أخبار

مسيرةٌ من أجل العِلْم تجذب الآلاف من كل أنحاء العالم 

المتظاهرون يُعْزُون مشاركتهم في المسيرة إلى رغبتهم في التأكيد على أهمية العلوم، ومخاوفهم بشأن التغير المناخي.

أليسون أبوت، وإوين كالاوي، وباربارا كاساسوس، ونيكي فيليبس، وسارة ريردون، وإميليانو رودريجيز ميجا، وألكسندرا ويتز.
  • Published online:
اكتظت شوارع لندن بحشود من المتظاهرين في 22 إبريل، وهم يحملون اللافتات، ويهتفون لدعم العِلْم.

اكتظت شوارع لندن بحشود من المتظاهرين في 22 إبريل، وهم يحملون اللافتات، ويهتفون لدعم العِلْم.

Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty

احتشد عشرات الآلاف في يوم 22 إبريل الماضي في واشنطن العاصمة، وفي ما لا يقل عن 600 مدينة أخرى حول العالم، فيما قد يعد واحدة من أكبر التظاهرات على الاطلاق لدعم البحث العلمي والسياسات القائمة على الأدلة العلمية.

وكانت "المسيرة من أجل العلم" قد تم تنظيمها بعد وقت قصير من تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير من العام الحالي، بسبب المخاوف المتزايدة حول موقف إدارته من العلم. فقد كرر ترامب مرارًا وصف الاحتباس الحراري بـ"الخدعة"، ووعد بإلغاء العديد من قوانين حماية البيئة، واقترح تخفيضات كبيرة في المبالغ المخصصة لوكالات بعينها، مثل معاهد الصحة الوطنية الأمريكية. وعلى الرغم من أن فكرة المسيرة بدأت في الولايات المتحدة، فإنها سرعان ما انتشرت في بلدان أخرى.

تباينت الأسباب وراء خروج الناس في المسيرة، ومثلما تباينت اللافتات التي رفعوها، لكنّ محاور عديدة كانت أكثر انتشارًا بين الحشود من غيرها. وقام مراسلو دورية Nature بزيارة ثماني مدن حول العالم؛ لتغطية المسيرة، ووجدوا أن كثيرين قد خرجوا للتأكيد على أهمية العلوم، والمخاوف المتعلقة بنقص تمويل البحث العلمي، وحقيقة التغير المناخي، والقلق بشأن الأجيال القادمة.

ضمَّت الحشود باحثين عاملين، ومعلمين، وطلابًا، وأفرادًا عاديين أرادوا إظهار الدعم والمساندة للعلماء. وصرح العديد من العلماء بأنهم كانوا يتظاهرون للمرة الأولى.

العِلْم والمجتمع

يقول إيلي دويكر، وهو متخصص في علم الأحياء الدقيقة البيئية في كلية بارد في أناندال أون هدسون في نيويورك: "أشعر – بصفتي عالِم - بأنه ليس لدي رفاهية تحاشي كوني مواطنًا في المقام الأول". وكان دويكر قد شارك في المسيرة مع شقيقته في واشنطن العاصمة، وهما يرتديان زي التوأم "واندر" البنفسجي، ذا القلنسوة الصفراء. والتوأم "واندر" شخصيتان في المسلسل الكرتوني "سوبر فريندز" Super Friends، الذي عُرض في سبعينات القرن الماضي. وأضاف دويكر: "ربما كان ادِّعاء أن العلم بعيد عن حياة الناس هو السبب الأول في هذه الفوضى."

وفي سيدني بأستراليا، كانت نادية سانتيني - وهي عالمة متخصصة في علم بيئة النباتات بجامعة نيوساوث ويلز في سيدني - تشارك في المسيرة؛ من أجل دعم المزيد من التفاعل والتواصل بين الباحثين، والجمهور العام. وقالت: "من المهم أن تزداد مشاركة العلماء في ما يجري حول العالم"، وأضافت قائلة إنه يجب على الباحثين أن يتصدوا للمعلومات المضللة، وأن يعملوا على تعزيز الدور الحيوي للعلوم في المجتمع.

وكان ذلك هو الباعث الرئيس لمنظمي المسيرة في باريس. يقول آلا فوكس، رئيس "المركز الوطني للبحث العلمي"، وهذا المركز هو الوكالة الحكومية الرئيسة للبحوث الأساسية في فرنسا: "يجب أن نشرح للمواطنين أن العِلْم هش أكثر بكثير مما يَعتقد البعض". ووصف فوكس رواج المعتقدات بدلًا من الحقائق بأنه "أمر في غاية الخطورة، حتى في فرنسا".

وقال موريتز هيرتل، من معهد "ماكس بلانك لعلم الطيور" في سيفيسن بألمانيا: "الخط الفاصل بين العلم الحقيقي، والعلم الزائف ليس واضحًا دائمًا في مجتمعاتنا". وكان هيرتل - الذي يدرس لدونة الدماغ - قد شارك في مسيرة ميونخ وهو يحمل مظلة تتدلى منها صور أدمغة. وأضاف قائلًا: "يجب أن يكون للعِلْم دور أقوى في صنع السياسات، ويزداد هذا الأمر أهمية في أثناء انتخابات هذا العام في ألمانيا".

مستقبل التمويل

أدان العديد من المتظاهرين التحركات الأخيرة للحكومات لخفض التمويل الموجَّه للأبحاث العلمية. وأوضحوا أن هذه التخفيضات لا تهدد البحوث الحالية فحسب، ولكنها تهدد أيضًا فرص جذب الأجيال القادمة للعمل في المهن العلمية.

يعتري كورتيس مون - طالب الدراسات العليا، الذي يدرس التصنيف البيولوجي في متحف التاريخ الطبيعي في لندن – خوف يتعلق بتمويل العلوم في المملكة المتحدة، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، فجاءت اللافتة التي صنعها بنفسه تقول: "سحقًا لكم! أين التمويل؟!"

من الواضح أن التدخل السياسي المباشر في الأبحاث العلمية في الولايات المتحدة ليس بالأمر الجديد، حسب قول سيمون تشابمان، الباحث في مجال الصحة العامة، والأستاذ المتقاعد في جامعة سيدني، الذي كان يتحدث إلى حشد بلغ حوالي 3,000 شخص في المنطقة التجارية المركزية في سيدني، غير أن اعتزام الرئيس ترامب خفض ميزانيات برامج البحث العلمي الرئيسة يُعَدّ سابقةً، هي الأولى من نوعها، حسب قول تشابمان، الذي أضاف قائلًا: "العديد من الباحثين الموجودين هنا اليوم لديهم زملاء يعيشون في "أمريكا ترامب"، ويخشون على مستقبلهم وحياتهم المهنية".

وبالنسبة إلى أديمار ليكويتايا، وهو طالب دراسات عليا في الكيمياء الحيوية في جامعة المكسيك الوطنية المستقلة في مكسيكو سيتي، اتخذت المعركة منحى شخصيًّا. ففي يناير 2017، قام "المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا" - وهو وكالة حكومية مسؤولة عن تنفيذ السياسات العلمية والتقنية - بخفض الدعم المالي للطلاب من أمثاله. وقد عَلَّق قائلًا: "إذا كنتُ قد كافحتُ من قبل لدفع إيجار منزلي، وشراء احتياجاتي الأساسية، فأنا اليوم مُجْبَر على التقشف أكثر من ذي قبل".

مناخ متغير

كان التغير المناخي على رأس اهتمامات المشاركين في جميع أنحاء العالم في "يوم الأرض"، وهو فعالية سنوية تهدف إلى زيادة الاهتمام بالبيئة. وقد سَخِر المشاركون - بلافتاتهم التي كتبوها بأيديهم، وهتافاتهم المرتجلة - من الذين ينكرون الأدلة التي تربط بين النشاط البشري، ودرجات الحرارة المتزايدة، وارتفاع مستوى سطح البحر.

"أَنْ تدفن رأسك في الرمال.. لن يحل ظاهرةَ الاحترار العالمي، فالحرارة ستظل تلفحك رغم ذلك". كُتبت هذه الكلمات على اللافتة التي حملها فريدريك باير، وهو مهندس تغذية، يعمل الآن في وكالة الاتصالات العلمية "بروتين" في باريس.

وخاطب جون هيكينلوبر - حاكم ولاية كولورادو، وهو جيولوجي سابق - الحشود في دنفر قائلًا: "لن يتوقف التغير المناخي بإسكات العلماء"، وأشار في خطابه إلى عدم توحُّد المشاركين في مختلف الجبهات حول أهداف مشتركة، ضاربًا المثل بهتافات النشطاء المعارضين لممارسات الحفر (المعروفة أيضًا بالتكسير)، وهي الممارسات التي يدعمها هيكينلوبر.

ساد التفاؤل تظاهرات الحشود ومسيراتهم في جميع أنحاء العالم، وحمل كثيرون منهم على عاتقهم واجب التطلع نحو المستقبل. تقول جانين شرودر، مشيرة إلى كوكب الأرض: "أؤمن حقًّا بأن الله خلق كل هذا". وكانت شرودر قد شاركت في المسيرة التي شهدتها واشنطن العاصمة مع أصدقاء من كنيستها في أرلينجتون بولاية فيرجينيا.

وأضافت قائلة: "إن واجبنا هو الاعتناء بهذه الأرض. وإذا لم نقدِّم التمويل اللازم للبرامج التي تعتني بها؛ فسنكون مُقَصِّرين في واجبنا تجاهها".