أنباء وآراء
فيزياء فلكية: ثقب أسـود عمــلاق في مَجَـرَّةٍ مجـرَّدة
اكتشاف ثقب أسود فائق ومتضخم في مركز تكتُّلٍ مكتظ بالنجوم. تشير النتائج إلى أن المنظومة بمثابة نواة لمَجَرَّة أكبر حجمًا، تم تجريدها.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/513322a
- English article
- Published online:
تُقِيم الثقوبُ السوداء الفائقة ـ التي تكون كتلتها ملايين، وحتى بلايين أضعاف كتلة شمسنا ـ في مركز كل مجرّة ضخمة تقريبًا، بما في ذلك مجرتنا درب التبانة1. ويبدو أنه ثمة علاقة بين تطور المَجَرَّات والثقوب السوداء هذه، بيد أنّ طبيعة هذه العلاقة غير مفهومة جيدًّا. ما نعرفه ـ بشكل عام ـ هو أن المَجَرَّات الكبرى تؤوي ثقوبًا سوداء أكبر في مراكزها، وتشكل كتلتها حوالي %0.5 من مجموع كتلة النجوم في مجرّة كروية1. إلا أن تقريرًا لسِث وزملائه2، نُشِر في عدد 18 سبتمبر بالدورية الدولية Nature، كَشَفَ عن وجود ثقب أسود فائق متضخم، أضخم بـ%18 من الكتلة النجمية لمضيفه غير العادي.
المنظومة النجمية الكثيفة M60-UCD1 التي عُثر فيها على هذا الثقب الأسود (المرجع 3)، هي مَجَرَّة قزمة متراصّة جدًّا، وتمثل بيئة غير معروفة من قبل لثقوب سوداء فائقة. والمَجَرَّات القزمة فائقة الازدحام هي تجمُّعات كُرويّة مكتظة بالنجوم4. وقد ناقش علماء الفلك لسنوات طبيعة هذه الأجرام، هل هي حشود نجمية ثقيلة للغاية، أم أنها نويات لمَجَرَّات مجرّدة من طبقاتها الخارجية بسبب التفاعلات الجاذبية مع مَجَرَّات أخرى؟ قدَّم سِث وزملاؤه أول حالة واضحة، حيث إن المَجَرَّة القزمية المفردة فائقة الازدحام هي نواة مَجَرَّة مجرّدة، لأن الحشود النجمية لا تستضيف ثقوبًا سوداء فائقة الكتلة.
تمكَّن سِث وزملاؤه من "وزن" الثقب الأسود من خلال تحديد أثره الجاذبي على النجوم القريبة التي تدور حوله5,6. ولتفسير السرعات النجمية المرصودة، وتوزيع الضوء داخل M60-UCD1، كان عليهم افتراض وجود ثقب أسود مركزي، كتلته تعادل 21 مليون مرة كتلة الشمس. من المتوقع أن يُقِيم ثقب أسود بهذا الحجم في مَجَرَّة مضيفة، تعادل كتلتها 7 بلايين كتلة شمسية، إلا أن سِث وزملاءہ يقدّرون أن M60-UCD1 لديها كتلة نجمية تعادل 120 مليون كتلة شمسية فقط.
ومع أن اكتشاف ثقب أسود هائل في مثل هذه المَجَرَّة الصغيرة يثير الدهشة، فقد تم الكشف مؤخرًا عن عدد كبير من الثقوب السوداء في مَجَرَّات قزمة منخفضة الكتلة7، إلا أنّ المنظومة M60-UCD1 تُعَد بشكل واضح وحشًا مختلفًا عما سبق. إنها مكتظة أكثر، وفيها ثقب أسود أثقل بكثير. من المحتمل أن تشبه الثقوب السوداء الصغيرة في المَجَرَّات القزمة منخفضة الكتلة "بذور" الثقوب السوداء الفائقة الأولى8. وبمرور الزمن الكوني، فإن هذه البذور تنمو بواسطة ابتلاع الغاز، والتكتل مع الثقوب السوداء الأخرى، أثناء اندماج المَجَرَّات. وبكتلة أكبر بمائتي مرة من أصغر الثقوب السوداء النووية المعروفة، يبدو M60-UCD1 وكأنه قد نما بالفعل إلى حد كبير.
كيف لمثل هذا الثقب الأسود الكبير أن يكون في مثل هذه المَجَرَّة الصغيرة؟ الجواب قد يكون مرتبطًا بالمَجَرَّة المجاورة لـM60-UCD1، إذْ تقع هذه المَجَرَّة القزمة فائقة الازدحام بالقرب من المَجَرَّة البيضاوية العملاقة M60 (الشكل 1). وقد أظهرت المحاكاة التي قام بها سِث وزملاؤه بأنه ربما كانت M60-UCD1 سابقًا مَجَرَّة أثقل كثيرًا مما هي عليه الآن (مع حجم الثقب الأسود متناسب)، لكنها فقدت معظم نجومها في معركة السَحْب الجاذبي عندما كانت تدور حول جارتها العملاقة. وما تبقَّى اليوم هو نواة نجمية كثيفة، وثقب أسود مركزي فائق من المَجَرَّة السالفة.
هذه الصورة المركَّبة، التي تم بناؤها من بيانات مرصدي "ناسا تشاندرا" للأشعة السينية، وتليسكوب "هابل" الفضائي، تصوِّر المجرّة البيضاوية الثقيلة M60، والقريبة من المَجَرَّة القزمة فائقة الازدحام M60-UCD1. أورد سِث وزملاؤه2 أن M60-UCD1 يحوي ثقبًا أسود فائقًا.
الدليل قوي على وجود ثقب أسود فائق في M60-UCD1، لكنه ليس الاحتمال الوحيد الذي يمكنه أن يفسِّر لنا البيانات. ومع أن ما يبدو بعيد الاحتمال، لكننا لا نستطيع أن نستبعد نهائيًّا وجود تجمّع من النجوم منخفضة الكتلة، أو بقايا نجمية ميتة في مركز المَجَرَّة، لا تصدِر الكثير من الضوء المرئي. تم الكشف عن مصدر للأشعة السينية التي يمكن إنتاجها من قِبَل ثقب أسود في قلب M60-UCD1، لكن هذه الأشعة يمكن أن تتولد من بقايا نجم ميت3. الأرصاد المتتابعة للأطوال الموجية الراديوية تمكننا من التمييز بين هذه الاحتمالات9,10 وتوفر المزيد من التأكيد على وجود ثقب أسود فائق.
يُعَد اكتشاف سِث وزملائه خطوةً مهمةً لفهم طبيعة المَجَرَّات القزمة المكتظة جدًّا. تظهر العديد من المَجَرَّات القزمة المكتظة جدًّا تلميحات محيرة بأنها تؤوي ثقوبًا سوداء فائقة، مما يعني أنها نويّات مَجَرَّة مجرّدة، إلا أن الأدلة المباشرة غير متاحة. يشارك المؤلفون في برامج الرصد الجارية، التي يمكن أن توفر أدلة دامغة على وجود ثقوب سوداء فائقة في أربعٍ من المَجَرَّات القزمية المكتظة جدًّا. وحاليًا، يمكننا كشف السَّحْب الجاذبي لثقب أسود للنجوم المحيطة به فقط لألمع وأقرب الأنظمة. ويجب على محاولة الكشف عن أدلة جاذبية للثقوب السوداء، في التجمّعات الكبرى للأقزام المكتظة جدًّا، أن تنتظر الجيل الجديد من التليسكوبات.
إذا كانت الثقوب السوداء الفائقة شائعة بالفعل في المَجَرَّات القزمة المكتظة جدًّا، ستكون لهذا آثار كبيرة على التركيبة السكانية لهذه الثقوب السوداء، إذ يعتقد سِث وزملاؤه بوجود أكثر من ضعف عدد الثقوب السوداء الفائقة في الكون المحلي في الوقت الحاضر. ومع أن هذا ممكن، لكنه غير مؤكد نهائيًّا. سوف تخبرنا الدراسات المستقبلية ما إذا كان اكتشاف M60-UCD1 مجرد صدفة، أم أنه يتم تجريد نوى مَجَرِّيَّة أخرى لأقزام فائقة الازدحام تستضيف ثقوبًا سوداء.
Affiliations
-
Department of Astronomy, University of Michigan, Ann Arbor Michigan 48109-1107, USA
References
- Kormendy, J. & Ho, L. C. Annu. Rev. Astron. Astrophys. 51, 511–653 (2013).
- Seth, A. C. et al. Nature 513, 398–400 (2014).
- Strader, J. et al. Astrophys. J. 775, L6 (2013).
- Brodie, J. P., Romanowsky, A. J., Strader, J. & Forbes, D. A. Astron. J. 142, 199 (2011).
- Schwarzschild, M. Astrophys. J. 232, 236–247 (1979).
- van den Bosch, R. C. E. & de Zeeuw, P. T. Mon. Not. R. Astron. Soc. 401, 1770–1780 (2010).
- Reines, A. E., Greene, J. E. & Geha, M. Astrophys. J. 775, 116 (2013).
- Volonteri, M. Astron. Astrophys. Rev. 18, 279–315 (2010).
- Gültekin, K., Cackett, E. M., King, A. L., Miller, J. M. & Pinkney, J. Astrophys. J. 788, L22 (2014).
- Merloni, A., Heinz, S. & Di Matteo, T. Mon. Not. R. Astron. Soc. 345, 1057–1076 (2003).