رؤية كونية
فلنستخدم البيانات؛ لننهي وصمة عار المرض العقلي
يوضح نيل سيمان أن استطلاعات الإنترنت التي ترصد موقف الأشخاص من الأمراض العقلية تكشف حجم المشكلة، كما تقدِّم طريقة للعثور على حلول.
- Nature (2016)
- doi:10.1038/528309a
- English article
- Published online:
Andrea Armstrong
يَعتبِر المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية أن وصمة العار المتصلة بالأمراض العقلية هي من أكثر عناصر المرض النفسي، التي تؤثر على المرضى بشكل سلبي. والسبب واضح.. حيث تزيد الوصمة من شعور المريض بالكرب والعار، مما يؤدي إلى تجنُّبه أسباب العلاج، وعُزْلته الاجتماعية؛ وبالتالي تدهور صحته. فما هو الشكل الذي تتخذه هذه الوصمة؟ وهل تقلّ في حالة بعض الأمراض، مثل الاكتئاب، كما تدّعي مقالات منشورة في وسائل الإعلام؟ وكيف يمكننا محاربتها؟ هذه مجموعة من الأسئلة التي لا نعرف لها إجابة، وذلك لعدة أسباب، من بينها أنها لا تُطرَح للنِّقاش بشكل كاف، فاستطلاعات الرأي باهظة التكاليف، والتمويل محدود، خصوصًا المتعلِّق بإجراء بحوث حول الأمراض العقلية.
كانت استطلاعات الرأي تُجرى في الماضي يدويًّا، حيث كان المسؤول عنها يحمل أوراقه، ويتوجَّه بأسئلته للمشترين في المراكز التجارية المختلفة. وقد مَهَّدَت هذه المرحلة الطريقَ للانتقال إلى عصر استطلاعات الرأي عبر الهاتف، حيث انتشرت بشكل كبير، أمّا اليوم، فتقدِّم شبكة الإنترنت طرقًا متنوعة ـ أكثر من أي وقت مضى ـ لجَمْع بيانات لاستطلاعات الرأي. ومنذ بضع سنوات، طَورتُ طريقة لتوجيه الأسئلة بطريقة فعالة وعالمية التطبيق، وتُدعى هذه الطريقة "تقنية اعتراض المجال العشوائي"، وتَعتمِد على أشخاص ـ مثلك ـ يرتكبون أخطاء أثناء تصفُّحهم لشبكة الإنترنت. فعندما يخطئ الشخص في كتابة عناوين المواقع الإلكترونية URL، أو يَستخدم الروابط التالفة التي لا تعمل؛ ينطلق الاستطلاع، ويدعو المستخدِم للمشاركة.
وعلى عكس استطلاعات الرأي، التي يتلقَّى الناسُ أموالًا أو مكافآت لاستكمالها، لا تسمح هذه الطريقة بوجود استطلاعات طويلة، يمكن تقسيمها إلى استطلاعات أقصر، تطرح أسئلة موجزة ـ عادةً ما يتراوح عددها بين 8 أسئلة، و15 سؤالًا ـ لتجيب عليها أعدادٌ كبيرة من مستخدمي الإنترنت مجهولي الهوية بشكل طوعي، بلا حوافز، حيث يتم اختيارهم بشكل عشوائي، وهذا يعني الوصول إلى كل مكان في العالم تقريبًا.
ومنذ سبتمبر 2013، حتى مايو الماضي، عَمَدْنا إلى استخدام هذه التقنية؛ لطرح أسئلة بسيطة عن الأمراض العقلية، ووصمة العار المرتبطة بها. وأجاب عليها أكثر من مليون شخص من 229 إقليمًا، قَدَّمَتْ إجاباتهم صورة مُصغَّرة، فريدة، ومعاصرة للكيفية التي يرى بها العالم ربع تعداده، وهي النسبة المقدَّر لها أن تصاب بمرض عقلي (N. Seeman et al. J. Affect. Disord. 190, 115–121; 2016).
طَلَب الاستطلاع تسجيل العمر، والنوع، ثم طرح سؤالين محدَّدين. السؤال الأول: هل هناك شخص تتفاعل معه يوميًّا يعاني من مرض عقلي؟ (يُمكن أن يشمل هذا مرض الذهان، أو الاكتئاب، أو الإدمان). والسؤال الثاني: هل ينطبق أيٌّ مما يلي على مَن يعانون من الأمراض العقلية: الميل إلى أن يكونوا أكثر كسلًا، أو أكثر ميلًا للعنف، أو يعانون من حالة مرضية بالقَدْر نفسه لخطورة الأمراض الجسدية، أو ضحايا سوء معاملة الآباء، أو يُمكنهم التغلب على ما يواجهونه من تحديات، عن طريق معاملتهم بقسوة بدافع الحب، مِن أجل مصلحتهم؟
ساعد عدم الكشف عن الهوية في استطلاع الرأي على اتساق الإجابات.
في الدول المتقدمة، بلغت نسبة المشاركين الذين يعتقدون أن مَن يعانون من الأمراض العقلية أكثر ميلًا للعنف من عموم السكان 7% فحسب. وعلى النقيض.. بلغت نسبة الذين يعتقدون أن مَن يعانون من الأمراض العقلية أكثر ميلًا للعنف في الدول النامية %15، وهو اختلاف يسترعي الانتباه. وعلى الرغم من أن نسبة %45 - %51 من المشاركين من الدول المتقدمة اعتقدوا أن الأمراض العقلية تشبه الأمراض الجسدية، إلا أن %7 منهم فحسب رأوا أنه يمكن التغلب على المرض العقلي؛ إذ يبدو أن إدراك وجود سبب بيولوجي للمرض العقلي زاد من تشاؤم الناس فيما يتعلق بالنتيجة، ولم يقلل منه. وهذه النقطة ـ التي تمت الإشارة إليها من قبل ـ تبدو للوهلة الأولى مخالفة للحدس السليم؛ فعندما يُعزى المرض إلى الجينات، فلا ذنب على المريض، لكن في الوقت نفسه يترسخ شعور باليأس تجاه استحالة إصلاح الوضع.
وعلى الرغم من أن هوية كل مشارك في الاستطلاع كانت مجهولة، يظل إجمالي تكرار الإجابات من أي منطقة واحدة عاليًا. فعندما طُرحت الأسئلة نفسها كل شهر في الهند لمدة 21 شهرًا على التوالي، أجاب %10 من المشاركين كل مرة بأن مَن يعانون من الأمراض العقلية أكثر ميلًا للعنف من الآخرين.
وعلى الرغم من أن الأمراض العقلية عادةً ما تُعامَل على أنها من القضايا المحظور مناقشتها، ساعد عدم الكشف عن الهوية في استطلاع الرأي على اتساق الإجابات. فعلى سبيل المثال.. في الصين، عادةً ما يُعتبر مَن يعانون من الأمراض العقلية جالبي العار لعائلاتهم. وهذه الوصمة المرتبطة بالمرض العقلي في الصين وكثير من الدول النامية تتجاوز الشخص المريض، لتشمل أفراد عائلته أيضًا. لذا.. في هذا السياق، من المنطقي أن يتم التحفظ على مَن يعانون من مرض عقلي داخل المنزل. وقد يفسِّر هذا النسبة المرتفعة من الصينيين الذين أشاروا إلى أنهم يتعاملون يوميًّا مع مريض عقليًا.
ويُمكن للنهج الذي أصفه أن يكشِف آراء الناس الذين يعيشون في المناطق المتصلة بالإنترنت في أي موضوع، وهذه المناطق تمثل %43 من مساحة الكوكب في الوقت الحالي. كما يمكن لهذا النهج أن يسمح بإجراء استطلاعات رأي "قبل، وبعد"؛ للكشف عن فعالية التدخلات التي تشمل قطاعات عريضة من السكان. فعلى سبيل المثال.. سيكون من المفيد جدًّا إعادة استطلاع الرأي السابق ـ المتعلِّق بوصمة العار ـ في منطقة تمت فيها إقامة حملة لمكافحة وصمة العار في مؤسسات التعليم الحكومي. ولا تقتصر هذه الأداة على رصد وصمة العار فحسب، حيث إنه في مجال الصحة العقلية ـ على سبيل المثال ـ يمكن استطلاع الأفكار الانتحارية، وتقييم التدخلات التي تتم لمنع الانتحار. كما يمكن استطلاع أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة في أعقاب الكوارث ـ مثل اندلاع إعصار، أو عقب الهجمات الإرهابية في باريس ـ واختبار طرق تخفيف هذه الصدمات.
إن قياس أبعاد مشكلة اجتماعية كبيرة بحجم وصمة المرض العقلي لا يقضي عليها، لكنه ـ على الأقل ـ يرينا حجم التحدي الذي نحن بصدده، ويساعدنا بقَدْر كبير في العثور على حلول؛ لتَخَطِّيه.