أخبار

الحمض النووي يكشف عن أربعة أنواع من الزراف

اكتشاف يمكن أن يعيد توجيه جهود المحافظة على حيوانات الزراف الأثيرة.

كريس وولستون
  • Published online:

يُوجَد سِرٌّ لدى واحد من أكثر الحيوانات الأفريقية الأثيرة، إذ يشير تحليل وراثي إلى أن الزراف ليس نوعا واحدًا، بل أربعة، وهو اكتشاف يمكن أن يغيِّر الطرق التي يتبعها علماء المحافظة على الأنواع في حماية حيوانات الزراف.

سبق أن قَسَّمَ الباحثون الزراف إلى عدة سلالات، اعتمادًا على أنماط تلوُّن جلدها، والمكان الذي تعيش فيه، غير أن الفحص الدقيق لجينات الزراف يكشف عن أنها يجب أن تُقَسَّم بالفعل إلى أربعة أنواع مختلفة، لا يحدث بينها تَزاوُج في البرية، حسبما أفاد علماء في بحث نُشر في يوم 8 سبتمبر في دورية «كارانت بيولوجي» Current Biology1. وقد كشفت دراسات وراثية سابقة2 عن وجود مجموعات مبعثرة من الزراف، لم تختلط إلا نادرًا، لكن هذه هي الدراسة الأولى التي تكشف عن وجود اختلافات على مستوى النوع، كما يقول المؤلف الرئيس للبحث، أكسل يانكه، وهو عالِم وراثة في جامعة جوته بفرانكفورت، ألمانيا. "كان اكتشافًا مدهشًا"، حسب قول يانكه، مشيرًا إلى أن الزرافات كثيرة التحرك، وأنها حيوانات تنتشر على مساحات كبيرة، بما قد يتيح لها فرصًا كثيرة للتزاوج الداخلي، إذا رغبت في ذلك. يقول يانكه: "السؤال الذي يساوي مليون دولار هو: ما الذي أبقى هذه الحيوانات بعيدةً عن بعضها البعض في الماضي"، ويُخَمِّن أن الأنهار أو الحواجز الطبيعية الأخرى  هي التي حافظت على مجموعات منفصلة لفترات طويلة بما يكفي لنشوء أنواع جديدة.


اجترار الأفكار حول الحيوانات المجترة

تتبعت الدراسة انتشار 7 تسلسلات جينية محددة ـ تم اختيارها لقياس التنوع الجيني ـ في الحمض النووي المأخوذ من أنوية عينات نسيجية من 190 زرافة. حللت الدراسة أيضًا الحمض النووي المأخوذ من ميتوكوندريا تلك الحيوانات. وتَبيَّن أن التسلسلات تنقسم إلى أربعة أنماط محددة، تشير بقوة إلى أنواع مختلفة. ويقول يانكه إن الأنواع الأربعة يختلف أحدها عن الآخر بقدر اختلاف الدب البني (Ursus arctos) عن الدب القطبي (Ursus maritimus).

ويقترح الباحثون أن يُستَبدَل باسْم النوع الحالي (Giraffe camelopardalis) أربعةُ أسماءٍ جديدة، هي: الزرافة الجنوبية (G. giraffa)، التي توجد في جميع أنحاء جنوب أفريقيا وناميبيا وبوتسوانا، وزرافة ماساي (G. tippelskirchi) الموجودة في تنزانيا وكينيا وزامبيا، والزرافة الشبكية (G. reticulate) التي توجد في كينيا والصومال وجنوبي إثيوبيا، والزرافة الشمالية (G. camelopardalis)، التي توجد مبعثرة في وسط وشرقي أفريقيا، ليتبقَّى بذلك نوع فرعي واحد، هو الزرافة النوبية (G. camelopardalis camelopardalis) التي توجد في إثيوبيا، وجنوب السودان.

يقول جورج أماتو، وهو عالِم أحياء متخصص في حماية الأنواع بالمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك، الذي أجرى بحوثًا مكثفة على الوراثة في الحياة البرية الأفريقية: "إن هذه الدراسة مقنعة إلى حد ما، وأنا أُثَمِّن العلم وما يضيفه إلى فَهْمنا للجغرافيا الحيوية الأفريقية".

وحسب قول يانكه، فإن هذه الاكتشافات تتضمن ما يمكن أن يخدم الحفاظ على الأنواع، فكل أنواع الزراف تجب حمايتها، مع إعطاء اهتمام خاص للزرافات الشمالية والشبكية، فكلا النوعين يضم أقل من عشرة آلاف زرافة. ولقد انخفض العدد الكلي للزرافات من أكثر من 140 ألفًا في تسعينات القرن الماضي إلى أقل من 80 ألفًا اليوم، والسبب غالبًا هو فقدان الموائل، وكثافة الصيد، وذلك طبقًا لما تقوله مؤسسة الحفاظ على الزراف، بيد أن الاستفادة من هذه الاكتشافات بتوجيه جهود المحافظة على الأنواع قد تكون صعبة، لأنه ليس واضحًا دائمًا كيف يمكن أن تقود المعرفة القرارات الخاصة بحماية الحيوان. يقول آرون شيفر، وهو عالِم وراثة بجامعة ترِنْت في بيتربورو بكندا: "إننا حتى الآن لسنا قادرين على تقدير قوة علوم الجينوم في مجال الحفاظ على الأنواع".


استيضاح الأمور

يشير أماتو إلى التشابه القوي بين حالة الزراف، وحالة الفيلة الأفريقية، التي ظلت تُصَنَّف على أنها نوع واحد، إلى أن وَفَّرَت دراسة3 نُشرت عام 2010 دليلًا وراثيًّا على أن هناك في الحقيقة نوعين من الفيلة: فيلة الغابة (Loxodonta cyclotis)، وفيلة السافانا (Loxodonta africana)، وهو الاكتشاف الذي عزَّز مطالب توفير حماية إضافية لفيلة الغابة، النوع الأندر بين الاثنين، غير أن تقديرات الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة ما تزال تتعامل مع هذه الحيوانات على أنها نوع واحد، بسبب الخشية من أنْ يؤدي تقسيمها إلى نوعين إلى وضع الأفيال الهجينة في منطقة ضبابية فيما يخص جهود الحفاظ على الفيلة.

لقد كانت الأدلَّة على أن كثيرًا من مجموعات الثور الأمريكي (Bison bison) التي تحمل القليل من الحمض النووي للماشية المدجنة4 مثيرة للمخاوف حول ما إذا كان إنقاذ القطعان الملوثة يستحق العناء، أم لا، نظرًا إلى أن تلك القطعان لم تكن بَريَّةً تمامًا. وقد أقام أماتو وعلماء أحياء آخرون الحجة على أن هذه الحيوانات ما تزال تستحق الحماية، حيث يقول أماتو: "إنها ثيران تؤدي وظيفتها البيئية بفاعلية".

وكما يقول أماتو، فليس واضحًا ما إذا كانت هذه الدراسة ستصبح ذات تأثير في مجال المحافظة على الزراف، أم لا. ويمكن أن يكون أسرع هذه التأثيرات ملموسًا في حدائق الحيوان التي تقوم بمبادلة الحيوانات الثديية لأغراض التناسل، فلقد عرف الباحثون الآن أنواعًا عديدة، ومن ثم يمكن أن يسهِّل ذلك على القائمين على حدائق الحيوان أن يعثروا على الحيوانات المناسبة.

لقد كان ممكنًا أن يتم اكتشاف هذه الأنواع من الزراف في وقت سابق، لكن العِلم أهمل هذه الحيوانات. يقول أماتو: "لقد كانت الزرافات كثيرة ومنتشرة نوعًا ما في بيئاتها، ولم تكن تمثل هدفًا ثمينًا للصيادين"، ويضيف: "إنها حيوانات أثيرة، لكنها لم تُعامَل المعاملة الواجبة للحفاظ عليها".

  1. Fennessy, J. et al. Curr. Biol. http://dx.doi.org/10.1016/j.cub.2016.07.036
    (2016).
  2. Brown, D. M. et al. BMC Biol. 5, 57 (2007).
  3. Rohland, N. et al. PLoS Biol. 8, e1000564 (2010).
  4. Hedrick, P. W. J. Hered. 100, 411–420 (2009).