أنباء وآراء
أمراض الرئة: عــلاج بزَرْع الخـلايـا
أظهر الزرع الخلوي للبلاعم المصحّحة جينيًّا مباشرة في رئتي الفئران فعاليته في علاج الداء البروتيني السنخي الرئوي، وهو مرض وراثي يُوجد لدى البشر أيضًا.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/nature13758
- English article
- Published online:
الداء البروتيني السنخي الرئوي (PAP) مرض رئوي نادر يتسم بتراكم رئوي لخلايا الدم البيضاء التي تدعى البلاعم السنخية والمليئة بالعامل الفاعل بالسطح – وهو مركب من الدهون الفوسفاتية والبروتينات يعمل على تنظيم التوتر السطحي في الرئة − وكميات هائلة من العامل الفاعل بالسطح خارج الخلايا1. ولاكتشاف سبب هذا المرض، الذي عُرف لأول مرة في عام 1958، هناك قصة بدأت عام 1994 مع الاكتشاف العرضي2,3 بأن الفئران التي تفتقر إلى بروتين العامل المحفز لمستعمرات بلاعم المحببات (GM−CSF) ـ المهمّ لنمو البلاعم الكبيرة ووظيفتها ـ كانت مصابة بمرض رئوي غامض، يشبه الداء البروتيني السنخي الرئوي لدى البشر. يضيف سوزوكي وزملاؤه4 فصلًا إلى هذه القصة، إذ يشير إلى أن زرع البلاعم التي تتجاوب بشكل صحيح مع GM−CSF في رئتي الفئران التي تفتقر إلى مستقبلات GM−CSF، تعالج مرضها بفاعلية.
حددت الدراسات التي جرت على الفئران التي تعاني من نقص GM−CSF الخلل المسبِّب للمرض، كجزء من العملية التي يتم من خلالها تفكيك العامل الفاعل بالسطح من قِبَل البلاعم في المنطقة السنخية من الرئة5 (الشكل 1). وكشفت الدراسات على الإنسان أنه رغم أن البلاعم السنخية المأخوذة من بعض الأفراد المصابين بالداء البروتيني السنخي تستجيب لتحفيز GM−CSF في المختبر6، يُصْدِر المرضى أجسامًا مضادة تحيِّد البروتين7. الآن، يصنَّف الداء البروتيني السنخي في ثلاثة أشكال: مناعي ذاتي (مكتسب)، وخلقي (وراثي)، وثانوي (يرتبط بشكل رئيس بسرطانات الدم، أو بالأمراض الالتهابية الجهازية). وترتبط جميع أشكال الداء البروتيني السنخي مع فقدان قدرة GM−CSF على إرسال الإشارات، إما بسبب حالات نقصGM−CSF النشط، أو بسبب حدوث طفرات في مستقبلاتGM−CSF، باستثناء بعض الأشكال الخلقية المرتبطة باضطرابات بروتين العامل الفاعل بالسطح.
البلاعم هي خلايا دم بيضاء، تعمل ـ ضمن مهام أخرى ـ على ابتلاع وتدمير البقايا الخلوية. في المنطقة السنخية الرئوية، تفكك البلاعم الفائض من العامل الفاعل بالسطح، وهو مركب من الفوسفوليبيدات والبروتينات، تنتجه الخلايا السنخية؛ لإنقاص التوتر السطحي؛ فتمنع الانخماص الرئوي، لكن الطفرات التي تؤدي إلى وجود البلاعم المفتقرة إلى المستقبِلات الخاصة بالبروتين GM−CSF، الأساسي لنضوج البلاعم وأدائها الوظيفي، يمكنها أن تسبِّب تراكم العامل الفاعل بالسطح في الرئتين، والمميِّز للداء البروتيني السنخي. أظهر سوزوكي وزملاؤه4 أن زرع البلاعم التي تعبر عن مستقبلات GM−CSF ـ سواء بلاعم من فئران برية، أم بلاعم طافرة خضعت لـ’تصحيح جيني‘ خارج الجسم الحي ـ زرعًا مباشرًا في رئتي الفئران يعالج المرض عن طريق السماح بتفكيك كافٍ للعامل الفاعل بالسطح.
أوضحت متابعة العمل على نماذج الفأر وعينات الداء البروتيني السنخي البشرية خطوات تفكك العامل الفاعل بالسطح وأدوار البروتينات الرئيسة في بيولوجيا البلاعم السنخية. وقد شملت هذه عوامل النسخ PU.1، التي تشارك في نضوج البلاعم السنخية8، وPPARγ، الذي يحافظ على استتباب الرئة9. وخلافًا للبلاعم في أجزاء أخرى من الجسم، تعبر البلاعم السنخية عن مستويات مرتفعة من PPARγ9، مما يوحي بأن لهذا البروتين دورًا خاصًّا في الرئة. بالفعل، تبين أن PPARγ هو منظم سلبي لتنشيط البلاعم10، وأن التعبير عنه يحفزه GM−CSF11. يتألف العامل السنخي الفاعل بالسطح من %90 من المادة الدهنية، ومن المعروف الآن أن تفككه ينظّم من قبل مسار يصدر إشارات تضم GM−CSF PPARγ والبروتين ABCG1 (المراجع 12، 13).
تم تحديد الخيارات العلاجية للداء البروتيني السنخي أولًا في النماذج الفأرية للمرض. وأظهرت الدراسات الأولية أن الفئران التي تعاني من نقص في GM−CSF يمكن ’شفاؤها‘، إما عن طريق إعطاء GM−CSF خارجي المنشأ14، أو عن طريق التعبير الفائق لـGM−CSF في الخلايا الظهارية للجهاز التنفسي15. أدت هذه النتائج إلى تجربة علاج الأفراد المصابين بالداء البروتيني السنخي المناعي الذاتي بجرعات عالية من GM−CSF، تعطى تحت الجلد، أو عن طريق الاستنشاق، رغم فشل مجموعة فرعية من المرضى في الاستجابة لهذا العلاج، ربما بسبب المستويات العالية من الضادات المضادة لـGM−CSF في رئاتهم. كان هناك نهج بديل لعلاج الشكل المناعي الذاتي من الداء البروتيني السنخي، وهو استخدام الأجسام المضادة وحيد النسيلة ريتوكسيماب، الذي يمنع إنتاج الأجسام المضادة لـGM−CSF16 ويحفز زيادة التعبير عن PPARγ وABCG1 (المرجع 17) لدى بعض المرضى.
بيد أن العلاج الوحيد لمرضى الداء البروتيني السنخي الوراثي هو غسل كامل للرئة (الإرواء)، يتطلب تخديرًا كاملًا. اقتُرِح أن الداء البروتيني السنخي الوراثي يمكن تصحيحه بواسطة زرع خلايا نخاع العظم تتمتع بالصحة، وتحتوي على الخلايا الجذعية التي يمكنها أن تتمايز إلى بلاعم طبيعية حساسة لـGM−CSF، وقد كان هذا الإجراء ناجحًا بالفعل في الفئران18. وهذا النهج يتطلب استنفاد نخاع العظام – الاستنفاد الشديد أو الكامل لخلايا نخاع العظام الموجودة؛ لتجنب رفض الخلايا المزروعة. ويترافق استنفاد النخاع العظمي مع ارتفاع مخاطر العدوى والموت، وبالتالي، فإن زرع نخاع العظام لا يجري بشكل روتيني لدى المرضى الذين يعانون من الداء البروتيني السنخي الرئوي.
سعى سوزوكي وزملاؤه إلى تصميم نهج للزرع، يلتف على الحاجة لاستنفاد نخاع العظام، إذ زرعوا البلاعم المأخوذة من فئران طبيعية مباشرة في رئتي الفئران المصابة بعوز الوحدة الفرعية β من مستقبلات GM−CSF (التي تسبب اضطرابًا مطابقًا لذلك الحادث عند الأطفال المصابين بالداء البروتيني السنخي الوراثي الناتج عن طفرات في مستقبلات الوحدات الفرعية α أو β)، ووجدوا أن هذا العلاج لطّف أعراض المرض، وأدَّى إلى تطبيع التعبير عن البروتينات المرتبطة بالمرض، وأطال عمر هذه الفئران. ثم كرر الباحثون التجربة باستخدام بلاعم مأخوذة من فئران تعاني من نقص مستقبلات GM−CSF تم تصحيحها خارج الجسم الحيّ (عن طريق عملية التنبيغ الفيروسية البطينة)، حيث أتاحوا التعبير عن الوحدة الفرعية β مرة أخرى، ولاحظوا حدوث التأثير نفسه.
تدعم هذه الدراسة بقوة، وغيرها من الدراسات الحديثة على الفئران، إمكانية تنفيذ ترجمة زرع البلاعم الرئوية في علاج البشر. وقد أظهرت دراسة سابقة18 أيضًا أن زرع الأنماط البرية من سلائف البلاعم الفأرية، في الحيوانات التي تعاني من نقص مستقبلاتGM−CSF، قد خفضت الداء البروتيني السنخي الوراثي بشكل فعال. طوّر سوزوكي وزملاؤه في هذا النهج باستخدام خلايا مصححة جينيًّا من حيوانات متطابقة وراثيًّا، وتجنبوا بالتالي الحاجة إلى استنفاد نخاع العظام وكبت المناعة. يحمل هذا الأسلوب درجة كبيرة من الشبه بالطريقة التي ستُعتمد على الأرجح في البشر، التي ستكون عن طريق أخذ البلاعم الطافرة الخاصة بالمريض، وتصحيحها خارج الجسم الحي، ثم إعادتها إلى المريض. وإضافة إلى ذلك.. أظهر الباحثون هجوع المرض مع تقليل الأعراض لدى الفئران.
وجد سوزوكي وزملاؤه أيضًا أنه رغم أن الأنماط البرية من البلاعم المأخوذة من نخاع العظام، والمزروعة في المختبر، لها خصائص مختلفة عن البلاعم السنخية، فقد اقتبست شاكلة البلاعم الرئوية بعد زرعها في الرئة. دعّمت هذه النتيجة عملًا سابقًا19 يشير إلى أن البيئة الميكروية المحلية تصدر إشارات توجه تطور البلاعم. ستكون هناك حاجة إلى دراسات مستقبلية لتحديد الجرعة المثالية للخلايا المزروعة للناس، وتأثير مستويات GM−CSF المرتفعة داخليًّا والمرتبطة بالداء البروتيني السنخي الوراثي، وما إذا كانت هناك حاجة إلى إعطاء مزيد من GM−CSF لتعزيز بقاء البلاعم المزروعة.
تتجاوز الآثار العلاجية لهذا النهج الداء البروتيني السنخي الوراثي النادر. ويمكن للمرء أن يتخيل زرع البلاعم ذاتية المنشأ المصححة جينيًّا لعلاج أمراض أخرى، مثل الإيدز. تخدم البلاعم كمستودع للفيروس والأفراد الذين يعانون من نقص المستقبلات المشتركة لبلاعم معينة مقاومة لفيروس الإيدز، لذا.. فإن زرع البلاعم من دون المستقبلات قد ينقل المناعة إلى الفيروس. ونظرًا إلى أن البيئات المحلية توفر ـ على ما يبدو ـ إشارات لتطوير بلاعم ذات سمات معينة، فإن الاحتمالات تبدو لا نهائية تقريبًا عندما يبدأ تحديد الطفرات الجينية ذات الصلة ببعض الأمراض. قد يؤدي استخدام تسلسل كامل عبر الجينوم لتحديد الجينات الزائغة لدى الأطفال، الذين يولدون مصابين بحالات مهددة للحياة، إلى توسيع خيارات العلاجات المعتمدة على زرع البلاعم20.
References
N. Engl. J. Med. 258, 1123–1142 (1958).
, &Science 264, 713–716 (1994).
et al.Proc. Natl Acad. Sci. USA 91, 5592–5596 (1994).
et al.Nature 514, 450–454 (2014).
et al.Am. J. Physiol. Lung Cell Mol. Physiol. 280, L379–L386 (2001).
et al.Clin. Immunol. 95, 85–92 (2000).
et al.J. Exp. Med. 190, 875–880 (1999).
et al.Immunity 15, 557–567 (2001).
et al.Am. J. Respir. Cell Mol. Biol. 29, 677–682 (2003).
et al.Proc. Natl Acad. Sci. USA 95, 7614–7619 (1998).
et al.Nature 391, 79–82 (1998).
et al.Am. J. Physiol. Lung Cell Mol. Physiol. 300, L73–L80 (2011).
et al.J. Lipid Res. 48, 2762–2768 (2007).
et al.J. Clin. Invest. 97, 649–655 (1996).
et al.Am. J. Physiol. 276, L556–L563 (1999).
et al.Eur. Respir. J. 38, 1361–1367 (2011).
et al.Respir. Res. 13, 46 (2012).
et al.Sci. Transl. Med. 6, 250ra113 (2014).
et al.Am. J. Physiol. Lung Cell. Mol. Physiol. 296, L936–L946 (2009).
et al.Sci. Trans. Med. 4, 154ra135 (2012).
et al.