أنباء وآراء

علوم المواد: الجذور الحرة تعزِّز تجميع الهُلَام مغناطيسيًّا

تتطلب هندسة الأنسجة المعقدة تنميطًا عالي الإنتاجية ثلاثي الأبعاد للمواد والخلايا. وأحد أساليب تجميع مكونات الهلام الصغيرة باستخدام القوى المغناطيسية للجذور الحرة المغلفة قد يكون هو السبيل لتحقيق ذلك.

  • كريستوفر رودل
  • جاسون بُردِك
  • Published online:

إنّ القدرة على التحكم في تجمع ميكرومتري لشبكات البوليمر المنتفخة بالماء، المعروفة بـ"الهلاميات المائية"، لها إمكانات كبيرة في مجالات عديدة، إذ يمكنها، مثلًا، الدفع نحو تطوير روبوتات من مواد لينة، وأجهزة تشخيص مخبري على رقاقة، ولَبِنات هندسة الأنسجة. في دراسة نُشرت مؤخرا بدورية "نيتشر كوميونيكيشن"، وصف طاش أوغلو وزملاؤه1 هذه الإمكانية تحديدًا، واستخدموا قوى بارامغناطيسية (انجذاب مواد معينة لحقل مغناطيسي خارجي) لتوجيه التجمع ثنائي وثلاثي الأبعاد لوُحَيْدات الهلام المائي (هيدروجل) الميكرومترية، وتُسمى هلاميات ميكروية (ميكروجل). مِثل القطع في لعبة تتريس Tetris، يمكن تقليب هذه الوُحَيْدات ومعالجتها، أو التلاعب بها لتجميع البنية المنشودة. ونظرًا إلى أن هذه التقنية يمكنها أن تستوعب في وقت واحد عدة أنواع وتكوينات من المواد في وجود خلايا، فإنها جذابة للغاية لتطبيقات هندسة الأنسجة.

تعتمد هندسة الأنسجة على تفاعل دقيق بين الخلايا ومحيطها، وعلى التنظيم الهرمي للأنسجة ثلاثية الأبعاد. يتم التحكم جزئيًّا في السلوكيات التقليدية للخلايا، مثل التكاثر والتمايز والهجرة، من خلال الإشارات الموزعة مكانيًّا وزمانيًّا من النسيج الشبكي المحلي المحيط (موضع الخلية الخاص)، فضلًا عن إشارات قابلة للذوبان تنتشر خلاله. استخدم الباحثون تنويعة من مناهج التصنيع والتنميط؛ لإدخال هذه الإشارات إلى المواد الاصطناعية، في محاولة لفهم وتلخيص تفاعلات الأنسجة بين الخلايا على نطاقات متعددة الأحجام.

يتم إنتاج سقالات هندسة الأنسجة، إما بتغليف خلايا داخل المواد، أو ببذرها في تلك المواد. تاريخيًّا، كان لهذه السقالات تكوين منتظم، ولم تكرر مثلًا تعقيد تطور الأنسجة أو استجابة التئام الجروح. لذا.. وسّع باحثون كثيرون أساليبهم لدمج التصميم نزوليًَا من أعلى إلى أسفل– إنتاج مادة منتظمة، منمطة لاحقًا. في أحد هذه المناهج (التنميط الضوئي)، يؤدي تَعَرُّض المواد المحكومة مكانيًّا للضوء إلى توليد تغيرات في هيئة الجزيء الحيوي2، والإشارات الميكانيكية3، أو كليهما4، للسيطرة على سلوك الخلية عن طريق التفاعل مع الأنسجة.

ورغم أن المناهج النزولية تقدم بعض السيطرة على التوزيعات المنتظمة للخلايا في مادة مفردة، تظل الكثير من الأنسجة غالبًا غير منتظمة في تكوين الوسط البيني وتوزيع الخلايا. أساليب البناء الصعودية من أسفل لأعلى، حيث تتجمع بِنَى الأنسجة من مكونات أصغر، قد تكون بالتالي أكثر ملاءمة لتكرار التعقيد البيولوجي. تجسِّد الطباعة ثلاثية الأبعاد، حيث ينشئ الترسيب المباشر للمواد بنى دقيقة ثلاثية الأبعاد، بدورها هذه الاستراتيجية. وقد أتاحت التطورات التقنية الحديثة طباعة الأنسجة ثلاثية الأبعاد من خلال ترسيب مجموعات الخلايا، أو مواد محملة بالخلايا5، بيد أن هذه العمليات لا تزال تعتمد على تكرار ترسيب الطبقات، طبقة تلو الأخرى – وهي طريقة6 وردت عام 1986 – وتتطلب بالتالي أوقات تصنيع طويلة تحدّ حاليًا من حجم البِنَى.

وتجميع المكونات الهلامية الميكروية المتشكلة سلفًا قد يوفر طريقة بديلة، إذ إنه قد يتيح تجمُّعًا سريعًا، ويتيح بالتالي إمكان تشكيل بنى أنسجة بمقاييس مفيدة علاجيا. حتى الآن، يتم تحقيق تجمع هذه المكونات بشكل كبير من خلال عمليات دينامية حرارية سلبية7، أو تلاعب تسلسلي مباشر8. ولتحسين الكفاءة، تحوَّل الاهتمام مؤخرًا إلى أساليب تدفع نحو التجمع بواسطة قوى خارجية. استخدم طاش أوغلو وزملاؤه، في طريقتهم، مركبًا كيميائيًّا يمكن دمجه بسهولة في أي هلام مائي (هيدروجل) تقريبًا من خلال الانتشار (الشكل 1)، وهو يحتوي على جذور حرة (إلكترونات مفردة غير منتظمة في أزواج) مستقرة. ولَدَى تعرضها لمجال مغنطيسي خارجي، تطلق الجذور المغلفة قوة بارامغنطيسية، بحيث يتاح تلاعب سهل وسريع بمكونات الهلام المائي نحو تجمُّعها بالموضع المنشود.

وصف طاش أوغلو وزملاؤه1 طريقة لتجميع الميكروجِل ميكرومتري الحجم (شبكات بوليمر منتفخة بالماء) لتشكيل بِنَى أكبر بهيكليات محددة وتكوينات محددة. يتشكل الميكروجِل بخلايا مغلفة أو بدونها، ثم يتاح لمركب جذور حرة مستقرة (دوائر صفراء) الانتشار فيها. توَلِّد الجذور الحرة قوى (بارمغناطيسية) في وجود حقل مغناطيسي خارجي، مما يدفع بحركة الميكروجِل نحو التجمع. تستقر البِنَى الناتجة بإضافة محلول سالف هلام مائي يتبلمر لدى التعرض للأشعة فوق البنفسجية. وأخيرًا، تُخمَد الجذور (بتحويلها لمنتجات غير جذرية) بإضافة فيتامين إي، يمنعها من إعطاب الخلايا المغلفة.

كبر الصورة


أظهر المؤلفون أن عملية المغنطة يمكن التحكم بها زمنيًّا، وأنها متوافقة مع قابلية الخلايا للحياة والنمو وتكاثرها وانتشارها. كما أن الهلام المائي المحتوِي على الجذور (الحرة)، يستجيب مغناطيسيًّا لمدة تصل إلى 24 ساعة بعد تغليف الجذور، لكن المواد تصبح خاملة مغناطيسيًّا بسرعة لدى معالجتها بفيتامين (إي) المضاد للأكسدة، الذي يعمل كاسحًا للجذور. لاحظ الباحثون أن المعالجة بفيتامين (إي) تميل إلى تحسين قابلية الخلايا المغلفة للحياة والنمو والانتشار، مقارنة بالهلام غير المعالج.

ولإثبات إمكان تطبيق طريقتهم بشكل عام، استخدمها طاش أوغلو ووزملاؤه لتشكيل بِنَى تحتوي عديد من أنواع المواد والكثافات والمساميات. وأظهروا أيضًا أنه عقب تجميع مكونات الهلام المائي في الهيئة المطلوبة، يمكن إضافة هلام مائي آخر كمحلول سالف معزز بواسطة البلمرة المستهلة بالأشعة فوق البنفسجية، وهي عملية تسبب استقرار البِنَى المُتجمّعة. وإنْ لم يُظْهِر الباحثون ذلك، ينبغي أن تكون طريقتهم قادرة أيضًا على التحكم بتجمع المكونات التي توفر مختلف درجات الصلابة، والإشارات الكيميائية الحيوية، أو غيرها من السمات المهمة بيولوجيًّا. مثل هذه العمومية مهمة لتطبيقات هندسة الأنسجة.

ورغم أن الأنسجة بطبيعتها ثلاثية الأبعاد، اقتصرت معظم وسائل تجميع الهلاميات متناهية الصغر على التلاعب في بعدين اثنين. وعلى النقيض من ذلك.. يُظْهِر المؤلفون إمكانية تحليق العديد من مكونات الهلام متناهية الصغر، وفي الوقت نفسه الدفع بتجمع بِنَى ثلاثية الأبعاد حقيقة، تبلغ أبعادها بضعة مليمترات، لدى ترتيب المغناطيسات الخارجية في تموضعات مناسبة. ستكون هناك حاجة إلى التجميع الموازي– ثلاثي الأبعاد واسع النطاق– لتحقيق تَشكُّل بِنَى أنسجة أكبر.

من حيث المبدأ، تعالج الطريقة الجديدة عدة تحديات رئيسة في هندسة الأنسجة. ومع ذلك.. ستتحقق التطبيقات العملية فقط عندما يمكن أن يحدث التجمع المُوجَّه للبِنَى على نطاق الأنسجة. وتضمين التعرف الجزيئي بين وُحَيْدات الهلام المائي9، لتحقيق استقرار التجميعات ثلاثية الابعاد تلقائيًّا، قد يساعد على تحقيق هذا، بل يُحتمَل أن يكون ضروريًّا تنميط أنواع خلايا متعددة، وإدخال وسيلة لإرواء وإنعاش البِنَى الأكثر سُمْكًا، لتوفير الأكسجين والمغذيات اللازمة لبقاء الخلية على المدى الطويل.

على أي حال، يُرجح أن تجذب طريقة طاش أوغلو وزملائه اهتمامًا متزايدًا بالتجميع الموجَّه الميكروي. واستخدام قوى دافعة خارجية، كالقوة المغنطيسية، يتيح مستويات من التجمع الموازي، تَعَذَّرَ الوصول إليها سابقًا، وبالتالي قد يدفع هذا النهج الصعودي (من أسفل إلى أعلى) نحو الاستخدام الإكلينيكي. وقبل ذلك الوقت، ربما سيكون لهذه الطريقة تأثير مباشر بدرجة أكبر على تشكيل تجمعات أصغر، كأدوات التشخيص المخبرية المختصرة برقاقة، وأنظمة الاستزراع المشترك لدراسات التفاعلات بين الخلايا.

  1. Tasoglu, S., Yu, C. H., Guven, G. S., Vural, T. & Demirci, U. Nature Commun. 5, 4702; http://dx.doi.org/10.1038/ncomms5702 (2014).

  2. DeForest, C. A., Polizzotti, B. D. & Anseth, K. S. Nature Mater. 8, 659664 (2009).

  3. Khetan, S., Katz, J. S. & Burdick, J. A. Soft Matter 5, 16011606 (2009).

  4. Gramlich, W. M., Kim, I. L. & Burdick, J. A. Biomaterials 34, 98039811 (2013).

  5. Murphy, S. V. & Atala, A. Nature Biotechnol. 32, 773785 (2014).

  6. Hull, C. W. US patent 4575330 A (1986).

  7. Du, Y., Lo, E., Samsher, A. & Khademhosseini, A. Proc. Natl Acad. Sci. USA 105, 95229527 (2008).

  8. Tasoglu, S., Diller, E., Guven, S., Sitti, M. & Demirci, U. Nature Commun. 5, 3124; http://dx.doi.org/10.1038/ncomms4124 (2014).

  9. Harada, A., Kobayashi, R., Takashima, Y., Hashidzume, A. & Tamaguchi, H. Nature Chem. 3, 3437 (2011).