أنباء وآراء

كواكب خارجية: نافـذة على عالَـم مـائي

شُوهدت أولى العلامات الحاسمة على وجود الماء في الغلاف الجوي لكوكب خارج المجموعة الشمسية بحجم نبتون، ممهِّدَةً الطريق للبحث عن الماء على كواكب صغيرة شبيهة بالأرض.

  • Published online:

لقد بقيت الجزيئات التي تؤلف أجواء كواكب بحجم نبتون خارج المنظومة الشمسية محيِّرةً. فبرغم البحث المطوَّل عن المكونات الجوية لتلك الكواكب، باستعمال أجهزة قياس متقدمة على تليسكوبات متطورة، فإن الأرصاد لم تكشف سوى طبقات سميكة من الغيوم أو الغبار التي تعوق رؤية الفلكيين الفضوليين، وتحجب العالم تحتها1-4. أعلن فراينه وزملاؤه5 أرصادًا جديدة للكوكب HAT-P-11b، وهو بحجم نبتون، باستعمال تليسكوبَيْ "هابل"، و"سبيتزر" الفضائيين، حيث تكشف تلك الأرصاد عن عالَم بدون غيوم كثيفة، وتوفِّر برهانًا قاطعًا على أن بخار الماء موجود في جو هذا الكوكب مع مقادير وفيرة من الهيدروجين.

يجب ألاّ نُفاجَأ بكون الغيوم شائعة في أجواء كثير من الكواكب الخارجية. فالغيوم في كل مكان على وجه الخصوص في منظومتنا الشمسية. فمِن غيوم بخار الماء المنتفخة على الأرض، إلى سديم الهيدروكربون على أكبر نجوم زحل، والغيوم الطبقية لمركبات الأمونيا والماء حول المشتري، تهيمن الغيوم على سماوات معظم أجرام المنظومة الشمية الكبيرة. وهذه الغيوم، برغم كونها مثيرة في حد ذاتها، ليست دائمًا صديقة للفلكيين. من السهل معرفة السبب.. فطبقة الغيوم تعمل كالبطّانية السميكة التي تحجب المناطق العميقة من جو الكوكب (وسطحه إنْ وُجد). ورغم أن الزهرة كوكب مجاور لنا، فإننا لم نعرف شيئًا عن سطحه تقريبًا حتى سبعينات القرن العشرين للسبب نفسه. فهذا الكوكب محاط بغيوم من حمض الكبريت الضار الذي أبقى سطحه محجوبًا عن رؤيتنا، إلى أن تمكنت المركبة الفضائية السوفييتية "فِنِرا" في النهاية من اختراق تلك الغيوم فيزيائيًّا، وإرسال صور إلى الأرض6.

تَظهر المشكلة نفسها في دراسة الكواكب الخارجية، إلا أن إرسال مركبات فضائية للهبوط على تلك العوالم البعيدة ليس خيارًا متاحًا. لذا.. ولتحديد التركيب الغازي لجو كوكب خارجي، يعتمد الفلكيون على دراسات طيفية، وعلى حقيقة أن الغازات المختلفة تمتص الضوء عند أطوال موجات معينة. وإذا حَجبَت الغيوم المناطق العميقة من جو الكوكب، لن تتم رؤية امتصاص، ولن يمكن تحديد تركيب جو الكوكب بسهولة (الشكل 1). بالفعل، ثمة أربعة كواكب بحجم نبتون، أو أصغر، تُرَى عندما تمر أمام نجومها المضيفة لها، لم تُظهِر أي سمات للامتصاص1-4، ومن المرجح أن الغيوم هي السبب، لكن عندما شاهد فراينه وزملاؤه كوكبًا خامسًا من هذا النوع، أي HAT-P-11b، وضعوا أيديهم على شيء مختلف تمامًا. تكشف أرصاد HAT-P-11b عن بصمة شديدة الوضوح لامتصاص بخار الماء. ومن مقدار الامتصاص، استنتج المؤلفون أن جو الكوكب يتصف بتركيب لا يختلف عن تركيب أجواء الكواكب العملاقة في منظومتنا الشمسية، فمعظمه من الهيدروجين مع كميات ضئيلة من ذرات أثقل، منها الأكسجين في شكل بخار ماء.


أ. جو لكوكب خارجي، مع غيوم تمنع انتقال ضوء النجوم وتنتِج طيف نقل مسطحًا خاليًا من السمات المميزة. ب. يسمح الجو الصافي الخالي من الغيوم لضوء النجم باختراق عمقه، حيث تمتص الضوءَ جزيئات مثل جزيئات الماء. ويتصف طيف نقل الضوء الناتج بسمات امتصاص طيفية تمكِّن الفلكيين من استنتاج التركيب الجزيئي للجو. هذه هي حالة أرصاد فراينه وزملائه5 للكوكب الخارجي HAT-P-11b الموجود، الذي يتصف بسمات امتصاص الماء.

كبر الصورة


كان جهاز القياس الذي استعمله فراينه وزملاؤه لكشف بخار الماء دون لبس في جو الكوكب HAT-P-11b ـ كاميرا المجال الواسع (WFC3) على تليسكوب هابل الفضائي ـ قد طُلب في عام 2009 أثناء عمليات الخدمة النهائية للتليسكوب. وقد أنتجت الكاميرا قياسات مذهلة بدقتها العالية، وهي تزود الفلكيين بفكرة عما يمكن أن تبدو عليه بيانات الجيل القادم من الأرصاد الفضائية. إن البحث عن امتصاص بخار الماء في جو كوكب خارجي يمر أمام نجمه المضيف مماثل للبحث عن حشرة ضئيلة تمر أمام مصباح مَنَارة ساحلية شديد الإضاءة. ولكشف البصمات الضئيلة للامتصاص الجزيئي، تتصف الكاميرا WFC3 باستقرار استثنائي، بحيث إنها لا تسبِّب ضجيجًا مصطنعًا يمكن أن يطغى على إشارات بخار الماء الموجود في جو الكوكب. في عام 2018، تُزمِع "ناسا" إطلاق تليسكوب جيمس وِب الفضائي الذي سيحمل أجهزة قياس ذات حساسية مشابهة لحساسية WFC3. ومزية هذا المرصد الجديد هي أن التليسكوب نفسه سوف يحتوي على مرآة أكبر من مرآة هابل؛ تمكِّنه من كشف إشارات أضعف من تلك التي اكتشفها فراينه وزملاؤه. ونتيجة لذلك.. سيكون التليسكوب قادرًا على رصد الامتصاص الجزيئي في أجواء كواكب أصغر من نبتون، على ألاّ تكون ثمة غيوم في تلك الكواكب.

أتاح الكشف الناجح لبخار الماء في جو HAT-P-11b للباحثين في الكواكب الخارجية أن يتنفسوا الصعداء. فاكتشاف أن هناك كواكب صغيرة لا تحتوي على غيوم سميكة يبشر بالخير للأرصاد بواسطة تليسكوب جيمس وِب الفضائي، غير أنه ما زالت ثمة حاجة إلى مزيد من العمل؛ لتحديد أهداف ملائمة لهذه الأرصاد المستقبلية. فقد كان متوقَّعًا منذ مدة طويلة وجود بخار الماء في أجواء كواكب مثل HAT-P-11b، تلك التي بحجم نبتون، وتقع مداراتها قريبًا من نجومها المضيفة لها، لكن بعد عديد من المحاولات الفاشلة لرصد الامتصاص الجزيئي في أجواء كواكب مشابهة، كان المفاجئ في نتائج فراينه وزملائه أن جو HAT-P-11b خال من الغيوم بقدر كافٍ؛ للسماح بكشف بخار الماء فيه.

الآن، بعد أن ثبت أن هذا الكوكب خال من الغيوم التي تهيمن على أجواء كواكب مشابهة أخرى، تظهر بعض الأسئلة. ما هي نسبة الكواكب الخارجية، من حجم نبتون، التي تحتوي على غيوم؟ وبخصوص الكواكب التي تحتوي على غيوم، ما هي العمليات الفيزيائية النوعية المسؤولة عن تكوينها؟ إنّ فَهْم أجوبة هذه الأسئلة سيمكِّن الفلكيين من تحديدٍ أفضل للكواكب غير الملوثة بالغيوم. وبتحديد ودراسة تلك الكواكب التي توفر نافذة شفافة عبر أجوائها، سوف يتمكن الباحثون في النهاية من توسيع البحث عن الماء وغيره من الجزيئات إلى كواكب أصغر، حتى ربما من حجم الأرض، بواسطة تليسكوب جيمس وِب الفضائي وما بعده.


  1. Grinnell College, Grinnell Iowa 50112, USA

    • إليزا كمبتون
  1. Knutson, H. A. et al. Nature 505, 66–68 (2014).
  2. Kreidberg, L. et al. Nature 505, 69–72 (2014).
  3. Knutson, H. A. et al. http://arXiv.org/abs/1403.4602 (2014).
  4. Ehrenreich, D. et al. http://arXiv.org/abs/1405.1056 (2014).
  5. Fraine, J. et al. Nature 513, 526–529 (2014).
  6. Florensky, C. P. et al. Proc. 8th Lunar and Planetary Sci. Conf. 2655–2664 (1977).