أخبار
رسم خريطة الدماغ لخدمة أهداف الصحة العامة
منظمة الصحة العالمية تطالب بترجمة نتائج رَسْم خرائط الدماغ إلى تطبيقات إكلينيكية مفيدة.
- Nature (2016)
- doi:10.1038/539151a
- English article
- Published online:
يمكن استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي في دراسة الدماغ، وفي تشخيص اضطراباته، على حد سواء. BSIP/UIG/Getty
تَضَاعَف عدد المشروعات الكبرى الخاصة برسم خريطة الدماغ في السنوات الأخيرة، حيث يطوِّر علماء الأعصاب تقنيات جديدة؛ لفك رموز كيفية عمل الدماغ. وتركز هذه المبادرات على فهم الدماغ، ولكن منظمة الصحة العالمية "WHO" ترغب في ضمان ترجمة الاكتشافات المبكرة والتطورات التقنية إلى اختبارات للكشف عن اضطرابات الدماغ وعلاجها.
وقد صرَّح شيخار ساكسينا - مدير قسم الصحة العقلية وإساءة استخدام المواد في منظمة الصحة العالمية - قائلًا: "إننا نعتقد أن هناك مهامَّ جانبية للمشروعات، يمكن الاضطلاع بها مصحوبةً باستثمار صغير للغاية لصالح الصحة العامة".
كان من المقرر أن يطرح ساكسينا هذه القضية في 12 نوفمبر في الاجتماع السنوي لجمعية علم الأعصاب في سان دييجو بكاليفورنيا؛ مواصلًا النقاش الذي بدأ في يوليو، في مقر منظمة الصحة العالمية في جنيف بسويسرا. ومن بين ما يقرب من 70 شخصًا حضروا الاجتماع الأول، كان من بين مشروعات مبادرات الدماغ الرئيسة: المبادرة الأمريكية "برين" BRAIN (أبحاث تُجرى على الدماغ من خلال النهوض بالتقنيات العصبية المبتكرة) التي أُطلقت في عام 2013؛ والمشروع الأوروبي "هيومان برين" Human Brain، الذي بدأ في عام 2013؛ والمشروع الياباني "برين مايندز" Brain/MINDS، الذي أُطلق في عام 2014.
يركز كل من هذه المشروعات على البحوث الأساسية التي تُجرى على الدماغ، أو تطوير أدوات متقدمة لدراسته، بينما تُعَدّ التطبيقات الإكلينيكية هدفًا بعيد المدى، وليست هدفًا مباشرًا. ومع ذلك.. فقد اتفق قادة المشروعات في اجتماع جنيف - من حيث المبدأ - على وجوب بذل المزيد من الجهد؛ لتكييف تقنيات تصوير الدماغ؛ لتُستخدم في التشخيص الإكلينيكي.
يقول والتر كوروشيتز، مدير المعهد الوطني الأمريكي للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية، وهو جزء من مبادرة "برين": "تتخوف منظمة الصحة العالمية من أن التركيز على بناء هذه الأجهزة باهظة الثمن قد يفاقم الفوارق الصحية الموجودة حاليًّا بين العالَمَين المتقدم، والمتخلف".
على سبيل المثال.. يعمل باحثون - تموِّلهم مبادرة "برين" - على تطوير إجراءات التصوير؛ للتعرف على جميع الوصلات في دماغ الفأر، ولمشاهدة احتراق الخلايا العصبية عيانًا وقت حدوثه. ومع ذلك.. فمِن المرجح أن تصبح الإصدارات المناسبة للبشر من هذه التقنيات مكلفة للغاية وصعبة الاستخدام، ومن ثم لن تتوفر إلا في عدد قليل من المراكز البحثية، وليس في المستشفيات الأمريكية العادية، وبشكل أقل بكثير في البلدان ذات الدخل المنخفض.
يقول كوروشيتز إنه بالرغم من ذلك.. فقد وجد بعض الباحثين بقعة مضيئة، يمكنهم فيها تطوير التصوير الإكلينيكي، جنبًا إلى جنب مع العمل على فهْم الدماغ؛ حتى عند التعامل مع محدودية المعدات في البلدان النامية. وتعمل جريتشن بيربيك - وهي عالمة أعصاب في جامعة روشستر بنيويورك - لفهْم كيف يمكن للملاريا الدماغية أن تؤدي إلى الصرع لدى الأطفال في زامبيا. وتستخدم جريتشن جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)؛ لمشاهدة كيف يتغير النشاط العصبي على مر الزمن في أدمغة الأطفال المصابين بالملاريا، وكيف يظهر الصرع في بعض الحالات.
"لا يمكننا حقًّا فَهْم هذا العضو".
تقول بيربيك إنه باستخدام التقنية الحالية "يمكننا فعليًّا البحث بعمق، وطرح بعض الأسئلة العلمية المهمة، التي قد يكون لها تأثير على نطاق أوسع كثيرًا". وهي تأمل في القيام بذلك، على الرغم من استخدامها جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي، لا تبلغ قوته سوى 10% تقريبًا من قوة الأجهزة الموجودة في عديد من المستشفيات الأمريكية.
وأشار المشاركون في اجتماع منظمة الصحة العالمية إلى أنه يمكن استخدام التقنيات الحالية - مثل الهواتف النقالة الشائعة في العديد من البلدان النامية، حيث يندر وجود الأطباء - في تطبيق نتائج تلك الأبحاث على الصحة العامة. وقد طوَّرت فرح متين - طبيبة الأمراض العصبية في مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن، التي حضرت اجتماع منظمة الصحة العالمية في شهر يوليو الماضي - قبعةً زهيدة الثمن مرصَّعة بمستشعرات تخطيط كهرباء الدماغ، كما طوَّرت تطبيقًا يمكنه التعرف على أنماط نشاط الدماغ، التي تحدث بين النوبات، لدى الأشخاص المصابين بالصرع. وقد أظهرت الدراسة التي أجرتها على 205 أشخاص مصابين بالصرع في بوتان، والتي تخضع للمراجعة حاليًّا في إحدى الدوريات، أن التطبيق يمكنه الكشف - بشكل موثوق فيه - عن هذا النشاط العصبي؛ مما يسمح للعاملين في مجال الرعاية الصحية بالتعرف - بقليل من التدريب - على نوع الصرع المصاب به الشخص، وعلى العقار الذي يمثل أفضل علاج له.
وهناك سؤال مهم بخصوص دفْع منظمة الصحة العالمية في اتجاه ضمان الحصول على فوائد إكلينيكية من مشروعات رسم خريطة الدماغ؛ وهو: لماذا تضغط وهي لا تموِّل الأبحاث؟ هذا وتأمل المنظمة في تحول المانِحِين من القطاع الخاص والحكومات إلى انتهاج نهجها في التفكير. تقول سيكسانا: "إننا نحاول فقط التأثير على العلماء والمموِّلين؛ لمعرفة ما إذا كان يمكن تحقيق توازن أفضل بين النتائج بعيدة المدى، والمزيد من النتائج قصيرة المدى الموجَّهة إلى الصحة العامة، أم لا".
ليس الجميع مستعدين لإعادة ترتيب أولوياتهم. وقد صرح تيتسو ياماموري - عالِم الأعصاب في معهد ريكن برين في سايتاما، ونائب رئيس مشروع "برين مايندز"- قائلًا إن هدفه الأول سيبقى هو نفسه: ربط السلوك بنشاط رسم خريطة الدماغ في القردة الأمريكية (القشة) المعدَّلة وراثيًّا، لكنه يتفق مع الرأي القائل إنه على مطوِّري التقنيات الحديثة أن يفكروا في كيفية استخدامها في البشر. ويضيف ياماموري قائلًا إنه سيواصل المشاركة في نقاشات منظمة الصحة العالمية بخصوص رسم خريطة الدماغ.
ويبدي ساكسينا تفاؤلًا بأنْ يؤتي ضغط منظمة الصحة العالمية ثماره، وأن ينتهي الأمر إلى إنشاء شبكة من الباحثين؛ تعمل على تحويل التطورات في أبحاث الدماغ إلى تحسينات طبية. ويضيف: "لا يمكننا حقًّا فَهْم هذا العضو. إننا بحاجة إلى إجراء تطويرات متزايدة، تحتاج بدورها إلى أن تُترجَم إلى شيء عملي، في وقت قصير".