س و ج

س وج: مُلحِّن الذكاء الاصطناعي

يَستخدِم عالِم الحاسوب لوك ستيلز الذكاء الاصطناعي؛ لاستكشاف نشأة وتطور اللغة. كان أفضل ما اشتُهر به هو تجربة "الرؤوس المُتحدِّثة"، التي أجراها بين عامي 1999، و2001، حيث كان على الروبوتات بناء لغةٍ من الصفر؛ للتواصل بها مع بعضها البعض. قام ستيلز - الذي يعمل في جامعة بروكسل الحرة - بتلحين مسرحية موسيقية، مستوحاة من أسطورة فاوست، بتحريف يناسب القرن الواحد والعشرين. وهو يتحدث هنا عن موتسارت، باعتباره مبرمِجًا حاسوبيًّا ناشئًا، وعن كيفية توليف الموسيقى على اللغة، والحدود الضبابية لعالَم رقمي.

لورا سبيني
  • Published online:

أُقيم العرض الأول في 18 سبتمبر الماضي في لاموناي، بروكسل. وسوف يبدأ عرضها للجمهور في قمة ومهرجان "آند" في لوفان، بلجيكا، في مايو 2018.

لوك ستيلز يعرض مقتطفًا من مسرحية "فاوستو" Fausto على مسرح "جيتي ليريك" Gaîté Lyrique في باريس.

لوك ستيلز يعرض مقتطفًا من مسرحية "فاوستو" Fausto على مسرح "جيتي ليريك" Gaîté Lyrique في باريس.

© Replace me

هل هناك علاقة بين علوم الحاسب الآلي، والموسيقى؟

كثير من علماء الحاسب الآلي مُهتمون بالموسيقى، وأعتقد أن لذلك علاقة بالقدرة على التفكير بصورة مجردة. فالتأليف الموسيقي يشبه كثيرًا البرمجة المتوازية، إذ عليك أن تنظم مجموعة من المواد المعقدة في الزمن المحدد؛ بما يضمن إيصال المعني. هذا.. إذا كنت مِثْلي؛ تؤمن بأن هذا هو ما ينبغي على الموسيقى القيام به. عليك أن تبني كيانًا مجرَّدًا، متعدد الأبعاد، ويتطلب ذلك فهمًا للخصائص الفيزيائية للآلات، أو الأصوات. تتطلب كلا من الموسيقى وعلوم الحاسب الآلي القدرة على الجَمْع بين مستوى رفيع من الخيال، ومهارات عملية جدًّا وتقنية. وأعتقد أن فولفجانج أماديوس موتسارت كان يمتلك عقلًا مبرمجًا حاسوبيًّا استثنائيًّا.

لماذا المسرحية الموسيقية؟

منذ زمن بعيد، وأنا أودّ كتابة مسرحية موسيقية، لكنْ كانت عندي بحوث، عليَّ القيام بها، ومُختبرات أديرها. في عام 2011، في "معهد علم الأحياء التطورية" في برشلونة بإسبانيا، كنتُ أَستكشِف كيف يمكن للتفكير التطوري أن يسلط الضوء على أصول اللغة. وكان يعمل في المختبر المجار لي عالِم النفس والأعصاب أوسكار فيلارويا، وهو مؤلف وكاتب مسرحي مرموق في إسبانيا. بدأنا التعاون فيما بيننا؛ هو يكتب النص، وأنا أكتب اللحن. أسمع الموسيقى في رأسي، ثم أحاول إعادة خلقها ذهنيًّا؛ لأُحدِّد ما ينبغي على كل آلةٍ عزفه. أقوم باختيار إطار توافقي، وبِنْية إيقاعية، ثم أضع فيهما ما ستشارِك به كل آلة موسيقية، وذلك باستخدام الحاسوب كأداة تحرير، إلى أن تصبح الموسيقى مشابِهة لما سمعته في البداية. أولى مسرحياتنا "كاسبارو" Casparo كانت تحكي قصة روبوت يصل إلى مستوى الذكاء البشري، وقد تم عرضها للمرة الأولى في برشلونة في عام 2011.

هل كان لعملك بأصول اللغة أثر على موسيقاك؟

باستخدامهما أستكشِفُ كيف يكون التعبير عن المعنى. إحدى الطرق هي بناء الجملة؛ فأنت تُغَيِّر معنى الجملة بتبديل موضعَي الفاعل والمفعول. وشيء من هذا القبيل صحيح بالنسبة إلى الموسيقى أيضًا.. فوَتَرٌ معيَّن يُعزف عليه في وقت معين، قد يولِّد شعورًا بالحزن.. وهو معنى. وهذا جزء من قواعد الموسيقى التي اخترعَتها الثقافة الأوروبية، وهي تسمح للملحنين بإيصال حالات مزاجية، أو عواطف معينة. ولن يعني الأمر الشيء نفسه بالنسبة إلى شخص نشأ في ثقافة مختلفة. ففي إحدى المرات كنت أستمع إلى مسرحية موسيقية مشهورة برفقة عالِم بالحاسب الآلي من الهند. وقد أخبرني أن جميع النغمات بدت له متشابِهة. فبالنسبة إليه، يأتي المعنى عبر الإيقاعات والنغمات المتوافقة المرتبطة بالموسيقى الكلاسيكية الهندية. في الواقع، الآليات الرسمية التي نستخدمها في الحوسبة لتوليد البِنَى النحوية والتعرف عليها هي واحدة في الموسيقى وفي اللغة، فكلتاهما تتضمن تنظيمًا تَدَرُّجيًّا للعناصر المكوِّنة له.

أخبِرنِي عن مسرحيتك الجديدة "فاوستو" Fausto.

لقد أردنا استكشاف تأثير تكنولوجيا المعلومات على البشرية، فقمنا بنقل فاوست إلى العالَم الحديث. في النسخة الأصلية يبيع فاوست روحه للشيطان مفستوفيليس، مقابل الشباب الأبدي والمعرفة. أما في نُسختنا، فإنّ فاوست من الهبسترزHipster، ، وهو مدمِن على مواقع التواصل الاجتماعي، والواقع الافتراضي. بعد أن حطمه انتحار مارجريتا التي أحبته، يتعاقد فاوست مع مفستوفيليس.. فمقابل التواصل الافتراضي معها، سيقوم فاوست بتحميل عقله للواقع الرقمي، وتَرْك جسده لمفستوفيليس. وهي قصة تحذيرية.. فقد أصبح البشر مُنغمسين في العوالم الافتراضية، وصارت مسألة كيفية تحميل عقولنا لتلك العوالم؛ للتمتع بحياة أبدية، موضع نِقاش. وأنا أرى أن هذا مسار خطير.. فعقولنا ترتبط بأجسادنا ماديًّا واجتماعيًّا، حسبما يَعْرِف مفستوفيليس. وهذا هو سبب رغبته في امتلاك الأجساد؛ فمن خلال تلبسها، بإمكان كائنات افتراضية مثله أن تشعر وكأنها بَشَرٌ كاملون. يدرِك فاوستو تلك الحقيقة فقط في أثناء تحميل عقله، فهو لن يحصل أبدًا على حب حقيقي في عالَم افتراضي.

هل سيكون هناك دور للتقنيات الجديدة في المسرحيات الموسيقية؟

سيرتدي الممثلون نظارات الواقع الافتراضي، وسيكون بإمكان الحاضرين رؤية ما يرونه، الذي سيُعرض على شاشة. سيُعْلِي ذلك الإحساسَ بمدى ضبابية الحدود بين العالمين. هل مارجريتا حقيقية، أم افتراضية؟ ميتة أم حية؟ هل يُمكن لمفستوفيليس أن يكون تطبيقًا على الهاتف؟ نحن نود أن نخلق أجواء تخلو من التيقن، مشابِهة لتلك التي يجد باحثو الذكاء الاصطناعي فيها أنفسهم اليوم فيما يتعلق بسؤال مهم، هو: هل البشر مُجرد مُعالِجين للمعلومات؟ أم أن هُناك عناصر إضافية، مثل الوعي، قد لا نتمكن أبدًا من الإمساك بها؟

 

أجرت المقابلة لورا سبيني.

تم تحرير هذه المقابلة بغرض الاختصار والتوضيح.