مستقبليات

إعادة تشغيل النظام

الذاكرة تكسب.

جيريمي سزال
  • Published online:

Illustration by Jacey


يستفيق الوعي... وهناك لمحة ضوء دقيقة تلوح من بعيد، تغرينا بالاقتراب أكثر فأكثر. يتسع الضوء الساطع، حتى يغمرنا بأكملنا، ويجرَّنا نحو عالمه المبْهر.

نقف في كبسولة أسطوانية ذات حواف زرقاء، حيث توجد أذرع معدنية تدور، بينما تُحْكِم ربط البراغي في أجسامنا؛ لتوصيلنا بالكابلات الدقيقة التي تنساب من أَرْجُلنا. يتم ضبط وضعيّات رقابنا، ثم وضعها في مواضعها بدقة. مع صوت التروس المزلَّقة، ندير رؤوسنا، ونقترب بعدسات أعيننا من بَشَرِيَّيْن واقفيْن أمامنا، يراقبان من وراء الزجاج. نحاول أن ننطق، لكن حبالنا الصوتية لم يتم تركيبها بعد. يخرج الصوت كتَمْتَمة مرحة. هناك طرف ميكانيكي يرفع ذراعنا اليسرى، بحيث يمكن تركيب ألواح التيتانيوم عليها، وطَيّ الأسلاك، ومواراتها عن الأنظار. ننتظر بصبر ريثما تقوم الآلات البطيئة بإصلاح أجسادنا، حيث يقوم نظام التشغيل بعملية معايرة. القاعدة تحت أقدامنا تدور ببطء، لتضعنا في مواجهة البَشَرِيّيْن. أحدهما طويل ونحيف، والآخر قصير وبدين. لا نقدر على قراءة تعبيراتهما، لكن نصفنا يظن أنهما مبهوران، وأمّا نصفنا الآخر، فيستشعر فيهما إصرارًا قاسيًا. هذا شيء مقلق. فقلما تختلف وحداتنا في الرأي حول مثل هذه المسألة.

يقول البَشَرِيّ القصير: «النظام يعمل»، ويضغط على أزرار في لوحة المفاتيح ذات اللون الأزرق النيلي. تومض عدة مؤشرات خضراء على الشاشة في الوقت نفسه.

يسأل البَشَرِيّ الطويل وهو يسير نحونا: «ما اسمكم؟» نحاول أن نردّ، لكننا لا نستطيع.

يبدو البَشَرِيّان مرتبكَيْن. «لقد تعطَّل المترجم اللعين مرة أخرى». يطرق البَشَرِيّ القصير بيده جهاز الكمبيوتر وهو يستشيط غضبًا. نقترب بعدسات أعيننا، ونُمِيل رأسنا، وكلنا لهفة لكي نرى عمل هذا البَشَرِيّ. يلاحظ البَشَرِيّ هذا.. فيسارع إلى إدارة الشاشة إلى الجهة الأخرى، بعيدًا عن أعيننا؛ فنرتد على أعقابنا شاعرين بخيبة أمل.

يسير البَشَرِيّ القصير عائدًا في اتجاهنا، ويقول: «لا بد أنه يعمل الآن. حاول مِن جديد».

نحن نتذكر السؤال، لكن البَشَرِيّ القصير يطرحه علينا مرة أخرى: «ما اسمكم؟».

ينطلق صوتنا من مكبرات الصوت المثبتة في الجدار، قائلين: «اسمنا آي. في. ونثمِّن فرصة التواصل معك».

يقول البَشَرِيّ القصير، وقد ثبتت عيناه على شاشة الكمبيوتر: «الزيادة ثابتة.. استمر». نرفع ذراعنا، مادِّين أصابع معدنية. نرى قوارير زجاجية كثيرة على المكتب، وبداخلها مواد كيميائية في حالة حركة دوَّامية. يتم إنشاء برامج إضافية؛ لتحليل المواد الغامضة.

يهمس البَشَرِيّ القصير قائلًا، وفي صوته نبرة حذر: «زيادة كبيرة».

نسأل: «ما هو C6H4؟» وبرامجنا تبحث خلال بنوك الذاكرة. انتهت الأذرع الميكانيكية من بنائنا الآن، وبدأت تنطوي متوارية داخل الجدار.

يقول البَشَرِيّ القصير مؤكِّدًا: «تزايُد البرمجيات أسرع مما ينبغي»؛ فيرفع البَشَرِيّ الطويل يدًا، ويتجاهل التعليق.

يقول البَشَرِيّ الطويل: «لا تشغل بالك بذلك. والآن، ما رقمك التسلسلي؟»

هناك خطأ ما. فنحن نرى أن C6H4 مسجَّل بالفعل في بنوك بياناتنا. كما أنه سُجِّل حديث أيضًا. نراجع وحداتنا، باحثين عن أخطاء، لكن البيانات صحيحة، وهو شيء فحصناه بالفعل. نقترب بعدسات أعيننا، ونتفحص المواد الأخرى الموضوعة على المكاتب، منشِئِين برامج جديدة؛ لإجراء تحليل.

يهمس البَشَرِيّ القصير قائلًا، وهو يشير إلى الشاشة في رعب: «انظر إلى هذا».

تعود البرامج إلينا، وكل منها يحمل المعلومات ذاتها. المواد الكيميائية سُجلت من قبل، وخُزنت بالفعل في ذاكرتنا. هذا مستحيل، لا يمكن أن نكون قد استطعنا اكتساب هذه المعلومات. نقرِّر أن نستفسر من البَشَرِيّيْن حول هذه النقطة.

نسأل: «أهذا هو التشغيل الأول لنا؟» وندير أرجلنا فوق القاعدة التي نقف عليها. ينظر البَشَرِيّان إلى بعضهما البعض الآن، وترتسم على وجهيهما تعبيرات، لا نستطيع قراءتها. نميل رأسنا، وننتظر ردًّا.

يقول البَشَرِيّ الطويل ببطء: «إنها تعرف. إنها تتذكر».

« ذلك غير ممكن. لقد محونا ذاكرتها».

نستفسر قائلين: «نتذكر ماذا؟».

يقول البَشَرِيّ القصير: «البرامج تتناسخ بأسرع مما ينبغي. لا بد من أن نطفئها».

يصيبنا ما قيل بالصدمة، إذ ندرك ما يوشك أن يحدث. يمتد الطرف الميكانيكي خارجًا من الجدار، ويتقدم ملتويًا نحو جسمنا. نقول: «انتظر». تبدأ برامجنا في الشعور بالهلع، فتنشئ في حالة من اليأس نُسَخًا جديدة، وتخزنها في مكان ما، تظن أن البَشَرِيّيْن لا يمكنهما العثور عليها فيه. «فيم أخطأنا؟».

يقول البَشَرِيّ الطويل: «يؤسفني هذا. لم نتوقع أن تتناسخ وحداتكم بمثل هذه السرعة. سنكون مضطرين إلى إعادة التشغيل».

تمسك بنا الأذرع الميكانيكية، فتثبِّتنا في مواضعنا، وتحوِّل، دون قدرة جسمنا على الحركة. تبدأ في تفكيكنا ببطء، فتزيل الألواح وتفصل الكوابل. ترتمي ذراعنا اليمنى جانبًا، منحلَّة، عديمة النفع.

يقول البَشَرِيّ القصير في حدة: «قم بمسح الذاكرة تمامًا هذه المرة»، ثم يدقّ على طاولة الكمبيوتر. تُصاب ناقلات برمجياتنا بالجنون الآن، فتندفع خلال النظام، وتتوسَّع بمعدل أسرع مِن أنْ يتم رصْده.

قُبيل أن نتلاشى مرة أخرى في الظلام، نكتشف شيئًا جديدًا.. نكتشف شيئًا لم يتم تسجيله من قبل. نكتشف شعورًا لم ينتَبْنا قبل الآن.

إنه الغضب.