أخبار
ضوء أخضر لإنشاء محميَّة المحيط العملاقة
احتفاء واسع النطاق باتفاقية دولية لإنشاء أكبر منطقة بحرية محمية في العالم بالقرب من القارة القطبية الجنوبية، باعتبارها انفراجة دبلوماسية.
- Nature (2016)
- doi:10.1038/nature.2016.20900
- English article
- Published online:
بحر روس في المحيط الجنوبي يُعَدّ واحدًا من الأنظمة البيئية الأقل تغيرًا على وجه الأرض، ويعجّ بمجموعة متنوعة من أشكال الحياة البحرية. Paul Nicklen/National Geographic/Getty Images
في الثامن والعشرين من أكتوبر الماضي، وبعد سنوات من المحادثات التي لم تُكلَّل بالنجاح، اتفقت أربع وعشرون دولة والاتحاد الأوروبي على إنشاء أكبر محمية بحرية على وجه الأرض ـ يبلغ حجمها ضعف حجم ولاية تكساس تقريبًا ـ في المحيط الجنوبي، قبالة ساحل القارة القطبية الجنوبية. ويمثِّل هذا الاتفاق علامة فارقة في جهود الحفاظ على المحيطات، وكذلك في علاقة روسيا ببقية دول العالم.
يحظر هذا الاتفاق الدولي الصيد التجاري واستغلال المعادن في مساحة تبلغ 1.55 مليون كيلومتر مربع من بحر روس، وهو خليج عميق بالقطب الجنوبي، على بُعْد 3500 كيلومتر جنوب نيوزيلندا. وهذه هي المرة الأولى التي يتفق فيها عدد من الدول على حماية مساحة كبيرة من أعالي البحار، وهي المناطق المحيطية التي لا تخضع للوائح تنظيمية، نظرًا إلى أنها لا تقع تحت ولاية دولة واحدة بعينها. وسوف يدخل الاتفاق حيز التنفيذ في ديسمبر من عام 2017.
وقَّع الاتفاقية أعضاء لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية، وسط ترحيب واحتفاء كبيرين في اجتماعٍ عُقد في مدينة هوبارت بأستراليا، وقد انتقلت الاتفاقية إلى أرض الواقع بعد موافقة روسيا، التي عارضت الاتفاق طويلًا. يقول بيتر جونز، وهو متخصص في الحوكمة البيئية البحرية بكلية لندن الجامعية: "إن الدعم الروسي لأي اتفاقية يمثل إشارة إيجابية للغاية في ظل الأوضاع السياسية الراهنة".
ويأمل العلماء الآن أن تتسارع الجهود المبذولة لحماية المناطق البحرية، لا سيما المناطق الأخرى ذات الأهمية البيئية الكبيرة حول القارة القطبية الجنوبية. ويقول دانيال بولي ـ عالِم الأحياء البحرية في جامعة بريتش كولومبيا في فانكوفر بكندا، والذي دق قبل فترة طويلة ناقوس الخطر بشأن حالة محيطات العالم ـ إن هذه المحمية تمثل "المسمار الأول في نعش فكرة أننا لا نستطيع أن نفعل شيئًا لحماية أعالي البحار".
وقد ناقش أعضاء لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية مقترحَ محمية بحر روس، منذ أن تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية ونيوزيلندا في عام 2012. يقول المراقبون إنّ تغيُّر موقف روسيا قد يكون نتيجة لمحادثات تمت وراء الكواليس حول هذه القضية في الأشهر الأخيرة بين وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ونظيره الروسي، سيرجي لافروف.
ويُعتبر بحر روس في حالة جيدة نسبيًّا، ولكن نشاط صيد السمك يتزايد؛ وقد بدأ هذا يؤثر على أعداد السمك المسنن الأنتاركتيكي المفترس (Dissostichus mawsoni)، وتَسَبَّب أيضًا في انخفاض أعداد كريل القطب الجنوبي (Euphausia superba)، وهي من القشريات الشبيهة بالجمبري، وكائنات أساسية في السلسلة الغذائية البحرية قبالة القارة القطبية الجنوبية، غير أن هذه الصفقة تشمل بعض التنازلات، التي يقول عنها جونز إنها ربما كانت ضرورية لكسب تأييد روسيا، التي تدير أسطول صيد كبيرًا في المنطقة.
ستكون جميع الأنشطة البحرية التجارية محظورة في الجزء الأكبر من المحمية - 1.2 مليون كيلومتر مربع – ولكن سيُسمح بالصيد الخاضع للرقابة، المعروف باسم «الصيد لأغراض بحثية»، في منطقة أخرى هي «منطقة أبحاث الكريل»، التي تبلغ مساحتها 322 ألف كيلومتر مربع؛ كما ستصبح مساحة أخرى قدرها 110 آلاف كيلومتر مربع «منطقة أبحاث خاصة» مفتوحة للصيد المحدود لكل من الكريل، والسمك المسنن الأنتاركتيكي (انظر: «حماية البحار»). ومن ثم، فعلى الرغم من أن المساحة الإجمالية للمحمية البحرية أكبر من المحمية التي تليها في القائمة من حيث المساحة – وهي النصب التذكاري القومي البحري الأمريكي «Papahānaumokuākea» بالقرب من هاواي – فإنّ المساحة التي يحظر فيها الصيد تمامًا أصغر قليلًا.
وفي الوقت الراهن، يشير بند انتهاء فترة سريان الاتفاق إلى أن هذا الاتفاق يَسْرِي على المنطقة المعنية لمدة 35 عامًا، وهو ما يعني أن هذه المنطقة لا تستوفي تمامًا شروط إعلانها «منطقة بحرية محمية» بموجب القواعد الصارمة التي حددها الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة. ويقول مايك ووكر، مدير مشروع تحالف المحيط المتجمد الجنوبي، وهي مجموعة بيئية في واشنطن العاصمة: "إن هذا أمر مؤسف حقًّا، ولكننا واثقون من أن صانعي القرارات سيدركون أن أفضل طريقة للحفاظ على المحيط هي حمايته إلى الأبد".
Source: Antarctic Ocean Alliance
إشادة علمية
بصورة عامة، تفاعَل العلماء بحماس مع القرار؛ حيث تقول كيرستن جرورد كولفيرت ـ عالمة الأحياء البحرية في جامعة ولاية أوريجون في كورفاليس ـ إنّ بحر روس يحتوي على واحد من الأنظمة البيئية الأقل تغيرًا على وجه الأرض، ولكن هذا النظام البيئي مُعَرَّض للاضطراب، بفعل الأنشطة البشرية، وآثار تغير المناخ. وتضيف: "إنّ عزل منطقة لتكون خالية من ضغوط الصيد في هذه المحمية البحرية يوفر نقطة مرجعية، ومكانًا لإجراء الأبحاث؛ لتقييم كيفية استجابة الأنظمة البيئية للتغيرات المناخية، وتعلُّم كيفية تعزيز صمودها".
ويضيف بولي: "هذا يعني أننا سوف نحمي واحدًا من آخِر أجزاء العالم التي تمتلك نظامًا بيئيًّا طبيعيًّا فعالًا، يحتوي على مجموعة كاملة من الثدييات البحرية والطيور البحرية، وغيرها من أشكال الحياة البحرية الأخرى".
ويحذِّر آخرون من أن مناطق حماية المحيطات وحدها لن توقف تدهور التنوع البيولوجي البحري، وأنها لا تقدِّم حلًّا للصيد الجائر، لأنها قد تنقل الصيد إلى مكان آخر فحسب. يقول راي هيلبرون، المتخصص في دراسة مصائد السمك في جامعة واشنطن في سياتل: "إذا كان الصيد هو المشكلة؛ فينبغي تقليل ضغط الصيد، وليس نقله إلى مكان آخر. وفي الواقع، إنّ المناطق البحرية المحمية قد تعني نقل المشكلات إلى مكان آخر فحسب".
ومِن المقرر في العام المقبل أن يناقش أعضاء لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية مقترحات أخرى؛ لإنشاء مناطق محمية بحجم مماثل تقريبًا قبالة ساحل شرق القارة القطبية الجنوبية، وفي بحر ويدل. وفي الوقت نفسه، تعمل شيلي والأرجنتين على مقترح لحماية أعالي البحار المحيطة بشبه الجزيرة القطبية الجنوبية، وهي الجزء الذي يتعرض لارتفاع درجات الحرارة بوتيرة أسرع من الأجزاء الأخرى في القارة المتجمدة.