أنباء وآراء

فيزياء فلكية: ناجٍ مُريب من ثقب أسود فائق الكتلة

نجت السحابة G2 ـ الموجودة في وسط مجرّتنا ـ من الاصطدام بالثقب الأسود المركزي، كما فشلت في إشعال ثورة في أنشطته؛ تحاول نظرية واعدة تفسير طبيعة تلك السحابة.

جون بالي
  • Published online:

في وسط مجرّة درب التبانة ثقب أسود فائق الكتلة (SMBH)، يعادل وزنه حوالي 3.6 مليون كتلة شمسية. في عام 2012، اكتُشف جسم باهت مغبر، مظهره كالسحب1، سُمّي "G2"، وهو يتسارع نحو ذلك الثقب في مدار شاذ، يقترب فيه بشكلٍ متوقَّع؛ ليكون في أقرب مسافة ممكنة من الشمس، وهي تبلغ حوالي 200 ضعف متوسط المسافة بين الأرض والشمس (الشكل 1). وفور التقائه مع الثقب الأسود فائق الكتلة، نجا الجسم من التمزُّق المَدِّي الكامل الذي تُحْدِثه جاذبية الثقب، وهذا يعني أنه مُتَرَاصّ على بعضه، ومتماسك بجاذبيته. فما هي طبيعة هذا الجسم؟ أخفقت عمليات بحث سابقة متنوعة في العثور على أي نجم عملاق عادي أو متطور ضمن السحابة. لذا.. يشير مابيلّي وريبامونتي2 في كتاباتهما في دورية "أستروفيزيكال جورنال" Astrophysical Journal إلى أن الجسم المركزي قد يكون جنينًا كوكبيًّا، قُذف ديناميكيًّا من منظومته الأم، ويقترب حجمه من حجم المسافة بين الأرض والشمس.

تظهر سحابة G2 في أوقات مختلفة على مدارٍ أَخَذَها إلى أقرب نقطة من "ساجيتاريوس إيه ستار" - الثقب الأسود فائق الكتلة الموجود في وسط مجرّتنا (الموضَّح في الصورة بعلامة صليب أحمر). وتُبيِّن هذه الأرصاد أن سحابة G2 كانت في طريقها إلى الثقب الأسود منذ عام 2006، حتى بدايات عام 2014 (تشير الألوان المائلة إلى الأحمر إلى أن ذلك الجسم يبتعد عن الراصد). وحدث أدنى اقتراب لها من "ساجيتاريوس إيه ستار" في شهر مايو من عام 2014، بينما تُبيِّن أرصاد شهر سبتمبر من العام نفسه أن الجسم قد نجا من تمزُّقه بالثقب الأسود (يشير اللون الأزرق إلى أن سحابة G2 تقترب منا).

كبر الصورة


تشمل السنوات الضوئية القليلة المركزية في درب التبانة حقلًا نجميًّا كثيفًا يحتوي على أكثر من عشرة ملايين نجم صغير الكتلة (الشكل 2)، في حين أن الحيز المشابه القريب من الشمس يحتوي عادةً على نجم واحد فقط. وفي وسط تلك النجوم القديمة الخافتة، ثمة سرب من النجوم المضيئة الكبيرة التي تكوَّنت خلال العشرة ملايين سنة الماضية3، وتحيط بها حلقة من غاز جزيئي، تحتوي تلك الحلقة على كتلة مماثلة لعشرات الألوف من الشموس. وتُشِعّ النجوم اليافعة الساخنة ضوءًا فوق بنفسجي كثيفًا، يؤيِّن منطقة من البلازما الحارة، التي تُسخِّنها أمواج صادمة، تدفعها رياح نجمية شديدة. وفي قلب هذه المنطقة تمامًا، يتوارى الثقب الأسود فائق الكتلة، الذي يُعرف باسم "ساجيتاريوس إيه ستار" Sagittarius A* (المرجع 4).

تساوي الكثافة الرقمية النجمية في السنوات الضوئية القليلة المركزية في مجرّتنا 107 ضعفًا على الأقل من تلك المجاورة للشمس. ويمكن لهذه الكثافة العالية أن تُرى في هذه الصورة عالية الدقة، المصورة بالأشعة تحت الحمراء، القريبة لوسط مجرّتنا، الذي تظهر فيه نجوم يافعة كبيرة الكتلة، ونجوم عملاقة حمراء قديمة. ويشير السهم إلى موقع الثقب الأسود فائق الكتلة، الخاص بالمجرّة، أي "ساجيتاريوس إيه ستار". ويشير مابيلّي، وريبامونتي2 إلى أن الجسم G2 يمكن أن يكون كوكبًا أوّليًّا تَكَوَّن حديثًا، بعد أن قُذف في السابق من منظومته النجمية الأم، وتموضَع على مدار قرّبه من "ساجيتاريوس إيه ستار".

كبر الصورة


أدَّى اكتشاف الانزلاق المتهور للسحابة G2 نحو الثقب الأسود المركزي إلى كثير من الإثارة وسط الفلكيين5. فقد تنبأت نماذج مدار السحابة تلك بأنها سوف تمر بالقرب من الثقب الأسود في وقت ما خلال فصل الربيع من عام 2014. وحتى نهاية عام 2013، كان ثمة دليل غير مؤكد على أن بعضًا من الغاز المدِّي الخارج من السحابة قد مرّ من خلف الثقب الأسود فائق الكتلة، وخرج من الجانب الآخر؛ فهل يبتلع الثقب الأسود ما يكفي من الغاز؛ لإشعال وتيرة مجموعة من أنشطة الانبعاثات؟ وهل يسطع مركز مجرّتنا فجأة عبر طيف الأشعة، بدءًا من الأشعة السينية، حتى أطوال الموجة الإشعاعية، ليشابه خلال فترة وجيزة النوى المجرّية شديدة النشاط (الكوازارات) المقترنة بالثقوب السوداء فائقة الكتلة، الموجودة في بعض المجرّات؟ أظهرت عشرات الأوراق البحثية تنبؤات تتعلق بكل ذلك، كما تنبأت نماذج رقمية6 لسُحُب على مدارات انزلاقية بأن مقدارًا كبيرًا من الغاز يمكن أن يهوي لولبيًّا في قبضة "ساجيتاريوس إيه ستار"؛ ليُشعل الألعاب النارية.

بعد سنة من الانزلاق، يمكننا في النهاية القول إنه لم تحدث زيادة كبيرة في كتلة هذا الثقب الأسود. ففي شهر مايو من عام 2014، وصل الجسم إلى أقرب نقطة ممكنة من الشمس، لكن لم يتبع ذلك انفجار في "ساجيتاريوس إيه ستار"، الذي استمر وميضه الخافت عند أطوال موجات الأشعة السينية والأشعة القريبة من تحت الحمراء، ولم يلحظه إطلاقًا ذلك الجسم العابر بسرعة آلاف الكيلومترات في الثانية.

إذَن، ما الذي تَسَبَّب في وجود الغاز والغبار المشكِّلَيْن لسحابة G2؟ أحد الاحتمالات المطروحة لإجابة هذا السؤال هو الأجواء المنتفخة المحيطة بالنجم الأحمر العملاق، والنجم الأحمر العملاق الضخم، لكنّ مثل هذه النجوم تسطع، ولا يمكن إيجاد نجم كهذا مقترن بسحابة G2، التي أُشير8,7 إلى أنها جبهة صدمة ناجمة عن تفاعل متبادَل بين ريح من نجم صغير الكتلة، موجود ضمن السحابة والبلازما الكثيفة الموجودة بالقرب من وسط المجرّة. أما الاحتمالات الأخرى، فتكمن في أن تكون تلك السحابة قرصًا كوكبيًّا أوَّليًّا، أو نجمًا مَزَّقَتْه قوى المدّ في أعقاب لقاءات سابقة قريبة مع الثقب الأسود، أو حتى اندماج بين نجمين.

يمكن الآن التوصل إلى بعض الاستنتاجات، متسلحين بإدراك للحقائق، ومزيد من البيانات. فحقيقة أن سحابة G2 نجت من الانزلاق نحو الثقب الأسود فائق الكتلة وخرجت سليمة10,9 تعني أنها يجب أن تكون مقترنة بجسم متراصّ ومتماسك بجاذبيته، كما ينطوي إصدارها لأشعة تحت حمراء خافتة على أنها أقل سطوعًا من الشمس بحوالي 30 مرة. ونظرًا إلى أن أفضل ظهور لها يكون في نطاق أطوال الموجات بين ميكرومترين، و5 ميكرومترات، فإن الإشعاع المهيمن هو إشعاع الغبار عند درجات حرارة بين 400، و600 كلفن. ومن التفسيرات الجديرة بالاهتمام أنه يمكن لسحابة G2 أن تحتوي على نجم يافع صغير الكتلة، محاط بقرص من الغبار الذي يفقد بعضًا من كتلته، أو أن تُوجد فيها ريح مشابهة لتلك التي تنطلق من نجوم يافعة صغيرة إلى متوسطة الكتلة بالقرب من الشمس11,10,7.

عُثر في السابق12 في وسط المجرّة على نجوم يافعة، تنبعث منها أشعة تحت حمراء مفرطة، تشير إلى أنها حديثة جدًا. وتفقد الأقراص المحيطة بالنجوم المضاءة بأشعة فوق بنفسجية بعضًا من الكتلة في عملية تُسمى "قَطْع بالضوء"، ومثال على تلك الأقراص.. الأقراص الموجودة في الضباب الرقيق المجاور الخاص بنطاق الجوزاء13، أو تلك المقترنة بنجوم يافعة في وسط المجرّة، على الأرجح. ويمكن للكواكب الأوليّة، أو الأَجِنّة الكوكبية، أو الكواكب في مجموعات النجوم الكثيفة، التي يمكن أن تنزعها الجاذبية من النجم الأم عقب الالتقاء مع نجوم أخرى، أن تتحول إلى أجسام ذات كتل دون نجمية، تتجول بِحُرِّيَّة14.

يمكن لالتقاء أجسام يافعة صغيرة الكتلة ـ من حين إلى آخر ـ مع الثقب الأسود فائق الكتلة في درب التبانة أن يجعلها6 تسطع بشكل مثير، بينما تمزقها قوى المدّ. لذا.. فإن أحداثًا مثل التلاقي مع سحابة G2 يمكن أن توفر طريقة جديدة لكشف الأجسام صغيرة الكتلة غير المرئية في أحوال أخرى. وينمذِج مابيلّي، وريبامونتي تأثيرات اضطرابات المدّ والقَطْع بالضوء في السحابة، ويعرضان أن الأجنة الكوكبية اليافعة ذات كتلة توازي حوالي 10 ـ 100 ضِعْف كتلة المشتري، أو الكواكب الأولية التي تضاهي أقطارها المسافة بين الأرض والشمس، يمكن أن تصبح قابلة للاكتشاف، باعتبارها تمثل سحابة G2، بينما تنتزع طبقاتها الخارجية من قِبَل الثقب الأسود فائق الكتلة، وتسخن وتتأيَّن عن طريق نطاق الإشعاع المحيط.

وإذا بيَّنت تحليلات أخرى أن سحابة G2 لا تحتوي على نجم، فإن تصوُّر المؤلفين، المنطوي على أنها جنين كوكبي متماسك بجاذبيته الذاتية الضعيفة نسبيًّا، يمكن أن يكون تفسيرًا معقولًا لذلك الجسم الغامض. ويمكن للرصد المستمر لوسط المجرّة بواسطة منشآت معينة ـ مثل مصفوفة أتاكاما الكبيرة الملّيمترية/دون الملّيمترية في شيلي، ومصفوفة جانسكي الكبيرة جدًّا في نيو مكسيكو ـ أن يُتمِّم أرصاد الأشعة تحت الحمراء، وأن يُخبرنا بتكوُّن15 نجوم صغيرة الكتلة، ومنظومات كوكبية أيضًا في البيئات المتطرفة، مثل تلك الموجودة في قلب مجرّتنا.

  1. Gillessen, S. et al. Nature 481, 5154 (2012).

  2. Mapelli, M. & Ripamonti, E. Astrophys. J. 806, 197 (2015).

  3. Lu, J. R. et al. Astrophys. J. 764, 155 (2013).

  4. Liu, H. B. et al. Astrophys. J. 756, 195 (2012).

  5. Morris, M. Nature 481, 3233 (2012).

  6. Schartmann, M. et al. Astrophys. J. 755, 155 (2012).

  7. Scoville, N. & Burkert, A. Astrophys. J. 768, 108 (2013).

  8. Ballone, A. et al. Astrophys. J. 776, 13 (2013).

  9. Zajacek, M., Eckart, A., Peissker, F., Karssen, G. D. & Karas, V. Preprint at http://arxiv.org/abs/1507.00237 (2015).

  10. Valencia-S., M. et al. Astrophys. J. 800, 125 (2015).

  11. Murray-Clay, R. A. & Loeb, A. Nature Commun. 3, 1049 (2012).

  12. Eckart, A. et al. Astron. Astrophys. 551, A18 (2013).

  13. Bally, J., O'Dell, C. R. & McCaughrean, M. J. Astron. J. 119, 2919 (2000).

  14. Wang, L., Kouwenhoven, M. B. N., Zheng, X., Church, R. P. & Davies, M. B. Mon. Not. R. Astron. Soc. 449, 3543 (2015).

  15. Yusef-Zadeh, F. et al. Astrophys. J. 801, L26 (2015).