أنباء وآراء
الشيخوخة: حماية الجينات عن طريق التغذية
من المعروف عن التقييد الغذائي إطالته لحياة العديد من الأنواع. وقد ثبت الآن أنه يقلِّل من تلف الحمض النووي، ويطيل حياة الفئران التي تحاكي اضطرابات عمليات إصلاح الحمض النووي في البشر.
- Nature (2016)
- doi:10.1038/nature19427
- English article
- Published online:
يُعتبر تراكم تلفيات الحمض النووي من الآثار السلبية التي لا مفر منها في الحياة، وهو يُعَدّ واحدًا من الأسباب الرئيسة لشيخوخة الخلايا والأعضاء. يؤدي الإصلاح المنقوص للحمض النووي إلى تلفه المتواصل، مسبِّبًا اضطرابات ذات صلة بالتقادم وقصر العمر. وقد يَظهَر هذا الأمر في البشر في شكل متلازمات "بروجيرويد"، حيث يشيخ الأطفال أو البالغون بمعدل متسارع إلى حد كبير. وفي بحث نُشر مؤخرًا، أوضح فيرميه وزملاؤه1 أن درجة معتدلة نسبيًّا من التقييد الغذائي يمكنها أن تطيل ـ إلى حد كبير ـ من عُمْر اثنين من نماذج الفئران لهذه المتلازمات البشرية.
تحتضن سلالات الفئران التي استخدمها المؤلفون طفرات في الجينات التي تدخل في عملية إصلاح الحمض النووي، التي يُطلق عليها "الإصلاح باستئصال النوكليوتيدات" NER. في إحدى السلالات، ثمة طفرة تقلِّل إنتاج بروتين ERCC1، الذي عادةً ما ينضم إلى إنزيم نوكلياز داخلي خاص بالحمض النووي، مشكِّلًا مركبًا؛ لخلق فواصل في الحمض النووي، واستئصال التتابعات التالفة. ويمكن لطفرات بروتين ERCC1 أن تسبب ثلاثة أمراض في البشر2: اضطرابي متلازمة كوكايين Cockayne، ومتلازمة بروجيرويد XFE المتعلِّقَين بالشيخوخة المعجّلة، وجفاف الجلد المصطبغ، الذي يكوِّن المصابون به حساسية شديدة لتلف الحمض النووي، الذي تسبِّبه أشعة الشمس. أما في سلالة الفأر الأخرى، فثمة طفرة تثبّط إنتاج إنزيم نوكلياز داخلي آخر خاص بالحمض النووي، تُدعى XPG؛ يمكن لطفراته في البشر أن تظهر على شكل جفاف الجلد المصطبغ، ومتلازمة كوكايين3.
في بحث سابق4، تم إثبات أن الفئران التي تحمل طفرات في جين Ercc1 تبدي العديد من الاستجابات الأيضية نحو الإجهاد، التي تُرى في الفئران السليمة التي يتم تقييد تغذيتها. في كليهما، يتم تعزيز المسارات البيولوجية المشارِكة في الصيانة الفسيولوجية على حساب المسارات المشارِكة في عملية النمو. ويُعتقد أن تلك الاستجابة تحدث من أجل البقاء، إذ تساعد في حماية الفئران التي تعاني من نقص في عملية الإصلاح باستئصال النوكليوتيدات. لذا، عمد فيرميه وزملاؤه إلى التحقق مما إذا كانت القيود الغذائية تستطيع تعزيز هذه الاستجابات الوقائية في نماذج الحيوانات الخاصة بهم، أم لا. وبالفعل أدَّى التقييد الغذائي بنسبة 30% إلى زيادة ضخمة في عمر سلالتي الفئران، مقارنة بأترابها التي أُتيح لها الغذاء بغير حدود؛ لتتناوله حسب الرغبة (ما يُطلق عليه التغذية الحرة، أو ad libitum باللاتينية).
إنّ إحدى نقاط ضعف العديد من الاستقصاءات المتعلقة بالتقييد الغذائي هي فشلها في التقصي الدقيق للسمات الفسيولوجية والبنيوية للكائن الحي موضع الدراسة، التي يمكن استخدامها لتقدير العمر الذي يقضيه بصحة جيدة. لذا، يُعتبر البحث الذي أجراه فيرميه وزملاؤه استثناءً مُرَحَّبًا به، إذ يستقصي مجموعة واسعة من السمات ذات الصلة، ومن ضمنها تلك التي تشمل المخ، والأنظمة العصبية العضلية، والمعرَّضة تحديدًا للإصابة بالضرر في حالات اضطرابات عمليات إصلاح الحمض النووي في البشر5. النتيجة الملفتة للنظر كانت أن الفئران الطافرة التي تعرّضت للتقييد الغذائي احتفظت بـ50% أكثر من الخلايا العصبية عمّا احتفظت به أترابها التي وُضعت على نظام التغذية الحرّة. وإضافة إلى ذلك، تم خَفض واسمات تلف الحمض النووي في الحيوانات المعرَّضة للتقييد الغذائي (الشكل 1)، وتم حفظ بيانات الانتساخ بشكل أفضل.
الشكل 1 | حياة أفضل لعمر أطول. أ. الإصلاح باستئصال النوكليوتيدات (NER) عملية يتم بواسطتها إصلاح تلف الحمض النووي، وتُظْهِر الفئران الحاضنة لطفرات جينية في الجينات Ercc1، أو Xpg عوزًا في عملية الإصلاح تلك. يتراكم التلف في الحمض النووي، ويتم تثبيط إرسال الإشارات عبر البروتين IGF1، فتشيخ الفئران بمعدل سريع، بيد أن الآليّات التي تؤثر بها هذه المسارات على الشيخوخة غير واضحة (الأسهم المقطعة). ب. ذكر فيرميه وزملاؤه1 أن تقييد تغذية الفئران المصابة بعوز في عملية الإصلاح باستئصال النوكليوتيدات يقلل من تلف الحمض النووي، ويزيد من تثبيط تأشير IGF. كما يزداد متوسط عمر الفئران بشكل ملحوظ، مقارنةً بنظيراتها التي تأكل بِحُرِّيَّة، كما تبقى في صحة جيدة لفترة أطول بكثير.
كما ظهرت أيضًا نتائج أخرى مثيرة للاهتمام، فمثلًا، أظهر الباحثون أن الفئران المصابة بعوز بروتين ERCC1، التي وُضعت على نظام التغذية الحرّة، كانت جيناتها التي ترمّز البروتينات الكبيرة أكثر تضررًا من تلك التي ترمز البروتينات الصغيرة؛ وهو أمر منطقي، إذ إنّ تلف الحمض النووي يحدث بشكل عشوائي. وهكذا، فإن الجينات الطويلة تتعرض لكميات غير متكافئة من الضرر العشوائي. وكمثال آخر، انخفضت كذلك أوزان الفئران التي تعاني من عَوَز في جينات عملية الإصلاح باستئصال النوكليوتيدات ـ والتي وُضعت على نظام التغذية الحرة ـ بشكل تدريجي مع مرور الوقت. ووجد فيرميه وزملاؤه أن هذه الحيوانات نفقت عندما وصلت تقريبًا إلى الوزن نفسه الذي وصلت إليه الحيوانات الطافرة الخاضعة للتقييد الغذائي، التي انخفض وزنها في البداية بشكل سريع، ثم حافظت بعد ذلك على وزن ثابت. ومجدَّدًا، يبدو الأمر منطقيًّا.. ففقدان الوزن في الحيوانات الطافرة الموضوعة على نظام التغذية الحرة يعكس التراجع الفسيولوجي، في حين أن فقدان الوزن الأَوَّلِي المرتبط بالتقييد الغذائي المؤقت يعزِّز ـ في واقع الأمر ـ الوظائف الفسيولوجية.
ومنذ وقت طويل كان معروفًا أن التقييد الغذائي يطيل العمر الذي يقضيه الكائن الحي في صحة جيدة، وذلك في العديد من أنواع الحيوانات5. وتتعدل آثار عملية الشيخوخة الطبيعية في الأساس عن طريق تثبيط مسارات التأشير الجزيئي لمركّبَي IGF1، و6mTOR، اللذين يلعبان أدوارًا في استشعار العناصر الغذائية. إنّ تأشير IGF مثبِّط بالفعل في الفئران2 المصابة بعوز في عملية الإصلاح باستئصال النوكليوتيدات، ولذا، يبدو مفاجئًا أن تكون العيوب الملاحظة في هذه الحيوانات يمكن إصلاحها جزئيًّا، عن طريق التقييد الغذائي. ومع ذلك، أكدّ الباحثون أن مسارَي IGF1، وmTOR يتم تثبيطهما أكثر في الحيوانات الطافرة التي تتبع نظام التقييد الغذائي؛ مما يشير إلى أن تثبيط المسارات يعدِّل مدى امتداد العمر، جزئيًّا على الأقل.
إِذَن، كيف يتمكَّن التقييد الغذائي من الحدّ من تَراكُم تلف الحمض النووي؟ على الرغم من أن فيرميه وزملاءە يقولون إنه من المستحيل أن يكون هناك دور للمسارات التعويضية المعززة لعمليات إصلاح الحمض النووي، إلا أنه تكهُّن يستحق ـ في رأينا ـ مزيدًا من البحث. كما يتكهن الباحثون أيضًا بوجود استجابة مُبَالَغ فيها لتلف الحمض النووي في الفئران التي تعاني من عوز عملية الإصلاح باستئصال النوكليوتيدات، ربما كجزء من زيادة استجابة الكائن الحي لمختلف إشارات الإجهاد. وربما تسهم التعديلات المصاحبة في تنظيم الأيض ـ إلى جانب التغيرات في وظيفة الميتوكوندريا (العضيّات المنتجة للطاقة) ـ في تحريك الأيض الخلوي نحو أدوار تحمي الجينوم من التلف.
وثمة ملاحظة أخرى، أشار إليها فيرميه وزملاؤه، قد توجِّه الانتباه نحو آلية للحدّ من تلف الحمض النووي، تعتمد على التقييد الغذائي، وهي زيادة استجابات الإجهاد الجزيئي في الحيوانات المصابة بعوز بروتين ERCC1. تتعدل استجابات الإجهاد تلك ـ جزئيًّا ـ عن طريق تأشير 6mTOR. كما أن العلاج لفترة طويلة بواسطة جزيء راباميسين الذي يثبط تأشير mTOR يقلّل من تراكم تلف الحمض النووي في متلازمة ويرنر7، وهو اضطراب آخر متعلق بعدم الاستقرار الجينومي. وكانت هناك أمثلة أخرى لعلاجات يومية بالراباميسين تسبِّب إطالة في العمر؛ فمثلًا، يضاعف الراباميسين عمر الفئران التي تفتقر إلى Ndufs4 ـ وهو أحد بروتينات الميتوكوندريا المشاركة في إنتاج الطاقة8 ـ بثلاثة أضعاف تقريبًا.
إن دراسة فيرميه وزملائه تعزِّز كثيرًا الأدلة الداعمة لفكرة أن عدم الاستقرار الجينومي يمثل آلية رئيسة تكمن وراء متلازمات بروجيرويد البشرية9. وإضافة إلى ذلك، يمكن اختبار التقييد الغذائي المعتدل بسرعة، وبكلفة منخفضة على المرضى الذين يعانون من هذه الحالات. وما من شك في أن النتائج التي تَوَصَّل إليها الباحثون ستؤدي إلى القيام بتجارب إكلينيكية خاضعة لمراجعة الأقران تختبر التقييد الغذائي المعتدل، وربما أيضًا مثبطات mTOR، في المرضى الذين يعانون من متلازمات بروجيرويد التي تتضمن عمليات إصلاح الحمض النووي التالف.
وأخيرًا، يتعين على الدراسة تقديم الزخم المطلوب بشدة للجهود المبذولة لاكتشاف المُحَاكِيات الدوائية للتقييد الغذائي التي يمكن استخدامها في البشر. ونظرًا إلى التنوع الجيني والبيئي الهائل بين البشر، والاستجابات شديدة التنوع لسلالات الفئران المختلفة نحو التقييد الغذائي10، فإن استجابات الأفراد لعقاقير كهذه ربما ستكون شديدة الاختلاف. وستكون هناك حاجة إلى إجراء تجارب إكلينيكية واسعة النطاق، قبل التوصية باعتماد التقييد الغذائي كعلاج عام لحماية الجينات أثناء عمليات الشيخوخة الطبيعية.
References
- Vermeij, W. P. et al. Nature 537, 427–431 (2016).
- Manandhar, M., Boulware, K. S. & Wood, R. D. Gene 569, 153–161 (2015).
- Vermeulen, W., Jaeken, J., Jaspers, N. G., Bootsma, D. & Hoeijmakers, J. H. Am. J. Hum. Genet. 53, 185–192 (1993).
- Niedernhofer, L. J. et al. Nature 444, 1038–1043 (2006).
- Laugel, V. Mech. Ageing Dev. 134, 161–170 (2013).
- Fontana, L., Partridge, L. & Longo, V. D. Science 328, 321–326 (2010).
- Saha, B., Cypro, A., Martin, G. M. & Oshima, J. Aging Cell 13, 573–575 (2014).
- Johnson, S. C. et al. Science 342, 1524–1528 (2013).
- Hisama, F. M., Oshima, J. & Martin, G. M. Cold Spring Harb. Perspect. Med. 6, a025882 (2016).
- Liao, C.-Y., Johnson, T. E. & Nelson, J. F. Exp. Gerontol. 48, 1025–1029 (2013).