أنباء وآراء
عِلْم المناعة: جَـوِّع الحُمَّـى، لتُطعِـم الميكروبـات الحيويـة
وَجَدَت دراسة أن الخلايا المبطنة للمعيّ تم تعديلها استجابةً لعدوى جهازية، رافعة مِن تحمُّل المضيف لحالة العدوى بطريقة تعتمد على الميكروبات المستوطنة في المعي.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/nature13756
- English article
- Published online:
ثمة علاقة منفعة متبادلة بين الثدييات ومجموعة الميكروبات التي تعيش في أمعائها، والتي تُعرف باسم المجالات الحيوية المعوية (الميكروبات الحيوية)، وهي تستفيد من بيئة غنية بالمواد الغذائية والعناصر المغذية المستمدة من المضيف، وتوفّر لمضيفها فوائد جمّة، ابتداءً من القدرات المناعية والهضمية، وانتهاءً بمقاومة استعمار العوامل المُمْرِضَة. يصف بيكارد وزملاؤه1 وجهًا آخر لهذه المنافع والمصالح المتبادلة، إذ يظهر أنه في نموذج العدوى الجهازية، يعدّل المضيف الجزيئات السطحية للخلايا الظهارية المبطنة للمعي، مما يزيد من لياقة المضيف بطريقة تعتمد على ميكروباته الحيوية.
بدأ المؤلفون دراستهم بطرح سؤال عن كيفية الحفاظ على الميكروبات الحيوية النافعة خلال فترة تناقص استهلاك الغذاء ـ المعروفة باسم فقدان الشهية ـ والمترافقة بالعدوى الجهازية في المضيف. توجد السكريات المستمدة من المضيف مثل الفوكوز fucose على الظهارة المعوية، وتعمل كبديل عن مصادر الغذاء المتناولة من أجل ميكروبات الأمعاء الحيوية. لذا.. عمد بيكارد وزملاؤه لتقييم عملية الارتباط بالفوكوز fucosylation (إضافة الفوكوز إلى الجزيئات التي ستفرز فيما بعد إلى سطح الخلية) في الأمعاء الدقيقة بعد الإعطاء الجهازي للجزيئات المستمدة من البكتيريا، مثل عديد السكاريد الدهني(LPS) التي يتم التعرف إليها عن طريق بروتينات خاصة بالمستقبلات المشابهة للممرات (TLRs). يقلّد الإعطاء بهذه الطريقة عدوى بكتيرية، ويسبّب ظهور أعراض المرض، ومن ضمنها فقدان الشهية. أظهر الباحثون أن الإعطاء الجهازي لعديد السكاريد الدهني يؤدي إلى ارتباط سريع ومستديم بين الفوكوز والبروتينات السكرية في جميع أنحاء الأمعاء الدقيقة. وتنطلق هذه البروتينات السكرية المرتبطة بالفوكوز في لمعة الأمعاء، حيث تتحرر بقايا الفوكوز لتستهلكها البكتيريا المستوطنة في القولون.
وجد بيكارد وزملاؤه أن الإعطاء الجهازي لعديد السكاريد الدهني يحرّض إطلاق الجزيء الذي يرسل إشارات للخلايا، انترلوكين23- (IL-23)، من الخلايا التغصّنية في الجهاز المناعي الفطري، الذي ينشّط بدوره الخلايا الليمفانية الفطرية؛ لكي تطلق IL-22. يؤدي هذا إلى التعبير عن جين خاص بالانزيم الناقل لرابط الفوكوز fucosyltransferase Fut2، في الخلايا الظهارية للأمعاء الدقيقة، مما ينتج عنه إضافة الفوكوز إلى جزيئاتها السطحية (الشكل 1).
أ، في ظروف الاستقرار، لا يجري تحريض الارتباط بالفوكوز (إضافة مجموعات الفوكوز إلى سلاسل الجلايكان في الجزيئات المفرزة إلى سطح الخلية) في المعي الدقيق. ب. حقن بيكارد وزملاؤه1 الفئران بعديد السكاريد الدهني (LPS)، مما يقلّد حالة العدوى الجهازية، ومن ضمنها تناقص استهلاك الغذاء. وذكروا أن هذا يؤدي إلى تحرير الجزيء الذي يرسل إشارات للخلايا، إنترلوكين23- (IL-23)، من الخلايا التغصنية في الجهاز المناعي. يقود IL-23 إنتاج IL-22 من الخلايا الليمفانية الفطرية، محرضًا التعبير عن الجين الذي يرمّز الإنزيم الناقل لرابط الفوكوز Fut2، (غير ظاهر) في الخلايا الظهارية للمعي الدقيق. يحفّز Fut2 الارتباط بالفوكوز، لكي تتحرر الجزيئات الحاوية على الفوكوز فيما بعد في لمعة المعي، حيث تنتقل إلى القولون. وهنا، يتحرر الفوكوز وتستهلكه أعضاء الميكروبات الحيوية. وترتبط هذه العملية بازدياد تحمل العدوى في المضيف.
بعد ذلك، أظهر الباحثون أن الفئران التي تفتقر إلى Fut2 استعادت الوزن بصورة أبطأ بعد فقدان الشهية المحرَّض بإعطاء عديد السكاريد الدهني، مقارنةً بفئران مجموعة المراقبة، مشيرين إلى أن الارتباط بالفوكوز في هذه الظروف، مفيد للمضيف. إضافة إلى ذلك.. تعتمد هذه الفائدة على وجود الميكروبات الحيوية، لأن الفئران الخالية من الجراثيم، أو مستنفدة الجراثيم الحيوية، أظهرت أيضًا خللًا في اكتساب الوزن في حالات نقص الشهية المحرض بإعطاء عديد السكاريد الدهني، على الرغم من أن خلاياها الظهارية رُبطت بالفوكوز.
أخيرًا، وللتأكد مما إذا كان الارتباط بالفوكوز يحسّن لياقة المضيف أثناء العدوى، نقل بيكارد وزملاؤه في العمل عدوى العامل الممرض المعوي ’ليمونية القوارض‘ (Citrobacter Rodentium) إلى الفئران المفتقرة لـFut2 أو مجموعة المراقبة، وأظهروا أن الارتباط بالفوكوز القابل للتحريض، استجابةً لإعطاء عديد السكاريد الدهني أمر حاسم للحد من كل من: تكاثر خلايا القولون (فرط التنسّج) ـ ويشير إلى تلف الأنسجة ـ وفقدان الوزن أثناء العدوى. ربما لا تحدث هذه الفائدة بسبب زيادة المقاومة للعدوى، لأن المستويات الكلية لليمونية القوارض في الأمعاء الدقيقة كانت متشابهة لدى الفئران التي تحتوي على Fut2 وتلك التي تفتقر إليه. ونظرًا إلى أن الأضرار التي تلحق بالمضيف مستقلة عن عبء العامل الممرض، فمن المحتمل أن يتمكن هذا التأثير الخاص بالميكروبات الحيوية من تحسين لياقة المضيف عن طريق تحمل المرض2,3.
ومؤخرًا، حدد جوتو وزملاؤه4 مسارا جزيئيا يشارك في الارتباط بالفوكوز المحفّز بالميكروبات الحيوية على ظهارة الأمعاء الصغيرة في الظروف الطبيعية ’المستقرة‘، وهو يتشابه مع المسار الجهازي المحرض بإعطاء عديد السكاريد الدهني الذي وصفه بيكارد وزملاؤه. تقدم كلتا الدراستين دليلًا على أن الارتباط بالفوكوز يعتمد على مجموعة فرعية من الخلايا اللمفانية الفطرية المنتجة لـ IL-22. وبشكل مماثل لما قام به بيكارد وزملاؤه، أظهر جوتو وزملاؤه أن الارتباط بالفوكوز مهم لدفاع المضيف ضد السالمونيلة التيفية الفأرية، العامل الممرض البكتيري المعوي. ولكن، في هذه الدراسة الثانية، كبح الارتباط بالفوكوز غزو البكتيريا للأنسجة المعوية، ويبدو بالتالي، أن حماية المضيف ترجع إلى مقاومة العوامل المُمْرِضَة أكثر من تحمّل المرض.
ثمة تناقض واضح في دراسة بيكارد وزملائه، حيث لم يتحروا وجود الفوكوز على الخلايا الظهارية للأمعاء الدقيقة في الفئران التي لم تعالج جهازيا بعديد السكاريد الدهني، في حين أظهرت دراسة جوتو وزملاؤه ودراسات أخرى5,6 حدوث الارتباط بالفوكوز في الحالة المستقرة في المعي الدقيق القاصي للفئران. يمكن تعليل هذا باختلاف الميكروبات الحيوية المعوية لدى الفئران المستخدمة في كل دراسة. استخدم بيكارد وزملاؤه بعض الفئران من مختبر جاكسون، لا تحتوي ميكروباتها الحيوية على البكتيريا الخيطية المجزأة7، التي تعرّف جوتو وزملاؤه عليها باعتبارها محرِّضات قوية للارتباط بالفوكوز. سيكون من المثير للاهتمام تحديد العوامل المشتقة من الميكروبات الحيوية (وبالأخص من البكتيريا الخيطية المجزأة) التي تتواسط الارتباط المعوي بالفوكوز، والتي قد تعمل بشكل مستقل عن المستقبلات المشابهة للممرات7. من المرجّح أن حدوث الارتباط بالفوكوز في الحالة المستقرة في المعي الدقيق القاصي للفئران الذي لاحظه جوتو وزملاؤه سيقوى إذا حُقنت الفئران بعديد السكاريد الدهني، لأن الارتباط بالفوكوز المشار إليه في الدراسة الحالية1 لم يحدث في المعي القاصي فحسب، بل في جميع أنحاء المعي الدقيق.
لعل الجانب الأكثر إثارة في عمل بيكارد وزملائه هو ما يضيفه إلى فهْمنا للتفاعلات المفيدة بين المضيف وميكروباته الحيوية. ورغم تنامي قائمة عوامل المضيف، والخلايا والظروف المشكلة للميكروبات الحيوية، إلا أننا لا نعرف سوى القليل عما إذا كان بوسع المضيف، في ظل ظروف معينة، اختيار الميكروبات الحيوية المفيدة التي تزيد من لياقة المضيف نفسه، أم لا. وتقترح هذه الدراسة آلية قد يحدث هذا الاختيار بموجبها. ويبقى السؤال المطروح هو: كيف تسهم الميكروبات الحيوية في تحمُّل المرض؟.
إضافة إلى ذلك.. فإن الفائدة التي يجنيها المضيف من ارتباط الخلايا الظهارية المعوية بالفوكوز، التي أظهرها المؤلفون، تلقي الضوء على المقايضات المحتملة مع النتائج السلبية المعروفة للارتباط بالفوكوز. وهذه تشمل استخدام المستقبلات المرتبطة بالفوكوز من قِبَل الفيروسات8، واستخدام الفوكوز المحرّر من قبل البكتيريا المُمْرِضة9. ستظل التفاعلات المعقّدة بين المضيف وميكروباته الحيوية والعوامل المُمْرِضَة، وخاصة فيما يتعلق بالفوكوز، تشكل منطقة محفزّة على الاستكشاف.
References
Nature 514, 638–641 (2014).
et al.Annu. Rev. Immunol. 30, 271–294 (2012).
&Science 335, 936–941 (2012).
, &Science http://dx.doi.org/10.1126/science.1254009 (2014).
et al.J. Biochem. 90, 559–561 (1981).
, &Science 273, 1380–1383 (1996).
, , &Cell 139, 485–498 (2009).
et al.Nature Med. 9, 548–553 (2003).
et al.Nature 502, 96–99 (2013).
et al.