أخبار

طريقة أفضل لاختراق الحمض النووي النباتي

كلما فتح التحرير الجيني أبوابًا جديدة؛ زاد لدى باحثي المحاصيل الشعور بالعجز، بسبب حاجتهم إلى أدوات أحدث.

هايدي ليدفورد
  • Published online:

يمكن تحسين إنتاجية المحاصيل، ورفع كفاءة استخدام المياه، من خلال استخدام تقنيات أفضل للتحرير الجيني.

يمكن تحسين إنتاجية المحاصيل، ورفع كفاءة استخدام المياه، من خلال استخدام تقنيات أفضل للتحرير الجيني.

AFP/Getty


عندما تَجَمَّع مهندسو المحاصيل من جميع أنحاء العالم في لندن في أواخر أكتوبر الماضي، كانت أهدافهم البحثية طموحة، وتمثلت في إنتاج نوع من الأرز يستخدِم الماء بشكل أكثر كفاءة، وحبوب تحتاج إلى أسمدة أقل، ونوع من نبات «الكسافا» عالي الإنتاجية، يَستخدِم التمثيل الضوئي بالشحن التوربيني؛ للحصول على الطاقة.

كان الـ150 شخصًا الحاضرين لورشة عمل اتحاد هندسة المحاصيل يعجُّون بالأفكار، وكانوا محاطين بكثير من الأدوات الجزيئية. وبفضل التقدم المحرَز في مجال علم الأحياء التخليقية والنظم الآلية، تَبَاهَت مشروعات عديدة بأكثر من 1000 جين مهندَس وراثيًّا، وأدوات جزيئية أخرى جاهزة للاختبار في المحاصيل التي يختارها الباحث. وهنا، غالبًا ما يصل الباحثون إلى طريق مسدود. فالأساليب التي عفا عليها الزمن، والمستخدَمة من أجل توليد نباتات لها جينومات حسب الطلب – وهي عملية تُسمى «التحوير» – مرهقة، ولا يمكن الاعتماد عليها، كما تستغرق وقتًا طويلًا.

ورَدًّا على سؤال حول العقبات التي لا تزال موجودةً في هذا المجال، كانت لدى عالِم الأحياء النباتية التطورية جايلز أولدرويد ـ من مركز جون إينيس في نورويتش بالمملكة المتحدة ـ إجابة جاهزة: "المشكلة الكبيرة تكمن في تحسين عملية تحوير النبات".

ومن جانبه يقول دان فويتاس، عالِم بيولوجيا النبات في جامعة مينيسوتا في سانت بول: "إن ما نواجهه كلنا هو مشكلة التوصيل هذه، فلدينا كواشف قوية، لكن كيف يمكنك إيصالها إلى داخل الخلايا؟".

استمرت المشكلة ـ التي لا تزال قائمة ـ لعقود من الزمن، وهي تكمن في أنه من الصعب تعديل جينومات النباتات، ثم إعادة استيلاد نبتة كاملة من بضعة خلايا محوَّرة. تبدو تقنيات تحرير الجينوم ـ مثل تقنية كريسبر–كاس9 ـ أنها تَعِد بهندسة محاصيل متطورة لم تكن تخطر على البال من قبل، مما يزيد من إحباط الباحثين عندما يصطدمون بحائط سد قديم.

في يوم 28 سبتمبر الماضي، أقرَّت مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية «NSF» بوجود هذا الإحباط، عن طريق إعلانها أنها ستقوم بتمويل البحوث التي تهدف إلى التوصل إلى طرق أفضل للتحوير الوراثي. وهذه هي واحدة من أربع نقاط يركِّز عليها برنامج بحثي جديد لجينوم النبات، من شأنه أن يتلقَّى إجمالًا مبلغ قدره 15 مليون دولار أمريكي.

يقول نيل ستيوارت، عالِم بيولوجيا النبات في جامعة تينيسي في نوكسفيل، الذي شارك في تنظيم ورشة عمل لمؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية عن تحوير النبات في نوفمبر الماضي: "يتفق الجميع على أن هذا هو حقًّا عنق الزجاجة في مجال هندسة الجينوم". ويضيف: "أعتقد أن هناك اهتمامًا كافيًا الآن بمحاولة التوصل إلى طرق لحل هذه المشكلة بالنسبة إلى المحاصيل الرئيسة".


محاصيل مستعصية

هناك نباتات - مثل نبات الرشاد الصغير (Arabidopsis thaliana)، وهو يعتبر "فأر التجارب" في بحوث النباتات - يتم تحويره بسهولة باستخدام نوع من البكتيريا التي يمكنها إضافة الجينات لجينومات النباتات. يُدْرِج الباحثون الجينات التي يرغبون في اختبارها في البكتيريا (Agrobacterium tumefaciens)، ومن ثم يتم استدراج الميكروب ليصيب الخلايا الإنتاجية في النبات. وبالتالي، مع إنتاج النبات لذرية جديدة، يظهر أن بعضًا منها يعبِّر عن جينات جديدة، إلا أن ذلك لا يحدث في محاصيل عديدة، ويؤدي استخدام بكتيريا Agrobacterium إلى زيادة التدقيق من قِبَل الجهات الحكومية، مثل وزارة الزراعة الأمريكية، إذ تُعتبر من الآفات النباتية. وكبديل لذلك، يمكن للباحثين استخدام «قاذف الجينات» الذي يُطْلِق خرزات الذهب المغلَّفة بالحمض النووي إلى داخل الخلايا النباتية، ثم توضع هذه الخلايا في هرمونات النمو، ويتم التحايل عليها لإعادة إنتاج نبتة كاملة. وهناك نباتات ـ مثل الذُّرَة (maize) ـ تخضع بسهولة لهذه المعالجة، في حين لا يحدث ذلك مع نباتات أخرى، مثل القمح، والذرة البيضاء.

وبالنسبة إلى المحاصيل المستعصية، فقد يستغرق الأمر عدة أشهر من العمل الدؤوب لاستنبات الخلايا – بما يشمل تحسين ظروف النمو بالشكل الأفضل، وتحسين تركيز الهرمونات – لإعادة إنتاج النبتة الكاملة. تتفاوت الظروف اللازمة للنجاح، ليس فقط بين المحاصيل المختلفة، بل أيضًا بين النباتات المنتمِية إلى النوع نفسه.

تقول جويس فان إيك ـ وهي واحدة من هؤلاء المتخصصين في جامعة كورنيل في إثاكا بنيويورك ـ إن خبراء تحوير النباتات هم قلة نادرة. وفي ورشة العمل التي عُقدت في لندن، قالت: "يحتوي ما نقوم به على الكثير من الفن، ومن الصعب العثور على أشخاص يكونون قد حصلوا على هذا النوع من التدريب". أضِف إلى ذلك أيضًا ندرة توافر التمويل للطرق الجديدة، كما يُترك الباحثون للاعتماد على تقنيات قديمة ترجع إلى عقود من الزمن.


طريقة أفضل

يمكن لذلك أن يتغير مع تعاظُم جدية البحث عن بدائل. فقد قام ستيوارت ومعاونوه بإنشاء إنسان آلي، يقوم باستخدام تقنية مثبتة، تُسمى «تحوير البروتوبلاست»، وهي أسرع وأكثر دقة مما يمكن عمله باليد. تستخدم هذه الطريقة إنزيمات لهضم جدار الخلية، مما يسهِّل على الباحثين إيلاج جينات جديدة إلى الداخل، لكن مشكلة إعادة إنتاج النبات الكامل ـ مع ذلك ـ لا تزال قائمة. وقد استخدم الباحثون نهجًا مماثلًا، دون استخدام إنسان آلي؛ من أجل تطبيق التحرير الجيني باستخدام كريسبر-كاس9 في مجموعة متنوعة من النباتات، بما في ذلك الخس، والأرز.

إنّ خطوات استنبات الخلايا لا تزال صعبة، فمثلًا، يقول ستيوارت إنّ شخصًا واحدًا عمل داخل مختبره لمدة عامين على تحوير الحشائش الطويلة التي يستخدمها في أبحاث الوقود الحيوي، لكن دون جدوى، بيد أن انخفاض تكلفة الإنزيمات يسمح للباحثين بإجراء مزيد من التجارب، مثلما تحسِّن الآلات من الإنتاجية. إنّ ستيوارت مفتون جدًّا بما صنعه، حتى إنه أَلَّفَ له أغنية، قال فيها: "إنه طفلنا الوليد".

وهناك آخرون ـ مثل فريدي التبيتر من جامعة فلوريدا في جينسفيل ـ يبحثون عن مجموعة من الجينات، التي عند تشغيلها ـ أو إيقافها ـ ستجعل خلايا النبات أكثر قابلية للتحوير وإعادة الإنتاج من مستنبت الخلايا. يقول: "أعتقد أن ذلك سيقود إلى تطبيق أوسع بكثير لهذه التقنية؛ سوف يُمَكِّن الأشخاص غير الخبراء في استنبات الخلايا مِن القيام بتلك التحسينات".

يقول أولدرويد إنّ الباحثين لا يستطيعون تحمُّل انتظار تلك التطورات. ومن شأن مشروعه - الذي يهدف إلى تطوير الحبوب التي تَستخدم النيتروجين من التربة بشكل أكثر كفاءة – أن يبحث في اختبارات تتم على مئات من الجينات المحوَّرة، باستخدام الأساليب المعقدة القديمة. ويضيف: "علينا فقط أن نتحلى بالصبر".