أخبار
الآلات الأصغر في العالَم تفوز بجائزة نوبل في الكيمياء
تَقاسَم كلٌّ من جان بيير سوفاج، وفريزر ستودارت، وبرنارد فيرينجا جائزة "نوبل" لهذا العام (2016).
- Nature (2016)
- doi:10.1038/nature.2016.20734
- English article
- Published online:
مصمِّمون جُزَيْئِيُّون: برنارد فيرينجا، وفريزر ستودارت، وجان بيير سوفاج. N. Elmehed/Nobel Media 2016
حَصَلَ الكيميائيون الثلاثة الذين ابتكروا الآلات الجزيئية بالغة الصغر على جائزة "نوبل" في الكيمياء لهذا العام (2016)، وذلك لتصميماتهم المعقدة.
تقاسم كلٌّ من جان بيير سوفاج من جامعة ستراسبورج في فرنسا، وفريزر ستودارت ـ الكيميائي الاسكتلندي المولد ـ من جامعة نورث ويسترن في إيفانستون بإلينوي، وبرنارد فيرينجا من جامعة جرونينجن في هولندا، جائزة "نوبل"؛ وذلك للأعمال التي قاموا بها خلال الثمانينات، والتسعينات، ولمجهوداتهم الرائدة في تصغير المحرِّكات في ذلك الوقت.
في مقابلة له مع لجنة "نوبل" بعد الفوز بالجائزة مباشرة، قال فيرينجا: "إنني مندهش بعض الشيء، لأنها كانت مفاجأة عظيمة. وإنه لشرف عظيم لي".
تَمَكَّن ثلاثتهم مِن صُنْع عقد، وناقلات، وآلات دوّارة، وسلاسل، ومضخات، ومحاور دوران، ومفاتيح تشغيل، وأجهزة تخزين للذاكرة، وحتى سيارات نانوية جزيئية. وكل ذلك في نطاق حجم الجزيئات (انظر: "آلات نانوية")، بيد أن الآلات النانوية تلك لم تجد بعد سبيلها في التطبيقات، لكنّ الباحثين يأملون أن يتراوح نطاق استخداماتها بين تطبيقات عدة، بدءًا من إيصال الأدوية داخل الجسم، حتى صناعة ذاكرة للحاسوب.
يستطرد فيرينجا حديثه مع اللجنة قائلًا: "بالطبع ما زال الوقت مبكرًا، لكنْ بمجرد أن تكون قادرًا على السيطرة على الحركة، يصبح لديك محرك؛ ومن ثم يمكنك التفكير في كل الوظائف الممكنة". وأشار إلى إمكانية استخدام تلك الآلات الجزيئية كرُوبوتات بالغة الصغر في الجسم؛ لتوصيل الأدوية، أو الكشف عن الخلايا السرطانية، أو كمواد ذكية لديها القدرة على أن تتكيَّف أو تتغير؛ استجابةً لإشارات خارجية.
وفي مؤتمر صحفي أقيم في جامعة نورث ويسترن في وقت لاحق من اليوم نفسه، قال ستودارت: "يجب عليَّ أن أشِيد بفكرة أنه لأول مرة في الكيمياء تقوم ستوكهولم ـ حيث يتم الإعلان عن جوائز "نوبل" ـ بتقدير عمل كيميائي جوهري من حيث صُنْعه ووجوده".
وحاليًّا، يعمل عدد قليل جدًّا من المعامل بجدّ ونشاط على بناء الآلات النانوية، كما يقول دين استوميان، الذي يدرس نظرية المحرِّكات الجزيئية في جامعة ماين في أورونو، لكنه يعتقد أن المجال سيكتسب دفعة بعد هذه الجائزة. "إن التقدير بمنح جائزة "نوبل" سيجذب الشباب الأفضل"، كما يقول. وهو يرى أيضًا أن هذا العمل سيطرح تطبيقات له في غضون 25 عامًا من الآن. ويضيف: "لا يوجد جهاز في الأسواق الآن مصنوع من آلات جزيئية، لكنها قادمة".
مصمِّمون جُزَيئِيُّون
في عام 1983، كانت مجموعة سوفاج هي أول مَن صنع سلاسل وحلقات جزيئية متشابكة ـ سُمِّيَت "كاتينينات" ـ وكانت تلك هي الخطوات الأولى نحو إنشاء الأجزاء المتصلة اللازمة للمحرِّكات الجزيئية. وأشار ستودارت في مؤتمره الصحفي إلى أنه من خلال صُنْع حلقات متشابكة.. نجحت مجموعة سوفاج بفعالية في اختراع طريقة جديدة لربط الجزيئات معًا، من خلال رابطة ميكانيكية، وليست كيميائية. ويستطرد ستودارت قائلًا: "الروابط الجديدة قليلة ومتباعدة.. وهي حقًّا تشبه في ذلك الأقمار الزرقاء النادرة".
في عام 1991، أنشأ ستودارت أيضًا أول ناقل جزيئي: وهو جزيء على شكل حلقة معقودة حول "محور"، ويُسمى روتاكسين. ويمكن أن تنتقل الحلقة ذهابًا وإيابًا بين منطقتين على المحور المُغَطَّى بسدادتين من كل طرف. وقد توصَّل ستودارت وكيميائيون آخرون إلى كيفية السيطرة على هذه العملية، من خلال تغيير درجة الحموضة المحيطة، أو الضوء، أو الحرارة.
ومنذ ذلك الحين، استخدم فريق ستودارت روتاكسينات مماثلة؛ لعمل "مصعد" جزيئي، يمكنه رفع نفسه فوق السطح (لمسافة أقل من نانومتر واحد)، و"عضلة" اصطناعية، تستطيع فيها الروتاكسينات طيّ صفيحة رقيقة. كما استخدم الباحثون ملايين الروتاكسينات؛ لعمل جهاز تخزين للذاكرة، عالي الكثافة، تستطيع الناقلات فيه التحول من حالة التشغيل إلى حالة التوقف بشكل سريع.
وقد كان فيرينجا أول مَن طَوَّر محركًا جزيئيًّا اصطناعيًّا في عام 1999، وهو بمثابة جزيء مفرد مع مجاديف متصلة ببعضها البعض بواسطة رابطة مزدوجة بين ذَرَّتي كربون. دارت المجاديف، واستمرت في الدوران بعد كَسْر الرابطة بالضوء. ومن ثم، أظهر فيرينجا أن المحرِّكات قد تكون لها آثار ضخمة النطاق، مثل دوران قضيب زجاجي موضوع فوقها.
ولعل أشهر ما صُنع كان "السيارة النانوية" رباعية الدفع، التي صنعها فيرينجا من المحرِّكات النانوية.
آثار أوسع نطاقًا
إنّ ما قام به الفائزون بـ"نوبل" ـ والآلات النانوية التي صنعها كيميائيون آخرون ـ كان له أيضًا تأثير على فهْم الباحثين للطبيعة، كما يقول استوميان. وعلى وجه الخصوص، ساعدت تلك النظم غير الطبيعية في إثبات أن جميع الآلات الجزيئية التي تعمل بالطاقة الكيميائية ـ الاصطناعية منها والبيولوجية ـ تعمل وفقًا للمبادئ نفسها، وذلك من خلال حَصْد انتقائي للاهتزازات العشوائية للحركة "البراونية"، بدلًا من الدفع المضاد.
ورَدًّا على سؤال الصحفيين في مؤتمر "نوبل" الصحفي، عمّا إذا كانت آلاته سيكون لها استخدام، شَبَّه فيرينجا مصنِّعي تلك الآلات الصغيرة جدًّا بالأخوين رايت، اللذين قاما برحلتهما الأولى في طائرة تعمل بالطاقة منذ أكثر من 100 سنة. "كان الناس يتساءلون: لماذا نحن بحاجة إلى آلة طيران؟ أمّا الآن، فلدينا طائرات بوينج 747، وطائرات إيرباص. وهذا ما أشعرُ به إلى حد ما. إنّ الفرص المتاحة عظيمة".
وخلال مؤتمره الصحفي، مَرَّر ستودارت بعض التعليقات السياسية السريعة على خطاب المملكة المتحدة الأخير المناهِض للهجرة، وعلى مرشَّح الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، حيث قال إن بلاده القديمة ـ أي المملكة المتحدة ـ كانت "في فوضى حقيقية، لأنها تعتقد أنه يمكنها زيادة الحواجز والمعوقات؛ لمنع الناس من الدخول إليها". وبالإشارة إلى تعليق ترامب ـ في أول مناظرة له مع هيلاري كلينتون ـ عن أنّ عدم دفع الضرائب الاتحادية سيكون "عملًا ذكيًّا"، صرَّح ستودارت بأن ثلث أرباحه من جائزة "نوبل" سيذهب إلى الضرائب؛ لأنه ـ كما قال ـ ليس ذكيًّا.