أخبار
خلايا يكتنفها الغموض
عيّنات من خط خلوي واسع الاستخدام في دراسات سرطان المخ، ظهر أنها لا تتماشى ومصدرها الذي يعود عمره إلى 50 عامًا مضت.. ما أثار حيرة الباحثين.
- Nature (2016)
- doi:10.1038/nature.2016.20515
- English article
- Published online:
الخط الخلوي U87 أتى من ورم دبقي يشبه هذا الورم، لكنْ يظل مصدره مجهولًا. Steve Gschmeissner/Science Photo Library
دائمًا ما يتم حَثّ الباحثين في مجال الطب الحيوي على التيقُّن من أن تكون الخطوط الخلوية الخاصة بهم خالية من أي ملوِّثات، أو أخطاء في التصنيف، لكن حَسْب دراسة أجريت مؤخرًا، فإنّ أي جهود تُبذل لإثبات أصالة أحد الخطوط الخلوية لن تجدي نفعًا أفضل من مقارنتها بالمعايير المرجعية.
في يوم 31 من شهر أغسطس الماضي، أعلن باحثون أنّ خطًّا خلويًّا معينًا يُستخدَم على نطاق واسع لدراسة سرطان المخ قد تَبَيّن أنّه لا يتماشى مع الخلايا التي استُخدمت في إنشائه قبل 50 عامًا، ولا مع الورم الذي يعود إليه مصدره (M. Allen et al. Sci. Transl. Med. 8, 354re3; 2016). في الواقع، لا يوجد أحد متيقِّنًا تمامًا من المنشأ الحقيقي للخط الخلوي الذي توزعه معظم المستودعات الخلوية.
ولأنّ عددًا قليلًا من الخطوط الخلوية يجري التحقق من أصالتها، عن طريق مقارنتها بالمادة الأصلية الأولية، يقول كريستوفر كورش، الباحث في علم الوراثة في جامعة كولورادو دنفر: "إن هذه الورقة البحثية في الغالب ما هي إلا غيض من فيض".
تحاول مجموعات كثيرة معالجة مشكلة الخطوط الخلوية المعرفة بشكل خاطئ بغية تحسين قابلية إعادة إنتاج نتائج الأبحاث. وقد بدأت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية هذا العام تطلب من المتقدمين بطلبات التمويل وَصْف الكيفية التي سيتحققون بها من أصالة الخطوط الخلوية الخاصة بأبحاثهم. كما بدأت دوريات علمية، مثل دورية Nature، تطلب من مؤلفي الأبحاث فحص الخلايا التي يعملون عليها، ومقارنتها بقاعدة بيانات تحتوي على 475 خطًّا خلويًّا (الرقم في تزايد)، يُعرف عنها أن بها بعض الخلط.
لم تَدْعُ أي من المنظمات للتجسس الأرشيفي، الذي نتجت عنه تلك الدراسة الحديثة. "إنّه لمن الصعب دفع الباحثين إلى التحقق من أصالة الخطوط بالطريقة القياسية"، حسب قول ليونارد فريدمان، مدير المعهد الدولي للمعايير البيولوجية، وهي منظمة غير ربحية تعمل في واشنطن العاصمة، وكانت قد وجدت أنّ معظم الباحثين في علوم الحياة لم يتحققوا أبدًا من أصالة الخلايا الخاصة بعملهم (L. P. Freedman et al. BioTechniques 59, 189-192; 2015). ويضيف: "الفكرة الجديدة أكثر تفصيلًا بكثير".
أُنشئ الخط الخلوي الذي يدور الجدل حوله ـ المسمى U87 ـ في عام 1966 في جامعة أوبسالا بالسويد، باستخدام نسيج من سيدة تبلغ 44 عامًا، كانت تعاني من نوع شرس من سرطان المخ، يُطلق عليه اسم «ورم أرومي دِبْقي». وقد استُخدم منذ ذلك الحين في عدد لا حصر له من الأبحاث التي نتج عنها حوالي 2000 ورقة بحثية.
في البداية، أثار الحماس نحو U87 حيرة بينكت ويسترمارك، المتخصص في علم الأحياء الخاص بالأورام في جامعة أوبسالا. عندما كان يدرس بمرحلة الدراسات العليا في السبعينات، قام ويسترمارك بدراسة ثمانية خطوط خلوية مختلفة لسرطان المخ، ويقول عن الخط الخلوي U87: "كان العمل به أمرًا ميؤوسًا منه"، إذ كان معدل نموه أبطأ كثيرًا عن الخطوط الأخرى.
بعد سنوات من ذلك، حصل ويسترمارك على نسخة من الخط الخلوي U87، توزِّعها المؤسسة الأمريكية لتجميع المستنبتات حسب النوع (American Type Culture Collection - ATCC)، وهي بمثابة مستودع للخلايا في ماناساس في ولاية فيرجينيا. استطاع ويسترمارك أن يلاحظ من مواصفات نمو الخلايا أنّ الخط الخلوي U87 كان يختلف بشكل واضح عن الخلايا التي أَشَْقَته أثناء دراسته؛ لذا قرر إجراء مقارنة رسمية.
ولحسن الحظ، كانت جامعة أوبسالا قد حافظت على نسيج الورم الذي أُنشئ منه الخط الخلوي الأصلي؛ ما مكّن فريق ويسترمارك من التحقق من هوية العينة الأرشيفية من U87 المحفوظة في جهاز التبريد. عندها، استخدم الباحثون تقنيات تحديد بصمة الحمض النووي؛ لإثبات أنّ العينة التي توزعها مؤسسة ATCC كانت مختلفة، وأنّها لم تتطابق مع أي خط خلوي آخر أُنشئ في جامعة أوبسالا.
قالت مسؤولة العلوم والتكنولوجيا لدى المؤسسة إنّ المستودع قد حصل على الخط الخلوي U87 الموجود لديها في عام 1982 من مركز سلون كيترينج التذكاري للسرطان في مدينة نيويورك، الذي بدوره استلم الخط الخلوي من جامعة أوبسالا في عام 1973. وعند وصوله إلى المؤسسة، كان الخط الخلوي يحتوي على كروموسوم Y، على الرغم من أنّه كان قد قيل أنّه أُخِذ من امرأة، مما يعني أنّ الخلط قد وقع ـ على الأغلب ـ في مركز سلون كيترينج، أو أثناء إحدى عمليات التسليم.
وفي ظل كل هذه الاكتشافات، تعتزم مؤسسة ATCC تحديث تفاصيل خلفية الموضوع في قوائمها الخاصة بالخط الخلوي U87، الذي تصفه على أنّه مذكر؛ بينما يظل مصدره غامضًا.
وقد أجرى فريق ويسترمارك مقارنة لتوصيفات التعبير الجيني التي أشارت إلى أنّ الخط الخلوي الخاص بمؤسسة ATCC جاء من ورم في المخ. يقول ويسترمارك إزاء ذلك: "إنها لأخبار سيئة ألّا يكون كما كان معتقَدًا.. لكن الخبر الجيد أنّه في الغالب ورم أرومي دبقي"؛ مما يعني أنّ الدراسات التي أُجرِيت على الخط الخلوي U87 ما زالت تعكس علم الأحياء الخاص بسرطان المخ، ولا يتوجب علينا طرحها جانبًا، كما يقول.
ومع ذلك، يعتقد الكثير من الباحثين في مجال السرطان أنّ الوقت قد حان لتَخَطِّي U87 وخطوط خلوية «تقليدية» أخرى، بصرف النظر عن مصادرها، لأنّ ظروف المزرعة التي استُخدمت في الماضي لتنمية الخلايا تُغيِّر طبيعتها البيولوجية. وبات ويسترمارك وآخرون غيره يفضلون استخدام خطوط خلوية أحدث، جرت تنميتها وتكاثرها باستخدام أنواع من وسائط النمو تضمن الاستقرار الجيني وغير الجيني، بينما تقدّم جامعة أوبسالا من خلال البنك الحيوي لمستنبتات خلايا الأورام الدبقية البشرية Human Glioma Cell Culture biobank التابع لها هذه الأنواع من الخلايا لباحثين آخرين مقابل رسوم قليلة لتغطية تكاليف المعالجة.
يقول هوارد فاين، باحث في علم الأورام العصبية في معهد وايل كورنيل لأورام المخ في مدينة نيويورك: "ما اعتدنا استخدامه قديمًا لا يمثل الأمراض البشرية جيدًا. ولذا.. سأكون سعيدًا، إن استطاع أحد ما القضاءَ على الخط الخلوي U87 يومًا ما".