أخبار

اختبار تشخيصي للسُّل يفشل في كبح انتشار المرض

نتائج غير مشجعة لاختبار مُؤَتْمَت تسلِّط الضوء على الحاجة إلى تحسين البنية التحتية لمؤسسات الرعاية الصحية في دول عديدة.

إيوين كالاواي

  • Published online:
أفرادٌ حديثو التشخيص بالسُّل يتلقّون العلاج في عيادةٍ بجاكارتا، إندونيسيا.

أفرادٌ حديثو التشخيص بالسُّل يتلقّون العلاج في عيادةٍ بجاكارتا، إندونيسيا.

Beawiharta/Reuters

قبل سبع سنوات مضت، عمَّت الفرحة العارمة الأوساط العالمية للباحثين ومسؤولي الرعاية الصحية والناشطين المعنيين بمكافحة مرض السُّل، إذ أظهرت تجربة فارقة، عام 2010، فاعلية كبيرة لاختبارٍ جيني جديد في تشخيص الإصابة بمرض السُّل، ما بعث الآمال في إمكانية مكافحة المرض في العديد من الدول في القريب العاجل، وهو المرض الذي أودى بحياة 1.45 مليون نسمة في تلك السنة. وسرعان ما أجازت منظمة الصحة العالمية هذا الاختبار المُؤَتْمَت، والمسمى جين إكسبرت GeneXpert، ودعمت نشره حول العالم ليحل محل اختبارٍ مجهري عجز عن اكتشاف نصف إجمالي عدد الحالات.

لكن هذه الآمال العريضة تهاوت، إذ لم تتناقص معدلات الإصابة بالسُّل بشكلٍ كبير (انظر "اتجاهات الإصابة بالسُّل")، وتسعى الدول حاليًّا إلى معالجة المشكلات التي تتسبب في إغفال تشخيص العديد من حالات الإصابة بالسُّل، فضلًا عن صعوبات علاج المصابين به بالفعل. وقد اجتمع وزراء ومسؤولو الصحة من 100 دولة في موسكو يومي 16 و17 من نوفمبر 2017 في محاولةٍ لتغيير مجريات الأمور. كما تقرَّر عقد اجتماعٍ للجمعية العامة للأمم المتحدة مخصص لمناقشة أزمة السُّل في سبتمبر 2018. ويقول الخبراء إن طرح جين إكسبرت يمثِّل درسًا تحذيريًّا - وإن كان يبدو بديهيًّا بعد إمعان النظر - للبشرية في حربها ضد السُّل. إن هذه القصة مكررة في مجال الرعاية الصحية على مستوى العالم: إذ تظهر حلولٍ تبدو مبشِّرة جدًّا في المختبرات أو التجارب الإكلينيكية، لكن يتعثَّر تطبيقها في المنظومات الضعيفة للرعاية الصحية في الدول النامية ومتوسطة الدخل.

وفي تصريحٍ لها، قالت إريكا ليسيم، نائب المدير التنفيذي لمنظمة "مجموعة العمل من أجل العلاج" وهي منظمة ناشطة مقرها مدينة نيويورك: "علَّمتنا تجربة جين إكسبرت بشأن مرض السُّل أن إدخال أداةٍ جديدة إلى نظامٍ ضعيف الكفاءة عمومًا لن يكون نقطة تحوُّل في حدِّ ذاته، وعلينا التركيز على الاستثمار في النظم الصحية".

كبر الصورة

Source: WHO

 

ليس نقطة تحوُّل

أصيب نحو 10.4 مليون شخصٍ بعدوى السُّل عام 2016، وفقًا لتقريرٍ لمنظمة الصحة العالمية نُشِرَ يوم 30 من أكتوبر 2017. وقعت أكثر من نصف الإصابات في الصين والهند وإندونيسيا وباكستان والفلبين. وهذه العدوى، التي تتسبب في السعال وفقدان الوزن وآلام الصدر، عادة لا يتم تشخيصها لشهور أو لسنوات، ما يعزِّز انتقال العدوى. وقد أنفقت حكومة الولايات المتحدة وغيرها قرابة المئة مليون دولار أمريكي لتطوير نظام جين إكسبرت. وعلى الرغم من تصديق منظمة الصحة العالمية على نظام الاختبار هذا في عام 2010 فإن نشر الاختبار، الذي صنعته شركة سيفيد التي تقع في صَني فيل بولاية كاليفورنيا (واشترته شركة داناهير القائمة في واشنطن العاصمة في وقتٍ سابقٍ من عام 2017)، كان بطيئًا في البداية.

تتكلّف آلة جين إكسبرت الواحدة 17 ألف دولار، وتستلزم توفير مصدرٍ مستمر للكهرباء وتكييف الهواء، وهي بنية تحتية قد لا تتوافر على نطاق واسع في عيادات السُّل في الدول ذات نسب الإصابة المرتفعة بالمرض، وهو ما يقتضي وضع هذه الآلات في المؤسسات المركزية. وقبل أن تبدأ حكومة الولايات المتحدة - بالتعاون مع مؤسسة بيل وميليندا جيتس ومنظمة يونيتيد UNITAID، وهي منظمة دولية تهدف إلى خفض أسعار الدواء - في الدعم المالي للاختبارات في عام 2012، كان اختبار جين إكسبرت الواحد يكلِّف 16.86 دولار (انخفض السعر إلى 9.98 دولار)، مقارنة ببضعة دولاراتٍ لقاء إجراء اختبار مجهري للسل.

 

نظم صحية ضعيفة

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، بيع أكثر من 23 مليون اختبار جين إكسبرت في القطاعات الحكومية في المئة وثلاثين دولة المؤهلة للحصول على تخفيض في الثمن. لكن مادوكار باي، اختصاصي علم الأوبئة بجامعة ماكجيل بمونتريال في كندا، يقول إن هذا ما زال لا يمثل إلا نسبة صغيرة نسبيًّا من الأفراد المحتمل إصابتهم بالسُّل. كما يقول باي إن أغلب الدول تستخدم هذا الاختبار على مجموعات منتقاة من الأشخاص، فالهند مثلًا تستخدمه فقط مع الأشخاص المصابين أيضًا بفيروس نقص المناعة البشرية.

وحتى الدول التي اعتمدت تجربة جين إكسبرت بالكامل لم ترَ حتى الآن النتائج الواعدة. فبعد أن بدأ نشر الاختبار على مستوى دولة جنوب إفريقيا عام 2011، صار الاختبار متوافرًا لجميع الحالات المشتبه بإصابتها بالسُّل. إلا أن تجربة إكلينيكية مُعشَّاة، أجريت خلال نشر الاختبار، وجدت أن الأشخاص الذين تم تشخيصهم باستخدام هذا الاختبار تساوى احتمال وفاتهم بالسُّل مع أولئك المُشخَّصين في المعامل التي ما زالت تعتمد على الاختبار المجهري (G. J. Churchyard et al. Lancet Glob. Health 3, e450–e457; 2015). ويقول جافن تشرتشيارد، وهو طبيب متخصص في علاج السُّل بمعهد أوروم في جوهانسبرج، بجنوب إفريقيا، وقائد هذه الدراسة: "من البديهي الاعتقاد بأن اكتشاف حالات السُّل مبكرًا سيحول دون الوفاة به، لكن لم يكن هذا ما رأيناه، وهو ما كان أمرًا صادمًا". وقد توصلت دراسات مشابهة في دولٍ أخرى إلى النتيجة نفسها بشأن جين إكسبرت.

يعتقد تشرتشيارد أن الأطباء ظلوا لزمنٍ طويل يقدِّمون الأدوية للأفراد المصابين بأي أعراض شبيهة بالسُّل، حتى إن كانت نتيجة اختبارهم المجهري سلبية أو غير معروفة، ولهذا السبب لم يجد فريقه جدوى من تنفيذ اختبار جين إكسبرت. كذلك تكهَّن البعض بأنه عند المشاركة في أي تجربة إكلينيكية، يتلقى المشاركون من كلتا المجموعتين، الضابطة وتلك التي تخضع للعلاج، رعاية أفضل مما كان من شأنهم أن يتلقوه في ظروفٍ أخرى، وهو ما يشّوش على أي فروق بين المجموعتين.

على أي حال، يقول تشرتشيارد إن دراسة فريقه كشفت مدى تداعي النظام العلاجي للسل في جنوب إفريقيا، وهي مشكلة ذات صدى في دولٍ أخرى ذات نسب مرتفعة من الإصابة بالسُّل. وحتى في ظل وجود اختبارات دقيقة، لا تزال توجد حالات خافية على التشخيص. تستغرق اختبارات جين إكسبرت نفس المدة الزمنية التي تستغرقها الاختبارات المجهرية للوصول إلى تشخيص، كما أن الكثيرين لا يعودون أبدًا للعيادات العلاجية لتلقي نتائج الفحص أو العلاج، وأولئك الذين يبدأون العلاج بالمضادات الحيوية لا يستكملون المسار العلاجي عادة.

يقول تشرتشيارد: "ما كشفت عنه الدراسة فعلًا أنه لا يكفي أبدًا امتلاك تقنيات جديدة وإدخالها إلى نظم صحية متهالكة".