أنباء وآراء

إصابات النخاع الشوكي: واجهات التواصل العصبية تخطو خطوة أخرى إلى الأمام

أندرو جاكسون
  • Published online:

Abstract

بعد تعرضهما لإصابةٍ بالحبل الشوكي؛ أدَّت إلى شللٍ بإحدى الأرجل، استعاد اثنان من القردة قدرتَهما على المشي، بفضل تقنيةٍ تعيد إرساء التواصل بين المخ والحبل الشوكي.

في كل مرة نقرِّر التحرك، تنطلق من المخ سلسلة من الإشارات الكهربائية إلى أسفل، عبر النخاع الشوكي، آمِرةً عضلاتنا بالانقباض. إنّ أيّ ضرر يلحق بتلك المسارات التي تحمل هذه الرسائل، كإصابة الحبل الشوكي مثلًا، يمكن أن يؤدي إلى حدوث شللٍ، لا يوجد له علاج حتى الآن.. فأعصاب الحبل الشوكي لا تتعافى تلقائيًّا بعد الإصابة، كما أن الجهود التي تُبذل لإصلاحها بالطرق الدوائية، أو تقنيات إعادة التجديد حققت نجاحًا محدودًا فقط. وفي بحث نُشر مؤخرًا بدورية Nature، قدَّم كابوجروسو وزملاؤه1 طريقة بديلة - تضمنت اتصالًا إلكترونيًّا لاسلكيًّا بين المخ والحبل الشوكي - تمكنَت من استعادة الحركة في اثنين من القردة، كان كل منهما له ساق مشلولة، نتيجة لإصابة في الحبل الشوكي.

استخدم الباحثون غرْسَةً زُرِعَت في المخ، يُطلق عليها "واجهة التواصل العصبي"، وهي تترجم المعلومات الواردة من منظومة من الأقطاب الكهربائية التي تقيس نشاط عددٍ من خلايا المخ التي عادةً ما تتحكم في حركات الساق (الشكل 1). وبإجراء جراحِيٍّ.. زرعوا أيضًا منظومة أخرى من الأقطاب الكهربائية فوق الناحية القَطَنِيَّة في الجزء السفلي للحبل الشوكي في كل قرد، أسفل مستوى منطقة الإصابة. وكان عطب جزئي في النخاع الشوكي قد أضَرَّ بالوصلات العصبية في أحد جانبي النخاع. بَثَّتْ هذه الأقطاب تيارات كهربائية صغيرة، أدَّت بدورها إلى توليد الحركة في الطرف المشلول. وقد جرى التحكم الآني في تنشيط العضلات بواسطة إشارات المخ المترجمة، التي تم ترحيلها إلى المنظومة القطنية، عن طريق وصلة لاسلكية، دون المرور بالمنطقة المصابة في النخاع؛ فاستعادت هذه الوصلة الاصطناعية التواصل بين المخ والمنطقة القطنية بالنخاع الشوكي، وهو ما مَكَّنَ الحيوانَين من المشي مرة أخرى.

أنشأ كابوجروسو وزملاؤه1 نظامًا لواجهات اتصال عصبية، أتاح الاتصال بين المخ والحبل الشوكي في القردة التي تعرضت لإصابة في الحبل الشوكي؛ أفضت إلى شللٍ في رِجْلٍ واحدة. سجَّلَتْ غرْسَةٌ زُرِعَتْ في المخ النشاطَ العصبي المتعلق بحركة الساق، ثم نُقلت هذه المعلومات لاسلكيًّا إلى أقطاب كهربائية عند قاعدة الحبل الشوكي. حَفَّزت هذه الأقطاب نبضاتٍ عصبية وَلَّدَت حركةً في عضلات الساق، ما سمحَ للقردةِ أن تمشي بحُرِّيَّة، رغم إصابتها (نُقِلَت الرسمة بتصرُّف من الشكل 1 في المرجع 1).

كبر الصورة

تعود فكرة استخدام غرْساتٍ إلكترونية؛ للالتفاف على المسارات العصبية المعطوبة إلى فترة السبعينات (المرجع 2)، إلا أن القرن الواحد والعشرين شهد تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال. ففي تجربةٍ إكلينيكية أُجرِيَت في مرحلة مبكرة؛ لاختبار تقنيةٍ لواجهات الاتصال العصبيّ، عُرِفَت باسم "برين جيت" BrainGate4،3، تَبيَّنَ أن إشارات المخ التي سُجِّلَتْ لبشر كانوا قد أصيبوا بالشلل يمكن أن تسهِّل التحكم في مجموعة متنوعة من الأجهزة، بما فيها أجهزة الحاسوب، والأطراف الصناعية. كما استُخدِمَتْ إشارات مشابهة أيضًا؛ للتحكم في تحفيز المنطقة العنقية عند قمة الحبل الشوكي؛ لاستعادة حركات الذراع واليد في قِرَدةٍ مشلولة5. وإضافة إلى ذلك.. أسفر تحفيز النخاع الشوكي القطني عن نتائج واعدة في التجارب التي أُجريت على البشر، حيث تمكن المشاركون المصابون بالشلل السفلي من استعادة بعض الحركات الإرادية في أرجلهم6. وفي الوقت الحالي، تَستخدِم هذه الدراسات البشرية تحفيزَ الدائرة المفتوحة فقط، الذي يتضمن سلاسل متواصلة من الإثارة العصبية، وهي الاستراتيجية التي يبدو أنها تُعزِّز حساسيةَ الدوائر الحركية النخاعية للإشارات الضعيفة القادمة من المخ، التي أفلتت من الإصابة.

والتحفيز بطريقة الدائرة المغلقة، الذي استَخدمه كاباجروسو وزملاؤه، والذي يتم فيه التحكم الآني في التحفيز العصبي بواسطة إشارات من المخ، قد يتيح التوصل إلى تَحَكُّم دقيق في الحركات، وربما يعمل حتى في الحالات التي قُطعت فيها كل طرق المدخلات العصبية للنخاع الشوكي. والأكثر من ذلك.. أن هناك أدلة متزايدة على أن التحفيز بنظام الدائرة المغلقة يمكن أن يقود المرونة العصبية7، وهي الآلية التي تَقوى بها الوصلات الموجودة بين خليتين عصبيتين عندما تَنشَطان كلتاهما في الوقت نفسه. وللمرونة العصبية دورٌ حاسم في إعادة التأهيل، عقب الإصابات التي ينجم عنها قَطْعُ الحبل الشوكي جزئيًّا فقط. وفي مثل هذه المواقف يُحتمل أن يكون تحفيز الحبل الشوكي عند رصد النشاط المناسب للمخ قادرًا على المساعدة في تقوية المسارات الحركية التي ظلت سليمة بعد الإصابة؛ لتعزيز حدوث تَحَسُّن طويل الأمد في الحركة.

تنتقل حاليًّا واجهات الاتصال العصبية من التجارب الأولية في القردة إلى تجارب على البشر بوتيرة سريعة، فعلى سبيل المثال.. تبلغ المدة الزمنية الفاصلة بين أول استخدام للحواسيب البينية الأولى التي يتحكم فيها المخ في القردة8 وفي البشر3 أربعةَ أعوام فقط. وعلى نحو مشابه، وصفَ بحثٌ نُشِرَ في عام 2012 أول استخدام من قِبَل امرأة مشلولة لذراع آلية، يتحكم فيها المخ4، وهي تقنية أُرسِيَتْ للمرة الأولى في الرئيسيات غير البشرية قبل ذلك العام المذكور آنفًا بأربع سنوات فقط9. وفي وقت مبكر من عام 2016، تكرر الأمر نفسه، عندما تمت استعادة القدرة على ضم اليد طوعًا في شخص مصاب بالشلل الرباعي، باستخدام تحفيز العضلات المتحكَّم فيه بواسطة المخ10، في أعقاب التجارب التي أُجريت على القردة11 في عام 2012. لذلك.. فمن غير المعقول أن نتوقع أن نرى التجارب الإكلينيكية الأولى لواجهات الاتصال بين المخ والنخاع الشوكي في نهاية العقد الحالي، وخصوصًا لأن المكونات التي زرعها كاباجروسو وزملاؤه تمت الموافقة بالفعل على استخدامها في البشر. إنّ سرعة تحوُّل التجارب من القردة إلى البشر بالفعل مثيرة، في ضوء التعقيدات التكنولوجية والجراحية لواجهات الاتصال العصبية، وهي تدل على عمق أوجه التشابه التشريحية والفسيولوجية بين الأنظمة الحركية في جميع الرئيسيات.

ورغم هذا التقدم.. فإن استخدام القردة في تجارب علم الأعصاب لا يزال محل اعتراض في وسائل الإعلام، وتبذل جماعات حقوق الحيوان جهودًا منظَّمة؛ لضمان إحكام القيود على مثل تلك التجارب في كل من الولايات المتحدة، وأوروبا. والملاحَظ أنه على الرغم من أن كابوجروسو وزملاءه يعملون في أوروبا، وأن أبحاثهم تتوافق مع اللوائح الحالية للاتحاد الأوروبي، إلا أنّ التجارب أُجريت في الصين. وقد سبق أن وصف جريجوار كورتين - الباحث الذي قاد هذه الدراسة - التحديات التي تقف أمام إجراء هذه التجارب خارج البلاد12، فهناك علماء آخرون قد لا يملكون الوقت، أو الطاقة، أو مصادر التمويل اللازمة؛ لمواصلة بحثهم بعيدًا عن أوطانهم. لذا.. فإن هناك خطرًا حقيقيًّا، يتمثل في أن تطوير علاجات للحالات العصبية المُقْعِدة سوف يتأخر، إذا تعذَّرَ إجراء البحوث عالية الجودة والتنظيم على القردة في أوروبا وأمريكا، بسبب اللوائح التي تزداد تشدُّدًا. وبالقدر ذاته، كلما انتقل المزيد من علم الأعصاب الخاص بالرئيسيات إلى آسيا؛ سيكون مهمًّا أن يظل الباحثون ملتزمين بتجويد التقنيات، وتحسين مقاييس الرفاهية لحيوانات التجارب حول العالم.

إنّ المجازفة كبيرة.. فبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية13، يتعرض ما بين 250,000 و500,000 شخص سنويًّا لإصابات في النخاع الشوكي، تُفْضِي إلى حالات من العجز الذي يمكن أن يستمر لعقود. وما تزال هناك تحديات أساسية تكنولوجية، يجب التغلب عليها، قبل أن تتمكن واجهات الاتصال العصبية من تسجيل إشارات المخ القوية والثابتة على امتداد هذه الفترات الزمنية الطويلة. وإضافة إلى ذلك.. يبقى أمامنا بحث ما إذا كانت واجهةُ اتصال بين المخ والحبل الشوكي تستطيع استعادة المشي على قدمين في البشر، بعد التعرض للإصابات التي تؤثر على الساقين، وهي الإصابات الأكثر شيوعًا في العيادات. وتتطلب الحركة المفيدة أيضًا التحكمَ في الاتزان، والتوجيه، وتجنب العوائق، وهي الأمور التي لم يتم التعرض لها في البحث الحالي. ورغم ذلك.. فإن دراسة كابوجروسو وزملائه تمثل خطوة أساسية نحو استعادة الوظيفة الحركية المفقودة، باستخدام واجهات الاتصال العصبية.

  1. Capogrosso, M. et al. Nature 539, 284–288 (2016).
  2. Craggs, M. D. Adv. Neurol. 10, 91–101 (1975).
  3. Hochberg, L. R. et al. Nature 442, 164–171 (2006).

  4. Hochberg, L. R. et al. Nature 485, 372–375 (2012).

  5. Zimmermann, J. B. & Jackson, A. Front. Neurosci. 8, 87 (2014).
  6. Angeli, C. A., Edgerton, V. R., Gerasimenko, Y. P. & Harkema, S. J. Brain 137, 1394–1409 (2014).
  7. Jackson, A. & Zimmermann, J. B. Nature Rev. Neurol. 8, 690–699 (2012).
  8. Taylor, D. M., Helms Tillery, S. I. & Schwartz, A. B. Science 296, 1829–1832 (2002).
  9. Velliste, M., Perel, S., Spalding, M. C., Whitford, A. S. & Schwartz, A. B. Nature 453, 1098–1101 (2008).
  10. Bouton, C. E et al. Nature 533, 247–250 (2016).
  11. Ethier, C., Oby, E. R., Bauman, M. J. & Miller, L. E. Nature 485, 368–371 (2012).
  12. Cyranoski, D. Nature 532, 300–302 (2016).
  13. www.who.int/mediacentre/factsheets/fs384/en