أنباء وآراء
علوم الطب الحيوي: حماية الفئران المخدَّرة
هناك عقار معزِّز للإدراك، يُدعى CX546، يقي من التأثيرات العصبية التنكسية لعمليات التخدير المتكررة التي تتعرض لها الفئران الصغيرة؛ عن طريق تنشيط التغيرات العصبية المرتبطة بالتعلم، ومنع موت الخلايا العصبية.
- Nature (2016)
- doi:10.1038/536036a
- English article
- Published online:
يخضع ملايين الأطفال كل عام لعمليات جراحية تتم تحت تخدير عام، إلا أن الدراسات المجراة على صغار الحيوانات تشير إلى أن التنكس العصبي والاختلال السلوكي العصبي طويل الأمد يظهران عند استخدام التخدير العام في مراحل حرجة من مراحل نمو الدماغ، خاصة بعد التعرض لفترات طويلة لجرعات عالية من العقاقير المخدِّرة1. أما الدراسات التي أُجريت على البشر، فقد ظهر فيها كثير من الخلاف؛ فبعضها أكدّ هذه النتائج، لا سيما بين الأطفال الرضّع الذين تعرَّضوا للتخدير والعمليات الجراحية عدة مرات2، بينما كانت دراسة الحالات والشواهد3 والتحليل المرحلي4 لتجربة عشوائية جرت مؤخرًا أكثر طمأنة. وفي تقرير نشره هوانج وزملاؤه5 في دورية "ساينس ترانسليشونَل ميديسِن" Science Translational Medicine5، ذكروا أن هناك عقارًا يُسمى CX546، يستطيع توفير الحماية العصبية للفئران الصغيرة التي تتعرض بشكل متكرر لعقار الكيتامين المخدِّر.
يعمل الكيتامين في الأساس عن طريق منع إرسال الإشارات بواسطة بروتينات المستقبِل 6NMDA، التي يفعّلها ناقل عصبي محفز، يُسمى جلوتاميت. قام الباحثون بفحص تأثيرات التخدير بالكيتامين على النشاط العصبي في أدمغة الفئران الصغيرة؛ وبالتصوير داخل الجسم الحي، ظهر أن النشاط العصبي ينخفض أثناء مرحلة الإنعاش بعد التخدير في الحيوانات المعالَجة، مقارنةً بالحيوانات غير المعالَجة. وقد أظهر تحليل البروتينات في نقاط الاتصال المشبكي بين الخلايا العصبية أنه بعد التخدير عدة مرات، انخفض التعبير عن مستقبِلات NMDA في مرحلة البلوغ، وكذلك مجموعة أخرى من بروتينات مستقبِلات الجلوتاميت، وهي مستقبلات AMPA.
يقع عقار CX546 ضمن مجموعة عقاقير معزِّزة للإدراك، تُدعى "أمباكاينز" AMPAkines، وهي تساعد في عملية النقل العصبي المحفز عن طريق مستقبلات AMPA. وقد وجد هوانج وزملاؤه أن هذا العقار قد أوقف عملية موت الخلايا العصبية الدماغية، التي يحفِّزها الكيتامين لدى الفئران الصغيرة، كما استعاد التعبير عن مستقبلات AMPA وNMDA، وحافظ على النشاط العصبي في المناطق الضعيفة في الدماغ. وإضافة إلى ذلك.. حَسَّن العقار من النتائج العصبية السلوكية؛ إذ استطاع مثلًا وَقْف مشكلات التعلم التي يُحْدِثها التخدير المتكرر بواسطة عقار الكيتامين (الشكل 1). كما أظهر الباحثون أيضًا أن العقار قد قام بشكل جزئي باستعادة عملية إعادة بناء الأشواك التغصنية، وهي بِنَى عصبية دقيقة، يُعتبَر تشكُّلها والتخلص منها بعد ذلك أمرًا أساسيًّا لإتمام بعض العمليات المهمة، كعملية التعلم؛ ولا يمكن لهذه البِنَى أن يُعاد تشكيلها بشكل سليم بعد التخدير المتكرر بعقار الكيتامين8،7.
الشكل 1 | مكافحة الكيتامين. أ، في الفئران الصغيرة، يؤدي التعرض المتكرر للتخدير بواسطة الكيتامين إلى تثبيط عملية إرسال الإشارات العصبية، الذي تتوسطه البروتينات المستقبِلة AMPA، وNMDA، ويمنع إعادة تشكيل الأشواك التغصنية (الخط المتقطع يشير إلى شوكة، تم وقف إعادة تشكيلها). ويتسبب ذلك في موت الخلايا العصبية، وإضعاف الدارات العصبية، مما يؤدي إلى خلل في التعلم والأداء الحركي. ب، يشير هوانج وزملاؤه5 إلى عقار يُدعى CX546، يزيد التعبير عن AMPA، وNMDA، وبالتالي يعزّز النقل العصبي المحفز، كما يمكنه إصلاح هذه العيوب، والمحافظة على النمو العصبي الطبيعي.
يُعَدّ الجلوتاميت هو الناقل العصبي المحفّز الأبرز في الجهاز العصبي المركزي، وهو يلعب دورًا مهمًّا في عمليات تقوية الدارات العصبية (عن طريق النشاط المستمر)، وإخمادها (عن طريق ضعف النشاط). لذا.. فإن عقار CX546 يقوم بتعزيز عملية النقل العصبي التي يتوسطها الجلوتاميت، كما يقوِّي الدارات، عن طريق زيادة النشاط العصبي. وربما كانت هذه هي طريقة هذا العقار في حماية الأعصاب عند إعطائه مباشرة بعد فترات النشاط العصبي المنخفض التي تلي التخدير المتكرر بعقار الكيتامين.
تخضع الآن مركّبات عديدة من AMPAkines للتجارب الإكلينيكية على البالغين، كعلاج لمجموعة من الحالات المرضية، بما فيها مرض باركنسون، والفصام، والتوحّد9. ويرى هوانج وزملاؤه في CX546 عقارًا واعدًا، وربما يُستخدم كعلاج للوقاية من حالات الخلل العصبي عند الأطفال الرضع، الذين يخضعون للتخدير، وللعمليات الجراحية.
وقد تم طرح مجموعة شديدة التنوع من التوصيات والاستراتيجيات المخفِّفَة، كَرَدٍّ على الجدل الدائر حول السميّة العصبية التي يحفِّزها التخدير في الأطفال الرضّع10. وفي عام 2012، أثمر التعاون الذي أُطلق عليه اسم "سمارت توتس" SmartTots بين القطاع العام (متمثلًا في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية)، والقطاع الخاص (متمثلًا في الجمعية الدولية لبحوث التخدير)، عن التوصية بتأجيل العمليات الجراحية الاختيارية، التي تَستخدِم التخدير العام، إلى أن يبلغ عمر المريض ثلاث سنوات على الأقل، إنْ أمكن11، ثم قامت هذه الجهات المختصة بتعديل توصياتها بالدعوة إلى تحقيق التوازن بين المخاطر والفوائد المرجوّة؛ لتوجيه قرارات العلاج الفردي12.
وبالنسبة إلى عمليات جراحية كثيرة تتم على الأطفال، قد يكون مثل هذا التأجيل غير ممكن، أو ربما يكون ضرره أكبر من نفعه، فمثلًا، قد يؤدي تأخير إصلاح عيوب القلب الخلقية إلى الوفاة، أو إلى ظهور نقائص عصبية، تفوق خطورتها العواقب المحتمَلة للتعرض لمخدر عام. وبشكل مشابه، تكفل عمليات كثيرة تتم على الرأس والعنق في الرضع وفي مراحل الطفولة المبكرة مستوى مثاليًّا من النمو العصبي، عن طريق تصحيح حالات الخلل في السمع، أو الرؤية، أو النطق، أو التغذية، أو عن طريق إزالة السبب في انسداد مجرى الهواء. وفي هذه الحالات، يُعَدّ تجنب التخدير العام ببساطة أمرًا غير عملي، لكن على أي حال، يمكن في بعض الأحيان اللجوء إلى التخدير الموضعي؛ لخفض الجرعة المطلوبة للتخدير العام، أو لتسكين آلام ما بعد الجراحة، كما يمكن اعتبارها في بعض الحالات بمثابة تخدير أوّلي4. وتخضع عوامل التخدير البديلة الآن ـ مثل ديكسميديتوميدين، وزينون ـ للفحص؛ كي تُستخدم في العيادات، استنادًا إلى البيانات13 المستقاة من التجارب على الحيوانات، التي تشير إلى أن السميّة العصبية التي تسببها أقل من تلك التي يُحْدِثها الكيتامين، أو العقاقير المخدرة المستنشَقة المستخدَمة على نطاق واسع (سيفوفلورين، وأيزوفلورين). وبالنسبة إلى الجرعات الممكن استخدامها إكلينيكيًّا، لا يمكن استخدام عقاري ديكسميديتوميدين، وزينون بمفردهما كعامِلَي تخدير كامل، كما أن هناك بعض العوائق العملية لاستعمالهما. ومع ذلك.. فكلاهما يحمل في طياته بعض الأمل لخفض جرعات عقاقير التخدير التقليدية بشكل كبير، المطلوبة للحفاظ على حالة التخدير العام. وهناك عدة أسئلة يجب طرحها قبل استخدام عقار CX546 في التجارب الإكلينيكية، فأولها: هل الدور الذي يلعبه العقار في حماية الأعصاب يخص الكيتامين تحديدًا فقط؟ أم بإمكان العقار أيضًا حماية الأعصاب من عقاقير التخدير الأخرى التي تعمل على دارات عصبية مختلفة؟ والسؤال الثاني هو: ما هي أهمية توقيت تناول العقار لظهور تأثيره الحامي هذا؟ فبرغم قيام هوانج وزملائه بإعطاء عقار CX546 للفئران الصغيرة بعد التخدير، إلا أن إعطاءە أثناء التخدير والجراحة قد يغيِّر الجرعات المطلوبة.
وثالثًا، نظرًا إلى ثبوت قدرة مركبات AMPAkines على تحفيز التنفس14، قد يعود دور العقار في حماية الأعصاب – بشكل جزئي - إلى هذا الأمر. وهو بدوره يعالج مستويات الأكسجين المنخفضة، ومستويات ثاني أكسيد الكربون المرتفعة في الدم، التي قد يُحْدِثها الكيتامين وعوامل التخدير الأخرى، إلا أن هوانج وزملاءە لم يقوموا بدراسة وتحليل التنفس أثناء التخدير، أو بعده، ولذا.. يتعين التحقُّق من الأمر. كما يجب تقييم التأثيرات العكسية المحتملة لتعريض الأدمغة لعقار CX546 أثناء مراحل النمو الحاسمة.
لقد سبَّبت الأدوية الوقائية أذى كبيرًا في السابق15. وليكون الدواء مفيدًا في الوقاية، يجب أن يكون متوسط عدد الأفراد الذين يمكن معالجتهم به قبل أن يَلحق ضررٌ بأحدهم (ما يُطلق عليه "العدد المطلوب لوقوع ضرر") مرتفعًا جدًّا، ويجب أن يكون متوسط عدد المرضى الذين تجب معالجتهم قبل أن يستفيد شخص واحد إضافي، مقارنة بالنظام العلاجي السابق، أو "العدد المطلوب للعلاج"، منخفضًا نسبيًّا. ومن شأن التجارب الإكلينيكية المصمَّمة لدراسة دور عقار CX546 في حماية الأعصاب في الأطفال الرضع ـ الذين يخضعون للجراحة ـ أن تواجه تحديات خطيرة16، كما ستتطلب برنامجًا ممتدًا لدراسة السميّات قبل الإكلينيكية، الذي قام باختبار حيوانات رضع ينتمون إلى عدة أنواع مختلفة.
من الناحية الأخلاقية، ومن ناحية المخاطر والمنافع وحجم التأثير، قد يكون من المناسب إجراء التجارب الإكلينيكية على الأطفال الخاضعين فعلًا لعمليات جراحية متكررة، أو مطوَّلة، أو الذين يتطلبون تخديرًا طويل الأمد، إذ يعاني هؤلاء الأطفال من حالات مرضية معقدة ومتنوعة، إلى جانب وجود مجموعة من العوامل المحيِّرة، التي قد تجعل تجربة الوقاية صعبة، لكنها ليست مستحيلة. ومن الناحية الأخلاقية، سيتطلب الأمر استخدام تجربة عشوائية مزدوجة التعمية، استطلاعية (أي تجربة تدرس المشاركين بعد إدراجهم، وليس بأثر رجعي) ومراقَبة16،15.
ويُذكر أنه يجب الثناء على هوانج وزملائه؛ لتصميمهم هذه الدراسة المبتكرة، التي تقدِّم علاجًا وقائيًّا منطقيًّا، يستند إلى آليّة، من أجل علاج السميّة العصبية الناجمة عن التخدير في الأطفال الرضع. إنّ عملهم يضيف الكثير إلى فَهْمنا للآليّات التي تدعم فعالية عقار الكيتامين، وتأثيراته، والتدخلات المحتمَلة التي قد تحسِّن النمو العصبي في الأطفال الرضّع، الذين يخضعون للتخدير والعمليات الجراحية .
References
- Disma, N., Mondardini, M. C., Terrando, N., Absalom, A. R. & Bilotta, F. Paediatr. Anaesth. 26, 6–36 (2016).
- Wang, X., Xu, Z. & Miao, C.-H. PLoS ONE 9, e85760 (2014).
- Sun, L. S. et al. J. Am. Med. Assoc. 315, 2312–2320 (2016).
- Davidson, A. J. et al. Lancet 387, 239–250 (2016).
- Huang, L., Cichon, J., Ninan, I. & Yang, G. Sci. Transl. Med. 8, 344ra85 (2016).
- Brown, E. N., Purdon, P. L. & Van Dort, C. J. Annu. Rev. Neurosci. 34, 601–628 (2011).
- Hayashi, H., Dikkes, P. & Soriano, S. G. Paediatr. Anaesth. 12, 770–774 (2002).
- Vutskits, L., Gascon, E., Tassonyi, E. & Kiss, J. Z. Toxicol. Sci. 91, 540–549 (2006).
- Urban, K. R. & Gao, W.-J. Front. Syst. Neurosci. 8, 38 (2014).
- Rappaport, B. A., Suresh, S., Hertz, S., Evers, A. S. & Orser, B. A. N. Engl. J. Med. 372, 796–797 (2015).
- http://smarttots.org/wp-content/uploads/2015/08/SmartTots-Case-Statement-2013.pdf
- http://smarttots.org/consensus-statement-supplement
- Maze, M. Can. J. Anaesth. 63, 212–226 (2016).
- van der Schier, R., Roozekrans, M., van Velzen, M., Dahan, A. & Niesters, M. F1000Prime Rep. 6, 79 (2014).
- Sackett, D. L. Can. Med. Assoc. J. 167, 363–364 (2002).
- Davidson, A. J. et al. Paediatr. Anaesth. 25, 447–452 (2015).