أنباء وآراء
السرطان: أصل سرطان الشبكية الأرومي البشريّ
لا تزال الأصول الخلوية لمعظم السرطانات غير معروفة، لكنّ تحليلًا لخلايا شبكية العين الجنينية يكشف أن الخلايا المخروطية التمييزية هي الأصل لسرطان الشبكية الأرومي في الأطفال.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/nature13748
- English article
- Published online:
تُعتبر هوية الخلايا التى تنشأ منها السرطانات المختلفة أحد أهم الألغاز التى تعوق جهود العلماء لفهم السرطانات البشرية. والمحاولات لتحديد "الخلايا الأصلية" سالفة الذكر عادةً ما تستخدم العلامات الجينية الموجودة في السرطانات المتقدمة كنقطة قياس. ولأن خلايا السرطان هى، حسب التعريف، خلايا تحولت من الحالة الطبيعية إلى الحالة المرضية، فإن هناك خطأ قاتلًا في هذا المنهج. ولتوضيح الفكرة، تخيل ركاب طائرة ينزلون منها مرتدين ثيابًا شتوية، مما قد يوحى بأنهم قد صعدوا على متن الطائرة في بلد بارد المناخ، لكنْ هناك احتمال مساوٍ بأنهم ينزلون في بلد بارد، وركبوا من بلد دافئ. اتخذ شو1 وزملاؤه طريقة بديلة لحل معضلة الخلية الأصل، حيث حددوا نوع الخلايا التى ينشأ منها سرطان الشبكية عن طريق دراسة الخلايا الطبيعية في شبكية الإنسان.
وورم أرومات الشبكية هو سرطان يحدث في شبكية العين في الأطفال، ويُعَدّ نموذجًا مثاليًّا لدراسة السرطان عمومًا. بالفعل، أدّت الأبحاث على هذا السرطان إلى اكتشاف جين2 Rb1، المشفر لإنتاج البروتين المثبط لنمو سرطان الشبكية الأرومي RB. ولتحديد الخلية الأصل لورم أرومات الشبكية، تلاعب شو وفريق الباحثين بخلايا شبكية عين الإنسان الجنينية، ووجدوا أن الخلايا المنشئة، التى من المفترض أن تصبح خلايا مخروطية مستقبلة للضوء، حساسة لفقد جين Rb1 بشكل غير عادي. حقيقة أن الخلايا المنشئة للمخاريط هى خلايا متكشفة، مقرر لها أن تكون خلايا شبكية حساسة للضوء، تشير إلى أن الخلية الأصل للأورام البشرية لا يجب بالضرورة أن تكون جذعية، كما يُطرح عادةً3,4. قام مؤلفو الدراسة باستخلاص الخلايا المخروطية البشرية، وأوضحوا أن إزالة بروتين RB منها، وليس من أى نوع خلايا شبكية آخر، قد أدى إلى نمو أورام شبكية عند زراعة تلك الخلايا في الفئران.وهى نتيجة تحسم عقودًا من الجدل5 (شكل 1).
ينشأ ورم أرومات الشبكية تحديدا من الخلايا المنشئة للخلايا المخروطية التمييزية، نتيجة للشبكة الجزيئية في تلك الخلايا، والتى تشمل تعبيرا جينيا كثيفا للبروتينات N-Myc ،SKP2 وMDM2. يسمح هذا النمط الجينى للخلايا بأن تتكاثر وتمر بتحول سرطانى عند فقد البروتين المثبط لنمو الأورام RB. في أنواع أخرى من خلايا الشبكية، لا يحدث فقد البروتين RB تأثيرا يذكر أو يؤدى إلى موت الخلية (لا يظهر في الرسم).
تلك نتائج مذهلة، لكن التصوير الحي للأورام المبكرة في عيون المرضى يُظهِر الإصابات في "طبقة الأنوية الداخلية" من شبكية العين6. تلك هى الطبقة الوسطى من ثلاث طبقات مكوِّنة للشبكية، لكن الخلايا المخروطية تقع في الطبقة الخارجية. أحد التفسيرات المحتملة هو أن أورام الشبكية تنمو من خلايا منشئة للخلايا المخروطية، انتقلت إلى طبقة الأنوية الداخلية. التفسير البديل هو أنه من المحتمل أن تسبب إزالة بروتين RB تغيير خلايا طبقة الأنوية الداخلية لمصيرها؛ لتصبح خلية مخروطية أو شبيهة لها، إذ تتمتع خلايا الشبكية المتكشفة بالمرونة. وقابلية الخلايا المخروطية المنقاة للانقسام والتحول بعد إزالة بروتين RB تنفى تلك الفكرة الأخيرة، رغم أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن الخلايا المستخدمة في تلك التجارب قد أزيلت من بيئتها الأصلية الطبيعية. وهناك سابقة لتغيُّر المصير في خلايا أخرى، كنتيجة لفقد بروتين RB7.
إذًا، ما الذى تعنيه تلك النتائج بالنسبة إلى نماذج الفئران السرطانية؟ الحماية ضد حدوث أورام الشبكية في الفئران أعلى من البشر، بمعنى أنه تجب إزالة بروتينات أخرى مثبطة لنمو الاورام في الفئران المعدلة وراثيًّا بالإضافة إلى جين Rb1 كي تنمو أورام الشبكية8,9. وكما في البشر، فإن إزالة بروتين RB يسبب انقسامًا غير طبيعي لخلايا الشبكية التمييزية في الفئران، ولكن بينما لاحظ شو وفريقه أن الخلايا المخروطية فقط تتأثر بشدة في شبكية الإنسان، فإن الخلايا العصبية بجميع أنواعها تضطرب في شبكية الفأر8,9. الخلية الأصلية لورم الشبكية في الفئران هي أيضًا خلية عصبية تمييزية للشبكية، لكنها تنتمى إلى الخلايا عديمة الألياف الطولية (خلايا عصبية رابطة)، وليس إلى الخلايا المخروطية8.
تتولد كل من الخلايا المخروطية والخلايا عديمة الألياف الطولية في الشبكية في المرحلة الجنينية نفسها تقريبًا، ولهذا فإنهما قد تشتركان في أكثر من نقطة في دوائر التعبير الجيني بهما، خاصة في مراحل نموهما المبكرة. بالفعل، أنماط التعبير الجيني في ورم الشبكية في كل من الإنسان والفأر متشابهة10، وهناك أيضًا تماثل في الطفرات الجينية التى يحملانها، مثل غياب الجين المثبط11 لنمو الأورام CDKN2A. بالإضافة إلى ذلك.. تقع الخلايا عديمة الألياف الطولية في طبقة الأنوية الداخلية من الشبكية، حيث تنشأ الأورام في البشر. وبالتالى، وعلى الرغم من وجود اختلافات في الورم الشبكي بين النوعين، فإن أوجه التشابه العديدة تجعل من الفئران النماذج أداة قيمة للأبحاث المستقبلية والاختبارات الدوائية.
ومن الأسئلة المحورية المتعلقة بأورام الشبكية وأورام عائلية أخرى: لماذا تنشأ الأورام في المرضى ذوي الطفرات في الجين Rb1 في العين تحديدًا قبل سن الخامسة، رغم أن هذا الجين يُعبَّر عنه في كل أجزاء الجسم الأخرى؟ قد تكمن إجابة هذا السؤال في الدراسة الحالية، وفي نتائج أخرى حصل عليها الفريق البحثي نفسه12. على مايبدو أن الشبكة الجزيئية الموجودة في الخلايا المنشئة للخلايا المخروطية تجعلها بالغة الحساسية للتحول السرطاني عند فقد البروتين RB.
فقد وجد شو وفريقه أن المستويات العالية من إنزيمات الأبيكويتين ليجيز Ubiquitin ligase SKP2 وmdm2 ومن البروتين المسبب للسرطان N-myc، أساسية للخلايا المنشئة للخلايا المخروطية كي تبدأ الانقسام، دون حدوث موت الخلايا المبرمج. وعلى ما يبدو، تملك خلايا الفأر عديمة الألياف الطولية شبكات جزيئية مشابهة، ولذا.. فإنها حساسة لفقد بروتين RB، بما في ذلك القدرة على مقاومة موت الخلايا الذي يحفزه عامل النسخ E2F- نتيجة طبيعية لإنتاج E2F بعد فقد البروتين RB لوظيفته في أنواع الخلايا الشبكية للفأر13. الاستثناء المثير لهذا هو البروتين p107، وهو قريب الشبه بالبروتين RB، وله دور مثبط لنمو الأورام في الفئران13، لكنه في الدراسة الحالية يحث على نمو الورم في الخلايا المنشئة للخلايا المخروطية التي تحتوي على طفرة في جين Rb1.
وختامًا، فإن الدراسة المثيرة لشو وفريقه تجيب على سؤال جدلي، وتوفر أساسًا قويًّا لأبحاث مشابهة في أنواع أخرى من الأورام الصلبة. مرة أخرى، يمثل ورم الأرومات الشبكية نموذجًا في مجال أبحاث السرطان. ومعرفة الخلية الأصل لأورام الشبكية (وأورام أخرى) قد تساعد الباحثين على تطوير طرق أفضل للتشخيص المبكر، وربما العلاج الكيميائي الوقائي. وإضافة إلى ذلك.. فإن فهم الشبكة الجزيئية التي تجعل الخلايا عرضة للتحول السرطاني بشكل أفضل قد يساعد في الكشف عن النقطة الأضعف للخلايا السرطانية.
References
Nature 514, 385–388 (2014).
et al.Nature 323, 643–646 (1986).
et al.Nature 469, 314–322 (2011).
Genes Dev. 26, 1409–1420 (2012).
Nature 307, 471–473 (1984).
, , &Br. J. Ophthalmol. 97, 59–65 (2013).
et al.Nature 466, 1110–1114 (2010).
et al.Nature Rev. Cancer 5, 91–101 (2005).
&Oncogene 31, 5019–5028 (2012).
et al.Cancer Cell 20, 260–275 (2011).
et al.J. Clin. Invest. 122, 1726–1733 (2012).
, , , &Cell 137, 1018–1031 (2009).
et al.Cell Death Differ. 20, 931–940 (2013).
, , &