أنباء وآراء

فيزياء المعجِّلات: ركوب الأمواج في "سلاك"

يستطيع حارق لاحق بلازمي بطول 30 سم فقط تعجيل الإلكترونات مئات المرات أسرع من المعجِّلات التقليدية العملاقة. قد تفتح هذه النتائج تقنية منخفضة التكلفة لمصادمات الجسيمات.

  • مايك داونر
  • رافال زجادزاي
  • Published online:

في نوفمبر من عام 2012، ذكرت موسوعة جينيس للأرقام القياسية العالمية أن 120 من راكبي الأمواج في أستراليا استطاعوا ركوب الموجة نفسها في وقت واحد لأكثر من 5 ثوان1. يقول رئيس الفريق ويس سميث، "كانت البراعة أنهم استطاعوا جميعًا فعل الشيء نفسه في الوقت ذاته. لقد كانت عملية بدقة شبه عسكرية، استطعنا أخيرًا الوصول إليها". الآن، يذكر ليتوس وزملاؤه2 في عملهم في مختبر المعجلات الوطني سلاك SLAC في مينلو بارك، كاليفورنيا، أنهم أيضا استطاعوا الوصول إلى الدقة نفسها، من خلال ركوب نصف مليار من إكترونات بطاقة 20 مليار إلكترون-فولت، على موجة شحنة-كثافة شديدة الانحدار بحجم العوالق النباتية البحرية، تتحرك خلال غازات متأينة (بلازما).كانت الموجة مدفوعة من قِبَل حزمة إلكترونية مصاحبة تندفع بسرعة تقترب من سرعة الضوء خلال غرفة طولها 30 سنتيمترًا مليئة بالبلازما (الشكل 1).

مُسَرِّع سلاك الرئيس، والظاهر هنا من صورة جوية، يعجل حزم إلكترونية بطاقات من 0 إلى 20 جيف خلال 2كم، مما يعني أنه يضيف 0.01 GeV إلى كل إلكترون لكل متر. هذا المرفق الجديد لعلوم المعجلات والاختبارات التجريبية (FACET) المستخدم من قِبَل ليتوس وزملائه2 يفصل الحزم الإلكترونية ذات الـ20 GeV إلى حزمتين مترادفتين، بحيث يتم التحكم فيهما بشكل مستقل. تخلق الحزمة الرائدة معجلًا ميكرومتريًّا جديدًا داخل غرفه بطول 30 سم (أعلى)، ومن ثم تدفع موجة شحنة-كثيفة في غاز متأين، تشبه إلى حد كبير قاربًا يثير خلفه أثرًا في الماء. الحزمة الخلفية تركب أثر الحزمة الرائدة، وعند وضعها على الوجه الأمثل، تستطيع انتزاع ما يصل إلى %30 من طاقتها، وزيادة طاقة كل إلكترون بنسبة 1.6 GeV فقط في 30 سم.

كبر الصورة


على الرغم من أن هذه التجربة الافتتاحية فقدت حوالي %90 من الإلكترونات الراكبة خلال التجربة، إلا أن الإلكترونات المتبقية قيد الموجة قد اكتسبت 1.6 مليار إلكترون-فولت أو 1.6 جيجا إلكترون-فولت (جيف)، في مجال طاقة لا مثيل له من الاتساق، محافظةً على ما يقرب من %1 من الطاقة المنتشرة خلال التجربة، بينما استهلكت جزءًا غير مسبوق من طاقة الموجة (يصل إلى %30). تطلَّب هذا التعجيل الإلكتروني الموحد الفعّال من الباحثين حقن حزمة ركوب إلكترونية في الموجة، وتعديل شحنة وشكل الحزمة، مع دقة شبه عسكرية، أصبحت ممكنة بمعجل سلاك بواسطة مرفق معجل العلوم والاختبارات التجريبية FACET)3)، الذي تكلف 15 مليون دولار مؤخرًا. ولأن موجة البلازما تستطيع تعجيل الإلكترونات 500 مرة أسرع من معجل جسيمات سلاك الرئيس، فالنتيجة تبشر بجيل جديد من غرف "الحارق اللاحق البلازمية" المدمجة التي يمكن أن ترفع طاقة معجلات الجسيمات التقليدية، وتقلل من التكلفة الهائلة لأجهزة فيزياء الطاقات العالية4.

قبل سبع سنوات، وحتى قبل اقتراح مرفق معجل العلوم والاختبارات ، استخدم الفريق نفسه حزمات أحادية من حوالي 10 مليارات من الإلكترونات بطاقة 42 GeV، واستطاعوا تعجيلها على كامل طول 3.2 كيلومتر من جهاز سلاك SLAC الرئيس لاستثارة موجة بلازما مماثلة5. تم التقاط عدد من الإلكترونات من ذيل الحزمة الإلكترونية الدافعة في أثر الحزمة الدافعة، ثم تعجيلها إلى ما يصل إلى 84 GeV، أي ضعف طاقة الإلكترونات في الحزمة الدافعة الأصلية، داخل غرفة بلازما طولها متر. ومع ذلك.. فإن الإلكترونات الخارجة من هذا الجيل الأول من الحارق-اللاحق البلازمي تراوحت طاقتها بين أقل من حوالي 35 GeV إلى 84 GeV، حيث كانت الإلكترونات المتباطئة أكثر من المعجلة، وتركت معظم طاقة موجة البلازما غير مستغلة. مرفق معجل العلوم والاختبارات - الذي يتشارك الآن سلاك مع مصدر ضوء ليناك المترابط Linac Coherent Light Source، وبالتالي يبدأ بتعجيل إلكترونات بطاقة 20 GeV خلال جزء من طول سلاك SLAC - صمم لتصحيح هذه العيوب. يستغل المرفق تكنولوجيا شعاع جسيمات جديدة لتقسيم حزمات سلاك الإلكترونية إلى حزمتين مترادفتين، بحيث يمكن السيطرة على زمن انفصالهما، وشحنتيهما، وشكلهما، بشكل مستقل إلى حد ما.

في تجارب جديدة، استخدم الباحثون ما يزيد قليلًا عن نصف حزمة سلاك ذات الـ20 GeV لدفع موجة بلازما، ومن ثم قاموا بتوقيت توأمه المتساوي معه في الشحنة للاقتران به خلفه بمقدار سُمْك شعرة، حيث ركب قلبه على مجال كهربي هائل لأثر الحزمة الدافعة. وبدون الحزمة الراكبة الخلفية، سيكون هذا المجال بعيدًا عن الانتظام، ليتباين بمقدار من 3 إلى 10 مليارات فولت لكل متر (حقول أقوى مما تستطيع المادة العادية غير البلازمية مقاومته) فقط خلال منطقة صغيرة جدًّا، تم فيها ضبط الحزمة الراكبة بشق الأنفس.

لو حقن الباحثون حزمة راكبة بشحنة أقل؛ لكانت قد عانت من المصير نفسه كما هو الحال في التجربة السابقة من خلال فقد الطاقة. وهذا من شأنه أن يجعلها غير صالحة لتطبيقات فيزياء الطاقات العالية، التي تتطلب طاقة جسيم يمكن ضبطها بالتحديد لإبداع جسيمات جديدة، والتعرف عليها، مثل بوزون هيجز. ومع ذلك.. أخذ ليتوس وزملاؤه ميزة الفيزياء المستفادة من المحاكاة الحاسوبية6 ليبيِّنوا أن حزمة راكبة عالية الشحنة يمكن أن "تثقل" مؤخرة البلازما، وتعمل على تسطيح مجالاتها الكهروستاتيكية موضعيًّا. يبدو ذلك كما لو كان لراكبي الأمواج الأستراليين الـ120 وزن جماعي كاف لتسطيح أمواج المحيطات المنحنية إلى مستوى مائل، حتى يتسنى لهم التسارع بالمعدل نفسه. هذه المهارة حلت مشكلتين في آن واحد، فقد مكنت حزمة عالية الشحنة من التسارع بالطاقة نفسها تقريبًا، مع تعظيم استخراج الطاقة من أعقاب البلازما.

هل يمكن لركوب موجات البلازما أن يفي بالاحتياجات المستقبلية لأبحاث فيزياء الطاقات العالية، التي تشمل حزمات إلكترونية ذات طاقة وشحنة ومعدل تكرار وتركيز عال بما فيه الكفاية، حتى يمكن تخليق كميات ملحوظة من جسيمات جديدة، التي قد تكون كامنة في العالم السفلي الكوني؟ إنّ الحُكْم لم يصدر بعد.. فالطاقة المكتسبة حاليا 1.6 GeV (بدءًا من 20 GeV) ليست أكبر من تلك التي يتم الحصول عليها عن طريق معجلات البلازما المدفوعة بنبضات ضوئية من الليزر (بدءا من الصفر)7، وهي أدوات أصغر بكثير وأقل تكلفة من سلاك. ومع ذلك.. تكتسب معجلات البلازما المدفوعة بالإلكترونات بسهولة عشرات جيجا إلكترون-فولت من نظرائها الذين يحركهم الليزر، كما هو موضح في العمل السابق5.

ستكون تكنولوجيا محسَّنة للتحكم في تشكيل-الحزمة أكثر ملاءمة لحزم راكبة لموجات البلازما، لتزيد معدل بقاء الإلكترونات، وبالتالي عدد الإلكترونات المعجّلة، بيد أن بوزون هيجز لديه كتلة تعادل 126 GeV، والنظريات الفيزيائية، مثل التناظر الفائق، تتنبأ بجسيمات إضافية لها كتل أكبر من هيجز، يمكن أن تكون مصدر "المادة المظلمة" المحيرة التي يبدو أنها تشكل حوالي %25 من الكون. وإيجاد وتحديد هذه الجسيمات الكونية الجديدة يمكن أن يضع حدود الطاقة المستقبلية عند عدة آلاف جيجا إلكترون-فولت. الوصول إلى هذه الطاقات سيتطلب على الأرجح معجلات بلازما متعددة المراحل ومتزامنة. لذلك.. تُعَدّ تحديًا تقنيًّا صعبًا، وغير مستكشَف إلى حد كبير، نظرًا إلى أبعاد موجات البلازما الميكرومترية.

هناك اقتراح بديل مثير للاهتمام، وهو إثارة موجات البلازما مع حزم بروتونات ذات طاقات عالية جدًّا، تعمل كتلتها الكبيرة على دفع موجات البلازما لمئات الأمتار، وبالتالي تعجيل الإلكترونات إلى حدود الطاقة القصوى في مرحلة واحدة8. في كلتا الحالتين، يتخلف تعجيل بلازما البوزيترون (مضاد إلكترون) كثيرًا عن تعجيل الإلكترونات، نظرًا إلى أن موجات البلازما تتشكل، مثل تلك الموجودة في التجربة الحالية، مما يشتت ركوب حزم البوزيترونات ويضيع فائدتها. إنّ تعجيل البوزيترون مهم للاصطدامات عالية الطاقة بين الإلكترونات والبوزيترونات، حيث إنهما زوج طبيعي من مادة-ومادة مضادة، مما يخلق مجموعة غنية من منتجات التصادم بكفاءة أعلى من اصطدامات إلكترون-إلكترون، مثلًا، وبالتالي تقدِّم واحدة من أكثر الطرق الواعدة لاكتشاف الجسيمات. يُعَدّ وضع مرفق معجل العلوم والاختبارات، مع إمكانية سلاك لمرافقة شعاع بوزيترونات، فريدًا لاستكشاف طرق جديدة لتشكيل موجات البلازما بالمضي قدمًا في تعجيل بوزيترونات معتمد على البلازما.

أخيرًا، حتى لو تحققت الطاقات والشحنات المطلوبة لمصادم إلكترون-بوزيترون، يحتدم النقاش حول ما إذا كان يمكن لحزم جسيمات مركزة راكبة على البلازما أن تسفر عن اكتشاف-جسيمات بمعدلات تنافسية مع تلك التي تحققت مع تكنولوجيا المسرعات التقليدية9-11، وهذا يكمن وراء مقترحات لمصادمات بطول عشرات الكيلومترات، مثل المصادم الخطي الدولي والمصادم الخطي المدمج. ورغم هذه الشكوك، تغلب ليتوس وزملاؤه على واحد من أصعب التحديات حتى الآن في سعيهم الطويل للحصول على معجلات صغيرة بأسعار معقولة، وقدّموا لمجتمع ركوب-البلازما كل الأسباب للمُضِيّ قدمًا.

  1. www.worldrecordacademy.com/sports/most_surfers_riding_the_same_wave_120_surfers_set_world_record_113137.html

  2. Litos, M. et al. Nature 515, 9295 (2014).

  3. Hogan, M. J. et al. New J. Phys. 12, 055030 (2010).

  4. Lee, S. et al. Phys. Rev. ST Accel. Beams 5, 011001 (2002).

  5. Blumenfeld, I. et al. Nature 445, 741744 (2007).

  6. Tzoufras, M. et al. Phys. Rev. Lett. 101, 145002 (2008).

  7. Wang, X. et al. Nature Commun. 4, 1988; http://dx.doi.org/10.1038/ncomms2988 (2013).

  8. Caldwell, A., Lotov, K., Pukhov, A. & Simon, F. Nature Phys. 5, 363367 (2009).

  9. Schroeder, C. B., Esarey, E. & Leemans, W. P. Phys. Rev. ST Accel. Beams 15, 051301 (2012).

  10. Lebedev, V. & Nagaitsev, S. Phys. Rev. ST Accel. Beams 16, 108001 (2013).

  11. Schroeder, C. B., Esarey, E. & Leemans, W. P. Phys. Rev. ST Accel. Beams 16, 108002 (2013).