أخبار

مَصْنع شرق أوسطي للأشعة السينية يستعد للعمل

مشروع "سيسامي" SESAME، تم تجهيزه ليُحْدِث ثورة في العلوم في المنطقة، لكنه يفتقر إلى المال.

إليزابيث جيبني
  • Published online:

<p>مسرِّع "سيسامي" سيقوم بتدوير إلكترونات عند طاقات عالية؛ من أجل توليد حِزَم إشعاع مكثف ستُستخدَم لدراسة الكنوز الثقافية.</p>

مسرِّع "سيسامي" سيقوم بتدوير إلكترونات عند طاقات عالية؛ من أجل توليد حِزَم إشعاع مكثف ستُستخدَم لدراسة الكنوز الثقافية.

Adam Hart-Davis/Science Photo Library

استمر مركز البحوث الرئيس الدولي الأول في الشرق الأوسط - "مركز ضوء السنكروترون للعلوم التجريبية والتطبيقات في الشرق الأوسط" Synchrotron-light for Experimental Science and Applications in the Middle East، ويُسمى اختصارًا "سيسامي" SESAME، في ممارسة مهامّه، رغم الاضطرابات السياسية المحيطة، والعقوبات الدولية المفروضة، وحتى رغم اغتيال اثنين من مندوبيه. ويوشك المشروع الآن على بدء تدوير جسيماته الأولى دون الذَّرِّيَّة.

تلك الآلة، الموجودة خارج مدينة عمان في الأردن، كان من المقرر لها أن تبدأ العمل بتسريع إلكترونات في حلقة قطرها 133 مترًا في شهر ديسمبر، والبدء في استعمال حزم الإشعاع المكثف الناتجة في مجالات العلوم المختلفة، بدءًا من شهر مايو من عام 2017.

ونظرًا إلى افتقار المشروع إلى التمويل، سوف يعمل في البداية بنصف طاقته المقررة فقط، بيد أن موقعه في الشرق الأوسط يعني أنه سيُسهم إسهامًا كبيرًا في مجالات العلوم. يقول مدير المشروع، خالد طوقان: "من شأنه أن يهيِّئ الساحة لاحتضان آخر ما تم التوصل إليه من تكنولوجيا وعلم في منطقتنا".

إن مشروع "سيسامي" هو ثمرة تعاون بين البحرين، وقبرص، ومصر، وإيران، وإسرائيل، والأردن، وباكستان، والسلطة الوطنية الفلسطينية، وتركيا. وقد أُنشئ برعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو - UNESCO)، وحصل أيضًا على تمويل من بلدان أخرى، ومن الاتحاد الأوروبي.

من شأن الآلة أن تولِّد ضوءًا بنطاق من أطوال موجية مختلفة، ثم توجِّهه على شكل "خطوط حزم إشعاع" مكثفة من ترددات معينة (انظر: افتتاح "سيسامي"). ويمكن استعمالها للكشف عن بِنَى مواد معينة، وعينات بيولوجية، وأدوات اصطناعية حتى المستوى الذري. يحوي المشروع مساحة تكفي 24 خط إشعاع. وكانت الخطة الأولية الموضوعة له أن يتم افتتاحه وأربع من فتحاته مملوءة، إلا أن الافتقار إلى التمويل يعني أنه سوف يُفتتح باثنتين فقط: واحدة للأشعة تحت الحمراء، وأخرى للأشعة السينية.

كبر الصورة

"يقع مشروع سيسامي في جزء من العالم يشهد أوضاعًا سياسية صعبة جدًّا في الوقت الحالي، مع قدر كبير من عدم الاستقرار؛ وعدم وصول الأموال"، كما يقول طوقان، فإيران لن تتمكن من دفع المبلغ المقرر أن تسهم به قبل الشهر الحالي (يناير) 2017، بسبب العقوبات المفروضة عليها، التي تمنعها من تحويل الأموال على النطاق الدولي. هذا.. ولم تدفع قبرص حصتها من تكاليف التشغيل منذ تعرضها لأزمة مالية في عام 2011، حسب قول طوقان، كما لم تدفع باكستان سوى نصف ما يجب عليها دَفْعه هذا العام، بينما الأردن وتركيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان دفعتا حصتيهما من رأس المال والقسط السنوي على نحو كامل، كما يقول. وقد أَثَّرت السياسة على مشروع سيسامي أيضًا.. إذ قُتِل فيزيائيان إيرانيّان من بين أعضاء المجلس الخاص بالمشروع، وذلك بهجومين بسيارتين مفخختين في عامي 2009، و2010.

ورغم ذلك يظل مِن المتوقَّع أن يُنهِي المهندسون اختبار السنكروترون بحلول شهر مايو المقبل، وبعدئذ سوف تتمكن مجموعة من 260 باحثًا - معظمهم من جامعات في الشرق الأوسط في تخصصات متنوعة، بدءًا من العلوم الصيدلانية، حتى الفيزياء - من التسجيل؛ طلبًا لاستعمال خَطَّي الإشعاع.

ويأمل طوقان أن تخفِّف هذه المنشأة من وتيرة هجرة العقول النيرة إلى خارج المنطقة، وتعزِّز التعاون بين المجتمع العلمي ومجال الصناعة، كما قد تخلق فرصًا للباحثين الذين يفتقرون إلى الأموال اللازمة التي تضطرهم لمغادرة الشرق الأوسط.

ونظرًا إلى قرب المنشأة من كثير من كنوز العالم الأثرية، فإنها تمثل فرصة جديدة لدراسة إرث المنطقة الثقافي. ويأمل جان جُنِّويج - أخصائي علم القياسات الأثرية لدى الجامعة العبرية في القدس - أن يستعمل العلماء مشروع "سيسامي" من أجل التعاون؛ لفهْم تاريخهم المشترك، حيث تُوجد قطع أثرية كثيرة - مثل المومياوات، والبُرْديات المصرية الرقيقة - ضعيفة وهشة، ويجب التأمين عليها بتكاليف عالية؛ ليتم نقلها إلى مسافات طويلة. يقول جُنِّويج: "إذا كان من الضروري نقل تلك المواد جوًّا، فسوف تدمرها". وهو يريد استعمال السنكروترون؛ لتعميق دراساته لتركيبات الأوراق، ومن ثم أصولها، بما في ذلك "لفائف البحر الميت"، وهي أقدم النصوص المقدسة المعروفة إلى الآن.

تبلغ تكلفة إنشاء مشروع سيسامي حوالي 110 ملايين دولار أمريكي، أي ما يعادل سُدْس سعر منشأة إشعاع السنكروترون الأوروبي في جرونوبل في فرنسا، الذي يمثل واحدًا من أكثر السنكروترونات تطورًا في العالم. وقد ساعد على ذلك تخفيض مستوى الطموح، إلا أن "سيسامي" اعتمد أيضًا على أجزاء جَرَى التبرع بها من منشآت أوروبية مفككة، وبُني على أرض ممنوحة له بالمجان.

وهناك خطَّا إشعاع آخران، مخطَّط إنشاؤهما بحلول نهاية عام 2018. وقد حصل المشروع على مليوني دولار من صندوق دعم البحث العلمي الأردني؛ من أجل حزمة الإشعاع الثالثة التي سوف تنفِّذ دراسات علم البلورات البروتينية. ومن جانبه، فإن طوقان متيقِّن من أن المشروع التعاوني سيجد تمويلات لحزمة إشعاع رابعة مخصَّصة لعلم خواص المادة.

وباستثناء تلك الحِزَم الأربع، ليست هناك خطة زمنية لملء العشرين فتحة المتبقية. و"يمكن لبضع عشرات من ملايين الدولارات أن تجعل هذا الحلم حقيقة"، كما يقول روي بِك، عالم الفيزياء الحيوية في جامعة تل أبيب في إسرائيل، وعضو لجنة مجموعة مستخدمي مشروع "سيسامي". وهو يأسف لعدم رغبة أمم كثيرة في ابتلاع الفوارق القومية من أجل العِلْم.. فهناك دول خليجية لن تشارك في المشروع، بسبب مشاركة إسرائيل، وفقًا لقوله، ولم تقدِّم الولايات المتحدة إلا إسهامًا صغيرًا، ما يعزوه كل من بِك وطوقان إلى اعتبارات سياسية.

أمّا مؤيدو "سيسامي"، فيأملون أن يشجع السلام بالطريقة نفسها التي ساعد بها مختبر "سيرن" CERN – وهو المختبَر الأوروبي لفيزياء الجسيمات، الواقع بالقرب من جنيف في سويسرا - على معالجة جراح الحرب العالمية الثانية، وجمع علماء السوفييت، والعلماء الغربيين معًا، إبان ذروة الحرب الباردة، إلا أن العوامل الحاسمة لهذا النجاح كانت تتلخص في مساحات سيرن العامة، حيث يستطيع العلماء تبادل الحديث أثناء شرب القهوة معًا، والتعارف فيما بينهم، كما يقول بِك، بيد أنه من المقرر لسيسامي أن يفتح أبوابه من دون مطعم، أو أماكن مخصصة للإقامة، إلا أن هناك لجنة تحاول الآن جمْع تبرعات قدرها 32 ألف دولار أمريكي؛ لبناء مطعم هناك.

يقول بِك: "آمُل من الجميع أن يدرِكوا أن هذه فرصة حقيقية للناس في الشرق الأوسط؛ من أجل التعاون معًا، والتحدث عن أشياء توحِّدهم".