أنباء وآراء

مواد حيوية: القروش تُحوِّل عمودَها الفقري إلى محرِّكٍ جبار

  • ماثيو إيه. كولمان
  • آدم بي. سامرز
  • Published online:

Abstract

اتضح أن العمود الفقري لقرش كلب البحر يزداد صلابة كلما زادت سرعته، ما يُمَكِّنه من السباحة بكفاءة، وبسرعات مختلفة. وقد يمثل هذا الاكتشاف مصدر إلهام؛ لتصميم المواد الحيوية الروبوتية.

إنّ التموج المتباطئ لسمكة القرش وهي تجوب الشِّعاب لا يوحي بأن لهذا النوع من السمك القدرة على الانطلاق بحركة مفاجئة سريعة لتعقُّب فريسته. ففي بحثٍ نُشِر في دورية "جورنال أوف إكسبيريمنتال بيولوجي" Journal of Experimental Biology، بَيَّنَ بورتر وزملاؤه1 كيف أن الخصائص الهيكلية للهيكل الغضروفيّ، غير العظميّ، لقرش كلب البحر ذي الأشواك (Squalus acanthias) يسمح لهذا النوع من السمك أن ينتقل بسلاسة من الإبحار البطيء إلى السباحة بسرعة عالية.

إن أحد المبادئ الأساسية للتحرك في المياه يكمن في أنّ السباحة السريعة تتطلب عمودًا فقريًّا صلبًا2، فالجسم الأكثر صلابة يقلل قوة السحب، ويزيد كفاءة استخدام الطاقة (الشكل 1)، بينما يحتاج التسارع إلى عمود فقري مرن، يسمح للسمكة بأن تبسط جسمها لتقوم بانطلاقة مفاجئة3. وقد سبق افتراض2 أن الألياف السميكة في جلد سمك القرش تزِيد من صلابة السَّمَك مع تزايد سرعته، لكن رغم كون هذا افتراضًا جذابًا، لم يتم تأكيده بالطرق التجريبية، لصعوبة دفع سَمَك القرش للسباحة بسرعة داخل المعمل، وأجسامه مُوَصَّلة بأجهزة قياس متطورة.

أ. تَخلق الدواماتُ المائية (الدوامات الزرقاء) حول السمكة العائمة قوة سحب تُبطئ من حركتها. تشير الأسهم إلى اتجاه تحرُّك الماء بعيدًا عن اتجاه حركة السمك؛ ما يسهم في حدوث السحب، لكن لو كان للسمك عمود فقري مرن، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى اتخاذ الجسم وضعًا في أثناء السباحة ليس فعالًا في الحركة السريعة، إذ يُوَلِّد قوة سحب عالية، إلا أن حركة العمود الفقري المرنة قد تكون مفيدة، إذ تسمح بحدوث تَسارُع مفاجئ.ب. لو كان للسمك عمود فقري أكثر صلابة؛ لَوَاجَهَ سَحْبًا أقل، وأصبح بإمكانه أن يسبح بكفاءة عند السرعات العالية. دَرَسَ بورتر وزملاؤه1 خصائص العمود الفقري لقرش كلب البحر (Squalus acanthias) عند سرعات سباحة مختلفة. ووَجَدَ الباحثون أن العمود الفقري للسمك يصبح أكثر صلابة كلما زادت سرعته، ما يُتِيح له القيام بالتحرك بفعالية، اعتمادًا على سرعته.

كبر الصورة

ومن ثم، قام بورتر وزملاؤه بفحص عملية الدفع في سَمَك القرش من وجْهَة مختلفة، فبدلًا من أن ينظروا إلى القرش من الخارج، مضوا مباشرة إلى صلب الأمر بداخله: العمود الفقري، أو سلسلة الظهر. في الحيوانات العظمية، تشكِّل فقرات العمود الفقري هياكل عظمية صلبة وممعدنة، ولا يتغير شكلها كثيرًا في أثناء الحركة. يتحرك العمود الفقري في الحيوانات العظمية عبر تغيُّر أشكال الأقراص الفقرية (وهي بِنى مرنة، لكن متينة جدًّا، موجودة بين الفقرات وبعضها). تتكون هذه الأقراص من طوق خارجي من نسيج ضامّ لِيفِيّ، يحيط بلُبٍّ جيلاتيني. أما سَمَك القرش، فله هيكل مكوَّن في الأساس من الغضاريف، حيث إن فقراته وأقراصه الفقرية مكوَّنة من تلك المادة، كما إنّ الفقرات قليلة المعادن إلى حدٍّ يجعل منها مواضع محتمَلة لحدوث تشوُّه.

في دراسات سابقة أجراها باحثون من المعمل نفسه4 على سَمَك القرش الحيّ، وفي المختبرات، تمَّ زرع أجهزة رصد صغيرة جدًّا فوق فقرات السَّمَك، مصنوعة من البلورات الضغطية. تبث هذه المِجَسّات موجات فوق صوتية، وتلتقطها؛ ما يسمح بقياس المسافات بين البلورات بدقة ميكرومترية النطاق. وقد أظهر الباحثون أن الفقرات نفسها تغيِّر شكلها، وليس الأقراص الفقرية فقط. كما أوضحت هذه الدراسات السابقة أن العمود الفقري لسمك القرش لا يمكن النظر إليه ببساطة على أنه سلسلة من الوصلات الرخوة الواقعة بين كُتَلٍ صلبة، وإنما هو هيكل يمكن تشويهه بأشكال مختلفة على امتداد طوله بالكامل.


"أدَّى ذلك إجمالًا إلى فهْم دقيق للعلاقة بين تشوُّه العمود الفقري وسرعة السمك".

ولفحص التغيرات التي تعتري العمود الفقري لسَمَك القرش في أثناء السباحة، قام بورتر وزملاؤه بثَنْي أعمدة فقرية مأخوذة من السمك بالهيئة التموجية نفسها التي تمت ملاحَظتها مع السرعات المختلفة. استخدم الباحثون هذه التجارب التي تمت في المختبر مع نمذجة حاسوبية؛ لتحديد تغيُّرات الطول عبر جزء من العمود الفقري (سلسلة من عشر فقرات، وتسعة أقراص فقرية)، التي تحدث عندما يسبح قرش كلب البحر. سَجَّل الباحثون تشوهات العمود الفقري المقابلة، التي حدثت في أثناء التحرك، والتي تبدأ من اهتزاز ذيل القرش بكسل في أثناء تجوُّله، وحتى التحرك بأقصى طاقة في اللحظة التي تسبق مباشرة قنصَ الفريسة. وقد أدَّت تلك التجارب كلها إلى فهْم دقيق للعلاقة بين تشوُّه العمود الفقري، وسرعة السمك.

في أثناء السباحة، يخزِّن سمك القرش الطاقة المستخدَمة في ثَنْي العمود الفقري، ثم تُطلَق عندما يستقيم؛ ما يمنحه الطاقة اللازمة للتحرك نحو الأمام. ويُظْهِر عمل بورتر وزملائه أن تشوُّه الفقرات، وكذلك الأقراص الفقرية في سَمَك القرش السابح، يضيفان إلى الطاقة المُخَزَّنة. كما لاحظ الباحثون أنه عندما يزيد السَّمَك من سرعته؛ تزيد صلابة العمود الفقريّ لكل سمكة. ويؤدي ثَنْيَ عمودٍ فقريٍّ أصلب إلى زيادة الطاقة المخزَّنة، التي يمكن استخدامها للانطلاق نحو الأمام، وتسمح لسمك القرش أن يسبح بسرعة أكبر، وبكفاءة أعلى. ويعادل ذلك أحد أنواع أنظمة تغيير السرعات الموجودة في بعض الدراجات البخارية، وهو نظام الانتقال دائم التغير، الذي يستجيب باستمرار لنطاق واسع من السرعات المختلفة.

فما هو الأساس الهيكلي للخصائص المميزة والمتغايرة للعمود الفقري لسمك القرش؟ الغضروف مادة مليئة بالماء، ومُقَوّاةٌ بالألياف، وهو من المواد البينية، أي أنه ليس صلبًا مرنًا كالمطاط أو المعدن، وليس سائلًا قابلًا للتقليب، مثل القهوة، بل ينتمي إلى طائفة المواد اللزجة المرنة، التي تقاوِم التشوهات بطرق مختلفة مع تغيُّر طولها بمعدلات مختلفة. وأحد الأمثلة على هذه المواد اللزجة المرنة هو لعبة بمثابة مادة تسمى "سيلي بوتي" Silly Putty، يمكن مَطّها ببطء، وبالتدريج؛ لتصبح كخيط نحيل كالشعرة، لكنها قد تنقطع قبل أن تتمدد، إذا ما تم سحبها في حركة مفاجئة.

تمتلك الأقراصُ الفقرية - لكونها مصنوعة من مادة الغضروف المركبة الطرية واللزجة - خاصِّيةَ المواد اللزجة المرنة، من حيث إنها تصبِح أكثر صلابة عندما تتعرض للإجهاد المفاجئ. وهو ما يجعلها ضعيفة في امتصاص الصدمات، في حال قام الشخص باستقامة ركبتيه مع القفز من على درجة سلم. ورغم ذلك.. يمكن لهذه البِنى أن تنضغط تدريجيًّا. فعلى مدار اليوم، تنضغط الأقراص الفقرية لجسم الإنسان ببطء تحت ثِقَل الجسم، تاركةً الأشخاص أقصر في الليل عن الصباح5. ويبين عَمَلُ بورتر وزملائه أنه كما في النسخة البشرية، تُبْدِي الأقراص الفقرية للسمك خاصيةَ اللزوجة المرنة تلك، حيث تزداد الصلابة مع تعرُّض الهيكل لضغط فجائي.

إنّ تطبيقات الاكتشافات التي تَوَصَّل إليها بورتر وزملاؤه قد تَبرُز في عالم الروبوتات الرخوة المستوحاة من العلوم الحيوية، علمًا بأن هناك روبوتات دقيقة صُمِّمَتْ استلهامًا من نَمَطَي السباحة والتشريح الخاصَّيْن بسَمَك الورنك ، وهو نوع آخر من السَّمَك الغضروفيّ6. وقد يمكِّن اكتشاف نظام الانتقال دائم التغير هذا في سَمَك القرش مُصمِّمِي الروبوتات مِن بناء أنظمة للحركة خفيفةِ الوزن، وفعالة في استخدام الطاقة، وقد تتطلب عددًا قليلًا من الأجزاء المتحركة، وتكون مستويات التآكل فيها منخفضة، أو لا تحتاج كثيرًا إلى تبديل أجزاء منها.

إن اكتشافات بورتر وزملائه تسلِّط الضوء على صعوبة تحديد الميكانيكيات النشطة في المواد البيولوجية المركّبة، وهو مجال بحثيّ يمكنه أن يُحْدِث ثورةً في مجال التصميم، عبر طرح مواد يمكن أن تتبدل هيئتها؛ لتناسِب أدوارًا متغيرة. وفي عصر التغير المناخي، والتلوث البيئي المتزايد الحالي، يتوجه المخترعون أكثر نحو الطبيعة؛ لتلهمهم، بينما يحاولون بناء ماكينات نظيفة وفعالة. فأي حيواناتٍ أفضل من سَمَك القرش في ذلك، إذ إنّ قدرتها على الحركة قد تم تنقيحها على مدار أكثر من 420 مليون عام8،7 من التطور؟

  1. Porter, M. E., Ewoldt, R. H. & Long, J. H. J. Exp. Biol. 219, 2908–2919 (2016).
  2. Wainwright, S. A., Vosburgh, F. & Hebrank, J. H. Science 202, 747–749 (1978).

  3. Blake, R. W. J. Fish Biol. 65, 1193–1222 (2004).
  4. Porter, M. E. et al. Zoology 117, 19–27 (2014).
  5. Wasse, J. Phil. Trans. R. Soc. Lond. 33, 87–88 (1724).
  6. Park, S.-J. et al. Science 353, 158–162 (2016).
  7. Wilga, C. D. & Lauder, G. V. Nature 430, 850–850 (2004).
  8. Maisey, J. G. J. Fish Biol. 80, 918–951 (2012).