أنباء وآراء

التنمية المستدامة: وُعُود ومخاطـر الطُّرُق

يمكن لخريطة عالمية للفوائد الاقتصادية المحتمَلة للطرق، والضرر الذي يمكنها أن تلحقه بالبيئة، أنْ توفِّر أداةَ تخطيط لتنمية مستدامة.

  • Published online:


تُعتبر الطرق ضرورة للتنمية الاقتصادية في جميع أنحاء العالم. كما أن العملية التي يتم بها تخطيط وبناء الطرق، وتأثيرها على المناطق، متشابهة، بغض النظر عن مكانها. تخطط الحكومات الطرقَ بشكل روتيني، دون مشاورات كافية مع السكان المحليين، وعادةً ما يتم البناء، دون إيلاء اهتمام كاف لتقليل الآثار البيئية، الأمر الذي ينتج عنه مزيج من النتائج غير المتوقَّعة، وغير السارة. هذا.. بينما يتم انتقاد المدافعين عن بناء الطرق، بسبب تقديمهم وعودًا غير واقعية حول الفوائد الاقتصادية، وتجاهلهم لمشاكل معينة، مثل الأضرار البيئية. وبالتالي، لا تزال هناك حاجة إلى تحسين تخطيط الطرق في جميع أنحاء العالم. في العدد الصادر في الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر الماضي من دورية Nature الدولية، خطا لورانس وزملاؤه1 خطوات واسعة نحو معالجة هذه الحاجة عبر تقديم خرائط عالمية للعواقب الاقتصادية والبيئية المحتملة من الطرق المستقبلية.

هناك أوراق علمية كثيرة حول آثار الطرق، أتت كلها باستنتاجات مختلفة جدًّا. ويوثِّق الاقتصاديون باستمرار حقيقة تعزيز البِنْيَة التحتية الجديدة للنمو الاقتصادي، وأنها تحدّ من الفقر2. وعلى النقيض، جمع علماء البيئة لائحة طويلة من المشكلات البيئية، بدءًا من تدهور البيئات الطبيعية إلى انقراض الأنواع3، بينما أظهر علماء الاجتماع أن الطرق غالبًا ما تسبِّب صراعات حول استخدام الأراضي، وتفاقم التفاوت الاجتماعي. ورغم ذلك.. تركِّز الحكومات على الأهمية الاقتصادية للطرق، بينما يطالب السكان الذين يعانون من ضعف البنية التحتية بتحسين فرص الحصول على الخدمات الاجتماعية والأسواق الحضرية، غير أن واقع آثار الطرق مختلط حتمًا4، بينما يشتد النقاش حول بناء بنية تحتية جديدة في السنوات الأخيرة.

في هذا السياق، قدم لورانس أدوات مهمة للتخطيط. فقد قام المؤلفون بدمج مجموعات البيانات العالمية لوضع خريطة تحتوي على كلٍّ من طبقة "القيم البيئية"، التي تقاس من حيث وجود مناطق محمية، ومن حيث قيمة الخدمات المختلفة للنظم البيئية، والتنوع الحيوي (خاصة فيما يتعلق بالأنواع الحيوانية النادرة)، وطبقة "فوائد الطرق"، التي تقوم بتقدير الفوائد الاقتصادية المحتملة للطرق الجديدة، أو المحسَّنة، من حيث زيادة الإنتاجية الزراعية، وحجم المبيعات. والإسهام الرئيس لهذه الخرائط هو القدرة على تركيبها في نظم المعلومات الجغرافية؛ لإنشاء خريطة تخطيط عالمية تحدِّد المناطق ذات الإمكانات المتفاوتة للفوائد الاقتصادية، والضرر البيئي الذي يعقب بناء الطرق (الشكل 1). لأغراض التخطيط، تبرز ثلاثة أنواع رئيسة من المناطق ذات الأهمية: ذات الإمكانيات العالية للفوائد الاقتصادية، والمعرَّضة للمخاطر المحتمَلة للضرر البيئي المرتفع، والتي تمتلك الاثنين على حد سواء. وفيما يتعلق بالتوصية الخاصة بالسياسة، فهي واضحة بالنسبة إلى النوعين الأول والثاني: بناء طرق.. حيث ترتفع المنافع الاقتصادية المحتملة، وتجنُّب بناء طرق، حيث الأضرار البيئية المحتمَلة كبيرة.


 يَصْعَد الطريق السريع الرابط بين المحيطين في بيرو من سهول الأمازون إلى مرتفعات الأنديز، مرورًا بعديد من الأنهار والنظم البيئية شديدة التنوع. يهدف ممر الطريق السريع ـ وهو جزء من مبادرة "تكامل البِنْيَة التحتية الإقليمية" في أمريكا الجنوبية ـ إلى توسيع التجارة، ولكنه يسهِّل الاستخراج غير المشروع للذهب، واستخراج الأخشاب، وتجارة المخدرات. إنه مثال لـ"مناطق الصراع" التي حدَّدها لورانس وزملاؤه1، حيث يرتبط بناء الطرق بارتفاع الفوائد الاقتصادية المحتمَلة، وإمكانات كبيرة للأضرار البيئية.

كبر الصورة


إنّ التحدي يكمن في "مناطق الصراع" التي حددها لورانس وزملاؤه، حيث توجد إمكانات عالية للمنفعة الاقتصادية والضرر البيئي. فكما نوّه الباحثون، هذه المناطق هي مواقع رئيسة لتنفيذ سياسات بديلة.. أي شيء آخر غير المزيد من البنية التحتية للطرق؛ لحل لغز التنمية المستدامة في هذه المناطق. هناك مجموعة من السياسات البديلة موجودة بالفعل قد توفِّر منافع اقتصادية، دون التسبب في أضرار بيئية، بدءًا من السياحة البيئية لاستخراج الموارد بصورة مستدامة، وصولًا إلى الحصول على مقابل لخدمات النظام البيئي.

تثير خريطة لورانس وزملاؤه قضيّتين رئيستين: أولًا، أنها توفر تغطية عالمية، مما يعني أنها تقوم على مجموعة متنوعة من مصادر البيانات. فجودة البيانات متباينة للغاية بين البلدان، وقد يُدخِل هذا تحيزًا في النتائج، لكن دراستهم مفيدة رغم ذلك، لأنها يمكن أن تكون نقطة انطلاق لجهد أوسع لتحسين هذه الخرائط لأغراض التخطيط. هذا الأمر بمثابة دعوة واضحة إلى إنشاء شبكة علمية دولية تركز على الطرق، مثل الشبكات الموجودة بالفعل لعلوم الأرض والمناخ. فإذا كنتَ تعتقد أنك تستطيع إنتاج خرائط أفضل لآثار الطرق؛ تَقَدَّمْ وشارِكْ. وَضَعَ لورانس مخرجات البيانات الخاصة به على الإنترنت (www.global-roadmap.org).

المسألة الثانية تتعلق بمبادرات السياسة العامة لتحسين تخطيط الطرق في العالم. فبنوك التنمية متعددة الفروع تموِّل الطرق؛ لتعزيز النمو الاقتصادي. وعلى المنوال نفسه، تقوم الحكومات ببناء الطرق لدعم الأهداف الاقتصادية، رغم أنها أيضًا تَستخدم الطرق لأغراض جيوسياسية، مثل تأمين الحدود الوطنية. وبِغَض النظر عما إذا كان سوف يتم بناء الطرق لتوسيع نطاق التجارة، أو لتحسين الأمن، فإن الخطة العالمية لبناء الطرق يمكن اعتبارها واجبًا على أولويات الدول ذات السيادة. فمناطق النزاع التي حددها لورانس ـ على وجه الخصوص ـ يقع معظمها في البلدان الفقيرة. وعرض خرائط تخطيط الطرق، ونصح هذه البلدان بعدم بناء الطرق لن يكون مقبولًا.

لذا.. هناك حاجة إلى أن يكون الغرض من هذه الخرائط واضحًا. فخطة الطرق العالمية لا تهدف إلى "إبقاء البلدان النامية فقيرة"، بل إلى تسليط الضوء على تكاليف وفوائد بناء الطرق؛ من أجل تحفيز مناقشة بدائل سياسية للتنمية المستدامة. ينطوي هذا على تبعات لأولويات التمويل الكامنة في القروض المصرفية والمساعدات الإنمائية. في الحالات التي يُحتمَل أن تسبِّب الطرق فيها ضررًا للبيئة، يمكن للحكومات الاستشهاد بخرائط تخطيط الطرق العالمية للدفاع عن السياسات التي تستثمر في استراتيجيات بديلة للتنمية.

  1. Department of Sociology and Criminology & Law, University of Florida, Gainesville Florida 32611, USA

    • ستيفن جي. بِرز
  1. Laurance, W. F. et al. Nature 513, 229–232 (2014).
  2. Straub, S. Policy Research Working Paper No. 4460 (World Bank, 2008).
  3. Forman, R. T. T. et al. Road Ecology: Science and Solutions (Island, 2002).
  4. Perz, S. G. et al. Reg. Environ. Change 12, 35–53 (2012).