منتدى النقاش

علم الأعصاب: أفضل الطرق لإحراز تقدُّم بشأن الاكتئاب

غالبًا ما تُستخدَم النماذج السلوكية التقليدية للفئران لدراسة اضطراب الاكتئاب، غير أنها لا تتمكن من التقاط الصورة البشرية للاضطراب بشكل كامل. وهنا، يقوم العلماء بطرح وجهتي نظر حول استراتيجيات بحث إمكانية تطوير العلاجات.

  • ليزا إم. مونتيجيا
  • روبرت سي. مالينكا
  • كارل دايسيروث
  • Published online:


  • الاكتئاب واحد من أكثر الاضطرابات العقلية شيوعًا.

  •  تطوير العقاقير المعالِجة للاكتئاب تَوَقَّف منذ عقود.

  • يعتقد البعض أن فهم الآلية البيولوجية لعمل مضادات الاكتئاب سريعة الأثر قد يساعد في تطوير العلاجات.

  • البعض الآخر يعتقد أن الفهم الواضح لعمل الدوائر العصبية المسؤولة عن ظهور أعراض الاكتئاب يُعتبَر عاملًا مهمًّا دافعًا إلى الأمام.


العلاجات أولًا

ليزا إم. مونتيجيا


تقوم العقاقير المضادة للاكتئاب بالعمل عن طريق رفع مستويات جزيئات الناقل العصبي أحادي الأمينات عند الوصلات العصبية (وهي نقطة الالتقاء بين الخلايا العصبية التي تنتقل الرسائل الكيميائية عبرها). ورغم تغير مستويات الناقل أحادي الأمينات بشكل سريع عند البدء في العلاج بمضادات الاكتئاب، إلا أن التأثير الإكلينيكي للدواء يتطلب عادة عدة أسابيع قبل أن يبدو واضحًا. وبالإضافة إلى ذلك.. ورغم فعالية تلك العقاقير في بعض الأشخاص، إلا أنه في البعض الآخر لا تكون لها استجابة، خصوصًا في الأشخاص الأكثر عرضة للانتحار. يعزز ذلك الاحتياج الشديد لاستحداث مضادات اكتئاب ذات آثار جانبية محدودة. يقوم الباحثون بمحاولات لتحقيق ذلك عن طريق صوغ خصائص مشابهة للاكتئاب في الحيوانات، بغرض تحديد الدوائر العصبية المسؤولة عن الاضطراب. ومع ذلك.. فإنني أعتقد أن الطريق الأفضل لإنتاج عقاقير معدَّلة، هو فهم الآليات البيولوجية التي تدعم عمل مضادات الاكتئاب ذات الفاعلية والتأثير السريع.

في أغلب الأحيان، تقوم دراسات اضطراب الاكتئاب المستخدمة للحيوانات بالتركيز على الاختبارات السلوكية، مثل قياس الاستجابات للتوتر، أو على محاولات تمثيل وقياس أوجه الاضطراب، مثل الإحساس بالعجز، أو انعدام التمتع. أيضًا، تتم دراسة القوارض التي تُظْهِر سلوكيات ذاتية مشابهة لأعراض الاكتئاب1. ويجب الحذر2 عند التعامل مع تلك النماذج، حيث إنه لا يزال غير واضح مدى التطابق بينها وبين السلوكيات البشرية التي يُفترَض أن تمثل تكرارًا لها. ومع ذلك.. فإن استخدامها يمثل قيمة لا يمكن إنكارها في خلق نقاش بناء متعلق بتغيرات الفسيولوجيا المرضية التي تؤدي إلى الاكتئاب، وهو ما يتسع ليتضمن مناقشة الخيارات العلاجية.

بالرغم من الجوانب الإيجابية لاستخدام النماذج الحيوانية، التي تُعتبر الطريق الأقصر لتعديل العلاجات، فإن فهْم بيولوجية العلاجات التي تُظْهِر نجاحًا في البشر يُعتبر بالتأكيد أفضل الطرق لإحراز تقدم. نجحت هذه الطريقة عند استخدامها في الدراسات المتعلقة بالإدمان، حيث تم تركيز الدراسة على السلوك البيولوجي للكوكايين؛ مما ساعد على منح فكرة متبصرة لم تقتصر فقط على ما يتعلق بالعلاجات المحتملة، ولكن أيضًا عن الدوائر العصبية المسؤولة عن الإدمان. من الصعب التعرف على الكيفية التي تعمل من خلالها مضادات الاكتئاب التقليدية، حيث إن الفترة الزمنية التي يستغرقها العقار لتظهر آثاره على المريض تُعتبر طويلة نسبيًّا. وقد أتيحت فرصة ذهبية مَكَّنت من تحديد المسارات المكتنفة لعمل العقاقير المضادة للاكتئاب عندما تم اكتشاف أن الجرعة القليلة الحادة من الكيتامين تعمل على استحثاث استجابة سريعة3 للعقاقيرالمضادة للاكتئاب، حتى في المرضى الذين يُظهِرون مقاومة للعلاج4.

ومنذ التوصل إلى المشاهَدات الإكلينيكية الخاصة بعقار الكيتامين3,4، تمت عملية تطبيق الآليات الحيوية المتعلقة به في نماذج حيوانية داخل المختبرفي عملية تُعرَف بالترجمة العكسية. (الشكل 1أ)، وقد ساعد ذلك في تحديد5 المستقبِل الذي يستهدفه الكيتامين (وهو مستقبِل بروتيني خاص بالناقل العصبي المعروف باسم الجلوتاميت)، كما أدى إلى إدراك أن شغل ذلك المستقبِل بجزيئات الكيتامين يؤدي إلى تغير في إشارات بعض المسارات العصبية. وقد يؤدي ذلك التغير إلى زيادة كفاءة الوصلات العصبية المشتركة في تسريع التأثير الدوائي للعقار6.

هناك اتفاق بين الباحثين على أن التطوير الناجح للعقاقير يتطلب مجهودًا متكاملًا، يعتمد على الدراسة الدوائية، ودراسة الدوائر العصبية، إلا أن هناك جدلًا حول ما يستحق التركيز أولًا. أ. العقاقير المضادة للاكتئاب ذات الفعالية في الإنسان يمكن عكس ترجمتها داخل المختبر؛ مما يساعد في الاستدلال على كيفية تطوير العقاقير. فالآليات التي تعمل بها تلك العقاقير يتم تحليلها؛ لإعطاء فهم كيميائي حيوي حول الكيفية التي يعمل بها عقار مثل الكيتامين عند الوصلات العصبية، وهي نقاط الالتقاء بين الخلايا العصبية التي تمر عبرها جزيئات النواقل العصبية. تلك المعلومات يمكن الاستفادة منها في تحديد أهداف جديدة للعلاج، أو لتطوير عقاقير أكثر كفاءة تعمل على أهداف معروفة مسبقًا. ب. الأسلوب البديل يعتمد على تحليل الدوائر العصبية المختلة (في الحيوان) والمسؤولة عن أعراض الاكتئاب. فعند تحديد دائرة عصبية مختلة في الحيوان، يمكن بعدها تحليل تلك الدائرة في الانسان. بهذه الطريقة، يمكن تحديد العقافير المفترضة، واختبارها في نموذج حيواني، ومن ثم اختبارها في الإنسان في نهاية الأمر.

كبر الصورة


تساعد تلك النتائج على تبسيط مفهوم الكيفية التي يعمل بها عقار الكيتامين، كما قد تساعد على اكتشاف عقارات أخرى تعمل بالطريقة نفسها. وبشكل خاص، فإن المعرفة المستخلصة من طريقة الترجمة العكسية تشير إلى أن الاستجابة لمضادات الاكتئاب يمكن استحثاثها بطريقة مختلفة عن تلك الناتجة من مضادات الاكتئاب التقليدية. وأخيرًا، يعمل هذا الاكتشاف على نقل المجال إلى ما هو أبعد من التركيز القديم على رفع مستويات الأمينات الأحادية في الوصلات العصبية6.

هناك مشكلات جلية في استخدام الحيوانات كنماذج لتمثيل الاضطرابات النفسية، حيث إن تلك الاضطرابات تنتج عن عوامل متباينة، لكن للتوصل إلى فهم الأسس البيولوجية، فإن النماذج الحيوانية ستكون مطلوبة لاختبار المتغيرات الجينية والخصائص المتعلقة بالجينات والمصاحبة لتلك الاضطرابات المركبة مثل الاكتئاب. ومع ذلك.. ليس هناك نموذج حيواني مطابق بشكل كامل لتلك الحالات البشرية المهلكة. ولذلك.. فإن تلك المجهودات يجب أن تكون مقترنة بدراسة المبادرات الدوائية الواعدة في البشر، إذا أردنا الوصول إلى علاج أفضل للاكتئاب.


تعديل الدوائر المعيبة

روبرت سي. مالينكا وكارل دايسيروث


تم اكتشاف العقاقير المعالجة للاضطرابات النفسية ـ مثل الاكتئاب ـ بالصدفة في عام 1950، وكان ذلك مصاحبًا لإدراك أن العقاقير قد تتسبب في إحداث متلازمات مشابهة للأمراض العقلية7. في العقود التالية تم التوصل إلى محاولات لتحديد المستقبلات الجزيئية التي تستهدفها مضادات الاكتئاب، إلى جانب التطور الحادث في النماذج البيوكيميائية البسيطة للأمراض العقلية. وقد قدمت الأساليب الدوائية تفسيرًا بسيطًا عن الفسيولوجيا المرضية للأمراض العقلية، مما أدى إلى إنتاج عقارات لها تأثيرات بيوكيميائية مشابهة لسابقتها، بدلًا من رفع مستوى فعاليتها7. ورغم ذلك.. فإن تلك الاستراتيجية ما تزال متبعة على المستوى الأكاديمي، وفي مجالات تصنيع الأدوية. نحن نؤمن بأن الفهم المتطور للفسيولوجيا المرضية للأمراض العقلية على مستوى الدوائر العصبية يؤدي إلى إحراز تقدم منطقي.

من الأمثلة النموذجية للأسلوب الدوائي، نموذج الفصام المبني على حقن عقار الكيتامين في الحيوانات والإنسان8. من الممكن مناقشة الفكرة التي تطرح أن دراسة الكيفية التي يعمل بها عقار الكيتامين ستساعد في فهْم الفصام بشكل أفضل، إضافة إلى أنها ستساعد في التلميح بأفكار مساعدة في علاج الاكتئاب، حيث إنه يُعتبر علاجًا قصير الأمد لذلك الاضطراب. ورغم أننا نرحب بتلك المبادرات الإكلينيكية الرائدة، فإن أبحاث الأمراض النفسية القديمة تشير إلى أن محاولات تحديد تلك الآلية العلاجية قد باءت بالفشل7. ومَن لا يستطيعون تَذَكُّر الماضي؛ سيقومون غالبًا بتكراره.

وبشكل أشمل.. فإن العلاج بعقارالكيتامين يناظر العلاج بالتخليج الكهربائي والعلاج بالليثيوم. تُعتبر تلك العلاجات ناجعة في علاج اضطراب الاكتئاب المقاوم والاضطراب ثنائي القطبية على الترتيب، لكنها ـ وكما يعمل عقار الكيتامين ـ تقوم بالتأثير على الخلايا العصبية بشكل عشوائي في كل أجزاء المخ. ونتيجة لذلك.. فإن المحاولات العديدة لتحديد الآليات البيولوجية التي يعمل بها التخليج الكهربائي والليثيوم لم تؤد إلى فهْم للتغيرات الفسيولوجية المسؤولة عن إحداث المرض، كما لم تؤد إلى تطوير العلاجات.

قد يكمن الطريق إلى علاجات أفضل في تحديد الدوائر المخية العصبية المعينة التي تؤدي إلى أعراض الأمراض العقلية. فقد أدى التطور في وسائل تسجيل ومعالجة النشاط العصبي إلى التقدم في تحديد الدوائر العصبية المسؤولة عن أعراض عدة. على سبيل المثال.. معالجة خلايا محددة في الدوائر العصبية المخية للقوارض، المسؤولة عن مشاعر الإثابة، كان لها عظيم الأثر على انعدام التمتع9,10. وعلى نحو مشابه، وُجدت دوائر عصبية أخرى في المخ تلعب دورًا في إظهار أعراض القلق، الذي عادةً ما يكون مصاحبًا للاكتئاب9,10.

رغم منطقية التساؤل2 حيال عملية استخدام النماذج التقليدية للحيوانات المُظْهِرة للأعراض النفسية (المعتمدة على الأسلوب الدوائي)، فإن التقدم المحرَز في فهم الوراثيات المتعلقة بالمرض العقلي قد ساعد في تطوير نماذج للقوارض، لها تكوين ذو فعالية، حيث وُجد أن العيوب السلوكية في النماذج قد نتجت عن النقائص الجينية التي تسبب المرض في البشر. توفر تلك النماذج نظمًا مثالية تساعد في تحليل الدوائر العصبية المسؤولة عن السلوكيات غير المتكيفة. المهم هو أن الدوائر العصبية التي أظهرت خللًا في الحيوانات، يمكن اختبارها في الإنسان باستخدام التصوير وتقنيات الاستحثاث (شكل 1ب). بهذه الطريقة، بدأ الباحثون في تحديد الدوائر العصبية المختلة، المسؤولة عن الأعراض الأساسية للمرض العقلي9-11.

قد تسمح تلك العملية ـ في نهاية الأمر ـ بالتطور المنطقي للعقاقير. فالهدف هو تحديد المستقبِل المستهدَف في الدوائر العصبية التي تتم معالجتها بهدف إصلاح الخلل. وبعد خمسين عامًا من الركود، يبدو أن المجال مستعد على الأرجح للتحرك إلى ما هو أبعد من الأساليب الدوائية ذاتها، وإلى وسائل مناسبة أكثر لتطوير فهم الدوائر العصبية المسؤولة11. لقد حان الوقت لصنع التاريخ، بدلًا من تكراره.

  1. Li, B. et al. Nature 470, 535539 (2011).

  2. Nestler, E. J. & Hyman, S. E. Nature Neurosci. 13, 11611169 (2010).

  3. Berman, R. M. et al. Biol. Psychiatry 47, 351354 (2000).

  4. Price, R. B., Nock, M. K., Charney, D. S. & Mathew, S. J. Biol. Psychiatry 66, 522526 (2009).

  5. Autry, A. E. et al. Nature 475, 9195 (2011).

  6. Kavalali, E. T. & Monteggia, L. M. Am. J. Psychiatry 169, 11501156 (2012).

  7. Hyman, S. E. Neuropsychopharmacology 39, 220229 (2014).

  8. Moghaddam, B. & Krystal, J. H. Schizophrenia Bull. 38, 942949 (2012).

  9. Deisseroth, K. Nature 505, 309317 (2014).

  10. Steinberg, E. E., Christoffel, D. J., Deisseroth, K. & Malenka, R. C. Curr. Opin. Neurobiol. 30, 916 (2015).

  11. Akil, H. et al. Science 327, 15801581 (2010).