أنباء وآراء
أحياء مجهرية: نظـرة متكـاملـة إلى ميكروبيـوم الجلد
يُظهِر تحليل للجينومات المجتمعة الخاصة بالأحياء الدقيقة التي تستوطن جلد الإنسان كيف تختلف هذه المجموعات بين الأفراد، وعلى امتداد مواقع الجسم، وتمهِّد الطريق لفَهْم وظائفها.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/514044a
- English article
- Published online:
هناك توازٍ بين الاهتمام المتزايد بمجموعات الكائنات الحية الدقيقة المستوطنة في الجسم البشري، والاهتمام المتزايد بالبروبايوتيكس (المعزّزات الحيوية)، والمفهوم الناشئ بأن الأطعمة يمكنها تشكيل مكوّنات المجموعات الجرثومية المجهرية في القناة الهضمية، وبالتالي صحتنا. في الوقت نفسه، أضحت مطهِّرات اليدين، التي تغذيها المخاوف من الفيروسات ومسبِّبات الأمراض البكتيرية، منتشرة في كل مكان. هناك تناقض شديد بين حماية توازن الـ1014 بكتيريا التي تعيش داخل أجسامنا، وتدمير الـ1010 بكتيريا التي تعيش على سطح أجسامنا، لكن معرفتنا عن المجموعات الجرثومية المجهرية الجلدية تتضاءل أمام المجموعات الجرثومية المجهرية المعوية. في محاولة لردم هذه الفجوات، يقدم أوه وزملاؤه1 تحليلًا للمحتويات الجينية للبكتيريا والفيروسات، وسواها من الكائنات الدقيقة التي تعيش على جلد الإنسان.
هناك سبب لعدم الثقة ببعض الميكروبات التي تعيش على جلدنا، فالعوامل المُمْرِضة الانتهازية، كالمكوّرات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus)، تعيش هناك، وكذلك الحال بالنسبة إلى خليط الميكروبات التي تسبب التهاب الجلد التأتّبي، والصدفيّة التي تُعتبر مسؤولة عن عدم قدرة الجروح المزمنة على الشفاء. ومع ذلك.. فالغالبية العظمى من الكائنات الحية الدقيقة الموجودة على جلدنا لا تسبب الأمراض، وربما يسهم الكثير منها في الحفاظ على الصحة. في الواقع، أظهر العمل السابق للمجموعة التي أبلغت عن نتائج هذه الدراسة، أن مواقع الجسم المتماثلة فسيولوجيًّا لدى الأفراد الأصحاء، تستضيف مجموعات بكتيرية وفطرية متماثلة2,3، وأن تحوّلات المجموعات الجلدية ترتبط بالتطور والحالة المناعية4,5. تُظْهِر هذه النتائج أن الجلد يمكنه اختيار مجموعات معينة بشكل تفاضلي، بدلًا من مجرّد أخذ عينات من البكتيريا العشوائية الموجودة في بيئتنا التي تتفاعل أجسامنا معها.
انتقل الباحثون الآن إلى أبعد من مسألة الميكروبات الموجودة على الجلد إلى تقييم ما الذي يمكنها فِعْله. في هذه الدراسة، عمد الباحثون إلى أخْذ عينات من 15 فردًا متمتعًا بالصحة من 18 موقعًا، وحددوا تسلسل الميتاجينوم metagenome ـ مجموع جينومات وسط ما ـ من كل عينة (الشكل 1). وقد مكنّهم استخدام التسلسل الميتاجينومي ـ بالاشتراك مع التحليلات المبتكرة للمعلومات الحيوية ـ من استخلاص تصنيف وتوصيف جيني أكثر شمولًا عن المجموعات الجرثومية الجلدية، مقارنةً بالمحاولات السابقة. ولم تتضمن النتائج التي توصلوا إليها البكتيريا فحسب، بل شملت فيروسات الحمض النووي وحقيقيات النوى الجرثومية أيضًا (الكائنات ذوات الأنوية، كالأوليات، والفطريات).
تَستعمِر جلد الإنسان السليم (الخلايا الموضحة باللون الأصفر) مجموعةٌ متنوعة من الكائنات الدقيقة، ومن ضمنها البكتيريا (بالأحمر) والفطريات (بالأزرق). شريط القياس 10 ميكرومترات.
كَشَفَ هذا المسح الشامل أن كل فرد لديه مجموعة فريدة من الجراثيم الجلدية. واستخدم الباحثون هذه البيانات لإنشاء مصنِّف، باستخدام لوغاريتم الغابة العشوائية الذي يمكنه التمييز بين الخمسة عشر فردًا، استنادًا إلى ميتاجينوم الجلد، مع نسبة خطأ بلغت %19.3. عندما حاول الباحثون تصنيف الأفراد باستخدام البيانات البكتيرية والفيروسية وحقيقيات النوى، كلٍّ منها على حدة، كانت معدلات الخطأ أكثر ارتفاعًا. ومن المثير للاهتمام، أن الكائنات المهيمِنة لم تكن هي التي ميّزت بين الناس، بل الكائنات الحية قليلة الوفرة. فمثلًا، كان وجود فيروس خلية ميركل التورامي، الجاردنريلة المهبلية (Gardnerella vaginalis)، والعقدية المقيّحة (Streptococcus pyogenes) من السمات الرئيسة التي يمكن استخدامها للتمييز بين الأفراد.
بين المجموعات البكتيرية الأكثر وفرة، حدَّد الباحثون عديدًا من سلالات البروبيونية العدّية (Propionibacterium acnes) والمكوّرات العنقودية المتعلقة بالبشرة (Staphylococcus epidermidis). وعند البحث في التوزيع المكاني والفردي لهذه السلالات، لاحظوا أن توزيع سلالات البروبيونية العدّية كان نوعيًّا للفرد أكثر من كونه نوعيًّا للموقع، في حين أن سلالات العنقودية المتعلقة بالبشرة كانت أكثر نوعيةً للمواقع. سوف تكون الدراسات المستقبلية بحاجة إلى التركيز على كيفية اختلاف توزيع هذه السلالات مع مرور الوقت، وحدوث التغيّرات الصحية.
إن قوة التسلسل الميتاجينومي تكمن في قدرته على مسح الإمكانات الوظيفية للمجتمعات الميكروبية. ولاستقصاء هذا.. قارن أوه وزملاؤه بين البيانات الجينومية التي حصلوا عليها من كل موقع في الجسم والجينومات المرجعية، التي تحتوي على تفسير وظيفي لجينات معينة. ربما كانت النتيجة الأكثر إثارة للاهتمام في هذا التحليل هي تحديد الجينات المقاومة للمضادات الحيوية التي كانت نوعية للأفراد ولمواقع الجسم. قد يثبت تقدير تنوُّع وتوزُّع هذه الجينات عبر الجلد أهميته في تكييف العلاجات لعلاج العدوى الجلدية. وبشكل أوسع نطاقًا، تمكَّن الباحثون من تحديد وجود توقيع وظيفي قوي بين الأفراد، لكنهم وجدوا أن تركيبته تختلف على امتداد الجسم. هذه النتيجة تؤكد ما وجدوه من التحليلات التصنيفية، أي أن كل موقع من مواقع الجسم يقدّم مكانة متخصصة فريدة.
ومع ذلك.. فإن محدودية التسلسل الميتاجينومي تتجلى في أنه يصف فقط الإمكانات الوظيفية لمجموعة ما. فكما يشير الباحثون، ستكون هناك حاجة إلى تحليل ترانسكربتوم المجموعات الجرثومية الجلدية – أي تحديد الجينات التي نُسخت بالفعل من قبل الكائنات الحية الدقيقة، من أجل تحديد المجموعات الوظيفية المعبَّر عنها في كل موقع. سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت المجموعات الجرثومية مثل البروبيونية العدّية، التي توجد على امتداد الجسم، تختلف في تعبيرها الجيني على مدى مواقعها المتخصصة، أم لا.
من نتائج هذا التحليل التي كانت محبِطة، لكن مثيرة، إدراك أن ما بين %2 و%96 من قراءات التسلسل في كل عيِّنة لم تمثّل أيًّا من الجينومات المرجعية. والأكثر من ذلك، فإن قراءات عديدة من تلك التي كانت مطابِقة لم يمكن ربطها بوظيفة، استنادًا إلى الجينات المعروفة. تؤكد هذه النتائج فقط فرديّة المجموعات الجرثومية الجلدية، وتتطلب مزيدًا من إنماء ووضع التسلسل الجينومي للمجموعات الجرثومية المرتبطة بالجلد. ورغم شمولية هذه الدراسة، فإن النتائج تُظْهِر الحاجة إلى اتباع نهج "متعدد وبيانات متسلسلة زمنيًّا. يتيح لنا أخذ العيّنات من فرد ما مع مرور الوقت رؤية كيفية اختلاف الميكروبيوم الخاص به في تكوينه وتعبيره الجيني في أثناء الفترات الانتقالية بين الصحة والمرض. فكما تشير هذه الدراسة، تواجه الدراسات المستعرضة تحدي عدم التجانس الهائل في تكوين مجموعات الجراثيم الجلدية بين الأفراد. وقد تتيح التغيرات الملحوظة خلال هذه الانتقالات بين الصحة والمرض فهمًا أفضل لأهمية هذه التسلسلات غير المعروفة، التي يشير إليها الباحثون باعتبارها المادة الميتاجينومية المظلمة. ومن المحتمَل أن تحتوي هذه المادة المظلمة على الجينات الأساسية للوظائف التي ينفرد بها كل موقع وفرد.
وفقًا لـ"فرضية حفظ الصحة"، فإن عالمنا الحديث المعقّم قد عزَّز انتشار اضطرابات المناعة الذاتية، كالحساسية والربو، عن طريق إنقاص التعرض للميكروبات أثناء الحياة المبكرة، وأعاق بالتالي التطور الطبيعي لجهاز المناعة6. ومثلما ظهرت البروبايوتكس والألياف (على شكل بريبايوتيك) كمنتجات استهلاكية تهدف إلى تعزيز المجموعات البكتيرية المرتبطة بالصحة في القناة الهضمية، فمن المغري تفسير البيانات التي قدَّمها أوه وزملاؤه كدعوة إلى تطوير منتجات مماثلة. فمثلًا، يشير وجود مجموعات الوتدية Corynebacterium والملاسيزية Malassezia المُحِبَّة للدهون لدى الأشخاص الأصحاء في هذه الدراسة إلى أن الكريمات المرطِّبة يمكنها أن تعمل كالبريبايوتكس لتغذية هذه الكائنات. وبتوفُّر معرفة كهذه، قد تمتد أيدينا عما قريب إلى المنتَج الذي يخصّب المجموعات الجرثومية على جلدنا، بدلًا من المطهِّر الذي يقضي على هذه المجموعات؛ لتحسين قدرتها على مقاومة استعمار الكائنات الحية التي يمكن أن تسبِّب الأمراض.
Affiliations
-
Department of Microbiology & Immunology, University of Michigan, Ann Arbor Michigan 48109-5620, USA
References
- Oh, J. et al. Nature 514, 59–64 (2014).
- Grice, E. A. et al. Science 324, 1190–1192 (2009).
- Findley, K. et al. Nature 498, 367–370 (2013).
- Oh, J. et al. Genome Res. 23, 2103–2114 (2013).
- Oh, J., Conlan, S., Polley, E. C., Segre, J. A. & Kong, H. H. Genome Med. 4, 77 (2012).
- Strachan, D. P. Br. Med. J. 299, 1259–1260 (1989).