أخبار

نابغـة في الرياضيـات يحـل لغـزًا من ألغـاز المعـلِّم العظيـم

منطلِقًا من تعاون أُقيم عبر شبكة الإنترنت، يداهم تيرينس تاو مسألة التناقض التي وضعها إردوس.

كريس سيزار
  • Published online:

<p>حل تيرينس تاو لغزًا عويصًا في نظرية الأعداد، مستوحيًا فكرته من تعليق وُضع على مدوَّنته.</p>

حل تيرينس تاو لغزًا عويصًا في نظرية الأعداد، مستوحيًا فكرته من تعليق وُضع على مدوَّنته.

Richard Hartog/Los Angeles Times/Getty


يبدو أن أحد ألغاز الرياضيات التي لم ينجح أحد في حلها على مدى أكثر من 80 سنة ـ ولا حتى المحاولات الحاسوبية لتفكيكها ـ قد حُلَّت أخيرًا على يد عالم من علماء الرياضيات.

تيرينس تاو، عالم الرياضيات في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجيليس، الذي مكّنه عمله من نيل ميدالية «فيلدز» الشهيرة في عام 2006، تقدَّم بورقة بحثية في السابع عشر من سبتمبر الماضي إلى موقع أركايف (arXiv) لبحوث ما قبل النشر، يزعم فيها أنه أثبت إحدى حدسيات نظرية الأعداد، التي طرحها عالم الرياضيات بول إردوس في الثلاثينات (الورقة البحثية متاحة على http://arxiv.org/abs/1509.05363; 2015 ). «لقد فجَّر تيري تاو قنبلة للتو».. كان ذلك ما قاله ديريك ستولي في تغريدة له، وهو عالم رياضيات من جامعة ولاية أيوا في أميس.

وكما هو الشأن في عديد من معضلات نظرية الأعداد، تُعَدّ مسألة التناقض سهلة الطرح، إلا أنها صعبة الإثبات للغاية. كان إردوس ـ الذي توفي في عام 1996 ـ قد تكهّن بأن أي سلسلة لا نهائية مكونة من العددين 1، و-1 يمكن جمعها، لأنْ تصل إلى عدد كبير عشوائي (موجب، أو سالب)، من خلال عدّ الأرقام الموجودة فقط ضمن نطاق ثابت لعدد محدود من الخطوات. ويبيّن برهان تاو أن هذه المجاميع يمكن ـ في الواقع ـ أن تتزايد بصورة لا نهائية في حالة أي سلسلة عشوائية، إلا أنه لا يقدم وسيلة لحساب أعداد تلك المجاميع في لحظة ما.

لم يتم بعدُ تمحيص البرهان ومراجعته مراجعةً دقيقةً من قِبَل الخبراء، الذين لم يعربوا عن أي قلق إزاء صحته؛ كما يقول جيل كلاي، عالم الرياضيات في الجامعة العبرية بالقدس: «أنا واثق تمامًا من صحة الأمر».

ظهر برهان تاو بعد انقضاء سنوات في محاولات لحل المسألة يدويًّا وحاسوبيًّا؛ بعد انطلاق الحملة الأخيرة في ديسمبر من عام 2009، التي اشتدت في 2010. ومن ثم، اقترح تيم جاورس ـ عالم الرياضيات في جامعة كمبريدج في المملكة المتحدة ـ أن يتم التركيز على مسألة إردوس في سياق مشروع «بولي ماث» PolyMath الخامس، وهو تعاوُن عبر شبكة الإنترنت، يعمل فيه الباحثون معًا على حل معضلة رياضية واحدة. وكان تاو واحدًا من عشرات المشاركين.

وعلى الرغم من إخفاق تلك الجهود في عام 2012، إلا أن المشاركين تمكّنوا من إثبات أن برهنة حدسيات مجموعة معينة من المتتاليات تكفي لبرهنتها في العموم: هي المجموعة التي تتضمن أعدادًا عشوائية من 1، و-1 فقط في المواقع المجدوَلة بأعداد صماء.

وفي فبراير من عام 2014، قدّم الباحثون برهانًا حاسوبيًّا لحالة خاصة: فقد بيّنوا أنه يمكن دائمًا إيجاد مجموع أكبر من 2 (B. Konev and A. Lisitsa Preprint available at http://arxiv.org/abs/1402.2184; 2014)، إلا أنهم فشلوا في إثبات أن هناك دائمًا مجموعًا أكبر من 3. ومن ثم، أتى برهان تاو ليثبت أن هناك دائمًا مجموعًا أكبر من أي عدد محدود.

لم يتمكن أحد آخر من تحقيق تقدُّم كبير بعد النتيجة التي قدَّمها الحاسوب؛ حتى مطلع شهر سبتمبر الماضي.. فبينما كان تاو يعمل على مسألة أخرى مختلفة، ظهر تعليق في الوقت المناسب على صفحة مدونته، يقترح أن تلك المسألة قد تكون ذات صلة بحدسية إردوس. «في البداية، اعتقدتُ أن العلاقة سطحية»، كما كتب تاو.. لكنه سرعان ما أدرك أن الدمج بين الرؤية الجديدة المطروحة في التعليق وبين النتائج السابقة يمكن أن يؤدي إلى الحلّ. وبعد أقل من أسبوعين، قدّم تاو ورقته البحثية، مضيفًا إليها فقرة امتنان للمعلّق أوي ستروينسكي - مدرس الرياضيات في ريوتلنجن بألمانيا، الحاصل على شهادة الدكتوراة في الرياضيات من جامعة توبنجن.

كما أرسل تاو برهانه إلى دورية «دسكريت أناليسز» Discrete Analysis المفتوحة، التي يديرها تيم جاورس، والتي تأسست في مطلع شهر سبتمبر الماضي؛ وهي تنشر البحوث المحكَّمة، كما لا تقبل سوى الأبحاث التي سبق أن نُشرت على موقع «arXiv». وبالتالي، هي تتفادى جزءًا كبيرًا من تكاليف النشر. يقول عنها تاو: «تُعَدّ دورية تيم تجربة واعدة في مجال النشر مفتوح الوصول كليةً».

عادةً ما كان يقدِّم إردوس ـ الذي كتب رسالة تزكية لتاو ليتمّ قبوله في جامعة برينستون في نيو جيرسي ـ جوائز نقدية لمن يحلّ المسائل التي يطرحها؛ وقد وضع مبلغ 500 دولار أمريكي لحل مسألة التناقض. ومنذ وفاته، أخذ آخرون على عاتقهم منح هذه الجوائز بالإنابة عنه.

وعندما سُئل تاو عمّا إذا كان سيقبل الجائزة، إنْ مُنحت له، أجاب بالنفي، وقال: «لقد جرت العادة على ألا تُصرف أموال الجوائز التي كان يقدِّمها إردوس في حياته.. فعادةً ما يُبَرْوِز الفائزون الشيكَ للذكرى».