أخبار

مخاوف الأمان تهدد علاج واعد للسرطان

مع اقتراب علاج الأورام الأول الذي يَستخدِم الخلايا التائية من الحصول على موافقة الولايات المتحدة، يتسابق الباحثون لهندسة نسخٍ منه أقل سُمِّيَّة.

هايدي ليدفورد
  • Published online:

<p>خلايا ليمفاوية أثناء الانقسام، يمكن تحطيمها بعلاج CAR-T.</p>

خلايا ليمفاوية أثناء الانقسام، يمكن تحطيمها بعلاج CAR-T.

Steve Gschmeissner/SPL


علاج جديد رائد يعمل من خلال توظيف الخلايا المناعية التائية لمحاربة السرطان، يشق طريقه الآن نحو الجهات التنظيمية، مدعَّمًا بنجاحه الإكلينيكي غير المسبوق، ووفرة المستثمرين المهتمين به، إلا أنّ تقدُّم العلاج الجديد – واسمه CAR-T - أعاقته السُّمِّيَّة المرافِقة لاستخدامه، بعد ورود تقارير عن عدة حالات وفاة حدثت أثناء التجارب الإكلينيكية المجراة لاختباره. وحتى مع استعداد أول شركة للتقدم بطلب إلى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في نهاية هذا العام، يسعى العلماء جاهدين لجعل استخدام الخلايا التائية فائقة الشحنة أكثر سلامة.

يقول أنتوني واكر ـ وهو شريك إداري في شركة "ألاكريتا" Alacrita الاستشارية في لندن ـ إن القيام بذلك أمر ضروري؛ من أجل توسيع نطاق استخدام العلاج. ويتابع: "في اللحظة الحالية، يبدو كعلاج  بُطُولِيّ"، فهو علاج منهِك، يمكن استخدامه مع أولئك الذين لم تنجح معهم أي علاجات أخرى. "يمكنه في بعض الأحيان إنقاذ المرضى الذين لا يفصلهم عن الموت سوى القليل".

تبدأ أغلب خطوات علاج CAR-T بجمع خلايا دم بيضاء من المريض، ثم غربلة الخلايا التائية منها، التي يتم هندستها، بحيث تتمكن من تمييز الخلايا السرطانية؛ ومن ثم تُعاد للمريض، كي تبدأ معركتها في الجسم. وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحًا ملحوظًا في سرطان الدم والأورام الليمفاوية، إذ إنه في إحدى الدراسات، اختفت كل علامات سرطان الدم لدى 90% من المرضى الذين تَلَقُّوا العلاج(S. L. Maude et al. N. Engl. J. Med. 371, 1507–1517; 2014).

وأثارت مثل هذه النتائج حماس المستثمرين. يقول واكر: "أشعلت النتائج المجال كله". بدأت شركة المستحضرات الدوائية السويسرية العملاقة "نوفارتِس" Novartis الاستثمار في التقنية في عام 2012. وفي عام 2014، استطاعت شركة "كايت فارما" Kite Pharma في سانتا مونيكا بكاليفورنيا ـ المختصة بعلاج CAR-T ـ جمع 128 مليون دولار أمريكي، عقب طرح أسهمها للتداول. وبعد بضعة أشهر، قامت إحدى منافساتها، وهي شركة "جونو ثيرابيوتكس" Juno Therapeutics في سياتل بواشنطن بجمع 264 مليون دولار في طرحها الأولي العام.

تسارِع شركة "كايت" الآن لتصبح أول مَن يطرح علاج CAR-T في الأسواق. وكانت الشركة قد حددت الثامن عشر من شهر أكتوبر الماضي موعدًا لإبلاغ المستثمرين بآخِر المستجدات حول خطتها لتصنيع وبيع هذا العلاج المعقد، الذي تتوقع إصداره في عام 2017، غير أن سُمِّيَّة العلاج الجديد قد ثبطت من عزيمة بعض المستثمرين. ففي السادس والعشرين من سبتمبر الماضي، أعلنت شركة "كايت" نتائج التجارب الإكلينيكية التي ظهرت حتى الآن - والتي اعتبرها كثيرون ناجحة - لدى مرضى الأورام الليمفاوية اللاهودجكينية الشرسة (انظر: go.nature.com/2djdqen)، إلا أن حوالي ثلث المرضى تطورت لديهم آثار جانبية عصبية شديدة، وظهر في 18% منهم حالة مميتة، تُسمى متلازمة تحرُّر السيتوكين، التي قد تسبِّب فشل الأعضاء. كما توفي اثنان من المرضى الـ62، نتيجة لتلقِّي العلاج.

"لقد تمكَّن العلاج من تحويل ما كان في الأصل حكمًا بالموت إلى احتمال للشفاء لوقت طويل".

وبالنظر إلى التأثيرات القوية للعلاج، من غير المتوقع أن تثني سميته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عن الموافقة؛ حسب قول المحلل مايكل يي من بنك "آر بي سي كابيتال ماركتس" RBC Capital Markets الاستثماري في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا. ويضيف قائلًا: "لقد تمكَّن العلاج من تحويل ما كان في الأصل حكمًا بالموت إلى احتمال للشفاء لوقت طويل"، إلا أن السُّمِّيَّة تُبقِي على مساحة للتطوير. فإحدى الطرق التي يعمل الباحثون على دراستها؛ بغية تعزيز سلامة العلاج، هي العمل على تحسين معايير اختيار جرعة الخلايا التائية، التي يتلقاها كل مريض. فعلاجات CAR-T عادةً تبدأ بخليط من عدة أنواع من الخلايا التائية، بعضها له وظائف مختلفة جدًّا عن البقية. "ليست كل الخلايا التائية متساوية"، كما يقول ستانلي ريدل، وهو عالِم متخصص في علم المناعة في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل. ولصنع مزيج أفضل من الخلايا التائية، يعمل مختبر "ريدل" أولًا على فرز الأنواع المختلفة من الخلايا، ثم مزجها مرة أخرى بنِسَب محددة. وحتى الآن، كما يقول، تشير التجارب التي خضع لها 140 مريضًا إلى أن هذه الطريقة تقدِّم قدرة أفضل على التحكم في الجرعة والسُّمِّيَّة (انظر: على سبيل المثال C. J. Turtle et al. J. Clin. Invest. 126, 2123–2138; 2016).

وقد قامت مجموعات أخرى بتطوير "مفتاح انتحار"؛ من أجل "إطفاء" خلايا CAR-T في الجسم. فإذا ما زادت السمية، وخرجت عن السيطرة؛ عندها يمكن للأطباء إعطاء عقار يشغل هذا المفتاح - وهو نسخة معدلة من بروتين كاسبيز-9 - ليقوم بدفع خلايا CAR-T؛ لتحطيم نفسها.

بيد أن هذه الطريقة لم تلق صدى واسعًا بين الباحثين الإكلينيكيين، الذين عادةً ما يتَّجِهون إلى معالجة التفاعلات السمية التي يُحْدِثها تناول الدواء مع أدوية أخرى، بدلًا من المخاطرة بوقف العلاج ككل، حسبما أشار ميشيل سادلين، وهو عالِم متخصص في علم المناعة في مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان بمدينة نيويورك. ويقول واكر: "ما تقوم به هو أنك تحطِّم دواءك باهظ الثمن، بعد أن أعطيته للمريض".

أمّا مالكوم برينر - من كلية بايلور للطب في هيوستن بتكساس – فهو يرى أن المفتاح لا يعمل بطريقة "كل شيء..، أو لا شيء"، فإضافة القليل من الدواء المنشط يمكنها أن تقلِّل الآثار السمية، دون قَتْل كل الخلايا التائية المهندَسة.

ويَستخدِم مايكل براون ـ وهو طبيب إكلينيكي، وباحث في السرطان بمستشفى أديليد الملكي في أستراليا ـ نهج "مفتاح الانتحار" في تجاربه الإكلينيكية لعلاج CAR-T؛ من أجل معالجة سرطان الخلايا الصبغية. وحتى الآن، لم يَحْتَجْ أيٌّ من المرضى استخدامه، كما يقول، إلا أن وجود المفتاح يُشْعِره بالأمان أكثر نحو التجربة، حيث تَستهدِف الخلايا التائية نوعًا من البروتين المنتشر أكثر في سرطان الخلايا الصبغية، والموجود كذلك بمستويات منخفضة في خلايا الدماغ الطبيعية.

ويأمل كثير من الباحثين أن يعيدوا إنتاج نجاح علاج CAR-T الظاهر في أنواع سرطان الدم؛ لعلاج الأورام الصلبة، مثل سرطان الخلايا الصبغية. وكما يفعل براون، فإنهم يثابرون لإيجاد بروتينات على الخلايا السرطانية، لا توجد في الأنسجة الطبيعية، يمكنها أن تكون هدفًا ملائمًا لمهاجمتها من قِبَل الخلايا التائية. وتكمن إحدى طرق تحقيق ذلك في التركيز على بروتينات متعددة تظهر على الخلايا السرطانية، حسب قول سادلين. ومن ثم، يهاجم العلاج فقط الخلايا التي تُظْهِر جميع تلك البروتيناتً، وذلك من أجل طرح طريقة أكثر دقة لتمييز الخلايا الورمية؛ لتدميرها.

وتتجه الأنظار حاليًّا نحو شركة "كايت"؛ لمعرفة ما إذا كانت ستتمكن من الحصول على ترخيص الجهات التنظيمية، أم لا؛ لطرح الدواء الخاص بها في المستشفيات. ويراهن واكر بأنه حتى إذا نجحت الشركة في هذا، فلن يكون العلاج سوى بداية لقائمة طويلة من علاجات CAR-T. يقول واكر: "لا زلنا في مرحلة مبكرة في هذا المجال.. فلو قمت بتقديم الزمن لعشر سنوات، أو خمس عشرة سنة؛ أعتقد أننا حينها لن نستطيع تمييز شيء".