أنباء وآراء

فيزياء المادة المكثفة: الإمساك بإلكترونات نسبية

تم العثور على إلكترونات منخفضة الطاقة، تحاكي جسيمات نسبية عالية الطاقة في أرسنيد الكادميوم. يُعَد هذا أول "شبه معدن ديراكي ثلاثي الأبعاد" مستقر، مما يبشر باستكشافات فيزيائية أساسية جديدة وتطبيقات عملية لها.

  • زيواي زو
  • جينفر إي. هوفمان
  • Published online:

في ميكانيكا نيوتن الكلاسيكية، تتغير طاقة حركة جسم ما متناسبةً مع مربع سرعته أو زخمه (الشكل 1أ). وهذا قانون يجب على سائقي السيارات معاملته باحترام. تخضع الفوتونات، والنيوترينوات، والجسيمات الخفيفة السريعة الأخرى لنظرية النسبية لأينشتاين، إذ تقاس طاقتها خطيًّا مع زخمها بسرعة ثابتة تساوي الزيادة في الميل. هذه الجسيمات النسبية عالية الطاقة هي مفتاح فهم أساسي للكون، ولكن كيف تنسجم تلك الإلكترونات ـ التي تحدد الخصائص الأكثر عملية للمواد الموجودة حولنا ـ مع هذه الرؤية؟ تتحرك الإلكترونات بسرعات كبيرة، لكن حركتها ليست نسبية في المقام الأول في المواد الصلبة التقليدية. ومع ذلك.. في دراسة نشرت في "فيزيكال ريفيو لِترز"، استعرض بوريسِنكو وزملاؤه1 تقريرًا عن اكتشاف حركة نسبية لإلكترونات ذات طاقة منخفضة في أرسنيد الكادميوم (Cd3As2). تمهّد هذه النتيجة الطريق لإلكترونيات نسبية في المستقبل، جنبًا إلى جنب مع نتائج مماثلة وُصفت في ثلاث دراسات مستقلة، من خلال نيوبان وزملائه2، وليو وزملائه3، وجيون وزملائه4.

 أ، الأجسام التقليدية والإلكترونات تُظْهِر علاقة قطع مكافئ بين طاقتها (ط) وزخمها (ز). ب، فرميونات ديراك ثنائية الأبعاد، مثل الإلكترونات في الجرافين، لها نطاقات طاقة تكافؤ (أزرق)، وتوصيل (بنفسجي)، مع علاقة طاقة خطية بالزخم. يلتقي كل ذلك عند نقطة تُسمى نقطة ديراك في مُعامِلات الفضاء ثلاثي الأبعاد المتكوِّن من ط، زس،زص. المبين هنا هو شريحة ذات بعدين لفضاء ثلاثي الأبعاد. ج، شريحة ثلاثية الأبعاد لعلاقة الطاقة بالزخم رباعية الأبعاد (ط، زس، زص، زع) لفرميونات ديراك ثلاثة الأبعاد، مثل تلك التي اكتُشفت في Cd3As21-4، بنقطتين ديراك على طول محور تناظر خاص (زع).

كبر الصورة


أدرك العلماء قدرة الإلكترونات ذات الطاقة المنخفضة على محاكاة جسيمات نسبية عالية الطاقة قبل عقد من الزمن، مع عزل عنصر الكربون ثنائي الأبعاد في هيئة جرافين5. هذه المواد لها أهمية مزدوجة لاستكشاف الفيزياء الأساسية والتطبيقات الثورية، وقد حفّزت نحو أكثر من 100 ألف دراسة علمية منشورة، وحوالى 7,000 من طلبات براءات الاختراع، وجائزة نوبل لعام 2010. توصف الإلكترونات في الجرافين كما توصف فرميونات ديراك عديمة الكتلة، لأن لها رقمًا مغزليًّا يساوي نصف عدد صحيح، مما يجعلها كالفرميونات، ويجعل العلاقة الخطية بين طاقتها وزخمها تتبع معادلة ديراك الموجية الشهيرة، التي وَحَّدت ميكانيكا الكم والنسبية الخاصة قبل قرن من الزمان تقريبًا. الجرافين هو أيضًا شبه معدن، وهذا يعني أن طاقة فيرمي له (الخط الفاصل بين المستويات الإلكترونية المشغولة والفارغة) تقع بشكل مثالي في مكانها عند "نقطة ديراك"، حيث تلتقي نطاقات طاقة التكافؤ والتوصيل (الشكل 1ب) التي يمكن ضبطها بسهولة بتطبيق جهد كهربي. قد تكون ناقلات الشحنة الناتجة إما إلكترونات، أو ثقوبًا (غياب إلكترونات) ذات تنقُّل إلكتروني مرتفع: مقياس للمقاومة الكهربية العكسية لكل ناقل شحنة، تزيد مع سرعة ناقل الشحنة، ولكنها تنخفض مع تَشَتُّته.

سرعة ناقلات الشحنة المرتفعة نسبيًّا في الجرافين ـ وتبلغ 105 أمتار في الثانية، إضافة إلى انخفاض احتمالات التشتت الذاتية الناجمة عن صغر كثافة ناقلات الشحنة المتأصلة في أشباه معادن ديراك ـ يمكن أن تعطي تنقُّلًا إلكترونيًّا يصل إلى 140 مرة ضعف السيليكون (المادة المفضلة لمعظم التطبيقات الإلكترونية). لذلك.. يقدم الجرافين وعودًا لصنع أجهزة إلكترونية جديدة عالية الكفاءة، بيد أن الجرافين يمثل تحديًا في تصنيعه ومعالجته في رقائق كبيرة، كما أن خاصية التنقُّل الإلكتروني له عرضة للتشتت بشدة بسبب العيوب البيئية، نظرًا إلى بنية الجرافين السطحية.

هناك نوع ثان من شبه معدن ديراك ثنائي الأبعاد، ينشأ من تأثير آخر للنسبية على الإلكترونات يسمى الترابط المغزلي المداري (وهو التفاعل بين مغزلية الإلكترون والمجال المغناطيسي الناجم من الحركة المدارية الإلكترونية). يكون الترابط المغزلي المداري عمومًا صغيرًا للمواد التي تتكون من ذرات خفيفة مثل الكربون، لكن بالنسبة إلى المواد التي تحتوي على ذرات ثقيلة، مثل الكادميوم، والبزموث، يمكن أن يكون التفاعل كبيرًا؛ فعلى سبيل المثال.. يمكنه عكس نطاقات التكافؤ والتوصيل في قلب المادة العازلة. هذا الانعكاس يمكن أن يؤدي إلى فرميونات ديراك سطحية محمية طبولوجيًّا، وهي ناقلات الشحنة السطحية المستقرة ضد الاضطراب المحلي، ولها مغزلية مقترنة بزخمها (أي أن زخم ناقل الشحنة يحدد مغزليته).

أثارت تلك "العوازل الطوبولوجية"6,7 حماسًا هائلًا في السنوات الأخيرة حول تطبيقاتها الممكنة، على سبيل المثال.. في الأجهزة الإلكترونية المغزلية منخفضة الاستهلاك للطاقة، التي يتم فيها التعامل مع مغزلية الإلكترونات، بدلًا من شحنتها، وذلك في أغراض الحوسبة عالية الأداء، لكن رغم اسمها، فإن العوازل الطوبولوجية الموجودة لديها فائض من إلكترونات التوصيل الداخلية، التي تطغى على فرميونات ديراك السطحية وتُفْشِل استخدامها.

في الوقت نفسه، كانت هناك أفكار جديدة تختمر، توحي بأن حالات ديراك ثلاثية الأبعاد شبه المعدنية يمكن أن توجد في قلب المادة صلبة. كان معروفًا أن مثل هذه الحالات يمكن أن تحدث في ظل ظروف مضبوطة بدقة، مثل التركيز الدقيق لعنصر البزموث، الذي يصبح عنده الارتباط المغزلي المداري قويًّا بما يكفي لعكس نطاقات الطاقة في قلب سبائك8 الأنتيمون بزموث (Sb1-xBix)، لكن الأبحاث النظرية الأخيرة توقعت وجود هذه الحالات في المواد النقية التي لديها بعض التناظرات البلورية: أولًا، BiO2 غير المستقر (المرجع 9)، ثم Na3Bi الحساس للهواء (المرجع 10)، وأخيرًا المركَّب المستقر Cd3As2 (المرجع 11). وبالإضافة إلى ذلك.. عندما يتم كسر تناظرات انقلاب الزمن، أو انعكاس المكان ـ على سبيل المثال، من خلال تطبيق مجال مغناطيسي، أو ضغط ـ يمكن أن تنقسم نقط ديراك إلى نسختين؛ ومن ثم تتحول الإلكترونات إلى فرميونات فايل12، وبالتالي يكون لها عدم تناظر مرآتي معاكس (لف مغزلي في اتجاه متوافق مع اتجاه حركته). يمكن لفرميونات فايل هذه أن تمكِّننا من صنع إلكترونيات مغزلية قوية ثلاثية الأبعاد.

كان Cd3As2 معروفًا لأكثر من 50 عامًا13، بسبب قيمة تنقُّله الإلكتروني الاستثنائي، التي هي أكبر من قيمة الجرافين، ومن بين أعلى المعدلات لأي مادة شبه موصله. وبفضل الدراسات الحديثة التي قام بها بوريسنِكو وزملاؤه1، ونيوبان وزملاؤه2، وليو وزملاؤه3 ـ الذين أجروا تجارب على Cd3As2 باستخدام تقنية تسمى مطيافية الانبعاث الضوئي بالتحليل الزاوي (ARPES) ـ استطعنا الآن فَهْم أن التنقل الإلكتروني العالي ينشأ من حالات ديراك شبه المعدنية السريعة.

خلال تجارب APRES، يسقط ضوء أحادي اللون على عيِّنة ما، ومن ثم يمكن للإلكترونات أن تمتص فوتونًا وتهرب من المادة. لكشف النقاب عن العلاقة الكاملة بين الطاقة والزخم في الأبعاد الثلاثة للإلكترونات داخل Cd3As2، كانت الخطوة الصعبة، والحاسمة كذلك، هي قياس الطاقة والزخم بدقة بالغة للإلكترونات المنبعثة أثناء ضبط طاقة الفوتون عبر مدى واسع. أظهرت البيانات1-3 بوضوح العلاقة الخطية للطاقة بالزخم، مع نقطتي ديراك على طول محور البلورة رباعية التناظر الدوراني (الشكل 1ج). تثبت هذه النتيجة أن الإلكترونات في هذه المادة هي فرميونات ديراك عديمة الكتلة ثلاثية الأبعاد كما تنبأت الأبحاث11. وقياس الميل في علاقة الطاقة بالزخم تَنْتُج عنه سرعة إلكترون تصل إلى حوالي 106 م ث-1 (المرجع 2)، لكن مع تفاوت يصل إلى عشرة أضعاف بين الدراسات الثلاث1-3، يمكن أن يكون بسبب الاختلافات في نوعية العينة، أو الزاوية في السطح المُعرَّض للضوء. وإضافةً إلى ذلك.. أظهر ليو وزملاؤه أن تركيز ناقلات الشحنة في Cd3As2 يمكن ضبطه بدقة عن طريق "إشابة" سطح المادة بذرات البوتاسيوم3، مما يجعلها منصة مرنة للدراسات المستقبلية.

في الآونة الأخيرة، استخدم جيون وزملاؤه4 مجهر المسح النفقي، وصولًا إلى مقاييس تحت ذرية، للتأكيد على أن Cd3As2 كمعدن ديراك ثلاثي الأبعاد، ولتصوير كيفية بعثرة ذرات الإشابة لناقلات الشحنة في نطاق التكافؤ في المقام الأول، محافظة على تنقُّل إلكتروني لناقلات الشحنة في نطاق التوصيل عالي السرعة. وإضافةً إلى ذلك.. استخدم جيون وزملاؤه المجال المغناطيسي، وهو أمر غير ممكن في تجربة ARPES. ورغم أن المجال المغناطيسي يكسر تناظر انقلاب الزمن، الذي سيكون ضروريًّا لتقسيم فرميونات ديراك إلى فرميونات فايل عديمة التماثل المرآتي الأكثر غرابة، كان اتجاه المجال المغناطيسي في هذه التجربة أيضًا يكسر التناظر الدوراني الرباعي للبلورة قيد التجربة، وهو ضروري في المقام الأول لتحقيق فرميونات ديراك. هذا يعني أن تلك النظرة الأولى لفرميونات فايل ستحتاج إلى الانتظار لتجربة متابعة، بحيث يكون للمجال المغناطيسي اتجاه مختلف.

العمل على Cd3As2 (المراجع 1-4)، جنبًا إلى جنب مع Na3Bi منخفض التنقُّل الإلكتروني المذكور في وقت سابق من هذا العام14، يؤكد وجود حركة لفرميونات ديراك داخل المواد ثلاثية الأبعاد. ورغم الفيزياء الجديدة المثيرة في Cd3As2، إلا أن احتمال تطبيقاته محدود بسبب صغر طاقة انقلاب النطاق الخاصة به (الطبيعة النسبية ليست قوية في درجة حرارة الغرفة)4. وبالإضافة إلى ذلك.. فإن Cd3As2 ليس بالضبط ما تريده في مياه الشرب الخاصة بك. مع ذلك، وبالنظر إلى الفهم الجديد إلى أن فرميونات ديراك يمكن أن تظهر في المواد الصلبة من التناظرات البلورية العامة والارتباط المغزلي المداري القوي، ربما يكون هناك عديد من أشباه معادن ديراك ثلاثية الأبعاد التي لم تُكتشف بعد9. الأولويات البحثية الفورية الآن تشمل المجال المغناطيسي، والسيطرة على الضغط لعزل فرميونات فايل عديمة التماثل المرآتي في المواد الموجودة، وتجسيد هذه المواد كأغشية رقيقة؛ للوصول إلى الظاهرة المعروفة باسم تأثير هول الكَمِّي المغزلي لتصوير التدفق المكاني لفرميونات ديراك السطحية15، والنمذجة الحاسوبية للتنبؤ بمواد جديدة وبِنَى متعددة إلكترونية ذات طاقات انقلاب نطاقية كبيرة16. تأتي بعد ذلك التطبيقات الثورية، مثل "البطارية عديمة التماثل المرآتي"، أو "المضخِّم الكَمِّي" للمجال المغناطيسي، التي ربما تلوح في الأفق17.

  1. Department of Physics, Harvard University, Cambridge Massachusetts 02138, USA

    • زيواي زو,
    • جينفر إي. هوفمان
  1. Borisenko, S. et al. Phys. Rev. Lett. 113, 027603 (2014).
  2. Neupane, M. et al. Nature Commun. 5, 3786; http://dx.doi.org/10.1038/ncomms4786 (2014).
  3. Liu, Z. K. et al. Nature Mater. 13, 677–681 (2014).
  4. Jeon, S. et al. Nature Mater. 13, 851–856 (2014).
  5. Geim, A. K. & Novoselov, K. S. Nature Mater. 6, 183–191 (2007).
  6. Hasan, M. Z. & Kane, C. L. Rev. Mod. Phys. 82, 3045 (2010).
  7. Qi, X.-L. & Zhang, S.-C. Rev. Mod. Phys. 83, 1057 (2011).
  8. Hsieh, D. et al. Nature 452, 970–974 (2008).
  9. Young, S. M. et al. Phys. Rev. Lett. 108, 140405 (2012).
  10. Wang, Z. et al. Phys. Rev. B 85, 195320 (2012).
  11. Wang, Z., Weng, H., Wu, Q., Dai, X. & Fang, Z. Phys. Rev. B 88, 125427 (2013).
  12. Wan, X., Turner, A. M., Vishwanath, A. & Savrasov, S. Y. Phys. Rev. B 83, 205101 (2011).
  13. Rosenberg, A. J. & Harman, T. C. J. Appl. Phys. 30, 1621 (1959).
  14. Liu, Z. K. et al. Science 343, 864–867 (2014).
  15. Kane, C. L. & Mele, E. J. Phys. Rev. Lett. 95, 226801 (2005).
  16. Burkov, A. A. & Balents, L. Phys. Rev. Lett. 107, 127205 (2011).
  17. Kharzeev, D. E. & Yee, H.-U. Phys. Rev. B 88, 115119 (2013).