أخبار

البذور السورية تنتقل إلى مسكن جديد

ستكون جينات النباتات القديمة في متناول أيدي العلماء مرة أخرى.

شاوني باتاشاريا
  • Published online:

<p>يوفر وادي البقاع اللبناني ثروةً من النظم الإيكولوجية (البيئية)، والآن يستضيف بنك بذور «إيكاردا» المتنامي.</p>

يوفر وادي البقاع اللبناني ثروةً من النظم الإيكولوجية (البيئية)، والآن يستضيف بنك بذور «إيكاردا» المتنامي.

Hussein Malla/AP


يحمل بنكٌ رئيس للبذور في حلب، سوريا، الجينات التي قد تساعد الباحثين في استنسال محاصيل؛ للنجاة من تغيُّر المناخ، ولكنّ الصراع الذي يمزق البلاد جعل البنك لا يمكن الوصول إليه بشكل كبير على مدار السنوات الأربع الماضية. والآن، بدأت محاولة لمضاعفة مجموعة بذور البنك تأتي بثمارها في مواقع يمكن الوصول إليها بسهولة أكثر.

في 29 سبتمبر الماضي، أَطْلَق المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة «ICARDA» ـ الذي يدير بنك البذور في حلب ـ رسميًّا بنكًا شقيقًا في تربل بلبنان، يستضيف الآن 30 ألفًا من البذور المكررة. هذا إلى جانب بنك جديد في الرباط بالمغرب، مما يوفر آلاف البذور في متناول أيدي الباحثين. ويقول أحمد العامري، رئيس الموارد الوراثية في محطة بحوث مركز ICARDA في الرباط: "إن الوضع في سوريا لم يسمح لنا بمواصلة الأنشطة الأساسية لدينا، وأنا سعيد أننا في ICARDA أثبتنا أنفسنا للعودة إلى وَضْعنا الطبيعي مرة أخرى".

تعمل بنوك البذور كحسابات مصرفية للجينات النباتية. ويقوم جامعو البذور بإيداعها، ويمكنهم بعد ذلك أن "يسحبوها" لسدّ النقص في المحاصيل المفقودة في النزاعات، أو الكوارث؛ لإدخال صفات جديدة في المحاصيل، مثل مقاومة الآفات، أو الحرارة، والبحث في تطوُّر النباتات عبر العصور.

ومجموعة ICARDA، التي تم الاحتفاظ بها كليًّا في وقت سابق في بنك البذور في حلب، ذات قيمة خاصة، نظرًا إلى أنها تهدف إلى تجميع البذور من المناطق الجافة في العالم. ويتضمن هذا الهلال الخصيب، الذي يمتد عبر أجزاء من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والقوقاز وغرب آسيا، والذي يُنظر إليه باعتباره مهد الزراعة الحديثة. تحتوي المجموعة على العديد من الأقارب البرية للمحاصيل الحديثة، مثل القمح، والشعير، والعدس، والجلبان المزروع.

ويقول العامري إنّ المركز يوفر للباحثين والمربين حوالي 20 ألف عينة في المتوسط كل عام، وأغلب المواد تذهب إلى الولايات المتحدة في المؤسسات الموجودة في ولايات «سلة خبز البلاد»، مثل جامعة كنساس، وجامعة داكوتا الشمالية. والعديد من الأصناف البرية من المناطق القاحلة لها صفات يمكن أن تساعد المحاصيل لمواجهة التحديات التي يفرضها تغيُّر المناخ، بما في ذلك المقاومة للجفاف، والحرارة، والآفات، والتكيف مع الملوحة.

ويقول ماريسيليس أسيفيدو ـ المدير المساعد لعلوم تسليم المكاسب الوراثية في مشروع القمح في جامعة كورنيل في إيثاكا، نيويورك ـ إن بنك الجينات في ICARDA يؤوي بذور القمح، التي هي نتاج لآلاف السنين من التكيف والانتقاء الطبيعي، مضيفًا: "لم يتم استخدام واستكشاف سوى كمية صغيرة فقط من التنوع الوراثي للقمح".

وعلى الرغم من أن معظم الموظفين غادروا موقع ICARDA في حلب في عام 2012، إلا أن القبو هناك في حالة سليمة، وفقًا لعملية التفتيش الأخيرة منذ ثلاثة أشهر، ولكن لم يعد إدخال وإخراج البذور يتم بسهولة.

تمت مضاعفة جميع البذور تقريبًا في بنك ICARDA سابقًا، وإرسالها إلى البنوك في أماكن أخرى، وعلى وجه الخصوص إلى قبو «سفالبارد» العالمي فائق التأمين للبذور في النرويج ـ المعروف أيضًا باسم "قبو يوم القيامة" ـ الذي أُنشئ لتقديم نُسَخ احتياطية من البذور المحفوظة في بنوك البذور في جميع أنحاء العالم، ولكن هذا الكنز الدفين ليس متاحًا للعلماء بسهولة. وعلى النقيض من ذلك، فإنّ المقصود من مجموعة ICARDA أن تكون أساسًا "نشطة"، وبعبارة أخرى، متاحة للمزارعين، والباحثين، والمربين.  

في عام 2015، قام ICARDA بأول سحب للبذور من بنك «سفالبارد»، وهو يستخدمها الآن لتعزيز المخزون في تربل والرباط.  وسوف يعيد ICARDA المخزونات إلى «سفالبارد»، وسوف يسحب عدة دفعات أكثر؛ لإعادة بناء كامل مجموعة حلب.  

يقول موجنس هوفمولير ـ أخصائي أمراض النبات في جامعة آرهوس في الدنمارك، الذي يترأس المركز العالمي المرجعي للصدأ ـ إنّ مضاعفة المجموعة في بنوك للجينات تكون أسهل في الوصول إليها هو أمر حيوي. وقد شارك ICARDA في تأسيس المركز العالمي المرجعي للصدأ، وهو جزء من محاولة للحدّ من تعرُّض العالم لأمراض صدأ القمح الفتاكة. 

ويقول مايكل فان سلاجارين، الذي عمل مع ICARDA منذ عام 1988 إلى عام 1994، ويعمل الآن في موقع الحدائق النباتية الملكية في كيو، واكيهورست، المملكة المتحدة: إنّ اختيار تربل كموقع "خطوة رائعة"، مشيرًا إلى أن تربل تقع في وادي البقاع في لبنان، الذي يوفر تدرُّجًا للظروف المناخية من المناطق شبه الصحراوية إلى المناطق عالية الأمطار، مما يجعله مثاليًّا لاختبار كيف تنمو البذور في النظم الإيكولوجية المختلفة.

قد تجلب هذه الخطوة المخاطر أيضًا، إذ يطلّ بنك الجينات على سلسلة جبال لبنان، التي تشكل جزءًا كبيرًا من حدود لبنان مع سوريا، وليست بعيدة عن الصراع. كما يستضيف وادي البقاع اللاجئين الفارِّين من الحرب الأهلية.

يفكر فان سلاجيرين مليًّا في احتمال أن يمتد النزاع إلى لبنان. ويقول: "يجب عليك أن تتساءل كيف أراحوا بَالَهُم". ويُلاحظ أنه عندما أُنشئ ICARDA في عام 1977، كان مقره في لبنان، ولكن تم نقله إلى سوريا؛ بسبب الحرب الأهلية اللبنانية.

وقد شكَّل التحرك الأخير أيضًا تحديات للموظفين. يقول العامري إن العديد من الأعضاء الذين عملوا لسنوات طويلة كانوا أقرب للتقاعد عندما غادر ICARDA سوريا، وبالتالي لم ينتقلوا إلى تربل. ولا يزال التمويل يشكل قضية، رغم أن ICARDA يتلقى مساعدة مالية ملحوظة مع الانتقال من مختلف الوكالات، بما في ذلك «اتحاد البحوث الزراعية الدولية» CGIAR، وهو مشارَكة عالمية تهدف إلى التخفيف من حدة الفقر والجوع.

إنّ القدرات الحالية لبنوك البذور في تربل والرباط ـ 100 ألف، و35 ألف بذرة، على التوالي ـ لن تصل إلى ما يكفي لمضاعفة كل البذور التي يصل عددها إلى 141 ألف بذرة، وهو ما يمثل نحو 700 نوع من الأنواع المحفوظة في حلب، ناهيك عن الاحتفاظ ببذور جديدة (انظر الشكل: 'المحصورون في مناطق النزاع').

لم تعطِّل الاضطرابات السابقة في لبنان محطة تربل الخاصة بـICARDA. يقول العامري بثقة: "لقد مررنا بعشرين عامًا من القتال، ولم تكن لدينا أدنى مشكلات"، ومع ذلك، يتحدث الرجل المغربي بحزن عن السنوات التي قضاها في العمل بسوريا، قائلًا: "لقد استمتعنا بحياتنا في حلب. إنها واحدة من أجمل الأماكن التي يمكن العيش فيها. لديها شعب رائع.. وبيئة جيدة للبحوث في ICARDA".