أنباء وآراء
مصادر الأشعة السينية فائقة السطوع: مجـال صغيـر بتأثيــر كبيــر
ظلَّت طبيعة المصادر الفلكية للأشعة السينية فائقة السطوع غير مفهومة لفترة طويلة. ويوفر أحدث رصد لهذه النظم النادرة بعض الدلائل الحاسمة، ولكنها تترك النظريين في حيرة.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/514171a
- English article
- Published online:
في أواخر السبعينات، اكتشف علماء الفلك أجرامًا تُصدِر أشعة سينية1 متألقة غير عادية. وبالنظر إلى السطوع الحاد لهذه الأشعة السينية، كان يُعتقد أن مصادر هذه الأشعة فائقة السطوع تحتوي على ثقوب سوداء، إلا أن كتلة هذه الثقوب السوداء المغذية لتلك المصادر لا تزال خاضعة لنقاش شديد. لقد غيّرت دراستان في هذه المسألة، لموتش وزملائه2 وباتشيتي وزملائه3، بجانب تقريرين لباشام وزملائه4 وليو وزملائه5، وجهات نظرنا حول هذه النظم.
تنشأ معظم الثقوب السوداء خلال الاحتضار العنيف للنجوم الهائلة، ورغم أن مثل هذه الثقوب السوداء ذات كتل نجمية تزن حوالي من 3 إلى 100 ضعف كتلة شمسنا، إلا أنه من الصعب أن نراها، إذ إن سَحْب جاذبيتها الشديد يجذب أي شيء شارد بالقرب منها، حتى الضوء. لذا.. ولمعرفة المزيد عنها، يجب علينا أن ننظر إليها بشكل غير مباشر، أي من خلال دراسة تأثيرها على بيئتها.
وإذا كان هناك نجم رفيق يدور حول الثقب الأسود ذي الكتلة النجمية، نستطيع إذن دراسة تأثيره على هذا النجم، إذ إن للثقب الأسود قدرة لسحب المادة من رياح النجم وسطحه. وكلما زادت المادة المسحوبة من النجم (تراكمت)، مُشَكّلةً قرصًا مزوِّدًا، تفقد المادة بعضًا من طاقة وضعها الجاذبي على شكل ضوء ، أغلبه أشعة سينية. هذة الأنظمة الثنائية للأشعة السينية (الشكل 1) لاتحتوي فقط على قرص، ولكنها تحوي أيضًا وسطًا بصريًّا رقيقًا (شفافًا)، يُعتقد أنه يتموضع إما فوق وتحت القرص (على شكل هالة)، أو بين القرص والثقب الأسود (في صورة تيار داخلي ساخن). وكلما تغيَّر المعدل الذي تنتقل به المادة خلال القرص المزوِّد؛ تغيرت تبعًا لذلك هندسة النظام، ومن ثم حالة نموه التراكمية.
الأجرام الفلكية التي تنبعث منها أشعة سينية فائقة السطوع، مثل الأجرام التي يدرسها موتش وزملاؤه2 وباتشيتي وزملاؤه3، يُعتقد أنها تحتوي على ثقب أسود، أو نجم نيوتروني (يمين) يسحب داخله المادة من نجم رفيق (يسار). ومن ثم تُشكِّل المادة المسحوبة قرصًا مزوِّدًا، وتفقد بعضًا من طاقتها كامنة الجاذبية في صورة ضوء.
يمكن أن تحتوي ثنائيات الأشعة السينية أيضًا على نجوم نيوترونية، وهي الأخوة الصغار للثقوب السوداء ذات الكتل النجمية. تولد النجوم النيوترونية أيضًا في الاحتضار العنيف للنجوم، مثل الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية، لكنها أخف وزنًا، حيث تزن حوالي 1.4 فقط من كتلة الشمس. وقوة جاذبية هذه الأنظمة شديدة جدًّا في سحب المادة، لكنها على عكس الثقوب السوداء، يستطيع الضوء الهروب منها، مما يمكِّننا أن نرى سطحها.
للثقوب السوداء أيضًا أخوة أثقل بكثير، يقبعون في مراكز المَجَرّات. وهم معروفون باسم الثقوب السوداء الفائقة، التي تزن ملايين إلى مليارات أضعاف كتلة شمسنا. وكما يبدو.. فلها طبيعة نمو تراكمية مماثلة لتلك التي للثقوب السوداء ذات الكتل النجمية، مع درجة سطوع متناسبة على ما يبدو مع كتلتها. ورغم أننا نفهم كيفية تكوين الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية، بيد أن تلك الكيفية غير مفهومة في حالة الثقوب السوداء الفائقة.
تُعتبر مصادر الأشعة السينية فائقة السطوع ULXs وسطية التألق بين الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية والفائقة. لذلك.. كان يُعتقد أنها قد تكون ثنائيات أشعة سينية تحتوي على ثقوب سوداء متوسطة الكتلة (تزن مئات الآلاف من الكتلة الشمسية). في السنوات القليلة الماضية، تم العثور على دليل يشير إلى أن شكل أطياف الأشعة السينية من هذه المصادر يختلف اختلافًا واضحًا عن حالات6,7 التراكم التي لوحظت سابقًا. ويشير هذا إلى أنه يمكن مراقبة الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية التي تتصرف بشكل غريب، وربما تلك المستقرة في حالة تراكم (فائقة السطوع) حدية جديدة.
يقدِّم موتش وزملاؤه2 تحليلًا متعدد الطول الموجي لمصدر أشعة سينية يُطلق عليه اسم P13 − مصدر ULX في المَجَرَّة الحلزونية NGC 7793 التي لُوحظ تغيُّر سطوعها بشكل مثير (بمعامل 40)، إذ أظهر تحليل الباحثين للأشعة السينية من P13 دليلًا على حالة6 فائقة السطوع في ألمع انبعاث للأشعة السينية. وبالإضافة إلى ذلك.. تشير بياناتهم البصرية إلى أن ذلك المصدر له نجم رفيق ضخم مضيء، معروف باسم نجم B العملاق. ومن خلال عديد من الملاحظات البصرية لأكثر من 8 سنوات، وجد الباحثون أن هذا النجم يُقصَف بشكل مستمر بوابل من الأشعة السينية من القرص المزوِّد للثقب الأسود، مما يؤدي إلى تسخين سطح النجم، حتى عند انخفاض سطوع الأشعة السينية. يشير هذا إلى أن النجم يتعرض لانبعاثات من أشعة سينية لامعة من الأجزاء الداخلية من القرص، رغم أن هندسة النظام تحجب هذه المنطقة التي تنبعث منها الأشعة السينية من القرص، إذا نظرنا إليها من الأرض. وعلى أساس هذه الملاحظات، خلص الباحثون إلى أن P13 يحتوي على ثقب أسود، يبلغ نحو 15 كتلة شمسية، مما يؤكد فكرة أن مصادر ULX يمكن أن تُغذَّى بالطاقة من ثقوب سوداء ذات كتل نجمية في حالة تراكم مفرط.
تدعم دراسة5 ليو وزملائه هذه الفرضية لمصدر آخر يُسمَّى M101 ULX-1، حيث تدل البيانات البصرية على أن هذا المصدر يمكن فهمه على أنه ثقب أسود ذو كتلة وزنها حوالي 20−30 كتلة شمسية، يغذيها نجم ولف−ريت، وهو نجم مسنّ ضخم، ذو رياح قوية. وتشير هذه النتائج ـ بجانب نتائج موتش وزملائه2 ـ إلى أن الطبيعة الغامضة لمصادر الأشعة السينية فائقة السطوع ربما قد تم فهمها الآن، بيد أن الأمور قد أصبحت أكثر تعقيدًا، حيث إن تحليلات3,4 اثنين من مصادر ULX في المجرة M82 (على شكل سيجار) −M82 X-1 وM82 X-2 − تبيِّن أن بعض هذه المصادر قد تكون أكثر ضخامة، أو أكثر تطرفًا من الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية في الحالة فائقة السطوع.
وM82 X−1 هو ألمع مصدر ULX في هذه المجرة، إذ قام باشام وزملاؤه4 بدراسة الأشعة السينية من هذا المصدر، ووجدوا تغييرين شبه دوريَّين. ولوحظت مثل هذه التذبذبات شبه الدورية سابقًا في أنظمة الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية، ويبدو أنها متناسبة مع الكتلة8. استخدم باشام وزملاؤه هذه العلاقة القياسية للكتلة؛ لاستنتاج أن كتلة الثقب الأسود تبلغ حوالي 400 مرة كتلة الشمس، مما يعني أن هذا الثقب الأسود ينتمي إلى مجموعة الثقوب السوداء متوسطة الكتلة.
وعلى العكس.. تبدو M82 X-2 أكثر تطرفًا مما كان يُعتقد سابقًا. فباستخدام عدة تليسكوبات للأشعة السينية، وجد باتشيتي وزملاؤه3 أن M82 X-2 لا تحتوي على ثقب أسود، لكنْ تحتوي على نجم نيوتروني. كان يُنظر إلى هذا الجرم على أنه ينبض، وهو شيء غير ممكن للثقوب السوداء. هذا النبض لا يمكن أن يأتي إلى من أجسام معروفة باسم النجوم النابضة −نجوم نيوترونية مغناطيسية لها مجالات قوية جدًّا، لدرجة أن المادة من قرص المزوِّد تُقمع إلى أقطابها، مما يخلق بؤرة ساخنة. وبينما تدور هذه النجوم النابضة حول محورها، تجتاح أشعة الضوء المنبعثة من البؤر الساخنة خط بصر الأرض دخولًا وخروجًا. ويرى الفلكيون هذه الظاهرة على أنها دفعات من الضوء بالطريقة نفسها التي يُرى به ضوء منارة يدور مصباحها. ومع ذلك.. يبدو أن هذا النظام ينفث كميات هائلة من الطاقة، مما يوضح معدل تراكم أكبر عشر مرات من أي شيء تم قياسه سابقًا لهذه المصادر، بل هي أيضًا أكثر لمعانًا بمئة مرة من الحد النظري الطبيعي لهذه المصادر. يتحدى هذا الاستنتاج نظرياتنا الحالية في فيزياء التراكم، وتحديدًا التراكم على نجوم نيوترونية مغناطيسية.
ستفاجئ هذه النتائج3,4 مجتمع باحثي مصادر الأشعة السينية فائقة السطوع، إذ تُظهِر أن هذه المصادر غير متجانسة، وأن دراسات أكثر تفصيلًا من مصادر فردية يمكن أن تزيد فهمنا، ليس فقط في مجال هذه المصادر، ولكن أيضًا في مجالات أخرى. وتأكيد أن الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية يمكن أن تتراكم بمعدلات قصوى2,3 يمكن أن يساعد في فك لغز النمو السريع للثقوب السوداء الهائلة في الكون المبكر. ومع اكتشاف الثقوب السوداء متوسطة الكتلة4، يمكن اختبار نظريات تشكيل الثقوب السوداء فائقة الكتلة، وبالتالي تشكيل المَجَرَّة، حيث تشير البحوث إلى أن هاتين العمليتين مرتبطتان. واستنتاج أن النجوم النيوترونية يمكن أن تصل إلى مثل تلك السطوع3 العالية من الأشعة السينية ربما يترك العلماء النظريين في حيرة من أمرهم لإيجاد سبل لدفع فيزياء النجوم النيوترونية، والتراكم إلى آفاق جديدة. إنه وقت مثير لدراسة مصادر ULXs − مجال صغير يمكن أن يكون له تأثير بعيد المدى.
References
Annu. Rev. Astron. Astrophys. 27, 87–138 (1989).
Nature 514, 198–201 (2014).
, , , &Nature 514, 202–204 (2014).
et al.Nature 513, 74–76 (2014).
, &Nature 503, 500–503 (2013).
, , , &Mon. Not. R. Astron. Soc. 397, 1836–1851 (2009).
, &Astrophys. J. 778, 163 (2013).
et al.Nature 444, 730–732 (2006).
, , , &