أخبار

الخوف من تلوث المريخ قد يحوِّل مسار كيريوسيتي

يجب على «ناسا» أن تمنع وصول ميكروبات الأرض إلى خطوط انحدار تلال المريخ، التي يُحتمل احتواؤها على الماء.

ألكسندرا ويتز
  • Published online:

<p>صورة التقطها مسبار كيريوسيتي للمريخ، عند سفح جبل أيولس مونس، قبل أن يبدأ في تسلق الجبل.</p>

صورة التقطها مسبار كيريوسيتي للمريخ، عند سفح جبل أيولس مونس، قبل أن يبدأ في تسلق الجبل.

NASA


خلال رحلته التي امتدت أربع سنوات حتى الآن على سطح المريخ، يواجه مسبار كيريوسيتي ـ التابع لوكالة «ناسا» ـ تحديًا غير متوقع، وذلك أثناء محاولته شق طريقه بسلام بين عشرات الخطوط الداكنة، التي قد تشير إلى وجود مياه تسيل على منحدرات الكوكب الأحمر.

وعلى الرغم من رغبة العلماء في فحص تلك الخطوط من مسافة قريبة، إلا أن قواعد دولية صارمة تحظر على كيريوسيتي لمس أي جزء من سطح المريخ يمكن أن يحوي ماء سائلًا، وذلك لمنع التلوث. وبما أن المسبار بدأ في تسلُّق جبل «أيولس مونس» ـ جبل الريح ـ في أكتوبر، فقد كان من المحتمل أن يمر على بضعة كيلومترات من خطوط داكنة تكوَّنت وتحولت ما بين فبراير ويوليو 2012 بطرق توحي بوجود مياه متدفقة.

يحاول المسؤولون في «ناسا» تحديد ما إذا كان يمكن لميكروبات الأرض العالقة بمسبار كيريوسيتي تلويث مياه المريخ من على بعد، أم لا، فإذا كانت نسبة المخاطرة مرتفعة للغاية، فيمكن لـ«ناسا» تغيير مسار المسبار، ولكن ذلك من شأنه أن يمثل تحديًا جغرافيًّا شاقًّا، حيث إن هناك مسارًا واحدًا فقط واضحًا يؤدي إلى التكوينات الجيولوجية القديمة، التي يتوق علماء كيريوسيتي منذ سنوات إلى أَخْذ عيِّنات منها (انظر: هل المريخ رطب تمامًا؟).

يقول أشوين فاسافادا، الباحث بمشروع كيريوسيتي في مختبر الدفع النفاث التابع لـ«ناسا» في باسادينا بولاية كاليفورنيا: "نحن متحمسون جدًّا للوصول إلى هذه الطبقات، والعثور على المياه، البالغ عمرها 3 مليارات عام، لا تلك التي عمرها عشرة أيام".

شُوهدت تلك الخطوط ـ التي تُسمى «خطوط المنحدرات المتكررة» RSLs، لأنها تظهر ثم تتلاشى، ثم تعود إلى الظهور موسميًّا على المنحدرات الشديدة ـ للمرة الأولى1 على سطح المريخ قبل خمس سنوات، في عدد قليل من الأماكن. يصل العدد الإجمالي الآن إلى 452 من خطوط المنحدرات المتكررة المحتملة. وأكثر من نصف تلك الخطوط يوجد في وادي «فاليس مارينيرس» الاستوائي الضخم، لكنها تظهر أيضًا في دوائر العرض وخطوط الطول الأخرى. يقول ديفيد ستيلمان، المتخصص في علم الكواكب في معهد ساوث ويست للأبحاث في بولدر، كولورادو، الذي يقود عملية إعداد القوائم: "عثرنا عليها في كل مكان".


العلامات الداكنة

تبلغ أبعاد خطوط المنحدرات المتكررة عادةً بضعة أمتار عرضًا، ومئات الأمتار طولًا. وهناك فكرة رائجة تقول إنها تتشكل عندما ترتفع درجة حرارة سطح المريخ البارد بما يكفي لذوبان الجليد على سطحه، ومن ثم لتسيل المياه إلى أسفل المنحدرات. وعندما تنخفض درجات الحرارة؛ يتجمد الماء، لتظهر تلك الخطوط مرة أخرى حتى الموسم التالي، ولكن الأمر يزداد تعقيدًا في وجود عوامل أخرى، مثل الملح المحتمَل وجوده في الماء، حيث إن المياه المالحة قد تسيل في درجات حرارة أقل من المياه العذبة2.

تشمل تفسيرات أخرى محتمَلة للخطوط المياه المتكاثفة في الغلاف الجوي، أو تيارات من الحطام الجاف تمامًا. يقول كولن دونداس، المتخصص في جيولوجيا الكواكب في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في فلاجستاف بولاية أريزونا: "لهذه الخطوط سلوك يشبه إلى حد كبير سلوك الماء السائل، لكن المريخ مكان غريب، ويستحق النظر في إمكانية احتوائه لظواهر جافة قد تفاجِئنا".

Source: Route: NASA; Terrain: ASU; RSLs: Ref. 4


استخدَمَت دراسةٌ نُشرت في أغسطس بيانات بالأشعة تحت الحمراء المدارية، لتشير إلى أن خطوط المنحدرات المتكررة النمطية لا تحتوي على الماء3 بأكثر من 3%، وبالتالي فإن ملامح المنحدرات الخطية المريخية ـ المعروفة بالأخاديد، التي كان يُعتقد في البداية أن سببها الماء السائل ـ يُعتقد الآن أنها ناجمة في الغالب عن تجمُّد ثاني أكسيد الكربون.

أحصى دونداس وزملاؤه 58 من خطوط المنحدرات المتكررة المحتملة، قرب موقع هبوط كيريوسيتي في فوهة «جيل»4، حيث ظهر الكثير منها بعد عاصفة غبار هائلة شملت الكوكب في عام 2007، ربما لأن الغبار عمل بمثابة صوبة حرارية مسبِّبة لاحتباس حراري مؤقت، رفع درجة حرارة سطح الكوكب، كما يقول ستيلمان.

ومنذ يناير، يستخدم علماءُ المهمة جهاز التحليل الطيفي الليزري والتصوير عن بُعد «كيم كام» ChemCam الموجود على متن المسبار ـ ويحتوي على تليسكوب صغير ـ لتصوير الخطوط القريبة، كلما أمكن ذلك. وحتى الآن، صَوَّر المسبار 8 مواقع فقط من أصل 58 موقعًا، ولم يرصد أي تغيير؛ فالمعالم المرصودة ما هي إلا خطوط على المنحدرات، لكنها لم تُكَرَّر حتى الآن. يقول ريان أندرسون، وهو جيولوجي في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ويقود عمليات التصوير: "لقد حصلنا على حرفين من ثلاثة أحرف لحل الأحجية".

يقع كيريوسيتي حاليًّا على بُْعد 5 كيلومترات تقريبًا من خطوط المنحدرات المتكررة المحتملة. وتبعًا للمسار المخطَّط له، فلن يتمكن من الاقتراب لأقرب من حوالي كيلومترين، كما يقول فاسافادا، حيث لا يمكن فيزيائيًّا أن يندفع المسبار صعودًا ليلمس تلك الخطوط، حتى لو أراد ذلك، لأنه لا يمكنه السير على منحدرات ذات ميول تُقَدَّر بـ25 درجة فأكثر، وهي الميول التي تظهر عندها الخطوط.

واقتراب المسبار غير المتوقَّع من خطوط المنحدرات المتكررة، حدا بـ«ناسا» إلى إعادة تقييم بروتوكولاتها لحماية الكواكب. وتم تعقيم كيريوسيتي جزئيًّا فقط قبل إرساله إلى المريخ، ويحسب الآن الخبراء في مَقَرَّي مختبر الدفع النفاث، ووكالة «ناسا» في واشنطن العاصمة، المدة التي يمكن فيها للميكروبات المتبقية البقاء على قيد الحياة في جو المريخ القاسي، وكذلك الظروف الجوية التي يمكن أن تنقلها عدة كيلومترات، بما قد يؤدي إلى تلوث المياه. يقول فاسافادا: "لم يتم قياس ذلك بصورة دقيقة لأيٍّ من مهمات المريخ".

يُعَدّ هذا العمل بمثابة اختبار مبكر لمسبار «ناسا»، المقرر إطلاقه إلى المريخ في عام 2020، الذي سوف يبحث عن الحياة، ويجمع العينات ويدخرها لعودة محتمَلة إلى الأرض. وتوجد خطوط المنحدرات المتكررة في عدد من مواقع الهبوط الثمانية المحتمَلة للمسبار.

وفي الوقت الراهن، ينتهي كيريوسيتي من استكشاف موراي بوتس؛ تلك الأبراج الصخرية الرائعة التي تشكَّلت من رسوبيات في قاع البحيرات القديمة، في بيئة يُحتمل أن تكون من النوع الداعم للحياة؛ ذلك النوع الذي أُرسل المسبار للبحث عنه. وقد بدأت مهمة طويلة ثانية لكيريوسيتي في الأول من أكتوبر. ولتفادي أي حوادث، سيتم تعيين عُمْر المسبار بربطه بمخزونه من الطاقة النووية، الذي سيستمر في التناقص في السنوات القادمة، نتيجة للتحلل الإشعاعي. هذا ولا يزال لدى كيريوسيتي كيلومترات ليستكشفها، في نطاق جبل أيولس مونس، وهو يتحرك نحو وِجْهَته النهائية؛ مجموعة الصخور الغنية بالسُّلفات.

  1. McEwen, A. S. et al. Science 333, 740–743 (2011).
  2. Ojha, L. et al. Nature Geosci. 8, 829–832 (2015).
  3. Edwards, C. S. & Piqueux, S. Geophys. Res. Lett. http://dx.doi.org/10.1002/2016GL070179 (2016).
  4. Dundas, C. M. & McEwen, A. S. Icarus 254, 213–218 (2015).