أنباء وآراء
الفيزياء الفلكية: كيف تشكِّل المَجَرّات الصغيرة نجومًا؟
أرصاد لاثنتين من المَجَرّات الخافتة ذات الوفرة المنخفضة من العناصر الأثقل من الهليوم، تشير إلى أن المجرات لديها كفاءة تشكل نجومًا بمقدار عُشر نظيرتها بمَجَرَّة درب التبانة والمجرات المشابهة.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/514310a
- English article
- Published online:
يُدرس تشكُّل النجوم جيدًا في المجرات الساطعة، مثل مجرة درب التبانة، حيث يحدث بواسطة انهيار الجاذبية المحلي في السحب الكثيفة الباردة. تتكون معظم الغيوم من الغازات الذرية وجزيئات الهيدروجين والهليوم، إضافةً إلى وجود جزء صغير من كتلة السحب على شكل جسيمات غبارية تصنع من معادن أكثف (عناصر أثقل من الهليوم). كما قد تشكِّل بعض بقايا الكربون والأكسيجين والعناصر الأخرى جزيئات ثقيلة، مثل أول أكسيد الكربون. يُعَدّ الغبار مهمًّا لتشكُّل النجوم، لأنه يمنع معظم ضوء النجم من الوصول إلى داخل السحب، وهو ما يسمح للجزيئات الثقيلة أن تشع حرارتها بعيدًا لتبرد إلى النقطة التي تتغلب فيها الجاذبية على ضغط الغاز وتصنع النجوم. لا يعرف علماء الفلك الكثير عن تشكُّل النجوم في المجرات البعيدة والصغيرة، وهو موضوع ورقة بحثية أعدّها شي وزملاؤه1.
تملك المجرات الصغيرة وفرةً أقل من العناصر الثقيلة (المعدنية)، مقارنةً بالمجرات الكبيرة، ومعدل كثافة الغاز لديها أيضًا منخفض، الأمر الذي يجعل الجاذبية داخل السحب ضعيفة نسبيًّا وامتصاص الغبار لضوء النجم قليل نسبيًا. ونتيجةً لذلك.. يظهر تشكُّل النجوم بطيئًا، كما ورد في تقرير شي وزملائه. الفرق الأساسي بين المجرات الصغيرة والكبيرة يكمن في سرعة دورانها، التي ترتبط بالكتلة. فمجرة درب التبانة تدور بشكل سريع حول مركزها، بسرعة أكبر من 200 كيلومتر/ثانية2. والدوران السريع يعني أن الجاذبية تربط مجرتنا بإحكام، وأن السرعة التي تمكِّن المواد من الهروب من المجرة عالية، وأن الحطام المعدني الغني القادم من الرياح النجمية وانفجار المستعرات يبقى محصورًا في الوسط بين النجوم. هذا الحطام هو المادة المصنّعة بواسطة التفاعلات النووية داخل النجوم، وهو منشأ العناصر الثقيلة. وبعد دهر كوني لتشكُّل وموت النجوم، فإن المعادن المأسورة تضيف ما يصل إلى بضع نسبة مئوية من الكتلة الكلية للغاز والنجوم بالنسبة إلى المجرات التي بحجم درب التبانة. وهو ما يكفي ليجعل الغبار الناتج يحجب ضوء النجوم من السحابة الداخلية، ويسمح بتشكُّل الجزيئات والتبرد والانهيار ليصبح نجمًا3.
على النقيض من ذلك.. فإن اثنتين من المجرات التي درسها شي وزملاؤه، وهما السدسية-أ (الشكل 1) وESO 146-G14، تملكان سرعتي دوران منخفضتين (23 و70 كم/ثانية، على التوالي) وتعادل كتلتهما فقط %0.2، و%13 من كتلة درب التبانة4,5. هاتان المجرتان أضعف من أن تتمكنا من أسر معظم عناصرهما الثقيلة من فترة حياة المستعرات الفائقة، إضافةً إلى أن وفرة العناصر الثقيلة في هذه المجرات بالنسبة للهيدروجين أقل %10 من الذي تملكه مجرة درب التبانة6,7. كما أن الجاذبية الضعيفة تعني أنهما يملكان ضغطًا غازيًّا منخفضًا في المتوسط. ونتيجةً لذلك.. فإننا لا نتوقع أن تتشكل الجزيئات في السحب الكثيفة، ولذا.. فإن وجود النجوم الفتية في هذه المجرات يُعَدّ لغزًا.
السدسية-أ هي مجرة صغيرة وباهتة، تمتد حوال 1,500 فرسخ. في هذا المشهد، تقع نجوم السدسية-أ (الزرقاء) خلف نجوم مجرة درب التبانة الساطعة الأمامية (الصفراء).
تجاوزَ شي وزملاؤه دراسة الجزيئات، وركّزوا بدلًا من ذلك على الغبار المترابط. المشكلة في المجرات منخفضة المعدنية هي أن الغاز الجزيئي يصعب رصده. والهيدروجين الجزيئي في درجات الحرارة المنخفضة التي يتطلبها تشكُّل النجم لا يصدر الإشعاع بكفاءة، أما أول أكسيد الكربون –الجزيء الآخر الأكثر وفرة− فهو نادر الوجود بسبب ندرة كل من الكربون والأكسجين8، بيد أنه يمكن الكشف عن الغبار ممزوجًا مع الغاز، وذلك لأنه يشع في مجال الأشعة تحت الحمراء من الطيف الكهرومغناطيسي، ضمن الأطوال الموجية الواقعة بين 10 و1,000 ميكرومتر. يتطلب الكشف بالطبع تليسكوبًا كبيرًا على قمر اصطناعي، نظرًا إلى أن الغلاف الجوي للأرض يمتص معظم الأشعة تحت الحمراء، ويجعل المصادر الكونية غير مرئية تقريبًا من الأرض. جمع شي وزملاؤه أرصاد الغبار من تليسكوبي الفضاء (هيرشل، وسبيتزر) للأشعة تحت الحمراء، إضافةً إلى أرصاد المناطق التي تحوي نجومًا فتية حارة من مرصد الفضاء للأشعة فوق البنفسجية المسمى تليسكوب الفضاء جالِكس (GALEX)، وذلك لتحديد كتل الغبار ومعدلات تشكل النجوم في مجرتي السدسية-أ وESO 146-G14. حصل المؤلفون كذلك على كتلة الهيدروجين الذري من أرشيف الأرصاد الراديوية الأرضية 9,10.
النتيجة الرئيسة لدراسة شي وزملائه هي وجود ضوء للأشعة تحت الحمراء أكثر بكثير مما هو متوقع بالنسبة إلى الهيدروجين الذري ومعدلات تشكُّل النجوم الموجودة في هاتين المجرتين. والمزيد من الأشعة تحت الحمراء يعني وجود غبار أكثر مما هو متوقع، وغاز أكثر كذلك، بالنظر إلى الوفرة المنخفضة للعناصر الثقيلة الموجودة هناك. وبالإضافة إلى ذلك.. فهذا الغاز يجب أن يكون جزيئيًّا، لأنه لم يرصد هيدروجينًا ذريًّا بشكل كافٍ. استنتج شي وزملاؤه أن الكتلة الكبيرة للجزيئات غير المرئية يجب أن تكون موجودة بالقرب من مناطق تشكُّل النجوم المرصودة. ومع ذلك.. توجد مشكلة مع معدَّلات حدوث تشكُّل النجوم، التي ينبغي أن تكون أكبر بعشرة أضعاف مما هي عليه الآن، إذا كانت كفاءة تشكّل النجوم (المعدّل لكل جزيء) هي نفسها في مجرة درب التبانة ومجرات مماثلة. أسباب هذه الميزات الغريبة غير معروفة. فقد استندت نماذج سابقة11,12 لمعدلات تشكل النجوم المنخفضة في هكذا مجرات على جزيئات مُنِعَت دون التشكُّل في المقام الأول، إلا أن هذا لا يحدث على ما يبدو في مَجَرَّتَي السدسية-أ وESO 146-G14.
يجب على علماء الفلك فَهْم الكثير عن السحب الجزيئية، وتشكُّل النجوم في المستويات المعدنية المنخفضة في السنوات القليلة القادمة. صمم تليسكوب تداخل جديد، هو مصفوفة أتاكاما الكبيرة الملِّيمترية ودون الملِّيمترية (ألما) في شيلي، للكشف عن الانبعاثات الخافتة من الجزيئات والغبار13. الآن، وفي السنة الثالثة من الأرصاد، نجد أن ألما من القوة بما يكفي لرسم خريطة، حتى للجزيئات النادرة، مثل أول أكسيد الكربون في وفرة العناصر المتناثرة للمجرات البعيدة. سيتيح هذا تحديد درجات الحرارة والكثافات وحركة غاز تشكُّل النجوم من البصمات الطيفية للجزيئات.
المجرّتان السدسية-أ وESO 146-G14 مثالان لما يمكن أن يكون شكل المجرات في أول مليار سنة بعد الانفجار الأعظم. حتى المجرات المستقبلية الشبيهة بدرب التبانة كانت صغيرة آنذاك، وكانت لديها عناصر ثقيلة قليلة نسبيًّا14. إنَّ فَهْم تشكُّل النجوم في المجرات الصغيرة جدًّا في فنائنا الخلفي قد يعطينا رؤية معتبرة عن تشكُّل أوّل النجوم في الكون
References
Nature 514, 335–338 (2014).
et al.Annu. Rev. Astron. Astrophys. 49, 301–371 (2011).
&Annu. Rev. Astron. Astrophys. 45, 565–687 (2007).
&Astron. Astrophys. 558, 18 (2013).
et al.Astron. J. 127, 2031–2068 (2004).
, , &Astron. J. 130, 1558–1573 (2005).
et al.Mon. Not. R. Astron. Soc. 273, 603–614 (1995).
&Nature 495, 487–489 (2013).
et al.Astron. J. 144, 123 (2012).
et al.http://arxiv.org/abs/1303.2463 (2013).
et al. Preprint atAstrophys. J. 721, 975–994 (2010).
, &Mon. Not. R. Astron. Soc. 436, 2747–2762 (2013).
Nature 495, 156–159 (2013).
Mon. Not. R. Astron. Soc. 398, 1915–1931 (2009).
et al.