أنباء وآراء
حفظ: خريطة بصمة الإنسان على الأرض
تحليل تأثير الإنسان المباشر في أنحاء سطح كوكب الأرض، باستخدام صور الأقمار الصناعية والمسوح الأرضية، يكشف عن نطاق "بصمة الإنسان" على العالَم، وما طرأ عليها من تغيُّرات بين عامي 1993، و2009.
- Nature (2016)
- doi:10.1038/537172a
- English article
- Published online:
تتسبَّب البشرية في تغيُّرات غير مسبوقة للكرة الأرضية، لدرجة أننا ربما نكون بصدد الدخول في حقبة جيولوجية يهيمن عليها الإنسان، يُطلَق عليها عصر الأنثروبوسين2،1، وتخطِّي الحدود البيئية التي يمكننا أن نتعايش فيها بسلام4،3. وينعكس أثر زيادة وحدّة التأثيرات البشرية على المحيط الطبيعي في التغيُّرات التي تطرأ على المَواطن الطبيعية، وأنواع الكائنات التي تعيش بها، وعادةً ما تكون هذه التغيرات بمثابة فقدانها، أو تدهورها. إننا بحاجة إلى فَهْم، ليس فقط أين تحدث الضغوط البشرية، ولكنْ أيضًا أين تكون في أوضح صورها، وكيف تتغير مع مرور الوقت. ومن خلال الاستفادة من توافر مجموعات البيانات العالمية حول مجموعة من الضغوط البشرية على مدار 16 عامًا، تُقَدِّم أبحاث فينتر وزملائه ـ التي نُشرت في دوريّتَي "نيتشر كوميونيكيشنز" 5Nature Communications، و"ساينتفيك داتا" 6Scientific Data ـ التحليل الأول لما يمكن أن نُطْلِق عليه "بصمة الإنسان" المتغيرة على البيئة العالمية.
يمارس البشر ضغوطًا بطرق مختلفة ومتعددة على الكوكب، التي ربما تؤدي بشكل مباشر ـ أو غير مباشر ـ إلى تغيُّرات في الأنظمة الطبيعية (الشكل 1). وقد اتُّخذت الخطوة الأولى في توثيق مواقع تأثير الضغوط البشرية في جميع أنحاء العالم في عام 2002 من قِبَل ساندرسون وزملائه7، الذين قاموا بتطوير إطار عمل لرسم خريطة لبصمة الإنسان باستخدام ثماني مجموعات من البيانات العالمية للأنشطة البشرية. ويمثِّل وضْع مثل هذه الخريطة تحديًا هائلًا، بسبب تعقيد تأثير البشر على الكوكب؛ ومن ثم، كان عليهم اتخاذ بعض القرارات بشأن ما يتعين عليهم تضمينه عند تطوير خريطتهم لبصمة الإنسان في العالَم، وقد اتبع فينتر وزملاؤه النهج نفسه الذي سار عليه ساندرسون وزملاؤه7.
الشكل 1 | بصمات البشر في جميع أنحاء الأرض. قَدَّر فينتر وزملاؤه6،5 نطاق تغيُّر تأثير الإنسان في جميع أنحاء العالم بين عامي 1993، و2009 عن طريق تحليل صور الأقمار الصناعية، أو باستخدام بيانات المسوح الأرضية. وقد تم رصد خمسة جوانب من النشاط الإنساني: المناطق المبنية، والمناطق ذات الكثافة السكانية، والممرات المائية الصالحة للملاحة (الصورة العليا: صورة الأقمار الصناعية من مدينة فينسيا بإيطاليا)؛ والمناطق المزروعة (الصورة الوسطى: مَزارع العنب بالقرب من مدينة ولبة في إسبانيا)؛ والبنية التحتية الكهربائية، مثل الإضاءة الصناعية (الصورة السفلى: شنجهاي في الصين).
قَصَرَ فينتر وزملاؤه تحليلهم على البيئة الأرضية (أي اليابسة)؛ لأنّ قياس بصمة الإنسان في البيئة البحرية سيتطلب نهجًا مختلفًا، ومجموعات بيانات مختلفة؛ فركّزوا على المقاييس المباشرة ـ بدلًا من غير المباشرة ـ للتأثيرات البشرية التي تتوفر لها بيانات، ولم يستخدموا سوى مجموعات البيانات المتاحة ذات التغطية العالمية، والكفاءة العالية، التي يسهل الحصول عليها. وتم استبعاد القارة القطبية الجنوبية والعديد من الجُزُر المحيطية التي لم تغطِّها مجموعات البيانات العالمية تلك. وكان الهدف من تلك القرارات هو تحقيق التناسب بين توفُّر البيانات الحالية، وطموح تطوير إطار عالمي لتقدير التأثيرات البشرية على البيئات على اليابسة.
وقد أضاف المؤلفون إضافات جوهرية لعمل ساندرسون وزملائه، وعملوا على تحديثه من خلال تحليل أحدث مجموعات البيانات الشاملة المتاحة، ومن خلال إضافة تقييم لتغيُّرات البصمة البشرية بمرور الزمن. وإضافة إلى ذلك.. يقدِّم فينتر وزملاؤه خدمة للمستقبل، من خلال تقديم وَصْف واضح لجميع مجموعات البيانات6، وكيفية استخدامها. وهذا من شأنه أن يسهِّل الوصول إلى البيانات وطرق المعالجة، بحيث يمكن تطوير النهج، كما أنه سوف يتيح إمكانية تقييم التغيرات في أنماط التأثير البشري في المستقبل باستخدام البيانات المتاحة في ذلك الوقت.
يكمن صميم عمل فينتر وزملائه في الجَمْع بين مجموعات البيانات حول عديد من الضغوط؛ للتوصل إلى تقييم لكيفية تراكُم التأثيرات البشرية، وهو نهْج يقول عنه المؤلفون إنه أكثر دلالةً على مجمل الضغوط البشرية المباشرة من رسم خرائط لضغوط منفردة، بعضها أسهل في التوصل إليه من غيره. والنتيجة هي الحصول على "خريطة تهديد تَراكُميّة"5 وبصمة بشرية تمثِّل تَراكُم مجموعة من الضغوط المتباينة. وقد حَدَّد فينتر وزملاؤه ثماني مجموعات من البيانات، تمثل الكثافة السكانية، وتغيُّر طبيعة الأرض، وطرق المرور التي استخدمها البشر، والبنية التحتية للطاقة الكهربائية؛ لتكون بمثابة توثيق لهذه البصمة. وقد جُمعت بيانات بتقنية الاستشعار عن بُعْد، في حين تم جمْع البعض الآخر من خلال المسوح الأرضية.
وهناك ثلاث مجموعات من البيانات (عن المراعي، والطرق، والسكك الحديدية) لم تكن متاحة للتواريخ التي يحتاج إليها المؤلفون؛ لإجراء مقارنات عبر الزمن، ومن ثم لم تُستخدم عند تقييم التغيير. وهذا يجسِّد تحدي الإجابة على السؤال الجوهري حول كيف تغيُّر التأثير البشري على البيئة الطبيعية الأرضية للكوكب. وإذا ما أُجريت دراسة للإجابة عن هذا السؤال، تبدأ من نقطة الصفر؛ فإنها ـ غالبًا ـ لن تنجح في الانطلاق، نظرًا إلى حجم عملية جمع البيانات المطلوبة. وتمثل الدراستان اللتان أجراهما فينتر وزملاؤه معًا نهجًا عمليًّا للتعامل مع هذه التحديات.
وكان أبرز النتائج التي توصلوا إليها هو أن الآثار المباشِرة للتطور البشري يمكن قياسها في 75% من الأنظمة البرية في العالَم، وأن البصمة البشرية قد زادت بنسبة 9% بين عامي 1993، و2009، وهي الفترة التي زاد فيها تعداد السكان بنسبة 23%، والاقتصاد العالمي بنسبة 153%. وتَكشِف مقارنةُ البصمات ملاحظات مثيرة للاهتمام، وتستحق مزيدًا من التحليل، وربما يجب أن تصل إلى مسامع مَن بأيديهم رسم السياسات، واتخاذ القرارات، بما في ذلك الحكومات. فعلى سبيل المثال، تنحصر "المناطق الخالية من الضغوط" حاليًّا في خطوط العرض الشمالية البعيدة عن خط الاستواء، وبعض الصحارى، والمناطق النائية من غابات الأمازون والكونغو المطيرة. ويختلف التغير في البصمة البشرية على مدار تلك الفترة مع الجغرافيا والمَواطن الطبيعية؛ فقد أظهرت مناطق، مثل التندرا في أمريكا الشمالية، ومعظم غابات غينيا الجديدة، وبعض الغابات في المناطق المدارية الجديدة (الجزء الاستوائي من القارة الأمريكية) أكبر زيادة في تأثير الإنسان.
وعلى الرغم من أن هذه النتائج تثير في الذهن أفكارًا تستحق الدراسة والفحص، إلا أنها سوف تثير أيضًا تساؤلات ـ فيما يتعلق بالتحذيرات والخصائص ـ حول البيانات المتاحة، وإلى أيّ مدى تعكس الضغوط البشرية على الأنظمة البيئية الأرضية بصورة ملائمة. وهذا أمر لا مفر منه عند التعامل مع قضية شديدة التعقيد من عدة جوانب؛ فبدلًا من التقليل من شأن هذا العمل، يجب أن يحثّنا هذا على تحسين الأساس النظري، والتنفيذ الفني له؛ حتى يتسنى لنا في المستقبل تطوير خريطة أفضل للتأثيرات البشرية في جميع أنحاء اليابسة في العالم.
إنّ كوكب الأرض يخضع لتغيُّرات جوهرية، ونحن بحاجة إلى طرق لفَهْم كيف تَتَّحِد الضغوط البشرية التي نمارسها على هذا الكوكب، والإخبار بما نتوصل إليه. لقد أنشأ فينتر وزملاؤه إطار عمل، من شأنه أن يتيح للباحثين تعقُّب مجموعة من الضغوط المباشرة، ثم تقديم معلومات يمكن أن تكون ذات أهمية لأولئك الذين يتخذون قرارات سياسية رفيعة المستوى.
ومع ذلك.. فإننا بحاجة إلى أن نُضِيف إلى إطار العمل هذا؛ فعلى سبيل المثال.. ليس لدى علماء البيئة مقياس منفرد حتى الآن؛ لقياس تأثير الصيد عبر الأنظمة البرية، وهذا من شأنه أن يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام، نظرًا إلى الضغوط الهائلة الناتجة عن الاستغلال الجائر للأنواع8، والضغوط المتزايدة من التجارة غير المشروعة في الحياة البرية9. وسيكون من المذهل ـ وعلى الأرجح مِن المثير للقلق ـ أن نرى كيف يمكن لهذا المقياس أن يغيِّر خريطة بصمة الإنسان.
References
- Crutzen, P. J. & Stoermer, E. F. IGBP Global Change Newsl. 41, 17–18 (2000).
- Corlett, R. T. Trends Ecol. Evol. 30, 36–41 (2015).
- Rockström, J. et al. Nature 461, 472–475 (2009).
- Steffen, W. et al. Science 347, 1259855 (2015).
- Venter, O. et al. Nature Commun. http://dx.doi.org/10.1038/ncomms12558 (2016).
- Venter, O. et al. Sci. Data http://dx.doi.org/10.1038/sdata.2016.67 (2016).
- Sanderson, E. W. et al. BioScience 52, 891–904 (2002).
- Sanderson, E. W. et al. BioScience 52, 891–904 (2002).
- United Nations Environment Assembly. Resolution 2/14 Illegal trade in wildlife and wildlife products. Available at go.nature.com/2bzmsdv