أنباء وآراء

أشباه موصِّلات يمكنها التمدُّد والالتئام

تم إعداد أشباه موصِّلات بوليمرية، خواصها الجزيئية تجعلها قابلة للتمدد والالتئام. وتُعَدّ تلك خطوة فارقة في تطور الأسطح الإلكترونية العضوية المعقدة، التي تحاكي الجلد البشري.

  • سيجفريد باور
  • مارتن كالتنبرانر
  • Published online:

تتكون الكائنات الحية - بصورة عامة - من مواد رخوة، لديها القدرة على التمدد والالتئام عند التلف. وعلى النقيض من ذلك.. يتم تصنيع غالبية المعدات الإلكترونية المستخدَمة يوميًّا من مواد صلبة هشة، غير قادرة على الإصلاح الذاتي. ولذا.. يرغب الباحثون في تضييق تلك الفجوة بين العوالم الحيوية والرقمية؛ وهو ما سيتطلب مناهج جديدة في علم خواص المادة. ففي بحث نُشر مؤخرًا في دورية Nature، ذكر أوه وزملاؤه1 أنهم قد استخدموا آليات الترابط غير التساهمي؛ لصنع أشباه موصلات عضوية عالية الكفاءة، قابلة في جوهرها للتمدد والالتئام. وقد سمح ذلك للباحثين تصنيع ترانزستورات بالكامل من أغشية رقيقة من مواد قابلة للتمدد. والترانزستورات هي مكونات إلكترونية أوَّلية مستخدَمة في المضخِّمات الكهربائية، والدوائر المنطقية. ومِن شأن ذلك أن يجعل من المحتمَل فتْح الطريق أمام أجيال جديدة من المعدات الإلكترونية القابلة للارتداء.


الشكل 1| تصميم جزيئي لشبه موصل عضوي، قابِل في جوهره للتمدد والالتئام.
أَعَدَّ أوه وزملاؤه1 نوعًا من البوليمر، يحتوي على نطاقات بلورية شبه موصلة (تظهر هنا باللون الأزرق)، وسلاسل بوليميرية مرنة وغير متبلورة، مترابطة بروابط هيدروجينية. ولُوحِظ عند تعريض المادة للإجهاد؛ أنّ السلاسل تستطيل بشكل قابل للاستعادة، وتتكسر شبكة الروابط الهيدروجينية، ويُعاد تشكيلها؛ ما يسمح للمادة بالتمدد، ثم استعادة شكلها، دون المساس بشكل كبير بسلوكها شبه الموصل. ولأنّ الروابط الهيدروجينية المتكسرة، فمن الممكن إعادة تشكيلها بسهولة، ويمكن للشقوق التي تظهر في المادة أن تلتئم عند تسخينها ومعالجتها بواسطة أبخرة المذيب. وقد تم استخدام المادة لصناعة ترانزستور قابِل للارتداء، يتحمل التمدد عند تركيبه على الأطراف البشرية. 

كبر الصورة

قام الكيميائي لينوس باولينج في كتابه "طبيعة الترابط الكيميائي، وبِنْيَة الجزيئات والبلورات" The Nature of the Chemical Bond and the Structure of Molecules and Crystals - الصادر في عام 1940 - بتوصيف النشأة غير التساهمية لروابط الهيدروجين2 بشكل رائع، حيث كَتَب يقول: "صار من المعروف في السنوات الأخيرة أنه في ظل ظروف معينة تنجذب ذَرَّة هيدروجين بواسطة قُوَى شديدة نوعًا ما إلى ذرتين، بدلًا من ذَرَّة واحدة؛ بحيث يمكن اعتبارها بمثابة رابطة بينهما". تقوم الروابط الهيدروجينية بإعادة ترتيب نفسها بسهولة داخل شبكات الجزيئات الضخمة، وذلك انطلاقًا من كونها أضعف من الروابط التساهمية، وهي مسألة تم استغلالها كآلية التئام ذاتي في البوليمرات3.

وعلى النقيض من ذلك.. كان يُعتقد في السابق أن الروابط الهيدروجينية تكون متلِفة، حال وجودها في أشباه الموصلات العضوية. وقد ركَّزت غالبية البحوث التي تمت في التسعينات لدراسة الإلكترونيات العضوية على الجزيئات المترافقة مع باي π، حيث تكون الإلكترونات غير متمركزة بدرجة عالية، وهي سمة مهمة للنقل الفعال للشحنة في أشباه الموصلات. كان من المتوقع أن تقوم روابط الهيدروجين بين الجزيئية بتعطيل عدم التمركز الإلكتروني، لكنْ في السنوات القليلة الماضية ظهر أن الأساس الهيكلي المحتمَل لبناء أشباه موصلات عضوية أكبر بكثير مما كان يُتوقع في الماضي4، وتحديدًا.. ظهر أن الشحنات يمكن أن تتحرك بشكل فعال في المواد التي تحتوي على روابط هيدروجينية بين جزيئية5، وهو شيء مثير للدهشة.

قام أوه وزملاؤه بتطوير هذا الاكتشاف المدهش، من خلال دمج الروابط الهيدروجينية في البوليمرات، ليس فقط لجعل المواد أكثر تحمُّلًا للتمدد، ولكن أيضًا من أجل السماح بانتقال الشحنات بشكل مثير للإعجاب. وقد توصلوا إلى ذلك من خلال تكييف البنية الجزيئية للبوليمرات شبه الموصلة، لتُدمج فيها الأجزاء البلورية - المسؤولة عن انتقال الشحنة - والمناطق غير المتبلورة المتشابكة من خلال الترابط الهيدروجيني، التي تستوعب الضغط الميكانيكي، دون المساس بالخواص الإلكترونية للمادة بشكل كبير (الشكل 1). ويشير الباحثون إلى أن الأغشية المصنوعة من تلك البوليمرات تتشقق إثر محاولات الاستطالة الشديدة، لكنْ يمكن لتلك التشققات أن تلتئم، عن طريق معالجة المواد بواسطة الحرارة وأبخرة المذيب. وتستعيد البوليمرات الملتئمة سلوكها الإلكتروني الأَوَّلي بشكل شبه تام.

وحتى الآن، يُعتبر الوضع جيدًا، وتكمن الخطوة القادمة في استخدام تلك المواد لصناعة معدات إلكترونية قابلة للتمدد. وقد تم تطوير ثلاث استراتيجيات عامة؛ لتحقيق هذا الهدف. تتضمن الاستراتيجية الأولى وضع أشباه موصلات صلبة على "جُزُر" صغيرة مرنة مدمجة في مواد مطاطية (elastomers)، أو موضوعة عليها، وتتصل بدورها بواسطة أسلاك قابلة للتمدد6. يتيح هذا النهج أيضًا إدماج المعدات الإلكترونية الدقيقة عالية الكفاءة والجاهزة للاستخدام في المواد القابلة للتمدد.

"إنّ استخدام مواد تستطيع الالتئام ذاتيًّا يضيف سِمَةً لم تكن متاحة في السابق للأجهزة الإلكترونية القابلة للتمدد في الأساس".

أما الاستراتيجية الثانية، فتتمثل في تصفيح رقائق رفيعة، تحتوي على مكونات إلكترونية مرنة غير عضوية7، أو عضوية8 على مواد مطاطة سابقة التمدد. وحين ترتخي المادة؛ تتجعد منظومة الصفائح، ما يسمح للجهاز بأن يُعاد تمدده في وقت لاحق في الاتجاه الذي تمددت به المادة في البداية.

والاستراتيجية الثالثة تستفيد من قابلية التمدد عند المستوى الجزيئي، سواء باستخدام شبكات نافذة مكوَّنة من موصلات نانوية البنية، أو أشباه موصلات – تكون عادةً أنابيب أو أسلاكًا – في المواد المطاطة9، أو من خلال دمج مواد أكثر ليونة ببوليمر صلب شبه موصِّل، دون إرباك مسارات نقل الشحنة10. وتقع استراتيجية أوه وزملائه ضمن تلك الفئة الفرعية الأخيرة، لكن استخدام الباحثين لمواد تستطيع الالتئام ذاتيًّا يضيف سمة لم تكن متاحة في السابق للأجهزة الإلكترونية القابلة للتمدد في الأساس.

أَعَدَّ أوه وزملاؤه ترانزستورات قابلة للتمدد من البوليمرات الخاصة بهم، كدليل على الفرضية؛ ولاحظوا أنها تحافظ على كفاءتها الكهربية، حتى بعد 500 دورة تَمَدُّد، عند مقدار ضغط مماثل للأوضاع في معظم التطبيقات العملية. وبشكل ملحوظ، وجد الباحثون أن الترانزستورات حافظت كذلك على حركة عالية لحامل الشحنات عند تثبيتها على أطراف بشرية وتعريضها لحركات شائعة متنوعة، كالْتواء اليد، وطَيّ الذراع، وبَسْط الكوع، حسب ما تقتضيه الأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء.

وتجدر الإشارة إلى أن الترانزستورات الخاصة بالباحثين ليست متينة، أو قابلة للتمدد بالقدر نفسه للأجهزة الحديثة القائمة على الجُزُر أو التجعدات، ما يجعل هناك متسعًا للتطوير المستقبلي. وإضافة إلى ذلك.. فإن الجهد اللازم لتشغيل الترانزستورات الجديدة كبير (عشرات الوحدات الفولتية)؛ ما يخفض كفاءة الطاقة الخاصة بالأجهزة، وبالتالي فهو يشكل مَصْدر قلق فيما يخص الأجهزة القابلة للارتداء التي تعمل بشكل مستقل؛ ولذا.. ستكون معدلات الجهد الأقل ضروريةً في الأجهزة الإلكترونية التي تلامس جسم الإنسان. ومن ثم، يمكن التخفيف من مشكلة الجهد الكهربي، عن طريق اختزال أبعاد الترانزستورات، خاصة سُمْك الطبقة العازلة كهربيًّا بين قطب التحكم، وشبه الموصل الخاص بالترانزستور، برغم أن تحقيق ذلك يشكل تحديًا. كما تجدر الإشارة إلى أن التدفئة لفترات طويلة بأبخرة المذيب قد تكون وسيلة غير عملية للأجهزة الملتئمة، التي يتم ارتداؤها على الجلد.

ولعل الهدف النهائي للباحثين الذين يقومون بتطوير أجهزة إلكترونية مرنة هو إنتاج شيء يتصرف بشكل مشابه للجلد البشري: وهو العضو القابل للتمدد، الذي يغطي أجسادنا ويحميها، ويمكننا من الإحساس باللمس، والألم، ودرجات الحرارة، ويقوم بتحفيز عملية الالتئام عندما يتعرض لجرح ما. قد تكون المحاكاة التكنولوجية المثالية غير ممكنة، إلا أن أعمال أوه وزملائه تمثل علامة فارقة في طريق البحث، عن جلود إلكترونية لها سلوك يشبه النموذج الأصلي الذي تحاكيه. وعلى المدى القصير، تبشِّر الأجهزة الإلكترونية اللينة القابلة للالتئام بظهور أجهزة كهربائية ذكية وحيوية بشكل حقيقي، وقد تُحْدِث ثورة في الأجيال القادمة من الأجهزة القابلة للارتداء. 

  1. Oh, J. Y. et al. Nature 539, 411–415 (2016).
  2. Pauling, L. The Nature of the Chemical Bond and the Structure of Molecules and Crystals: An Introduction to Modern Structural Chemistry 2nd edn (Oxford Univ. Press, 1940).
  3. Cordier, P., Tournilhac, F., Soulié-Ziakovic, C. & Leibler, L. Nature 451, 977–980 (2008).
  4. Gsänger, M., Bialas, D., Huang, L., Stolte, M. & Würthner, F. Adv. Mater. 28, 3615–3645 (2016).
  5. Głowacki, E. D. et al. Adv. Mater. 25, 1563–1569 (2013).
  6. Lacour, S. P., Jones, J., Wagner, S., Li, T. & Suo, Z. Proc. IEEE 93, 1459–1467 (2005).
  7. Kaltenbrunner, M. et al. Nature 499, 458–463 (2013).
  8. Tong, K., Liang, J. & Pei, Q. ECS Trans. 75, 205–212 (2016).
  9. Printz, A. D. & Lipomi, D. J. Appl. Phys. Rev. 3, 021302 (2016).
  10. Rogers, J. A., Someya, T. & Huang, Y. Science 327, 1603–1607 (2010).