افتتاحيات
الصحـة العقليـة تستحـق الاهتمـام
بدأت تظهر الأمراض العقلية على الأجندة العالمية، ولكنْ ما زال هناك الكثير مما يجب عمله تجاهها.
- Nature (2016)
- doi:10.1038/532006a
- English article
- Published online:
مِنَ المفترَض أن يكون عام 2016 عامًا جيدًا بالنسبة إلى الصحة العقلية. ففي يومي 13 و14 إبريل الماضي، عَقدت منظمة الصحة العالمية "WHO" والبنك الدولي في واشنطن العاصمة مؤتمرًا مشتركًا غير مسبوق؛ لمناقشة الصحة العقلية من منظور كونها مرضًا عالميًّا، ومشكلة اقتصادية.
وتُعَدّ تلك بادرة إيجابية، بعد تجاهل دام طويلًا. فقد تم إقصاء قضية الأمراض العقلية من اجتماع الأمم المتحدة رفيع المستوى ذي الأهمية، الذي عُقد في عام 2011، وكان حول الأمراض غير المعدية. ولم تتحدث الأمم المتحدة عن الصحة العقلية، إلا باقتضاب، في مقدِّمتها عن الأمراض غير المعدية، عند وضعها لأهداف التنمية المستدامة لعام 2015. وإلى جانب حديثها عن ضرورة خفض معدلات الوفيات الناتجة عن الأمراض غير المعدية ـ مثل أمراض القلب ـ بمقدار الثلث، ذكرت أنه يجب على العالم كذلك "الارتقاء بالصحة العقلية، وجودة الحياة".
لقد أخفقت الأمم المتحدة في إدراك أنه بالنظر إلى مدى تأثيرها، فإن الاضطرابات العقلية تُحْدِث ـ على أقل تقدير ـ الأذى نفسه الذي تُحْدِثه الأمراض التي تحظى باعتراف أكبر، وتُرْصَد لعلاجها ميزانيات أكبر. وتمثِّل حالات الأمراض العقلية ما نسبته %37 من سنوات العمر الصحية التي تضيع سدى، بسبب الأمراض غير المُعدية، مما يعني متوسطات عُمْر أقصر، وفقدان القدرة على العمل بكفاءة. وتُرجم ذلك في صورة فاقد عالمي، قدره 2.5 تريليون دولار أمريكي في عام 2010، وهو رقم مرشَّح للزيادة، ليصل إلى 6 تريليونات دولار بحلول عام 2030 (انظر: go.nature.com/dfdkbh). ويمكن القول ببساطة إن "الارتقاء" بالصحة العقلية ليس كافيًا.
ونادرًا ما تُولِي دولٌ متقدمة كثيرة الصحةَ العقلية اهتمامًا يتجاوز الوعود الكاذبة. ففي الولايات المتحدة ـ على سبيل المثال ـ لا يتم فتح هذا الملف، إلا عندما يقع حادث إطلاق نار جماعي، يحتدم بعده "الحديث" حول تَدَنِّي مستوى علاج الأمراض العقلية، وذلك لمجرد صرف الانتباه عن الجدل الدائر حول السيطرة على السلاح. ونادرًا ما يؤدي تسليط الضوء على القضية بهذه الصورة إلى رصد مخصَّصات مالية جديدة لأبحاث الصحة العقلية.
يقف وراءَ قِسْمٍ كبير من هذا التجاهل، التحيُّزُ المستمر ـ عن قصد، أو عن غير قصد ـ إلى الاعتقاد بأن أمراضًا عقلية كثيرة يسبِّبها إخفاقٌ أخلاقي، أكثر مما تسبِّبها عوامل بيولوجية معقدة، بالرغم من البراهين الساطعة المؤيِّدة للسبب الثاني. أما بالنسبة إلى البلاد الفقيرة، التي تعصف بها الأمراض المعدية وأمراض الطفولة، فإنّ حَصْر الأشخاص المصابين بأمراض عقلية يمكن أن يكون أكثر سهولة من محاولة علاجهم. كما يصعب الحصول على العلاج، وذلك على مستوى العالم كله. فعالميًّا، يوجد تسعة فقط من مقدِّمي الخدمة الصحية للأمراض العقلية لكل 100,000 نسمة، وفي بعض البلاد يقل هذا العدد، ليصل إلى واحد أو اثنين. وقد أُطلقت دعوة لاستراتيجية عالمية لمكافحة القصور في الرعاية الصحية في الدول النامية والمتقدمة، وذلك في تعليق نُشر في دورية Nature في شهر إبريل الماضي.
وحتى في البلاد المتقدمة، يجد الناس صعوبة في اعتبار الاكتئاب حالة مَرَضِيّة تتطلب العلاج، تمامًا كما تتطلَّبه أمراض القلب. ويزيد من تفاقم هذا الوضع، الإخفاقُ في تطوير عقاقير ذات فاعلية واضحة لعلاج الاكتئاب، تماثل فاعلية العقاقير المخفِّضة للكوليسترول "ستاتين". ومِن غير المحتمل أن يتغير ذلك في المستقبل القريب؛ فعلى أي حال.. يَرسِم علم الأعصاب صورة أكثر قتامة، بإظهاره مدى تعقُّد هذه الأمراض، إذ يوجد أكثر من 100 موضع جيني مرتبط بمرض الفصام، ويُحتمل أن يكون التوحُّد والاكتئاب أكثر تعقيدًا. ولمعالجة كل ذلك.. نحتاج إلى مقاربات جديدة تمامًا. وقد رَصَدَ تحقيقٌ في دورية Nature في شهر إبريل الماضي آخِر التطورات ـ التي لم يتم التثبُّت منها بعد ـ بخصوص جبهة جديدة، ألا وهي تطبيقات للهواتف المحمولة، يُفترض أنها تساعد المصابين باختلالات عقلية.
يهدف الأسبوع السنوي للتوعية بالأمراض العقلية في شهر أكتوبر المقبل إلى تعزيز الصحة العقلية، وهو ما تستهدفه مؤسسات كثيرة، تحمل على عاتقها القضاء على الوَصْم بما يُخزِي والتحيُّز، اللذَين يؤذيان المرضى، ويعوقان تَبَنِّي سياسات لصالحهم. هذا.. وتظل هناك حاجة إلى ضروريات كثيرة في مجال تحسين العلاج، وتيسير الحصول على الرعاية الصحية.
وتحتَّم على اجتماع وزراء المالية في شهر إبريل الماضي الاعتراف بأهمية المردود الاقتصادي للاستثمار في هذا الاتجاه. ويُتوقَّع من الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، والحكومات الإسهام بحلول ملموسة لهذه القضية المُلحة. ومن الضروري الإشارة إلى أنه كان من الواجب على المشاركين في تلك القمة أن يخرجوا بخطط مُحْكَمَة؛ لتحقيق أهداف تنموية محددة، وآليات لتمويل الأبحاث؛ لضمان توفُّر العلاج في البلاد الفقيرة، وأن يتحملوا المسؤولية الوطنية تجاه إعطاء الأمراض العقلية أولوية، لا تقل عن أولوية غيرها من الأمراض غير المعدية.