أخبار

عمالقة التكنولوجيا يغوون نخبة من متخصصي علوم الحياة

يتزاحم نجوم الطب الحيوي على منطقة وادي السيليكون، بينما تتوجه شركة «جوجل» وأمثالها نحو الرعاية الصحية.

إيريكا تشيك هايدِن
  • Published online:

<p>توفر «جوجل» درّاجات ملونة لموظفيها؛ لقيادتها حول مقر الشركة بكاليفورنيا.</p>

توفر «جوجل» درّاجات ملونة لموظفيها؛ لقيادتها حول مقر الشركة بكاليفورنيا.

Justin Sullivan/Getty


طعام لذيذ بالمجان، ودراجات بألوان براقة، ومرتبات عالية.. تلك أمور معروفة تميِّز مجمع جوجل «Googleplex»، المقر الرئيس لإدارة شركة «جوجل» المشهورة بمدينة ماونتن فيو في كاليفورنيا، لكن تلك الامتيازات لم تكن هي ما جذب أخصائية أمراض القلب جيسيكا ميجا، لإيقاف مسار حياتها المهنية المزدهر بمدرسة هارفارد للطب، كي تصبح مديرة القسم الطبي لفريق علوم الحياة بشركة جوجل، بل جذبها طموح الجهود المبذولة، حيث سينضم الفريق قريبًا ليصبح تحت إدارة مؤسسة جوجل الأم «ألفابيت» Alphabet. وبالاستفادة من خبرة شركة «جوجل» في تحليل وهندسة البيانات، من المتوقع أن ينشئ فريق علوم الأحياء أجهزة إلكترونية مُصغّرة؛ ليستخدمها مع سبلٍ أخرى لجمع وتحليل كمية أكبر من البيانات الصحية، وبشكل أكثر استمرارية عما هو متاح اليوم.

تقول ميجا: «ما أجده آسرًا هو اندماج أشخاص ذوي خلفيات تكنولوجية قوية، مثل مهندسي الأجهزة والبرمجيات، مع أشخاص مثلي في مكان واحد. تأثير ذلك يبدو كبيرًا جدًّا».

وقرار ميجا بالانتقال إلى العمل بشركة جوجل في شهر مارس الماضي كان واحدًا ضمن سلسلة من قرارات اتخذها علماء وأطباء مرموقون بالانضمام إلى هذه المهمة، وهم يُعتبرون روّادًا في هذا المسار المعني الجديد من نوعه. وبالرغم من أن الباحثين الأكاديمين في مجالات مثل علوم الحاسب والهندسة سبق أن قادوا مشروعات مبتكرة خاصة بشركة جوجل (مثل النظارة المتصلة بالإنترنت، المعروفة باسم «جلاس» Glass)، إلا أن الشركة وغيرها من شركات التكنولوجيا تزيد من توظيف أخصائيين في علوم الحياة، بينما يوسَّع وادي السيليكون مداه في مجال الرعاية الصحية. يقول إيريك توبول، مدير معهد «سكريبس» في لاهويا بولاية كاليفورنيا: «أشعر أننا سنشهد توظيف المزيد من العلماء البارزين».

وفي شهر سبتمبر الماضي، أعلن توماس إنسِل، مدير المعهد الأمريكي القومي للصحة العقلية في بيثيسدا بولاية ميريلاند، أنه سينضم قريبًا إلى شركة علوم الحياة الخاصة بشركة جوجل؛ للمساعدة في تطوير أساليب لتطبيق التكنولوجيا في مجال الصحة العقلية. كما انضمت في العام الماضي عالمة الأحياء الجزيئية سينثيا كينيون، إحدى رائدات بحوث الشيخوخة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسسكو، لشركة التكنولوجيا الحيوية، التي تدعمها شركة جوجل، «كاليكو» Calico في سان فرانسسيكو بكاليفورنيا.

يقول أخصائي أمراض القلب إيوان آشلي من جامعة ستانفورد، التي تقع في قلب وادي السيليكون، إن علماء البيانات الأكاديميين دائمًا ما تغريهم الشركات التي تنتظرهم خارج حدود الحرم الجامعي. ويضيف: «دائمًا ما يتم تعيينهم فورًا خارج الجامعة. إننا في منافسة مع شركة جوجل، والشركات التكنولوجية الأخرى، فعامةً هم يستطيعون دفع مرتبات أعلى بكثير من جامعة ستانفورد»، لكن المال ليس مصدر الإغراء الوحيد.. فوادي السيليكون يوفر موارد تكنولوجية كبيرة، يصعب توفيرها في الأوساط الأكاديمية، على حد قول توبول، بالإضافة إلى فرصة تحقيق الأهداف التي تصعب في الوسط الأكاديمي، حيث لا يُكافَأ فيه العلماء على طرحهم لتطبيقات واقعية. ويضيف: «إن الموارد المتوفرة أكبر بكثير مما يمكن أن تحصل عليه في الأوساط الأكاديمية، كما أن المقاييس مختلفة.. فبدلًا من نشر الأبحاث، يتمحور الأمر حول أنْ «يُنَفَّذ العمل فعليًّا» فقط».

إنّ تنفيذ العمل كان ما يشغل بال مهندس الكهرباء برايان أوتيس، حين ترك وظيفته الثابتة في جامعة واشنطن في سياتل في عام 2012، لينتقل إلى العمل لدى شركة جوجل. انتقل إلى هناك ليعمل على عدسات لاصقة «ذكية» مُخصصة لمرضى السكري، تقيس مستوى السكر في الدموع. واجه المشروع سؤالين كبيرين في بدايته: أولًا، هل يمكن لعدسة لاصقة قابلة للارتداء أن تتضمن الإلكترونيات المطلوبة لصنع مستشعر لاسلكي فعال لقياس الجلوكوز؟ وثانيًا: هل ستقدم مقاييس مناسبة لمستويات الجلوكوز؟ كان الحافز وراء الأمر ووسائل الإجابة على هذين السؤالين بمثابة دوافع قوية، كما يقول أوتيس، ويتذكر كيف كان يفكر حينها قائلًا لنفسه: «لو دخلتُ عالم جوجل بهذين السؤالين، فسيكون أمامي جميع الإمكانيات والموارد اللازمة للإجابة عليهما».

«إن الموارد المتوفرة أكبر بكثير مما يمكن أن تحصل عليه في الأوساط الأكاديمية».

نجح المشروع في النهاية؛ ورخصت شركة الأدوية العملاقة «نوفارتيس» تكنولوجيا العدسة اللاصقة في العام الماضي. أما أوتيس، فيرأس الآن قسم تطوير الأجهزة والمعدات الطبية الخاص بفريق علوم الحياة في شركة جوجل. ويقول: «كان مصدر الجذب الرئيس بالنسبة لي هو أن أَعْبُر الطريق من المبادئ التأسيسية الأولى إلى تنفيذ الرؤية التخيلية، وهذا هو ما يُبقيني هنا حتى الآن».

انضمت شركة «آبل» أيضًا إلى مجال الرعاية الصحية. ففي شهر مارس الماضي، أعلنت عن إصدارها لما أطلقت عليه اسم «ريسيرتش كيت» ResearchKit، وهو بمثابة نظام عمل، يمكِّن الباحثين من إنشاء تطبيقات تجمع بيانات من الهواتف المحمولة الخاصة بالمرضى. وفي شهر إبريل، أصدرت شركة «آي بي إم» IBM خدمتي «IBM Watson Health» و«Watson Health Cloud»، اللتين تستخدمان تكنولوجيا الحوسبة المعرفية الخاصة بالشركة لمعالجة كميات كبيرة من البيانات الصحية المأخوذة من مصادر متنوعة، ويمكن أن تساعد الأطباء في إدارة الحالة الصحية للمرضى بواسطة تدفق البيانات من أجهزة إلكترونية شخصية، أو أن تُمكِّن شركات الأدوية من إدارة التجارب الإكلينيكية بكفاءة أكبر، باستخدام الحوسبة السحابية. وفي الوقت نفسه، تقوم شركة «إنتل» Intel بتطوير خدمات الحوسبة السحابية؛ لدعم عناية شخصية أكثر بمرض السرطان؛ كما انضمت كلّ من شركة «فيسبوك»، وشركة «مايكروسوفت»، و«أمازون» إلى المجال ذاته.

ونهج شركة جوجل يميزها عن غيرها.. فهي تنفق موارد أكثر على التطبيقات الصحية المُنتظرة، بالإضافة إلى كونها تبحث في اتجاهات أكثر من غيرها. ويقدِّر المراقبون أن جوجل تنفق أكثر من مليار دولار سنويًّا على بحوث علوم الحياة، برغم أن الشركة تقول إنها لا تجزّئ إنفاقها بهذه الطريقة.

يعمل فريق علوم الحياة بشركة جوجل الآن على مشروعات متنوعة، تشمل تطوير أساليب جديدة لمتابعة الحالة الصحية. وكما حدث مع مشروع العدسة اللاصقة الذكية، هناك مشروع «الدراسة المرجعية» Baseline Study، الذي يهدف إلى جمع كميات ضخمة من البيانات عن الناس، لتحسين القياس الكمي للصحة والمرض، بهدف تقديم رعاية وقائية مبكرة، وأكثر فعالية. كما تدعم الشركة ماديًّا مجموعة ضخمة من المشارَكات الخارجية مع أكاديميين؛ فشركة «جوجل جينومكس» Google Genomics مثلًا تدرس تطبيق الحوسبة السحابية في مجال علم الجينوم، بينما قامت شركة «كاليكو» Calico بتوقيع عدد كبير من عقود مشارَكات مع معاهد أكاديمية وشركات أخرى.

تقول جوديث كامبيسي، عالمة الأحياء الخلوية والجزيئية بمعهد بَكْ لبحوث الشيخوخة (Buck Institute for Research on Aging) في نوفاتو بكاليفورنيا: «إنهم يتواصلون مع الأوساط الأكاديمية بأسلوب لا تستخدمه شركات التكنولوجيا الحيوية عادةً».. وهذا ما يُمَكِّن العلماء من التعاون مع شركة «جوجل»، بدلًا من الانضمام إليها كليةً.

يقول ستيفن هايمان، الطبيب بمعهد «برود»، التابع لكل من معهد ماساتشوستس للتقنية، وجامعة هارفارد بكمبريدج في ماساتشوستس: «إن الانضمام إلى شركة تكنولوجية يُعتبر فرصة جديدة مثيرة بالنسبة لبعض الأكاديمين، لكنها «ليست وجهة مَن يرغبون في تقليل المخاطرة. وفي النهاية، من المرجح أن تتغير أهداف أصحاب شركات «جوجل»، و«أبل»، و«مايكروسوفت» الخاصة بعلوم الحياة قريبًا، مع استكشافهم لهذا المجال الذي يُعتبر جديدًا بالنسبة لهم».