كتب وفنون
مجتمع: الانتصارات الحقيقية للنساء في مجال العلوم
ملاك عابد الثقفي تُشِيد بمذكرات عالِمة أحياء أردنية رائدة في مجال حقوق المرأة.
- Nature (2018)
- doi:10.1038/d41586-018-05891-7
- English article
- Published online:
عالِمة الأحياء الجزيئية رنا دَجاني خلال ورشة عمل أُقيمت في عام 2015 عن تعليم اللاجئين.
Mike Pflanz/UNHCR
خمسة أوشحة: تحقيق المستحيل — إذا كان بوسعنا تغيير مصير الخلية، فلِمَ يتعذّر علينا إعادة تعريف النجاح؟
رنا دَجاني، دار نشر نوفا (2018)
هل يمكن أن يُحدِث إنجازٌ مُبهِر في أبحاث الخلايا الجذعية ثورة في الحركة النسوية؟ وهل يمكن أن تُطَبِّق عالِمةٌ ما المنهج العلمي على حياتها الخاصة؛ لتجد حلولًا لمشكلات اجتماعية؟ في كتاب بعنوان «خمسة أوشحة» Five Scarves، تَكشِف لنا عالِمة الأحياء الجزيئية الأردنية رنا دَجاني - بشغف وقوة حُجّة - كيف استكشفت هذه الإمكانيات. وتتحدث عن قدرة البشر على التغلب على التحديات، لا سيما فيما يتعلق بالارتقاءتحسين بمعاملة النساء والأطفال.
جزء من الكتاب عبارة عن دعوة إلى العمل، وفي جزء آخر مذكرات بحثية، وفي جزء ثالث سيرة ذاتية. والأوشحة الخمسة هي "القبعات" المختلفة التي ترتديها دَجاني، بوصفها عالِمة، وأمًّا، ومعلمة، ورائدة أعمال اجتماعية، وناشطة نسوية رائدة. ولطالما كتبَت وتحدثت دَجاني عن المعوقات التي تواجه النساء في الأوساط الأكاديمية، وكيف أن هذه المعوقات تتباين باختلاف التخصص والثقافة. وحسبما جاء على لسانها، فإن النساء في أنحاء منطقة الشرق الأوسط يُشَكِّلن أقل من 40% من الباحثين في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والطب، بينما تبلغ نسبتهن في الولايات المتحدة 24% فقط، لا غير. وإضافة إلى ذلك.. تصرّ دَجاني - انطلاقًا من تأييدها للدور المحوري للمرأة في الأسرة - على تغيير طرق التفكير؛ بحيث لا تضطر النساء - حسبما تؤكد دَجاني في جولاتها في جميع أنحاء العالم - إلى الاختيار ما بين العمل والأسرة. ونظرًا إلى ممارستي العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، تَلقَى هذه الأفكار صدى بداخلي.
تقول دَجاني في كتابها - واصفةً طفولتها ومراهقتها في السبعينات في الأردن، والولايات المتحدة - إنها تعلمت على أيدي نساء قويّات تَحَمُّل مسؤولية رفاهية المجتمع. فقد عَلَّمَتها أمُّها أن المرء في الإسلام يُجازَى بنواياه، وأن كل جهد يبذله ذو قيمة، حتى وإنْ بدا غير مهم. ولمّا كان والداها من أصول سورية وفلسطينية، فقد أمست متحدثة شغفة صادعة بحقوق المرأة والأسرة، لا سيما في المجتمعات الأكثر تأثرًا بصراعات قوى لا حيلة لها فيها. وشدّدت دَجاني - على سبيل المثال - على أهمية التعليم؛ كي يتوقف تعرُّض المُستضعَفين - خاصةً الأطفال - لسوء المعاملة، أو الاستغلال. وقَدّمَت قراءاتها الواسعة لمحات عن أسفار إلى بقاع نائية، وفرص أخرى.
تزوّجت دَجاني في أوائل التسعينات، وشرعت في تكوين أسرة وهي لا تزال في مرحلة التعليم، فمنحتها الأمومة إصرارًا على أن ترتدي العديد من الأوشحة بكل فخر واعتزاز. وتقول دَجاني إنّ تجربتَي الحمل والإنجاب كشفتا لها عن عمق بيولوجيا الإنسان. وقد انتقلت مع أسرتها الصغيرة إلى مدينة آيوا في عام 2000؛ كي تدرس لنيل درجة الدكتوراة من جامعة آيوا. وقد تخلَّى زوجها عن عمله من أجل هذا الانتقال. وتَستبشِر دَجاني برؤية المزيد من الرجال يدعمون زوجاتهم على هذا النحو. فإبعاد الفرضيات والأدوار العنصرية عن الحياة الأسرية جزء من إعادة تعريف دَجاني للنجاح.
وتنتقد دَجاني بعض أشكال الدعم المزعوم للمرأة في الولايات المتحدة. فثمة مجموعة من شركات التكنولوجيا العملاقة تعرض على الموظفات لديها تجميد بويضاتهن؛ لتأجيل إنجابهن، لكنّ هذه التقنية ليست مضمونة؛ إذ كشفت دراسة أجرتها هيئة الإخصاب البشري وعلم الأجنة في المملكة المتحدة في عام 2016 عن أن 19% فقط من دورات زراعة الأجنة باستخدام بويضات مُجمَّدة تبوء بالنجاح. وترى دَجاني أن إجازات الأمومة ورعاية الأطفال مدفوعة الأجر أكثر إنصافًا، ونفعًا، وتوفيرًا. والولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الصناعية الوحيدة التي لا تعترف رسميًّا بإجازة الوضع مدفوعة الأجر.
في عام 2005، عادت دَجاني وأسرتها إلى الأردن. وفي الجامعة الهاشمية في عَمَّان، أجرت أبحاثًا على الجوانب الوراثية للجماعات العرقية شركسية وشيشانية الأصل في الأردن، وبدأت تتعاون مع علماء على مستوى العالم؛ لدراسة السلالات البشرية القديمة، على سبيل المثال. وفي عام 2008، شكّلت دَجاني - بإلهام من الإنجازات المبهرة التي يشهدها مجال الخلايا الجذعية - لجنةً تختص بالجوانب السياسية والأخلاقية للأبحاث في هذا المضمار. وأدّت هذه اللجنة إلى وضع قانون أبحاث الخلايا الجذعية والعلاج بها في الأردن، الذي شجع العمل في هذا المجال، لكنه نظمه في الوقت عينه، وأزال عنه السمة التجارية في سابقة هي الأولى من نوعها في المنطقة.
ومنذ عام 2015، شاركت دَجاني في دراسات ساعدت المشاركين فيها على أن يكونوا جزءًا من نجاحهم الخاص. ومن بين هذه الدراسات التي قادتها دَجاني في الأردن: دراسة استهلتها عالِمة الأنثروبولوجيا الطبية كاثرين بانتر-بريك؛ بغية قياس أثر أحد البرامج المعنية بالحدّ من الصدمات لدى صغار اللاجئين السوريين. وتَمَثّل أحد إسهامات دَجاني في هذه الدراسة في تفسير العلاقة بين الإجهاد، ومستويات هرمون الكورتيزول في الشعر. والأهم من ذلك.. أنها وفريق عملها حرصوا أيضًا على المشاركة الفعالة للشباب، من خلال السماح لهم بجمْع بياناتهم الخاصة، ومساعدتهم على البحث عن أساليب جديدة.
وفي سياق تعامُل دَجاني مع التحديات الاجتماعية، مثل الفقر، والأمية، بوصفها تجربة علمية، أطلقت مشروع «نحن نحب القراءة» في الأردن، مفترِضةً أن إثارة حماس الأطفال لقراءة الكتب من شأنه إحداث تغيّر اجتماعي يتجاوز مجتمعاتهم. وفي خلال 12 عامًا، وزَّع البرنامج 250 ألف كتاب، وأقام 1500 مكتبة في الأحياء. وفي طيات هذه المذكرات ما هو أكثر من ذلك بكثير، بدءًا من جهود دَجاني في إنشاء شبكات إرشاد للعالِمات في منطقة الشرق الأوسط، وصولًا إلى نهجها الجريء والمبتكر في مجال التدريس.
هذا.. وتتساءل دَجاني قائلة: "إذا كان بوسع الجزيئات أن تتواصل بفعالية، فلِمَ لا يمكننا نحن ذلك؟"
ملاك عابد الثقفي عالِمة، وطبيبة، ورئيسة أبحاث الجينوم في مدينة الملك فهد الطبية، وأستاذة أبحاث مساعدة في علم الوراثة الجزيئي والأمراض العصبية في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض بالمملكة العربية السعودية.
البريد الإلكتروني: malthagafi@kacst.edu.sa