أخبار
عقار الحفلات يحير العلماء
يمكن للكيتامين أن يخفف الاكتئاب خلال ساعات، إلا أن الباحثين ربما أخطأوا فهم آلية عمله.
- Nature (2017)
- doi:10.1038/545017a
- English article
- Published online:
أَرَّقَ مخدر الكيتامين – وهو عقار هلوسة ترويحي، معروف أيضًا باسم "سبيشال كيه" Special K – الباحثين الذين يسعون لاكتشاف طرق جديدة لمعالجة الاكتئاب، إذ إن العقار قادر على تحسين مزاج الفرد خلال ساعات، حتى في حالة الاكتئاب الشديد. إلا أن الأدوية "الشبيهة بالكيتامين" عجزت عن تخفيف الاكتئاب في التجارب الإكلينيكية على مدار العقد الماضي.
وحاليًّا، يَعتقد بعض الباحثين أنهم توصلوا إلى سبب ذلك. إذ تشير أدلة جديدة إلى أن العلماء قد أخطأوا فهْم كيفية مكافحة الكيتامين للاكتئاب، وعليه ربما حاولوا محاكاة الآلية الحيوية الخاطئة في تصميمهم عقاقير لتحسين المزاج، وفي الوقت نفسه تحاشوا أثر ثُمالة الكيتامين المُتَوِّه.
في مؤتمرٍ لجمعية الطب النفسي الحيوي في سان دييجو، كاليفورنيا، في العشرين من مايو، قدَّم باحثون نتائج تشير إلى أن جزءًا من قوة الكيتامين نابِعٌ من قدرته على التأثير على خلايا الدماغ المسماة "الخلايا الدبقية"، التي تدعم الخلايا العصبية. تُضاف هذه النتائج إلى نتائج دراساتٍ حديثة تُناقِض اعتقادًا - ساد لزمنٍ طويلٍ - بأن نشاط العقار يعتمد في الأساس على تعطيل البروتينات المُسَماة "مُستَقْبِلات NMDA"، الواقعة على سطح خلايا الدماغ، التي تنقل الإشارات فيما بين تلك الخلايا.
في ذلك الاجتماع، قدَّم فريقٌ بحثي بقيادة مارك راسنيك - عالِم الأعصاب بجامعة إلينوي، شيكاجو - تقريرًا عن اختبارات العقاقير المضادة للاكتئاب في الخلايا الدبقية المستزرَعة في فأر. وقد تسببت العقاقير جميعها التي درسها الباحثون في انتقال حزمةٍ من البروتينات من موضعها في أغشية الخلايا الدبقية، مُطْلِقَة الإشارة للخلايا؛ لتكوين اتصالات جديدة مع جاراتها، إلا أن الكيتامين أحدثَ هذا الأثر خلال 15 دقيقة، بينما أحدثت مثله مضادات الاكتئاب التقليدية خلال 3 أيام.
علاوة على ذلك، فإن العقاقير المُعَطلة لمُسْتَقْبِلات NMDA وغير المضادة للاكتئاب، لا تُظْهِر هذا التأثير على الإطلاق. ويدلّ هذا على أن قدرة الكيتامين على الارتباط بمستقبِلات NMDA ربما لا تكون سلاحه الأساسي ضد الاكتئاب.
لم يكن فريق راسنيك هو أوّل مَن أشار إلى وجود هدفٍ مختلفٍ للكيتامين، فقد توصَّل بحثٌ نُشر في دورية Nature في مايو 2016 إلى أن أحد نواتج تكسير الكيتامين – لا الكيتامين نفسه - يُعْتَقَدُ أنه خفف الاكتئاب في الفئران1. وقد أثَّر هذا المركّب على البروتينات الخلوية المسماة "مُسْتَقْبِلات AMPA"، بدلًا من مُسْتَقْبِلات NMDA.
يخطط الفريق القائم على الدراسة لاختبار ناتج التكسير في اختباراتٍ إكلينيكية في وقتٍ لاحقٍ من هذه السنة، إلا أن أحد المشاركين في البحث، وهو كارلوس زاراتيه - الطبيب النفسي في "المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية" في بيثيسدا، ميريلاند - يرى أنه من المبكر جدًّا التخلي عن فرضية مستقبِلات NMDA، وأن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات.
ويتفق في هذا آخرون، منهم جيرارد ساناكورا، وهو طبيب نفسي في جامعة ييل في نيو هافن، كونيتيكت، قائلًا: "علينا أن نتوخى الحذر، وألَّا نتعجَّل في اعتبار النتائج الإكلينيكية الحديثة سلبيةً قطعًا". فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات على القوارض أن تعطيل مُسْتَقْبِلات NMDA قد يكون ذا أثرٍ مضاد للاكتئاب2.
وقد تكون هنالك تفسيرات أكثر ركاكة لفشل التجارب الإكلينيكية للعديد من أشباه الكيتامين، التي تستهدف مستقبِلات NMDA، ومنها عقاقير من إنتاج عمالقة الدواء "روش"، و"فايزر"، و"أسترا زينيكا"، مثل احتمال تَلَقِّي المشاركين جرعات شديدة الضآلة، أو غير منتظمة بما يكفي لتحسين مزاجهم، واحتمال تَسَبُّب "أثر الغُفْل" في صعوبة معرفة حقيقة فعالية الدواء النفسي من عدمها، في التجارب المجراة على المجموعات الضابطة.
مُحاكِيات الكيتامين
ما يزال كثير من الباحثين يسعون إلى تصنيع بديلٍ فعال للكيتامين. فرغم تزايد أعداد الأطباء الذين يصفون الكيتامين لمرضاهم، فإن هذا العقار تَعِيبه ضرورة إعطائه في الوريد، وإمكانية تَسَبُّبه في شعور مُتَوِّه بـ"الخروج من الجسد"، واحتمال إدمان المرضى له.
تحاوِل الشركات التي ما تزال تختبر العقاقير المُعَطلة لمستقبِلات NMDA أن تفهم أحدث نتائج الأبحاث على الكيتامين، والعقاقير التي يُحتمل أن تحاكيه. يقول ديفيد نيكولسون، كبير مسؤولي البحث والتطوير بشركة "أليرجان"، الكائنة في بارسيباني، نيوجيرسي: "بالفعل، ما يزال علينا فهْم كل من هذه النتائج على حدة". ففي شهر فبراير، بدأت "أليرجان" في معالجة حوالي 500 شخص باستخدام جزيء يُسمى "راباستنيل" rapastinel، يرتبط بمستقبِلات NMDA، وأظهر نتائج مبشِّرة في تجارب سابقة.
"الكيتامين عقار واسع المفعول لما له من قدرة على الارتباط بالعديد من المستقبلات والجزيئات في الجسم، لذا فهو يتوغَّل في الجسم، ويُحْدِث العديد من التأثيرات".
إلا أن اللغز الأكبر يحيط بالكيتامين نفسه، فالباحثون يحاولون سبر غور ما يجعل العقار بهذه القوة. ويعتقد آلان شاتزبرج - وهو طبيب نفسي بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا - أن الكيتامين قد ينشط ضد الاكتئاب بعدة طرق، مثل: دفْع العملية بآليةٍ ما غير معروفة بعد، ثم تعطيل مستقبِلات NMDA؛ لإعادة تحفيز المخ بشكلٍ دائم.
كذلك يشير شاتزبرج إلى أن الكيتامين ربما يعمل بصورة مشابِهة للمورفين، فيرتبط سريعًا بالمستقبِلات الأفيونية، وهو ما قد يفسر ظهور آثاره خلال ساعات. ووجدت دراسات أن المصابين بالاكتئاب يزداد احتمال استفادتهم من الكيتامين، إذا كانوا يختبرون بالفعل شعور "الخروج من الجسد" ذاك، ما يشير إلى أن الأمر قد يكون متعلقًا بالآلية الرئيسة لعمل العقار3.حوادأت لنتائج على حدة"
وفي الوقت الحالي، ما تزال المحاولات مستمرة لتصنيع عقاقير قادرة على استنساخ قدرة الكيتامين على ضبط المزاج، إلا أن ستيفن ليفين - الطبيب النفسي، ورئيس مراكز العلاج بالكيتامين في مدينة نيويورك - يرى أن هذا قد يكون صعبًا، ويقول: "الكيتامين عقار واسع المفعول لما له من قدرة على الارتباط بالعديد من المستقبلات والجزيئات في الجسم، لذا فهو يتوغَّل في الجسم، ويُحْدِث العديد من التأثيرات".