهادي قبل تركيز الخريطة، وكذلك الحكاية، على مصيدة واحدة بعينها.

تقول أنيتا جريزر، عالِمة المعلومات الجغرافية في المعهد النمساوي للتكنولوجيا بفيينا، وعضو اللجنة التوجيهية بمشروع «كيو جي آي إس»، إن التحدي يظهر عندما يشرع الباحثون في تحليلات أكثر تفصيلا بدلا من مجرد رسم مخططات للنقاط. يمكن لكثير من تطبيقات الخرائط حساب المسافة والمساحة، على سبيل المثال، لكن أداة «كيو جي آي إس» تتضمن خصائص إضافية لأداء مهام مثل تصنيف الغطاء الأرضي (باستخدام تصنيفات مثل الغابات أو الصحاري)، وقياس انحدار الأرض، وحساب مدة السفر، ونمذجة مسار المياه الجارية. كذلك يمكن للمبرمجين إجراء مجموعة من التحليلات المشابهة بلغتي «آر» و«بايثون».

تقول جريزر: "تتمثل الخطوة الأولى في إنشاء الصورة، ولكن في نهاية المطاف تراودك الرغبة في أن تخوض بنفسك في التحليل وأن تحصل على تلك الأرقام التي تحتاجها لأوراقك البحثية".

تقول ميشيل توبياس، مسئولة بيانات نظم المعلومات الجغرافية بمكتبة جامعة كاليفورنيا في ديفيز (UCD)، إن أحد جوانب التعقيد يتمثل في أن بيانات رسم الخرائط يمكن تمثيلها باستخدام أي من النماذج المتعددة من المساقط. يمكن تعريف المسقط بأنه "ترجمة البيانات الحسابية المستمدة من خطوط الطول والعرض إلى شيء مسطح مثل الخريطة أو شاشة الكمبيوتر"، حسبما تشرح توبياس. إذا استخدمت مجموعات البيانات المختلفة مساقط مختلفة، فإن تغطية مجموعات بيانات متعددة سوف يسفر عن مواقع غير متطابقة.

يمكن أيضًا أن تتخذ بيانات رسم الخرائط شكلين أساسيين، بحسب ما يقول سيرجيو ري، وهو عالم معلومات جغرافية بجامعة كاليفورنيا في ريفرسايد. في ملفات المتجهات، يكون العالم زاخرا بأجسام قائمة بذاتها، فعلى سبيل المثال، تمثل المضلعاتُ الطرقَ، والمباني، والحدود السياسية. أما الملفات النقطية فتُستخدم لنمذجة البيانات المستمرة، مثل خرائط هطل الأمطار أو الارتفاع. يستخدم كلا الشكلين أنواعًا مختلفة من الملفات، وقد طوّر مشروع مكتبة تجريد البيانات الجغرافية المكانية (GDAL) أدوات مجانية يمكنها قراءة وكتابة صيغ معروفة وشائعة. كذلك توجد أداة على شبكة الإنترنت تسمى «جيوجسون-آي أو» GeoJSON.io، تتيح للمستخدمين بشكل تفاعلي إنشاء الملفات بصيغة جيوجسون ومعالجتها وإصدارها.

يشغل شانان بيترز، وهو عالم جيولوجيا بجامعة ويسكونسن ماديسون، موقع الباحث الرئيسي بمشروع «ماكروسترات» Macrostrat، وهو عبارة عن أطلس موسوعي للبيانات الجيولوجية على شبكة الإنترنت. ورغم أن معظم بيانات رسم الخرائط الخاصة بمشروع «ماكروسترات» متاحة علنًا للجمهور، فإن استيراد تلك البيانات تطلب "قدرا كبيرا من الوقت"، حسب قول بيترز. تطلب الأمر تحويل الملفات إلى صيغة ذات متجه منفرد، وتعديلها لتوحيد استخدام المفردات والتحقق من دقتها. يقول بيترز: "يأتي كثير من تلك الخرائط في الحقيقة مصحوبًا بأخطاء هندسية صغيرة من الناشر".

اعتمد فريق «ماكروسترات» في الغالب على أداتين. تولت «كيو جي آي إس» تحويل ملفات المدخلات المختلفة إلى صيغة واحدة، وأتاحت «بوست جي آي إس» PostGIS إمكانية تخزين وتحليل مجموعة البيانات. يقول بيترز إن أداة «بوست جي آي إس» - وهي عبارة عن امتداد يضيف إمكانات جيومكانية إلى نظام قواعد البيانات مفتوحة المصدر «بوستجري إس كيو إل» PostgreSQL - "في الأساس تحول قاعدة بيانات علائقية إلى نظام معلومات جغرافية مكتمل الأركان". وتذكر توبياس أن الأداة تفعل ذلك مع تفادي التكلفة الحوسبية المطلوبة لرسم خريطة في واقع الأمر، وهي عملية يمكن أن تتطلب نشاطًا حوسبيًّا كبيرًا.

استخدمت نيستارا رانداوا، وهي طبيبة بيطرية تحولت إلى طالبة دكتوراه تدرس أيضا بجامعة كاليفورنيا في ديفيز، أداة «آرك جي آي إس» ArcGIS لبناء شبكة من المراكز السكانية والطرق، ثم صدَّرت تلك الشبكة إلى لغة «آر» من أجل إنشاء نموذج لتفشي الإنفلونزا في رواندا. وسّعَت رانداوا، مدعومة بدقة النموذج الخاص بها وامتثاله لملاحظات العالم الواقعي، نطاق تحليلها ليشمل منطقة غرب أفريقيا. ولكن عندما تضخمت الشبكة وارتفعت من 1300 موقع إلى 17 ألف موقع، توقفت الواجهة الرسومية عن العمل. لذا عندما عملت رانداوا مع توبياس وأليكس مانديل، وهو عالم جغرافيا مكانية بجامعة كاليفورنيا في ديفيز، اختبرت عددًا من الأدوات ثم اختارت «جراس- جي آي إس» GrassGIS، وهو نظام للمعلومات الجغرافية مفتوح المصدر كان بإمكانها التحكم فيه عن طريق إصدار تعليمات نصية دون عناء رسم الخريطة. وتقول: "من الناحية البرامجية، مكنني النظام من إنشاء شبكتي الخاصة". (تتميز الأداتان «آرك جي آي إس» و«كيو جي آي إس» بواجهتين بينيتين بلغة «بايثون» تتيحان قدرة وظيفية مشابهة).

في واقع الأمر يرى عدد يتزايد باستمرار من الباحثين أن أدوات البرمجة توفر بديلا جذابًا لأدوات سطح المكتب، بحسب ما يقول ري. ويضيف: "إنها أكثر مرونة بكثير".

كذلك تدعم تلك الأدوات مسألة القابلية للتكرار، لأنها تمكّن الباحثين من تكرار المحاولات مع تحديد بدقة أي صيغة من البرمجة يريدون استخدامها. كذلك تتيح لك عملية البرمجة استخدام الخوارزميات الأحدث، التي تُنشئ عادةً بلغات مثل «آر» أو «بايثون». ولكن لا يمكن إضافة تلك الخوارزميات إلى نظام معلومات جغرافية مكتبي بدون جهد إضافي من المطور.

يتذكر روبرت هيجمانز، وهو عالم جغرافيا حسابية بجامعة كاليفورنيا في ديفيز، حالة الغيظ والإحباط التي كانت تنتابه عند التحول مرارا وتكرارا ما بين نظام «آرك جي آي إس» ولغة «آر» من أجل تطبيق خوارزمية جديدة لدراسة توزيع الدخل في القارة الأسيوية. ويقول: "كانت العملية برمتها مرهقة للغاية". ولكن من خلال التحول الكامل إلى لغة «آر» "فجأة أصبحت أتمتع بحرية جديدة في تحليل البيانات أمدتني بمزيد من القوة".

في واقع الأمر، أيًّا كانت الأداة التي تختارها، لم يكن سرد تلك القصص والحكايات المبنية على الخرائط أسهل في أي وقت مضى مما هو عليه الآن.

البرمجة بلغة «آر»

يمكن تعريف مكتبة ليفليت للغة «آر» Leaflet for R بأنها مجموعة من الأدوات سهلة الاستخدام لعرض البيانات الجيومكانية. يمكن للباحثين إنشاء ونشر خرائط تفاعلية تبرز محددات التحريك وتكبير الصورة والمعلومات. لاختبار المكتبة، المتاحة أيضا بلغة «بايثون»، جمّعت النقاط المهمة في جنوب شرق إنجلترا في جدول قيم مفصولة بفواصل، ورسمتها على خريطة طبوغرافية. بعد ذلك، وبمساعدة جون زابلوسكي، المطور الرئيسي في مشروع «ماكروسترات»، سحبت مربعات خرائط المنطقة نفسها من «ماكروسترات» مع تلوين الخريطة الأساسية لكي تعكس البنية الجيولوجية الأساسية للمنطقة. تطلب النص البرمجي بأكمله فقط سبعة أسطر من الترميز (انظر: go.nature.com/2izttpa).

ثم بعد ذلك قمت بتحميل المسار التقديري لإعصار إيرما الذي تمكّن المركز الوطني للأعاصير من حسابه في الرابع من سبتمبر 2017. توفر المنظمة الأمريكية تلك التنبؤات في صيغة ملفات مضغوطة يحتوي كل ملف منها على 20 ملفًا: تختص خمسة ملفات منها بالمكان المتوقع للعاصفة عند كل نقطة في التوقع، والخط الذي يربط بين تلك النقاط، و«مخروط عدم اليقين» لذلك المسار المتوقع، ومواقع عمليات المراقبة والتحذير من العواصف. إجمالًا، تتضمن تلك الملفات الخمسة ملف «شيب فايل»، وفي بعض الأدوات يجب أن يُعاد تجميعها في سجلات فردية مضغوطة. يمكن عقب ذلك استيراد تلك الملفات كطبقات فردية يمكن تنسيق كل واحدة منها وفقا للون والتعتيم وهكذا. ولكن عند استخدامي حزمة التثبيت «رجدال» rgdal، التي توفر واجهة بينية بلغة «آر» لمجموعة أدوات الحصول على البيانات الخاصة بمكتبة تجريد البيانات الجغرافية المكانية، تمكنت من قراءة الملفات غير المضغوطة ووضع مخطط لها إلى جانب مجموعة مختارة من الأهداف الساحلية المحتملة، التي خزنتها في صورة جدول من القيم المفصولة بفواصل.

في النهاية، غطيتُ مساحة من البيانات العامة لدرجة حرارة سطح البحر. لا تتوفر تلك البيانات في صيغة قابلة للإسقاط على خريطة، لذا لجأت إلى عالم الأحياء البحرية لوك ميلر طلبًا للمساعدة. طور ميلر، الذي يعمل بجامعة سان جوزيه في ولاية كاليفورنيا، برمجيات لاستخلاص وتخطيط تلك البيانات لتكون أساسًا للدراسات التي يجريها على الرخويات والقشريات الساحلية. كذلك تفضل الباحث بإيجاد طريقة للحصول على تلك البيانات في صيغة متوافقة مع «ليفليت»، مما أسفر عن الشكل النهائي (انظر: go.nature.com/2j4nx9o). جيه إم بي

جيفري م. بيركيل يعمل محررًا تقنيًا لدورية Nature