أخبار

تأجج الحرب على الأمراض المُهْمَلة 

إيمي ماكسمِن

  • Published online:
داء الفيل هو نتيجة لمرض استوائي مُهمَل، يؤثر بشكل كبير على الفقراء.

داء الفيل هو نتيجة لمرض استوائي مُهمَل، يؤثر بشكل كبير على الفقراء.

Maggie Steber/The Washington Post/Getty

كطبيبة في تنزانيا، تجد أوبيندو موينجيرا نفسها قليلة الحيلة تجاه المصابين بداء الفيل، وهو يُعتبر حالة مستعصية، أبرز علاماتها تَوَرُّم الأطراف، وتجعُّدها. تقول موينجيرا، التي تدير قسم الأمراض الاستوائية المُهمَلة في وزارة الصحة بدار السلام في تنزانيا: "عندما يدخلون العيادة، تكون لهم روائح كريهة، وتكون جروحهم ذات رشح نازّ، وأفضل ما يمكنني تقديمه إليهم كطبيبة هو مساعدتهم على تقبُّل وَضْعهم"، إلّا أن رؤية المصابين بهذه الحالة قد أصبحت - بشكل متزايد - نادرة في عياداتها. فقد أدى الجهد العالمي لكبح جماح المرض الذي يؤدي إلى الإصابة بداء الفيل - ويُطلق عليه داء الفيلاريات الليمفاوية - إلى انخفاض عدد الحالات الجديدة في تنزانيا، وفي 18 بلدًا آخر على الأقل. وفي العام الماضي، تمكنت سبعة بلدان أخرى - منها كمبوديا، وسريلانكا - من القضاء على المرض أيضًا. كما أن معدلات انتشار الأمراض الاستوائية المُهمَلة الأخرى التي تؤثر على الناس الأشد فقرًا في العالم آخِذة في الانخفاض هي الأخرى، إلا أن المسؤولين في مجال الصحة لا يكتفون بما حققوه من أمجاد؛ فحتى وهُمْ يحتفلون بهذه الانتصارات، قرروا الاجتماع في جنيف بسويسرا في الأسبوع قبل الأخير من شهر إبريل الماضي؛ لتعزيز جهودهم لمكافحة الأمراض.

وكان من المقرر أن يقوموا بوضع خطط لمعالجة مئات الملايين من الأشخاص الذين ما زالوا بحاجة إلى العلاج، وللتوصل إلى سبل للوصول إلى المجتمعات الواقعة بعيدًا عن الخدمات الصحية. كما كانت تنوي عدة مجموعات أن تعلن عن تمويل إضافي لمكافحة الأمراض المُهملة، إذ تعتزم مؤسسة "بيل وميليندا جيتس" Bill & Melinda Gates Foundation، في سياتل بواشنطن، تخصيص مبلغ آخر يبلغ 335 مليون دولار أمريكي لهذه المسألة، كما ستسهم وزارة التنمية الدولية البريطانية (DFID) بمبلغ 360 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 450 مليون دولار أمريكي).

وفقًا لما أعلنته "المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها" CDC، تصيب الأمراض الاستوائية المُهْمَلة قرابة المليار شخص في جميع أنحاء العالم، وتودي بحياة حوالي 534,000 شخص كل عام.

ووبدًا من عام 1999، بدأت مؤسسة "جيتس" توجيه طاقتها لمكافحة هذه الأمراض، حين أدركَت أن استثمارًا صغيرًا نسبيًا يمكنه أن يكون له أثر كبير في تحسين حياة الملايين، وفقًا لما ذكره المؤسس المشارك بيل جيتس.

 

معًا.. أفضل

صرح جيتس لدوريّة Nature بأن النجاحات التي تحققت مؤخرًا هي ثمرة شراكات عالمية بين الحكومات، والشركات، والمنظمات غير الحكومية، كانت قد تشكلت على مدى العقد الماضي. فقد وقّعت عدة مجموعات - من بينها مؤسسة "جيتس"، و"الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" USAID، ووزارة التنمية الدولية البريطانية - اتفاقًا عالميًّا في عام 2012، أُطلق عليه اسم "إعلان لندن للأمراض الاستوائية المُهمَلة"؛ من أجل القضاء على عشرة أمراض مُهمَلة - أو الحد من انتشارها - بحلول عام 2020. يمكن القضاء على خمسة من هذه الأمراض المستهدَفة، مثل داء الفيلاريات الليمفاوية، والجذام، باستخدام الأدوية، بينما تُعَدّ العلاجات هي الخيار الوحيد للأمراض الخمسة الأخرى، بما في ذلك العمى النهري، وداء الليشمانيات الحشوي (أو مرض كلازار)، وهو مرض قد يؤدي إلى الوفاة، وينتشر عن طريق الذباب الرملي.

على مدى أكثر من عِقد من الزمن، كانت شركات المستحضرات الدوائية تتبرع بأدوية لعلاج هذه الأمراض، إلا أن عدم وجود نظم للتوزيع موثوق فيها كان كثيرًا ما يحول دون تلقي الناس للعلاج. وتحاول "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" إصلاح هذه المشكلة منذ عام 2006. تتمثل إحدى طرق الإصلاح هذا في تمويل المنظمات غير الحكومية، التي تكفل إمداد العاملين المجتمعيين في المدن النائية بالأدوات التي يحتاجونها لعلاج المرضى.

ونتيجة لهذه الجهود وغيرها، تباطأ انتقال الأمراض، حيث إن أكثر من 300 مليون شخص ممن كانوا بحاجة إلى علاجات لمرض استوائي مُهمَل واحد على الأقل، منذ خمسة أعوام، لم يعودوا بحاجة إليها الآن.لكنْ ما زال ملايين من الأشخاص في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى علاجات. يقول ديفيد مولينيو - اختصاصي الطفيليات في كلية ليفربول للطب الإاستوائي في المملكة المتحدة - إنه بإمكان العلماء تسريع وتيرة التقدم، من خلال النظر في التحديات الكامنة في الأماكن التي توجد فيها الأمراض المُهمَلة. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي استراتيجيات تدريب العاملين في مجال الصحة، ودفع رواتب لهم، من أجل القيام برصد الأعراض الأولى للعدوى، إلى إنقاذ مزيد من الأرواح، مقارنةً بعملية وضع تسلسلات الجينومات الطفيلية.

يقول توم فريدن - وهو مدير سابق في "المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها" - إن الاختبارات البسيطة لرصد العديد من الأمراض المُهمَلة ستكون مفيدة أيضًا للناس في جميع أنحاء العالم.

إنّ كل هذا العمل يتطلب أموالًا، ما قد يمثل مشكلة، إذا ما وافق الكونجرس الأمريكي على طلب الرئيس ترامب بخفض ميزانية وزارة الخارجية، و"الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية"، بنسبة 37%. يقول جيتس: "إن أي انخفاض في التمويل في هذا المجال سيؤدي إلى مزيد من الوفيات، ومزيد من المعاناة".

غير أن الشراكات التي تشكلت على مدى الأعوام الخمسة الماضية توفر ما هو بمثابة شبكة أمان، كما إن فكرة اختيار الأمم المتحدة مسألة التخفيف من وطأة الفقر كأول أهدافها للتنمية المستدامة - وهي قائمة بالأهداف للفترة من 2016 حتى 2030، وضعها قادة حول العالم؛ لتحسين عالمنا – تعطي الباحثين - مثل مولينيو - أملًا. يقول: "ما لم تفعلوا شيئًا حيال هذه الأمراض؛ سيظل الفقراء مُقَيَّدين بفقرهم".