أخبار
خريطة المَجَرَّة ستغيِّر علم الفَلَك
سوف تُلْقِي البيانات الضوءَ على كواكب خارج المجموعة الشمسية، وعلى عِلْم الكون، وعلى الكثير مما في الوجود.
- Nature (2016)
- doi:10.1038/nature.2016.20569
- English article
- Published online:
بيانات التليسكوب «جايا» ستساعد في قياس مسافات «الشموع القياسية»، مثل «آر. إس. بَب» RS Pup (مركز الصورة). NASA
يَختبِر علماء الفلك حول العالم أداة تَحَوُّلية للمرة الأولى. ففي الوقت التي ذهبت فيه Nature إلى المطبعة، كان مِن المقرر في 14 سبتمبر الماضي أن يقدِّم التليسكوب الفضائي «جايا» ـ التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ـ خريطته الأولى لمَجَرّتنا درب التبانة. بدايةً، سيعرض دليلًا مصوَّرًا للمواقع ثلاثية الأبعاد لـ2,057,050 نجمًا وجُرْمًا سماويًّا، والتغير الذي اعترى تلك الأجرام على مدار عقدين، وسيصل في النهاية إلى عرض مليار جرم، أو أكثر.
من المتوقع أن يشتمل الإصدار على 19 ورقة بحثية من تأليف فلكيِّي «جايا»، الذين اطّلعوا على البيانات. ومن الممكن أن تنشر فِرَق مستقلة حوالي 100 ورقة بحثية في الأسابيع التالية لإصدار مسودة الدليل، حسب ما يقوله لينارت لينديجرين، الفلكي بمرصد لوند في السويد، وأحد القوى الدافعة لـ«جايا».
يقول ديفيد هوج، عالِم الفلك بجامعة نيويورك: "ستغيِّر «جايا» ما نعرفه عن المَجَرّة والنجوم تغييرًا جذريًّا". يقود هوج وآخرون فعاليات (قرصنة جايا) التي ستحاول استغلال اندفاع البيانات. إذَن، ما هي الاكتشافات المحتملة؟
عِلْم آثار درب التبانة
سيكشف عرض «جايا» ثلاثي الأبعاد عن كيفية تحرُّك النجوم تحت تأثير قوة الجذب المركَّبة لمَجَرّة درب التبانة، مما سيضيف إلى معرفتنا ببِنْيَة المَجَرّة، بما في ذلك تلك الأجزاء التي لا يمكن رؤيتها من الأرض مباشرة، مثل «القضبان» التي تربط بين مركز المَجَرّة، وأطرافها الحلزونية. وسيصبح الباحثون قادرين أيضًا على التعرف على النجوم النائية، التي تنطلق جنبًا إلى جنب بسرعات عالية، والتي يُعتقد أنها بقايا تخلَّفت عن اندماجات مع مَجَرّات أصغر، حسب قول مايكل بيريمان، من كبير علماء «جايا» السابقين بوكالة الفضاء الأوروبية. وبإضافة هذا إلى بيانات ألوان النجوم، ودرجات حرارتها، وتركيبها الكيميائي، سيتمكن الباحثون من إعادة بناء (عِلْم آثار) المَجَرّة على طول 13 مليار سنة مضت.
أين مادة المَجَرّة المظلمة؟
ستكشف تفاصيل مسارات النجوم عن توزيع المادة المظلمة في درب التبانة، التي تشكِّل الجزء الأكبر من المادة في الكون. وقد يساعد ذلك في الكشف عن ماهيّة المادة المظلمة.
قد تُخْضِع «جايا» أيضًا بعض النظريات الغريبة للاختبار. فعلى سبيل المثال.. تتنبأ «موند» MOND (ديناميكا نيوتن المعدلة) بمجال تثاقلي للمَجَرّة، يختلف مع نظرية المادة المظلمة القياسية؛ وستكون قياسات «جايا» لسرعات النجوم قادرة على ترجيح كفة أحد التقديرين. وقد يساعد المسبار في الكشف عمّا إذا كانت المادة المظلمة قد قتلت الديناصورات، أم لا، كما أشارت نظريةٌ في عام 2013.
المسافات النجمية الخلافية
ستوفر «جايا» القياسات الدقيقة للمسافات الفاصلة بين النجوم المستقلة، والشمس.
إحدى أولى المجموعات النجمية التي يريد الباحثون فحصها هي «الثريا» Pleiades، وهي حشد نجمي في كوكبة الثور. تضع غالبية الأرصاد - بما في ذلك ما رصده تليسكوب هابل الفضائي - الحشد على مسافة حوالي 135 فرسخًا فلكيًّا (440 سنة ضوئية) (D. R. Soderblom et al. Astron. J. 129, 1616–1624; 2005)، لكن النتائج المبنية على بيانات «هيباركوس» ـ مهمة وكالة الفضاء الأوروبية التي سبقت «جايا» ـ تشير إلى أنها تبعد 120 فرسخًا فلكيًّا فقط (F. Van Leeuwen Astron. Astrophys. 497, 209–242; 2009).
يثير الفارق بعض الشك في نتيجة هيباركوس. ويستخدم «جايا» طريقة مشابهة، ولكنها أكثر تطورًا بكثير من نظيرتها السابقة، ولذلك يترقب الفلكيون نتائجه عن كثب.
عوالم جديدة
اكتشف علماء الفلك الآلاف من الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى، في الغالب بواسطة رصد الانخفاضات الطفيفة في شدة سطوع النجم، عندما يمر الكوكب الذي يدور حوله أمامه. وبدلًا من ذلك، سيتتبع «جايا» الكواكب بواسطة رصد التذبذبات الطفيفة في موقع النجم، التي تسبِّبها قوة جذب الكوكب التابع له.
تُعَدّ تقنية «جايا» هي المثلى في حالة رصد الكواكب الكبيرة في المدارات الواسعة نسبيًّا، حسب قول أليساندرو سوزيتي، باحث «جايا» بمرصد تورينو للفيزياء الفلكية في إيطاليا. وعلى عكس الطريقة الأكثر شيوعًا المعتمِدة على عبور الكوكب بين الأرض والشمس، فإنها تقيس كتلة الكوكب مباشرة. وإذا نجحت؛ سيكون ذلك بمثابة تصحيح جذري للمسار، بالنسبة إلى تقنية شهدت بدايات خاطئة عديدة، لكن الأمر سيتطلب عدة أعوام من الرصد، يُتوقع أن تطرح ثمارها الأولى بحلول عام 2018، كما يقول سوزيتي.
ما هي سرعة التمدُّد الكوني؟
يستكشف «جايا» درب التبانة، ولكن تأثيره يمتد إلى الكون الأوسع. ولتقدير المسافة بيننا وبين المَجَرّات البعيدة، عادةً ما يستعين الفلكيون بانفجارات نجمية تُدعى «مستسعرات نجمية من الفئة الأولى أ» Ia supernovae. يكشف السطوع الظاهري للانفجارات عن مدى ما بعد تلك الانفجارات ومَجَرّاتها. ولطالما كانت تلك «الشموع القياسية» الأداة الأساسية لتقدير معدَّل تمدُّد الكون، وقد أدَّت إلى افتراض علماء الفلك أن هناك «طاقة مظلمة» غامضة تسرع من هذا التمدد.
تعتمد الطريقة على عَقْد مقارنات بين أنواع أخرى من الشموع القياسية في درب التبانة. وفي إصداره الأول، سوف يقيس «جايا» المسافات للآلاف من تلك النجوم؛ قياسات قد تحسم في النهاية التقديرات المتضاربة لمعدل التمدد الكوني.
تهديدات الكويكبات الخفية
أثناء قيامه بمسح السماء، مِن المتوقع أن يكتشف «جايا» المئات من الكويكبات داخل المجموعة الشمسية، حسبما يقول عالِم الفلك في «جايا»، باولو تانجا، من مرصد كوت دازور في نيس، بفرنسا. وعندما يكتشف «جايا» جرمًا قريبًا من الأرض، وليكن كويكبًا يضعه مداره ضمن مسافة تبلغ حوالي 200 مليون كيلومتر من الأرض، يمكن لـ«جايا» أن ينبِّه المراصد؛ كي تستخدم التليسكوبات الأرضية لتحديد ما إذا كان الجرم يمثل تهديدًا، أم لا. يقول أنتوني براون ـ الفلكي بمرصد ليدن في هولندا، ورئيس اتحاد معالجة بيانات «جايا» ـ إن «جايا» سوف يمسح السماء بأكملها تقريبًا، وقد يكشف عن أجرام تكون ـ في أوقات معينة ـ قريبة جدًّا من الشمس، بحيث لا يمكن رصدها من الأرض، كما ستمكِّن مسارات الكويكبات «جايا» من إجراء اختبارات حساسة للنظرية النسبية العامة.