أنباء وآراء
الأحياء الدقيقة: لقاح خاص بالبكتيريـا
ثبت الآن أن الإصابة بفيروس بكتيري معيب غير قادر على التكاثر، هي السمة الأساسية التي تمكِّن البكتيريا من تطوير مناعة متكيّفة سريعًا ضد الفيروسات السليمة.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/513175a
- English article
- Published online:
تُعتبر مقاومة الإصابات الفيروسية من ضرورات البقاء لمعظم أشكال الحياة. والمناعة المكتسبة ـ التي تقتنص فيها الخلية العناصر الدخيلة، بما يسمح لها بالتعرف على الفيروسات ذات الصلة وتدميرها ـ مهمة للقضاء على مثل هذه الإصابات. على هذا النحو، تدفع المناعة المكتسبة التطور، والانتقاء، والبقاء. ورغم أن العلاقة بين الأنتيجينات والأجسام المضادة التي تقوم عليها المناعة المكتسبة قد وُصِفَت بالتفصيل، فإن نظيرها في البكتيريا والعتائق −أجهزة المناعة المعتمدة على "كريسبر−كاس"− يظل غامضًا إلى حد كبير. كتب هاينز وزملاؤه1 في Nature Communications واصفًا كيف تثير جسيمات الفيروس المعيبة خطوات التحصين المناعي عن طريق الأنظمة المناعية المعتمدة على كريسبر−كاس، مما يوفر مناعة مكتسبة في البكتيريا ضد الفيروسات السليمة المشابهة.
وللأنظمة المناعية المعتمدة على كريسبر−كاس مكوِّنان رئيسان: تسلسلات الحمض النووي المكونة من تجمعات من التتاليات المتناظرة القصيرة على أبعاد متساوية "كريسبر" (CRISPER)، ومجموعة من إنزيمات الإندونيوكليز الخاصة بالتتابع المرتبط بكريسبر (Cas). عادةً، تنبع المناعة حين تدخل العناصر الوراثية الدخيلة (على سبيل المثال، الحمض النووي المحقون للخلايا عبر الفيروسات البكتيرية المعروفة بآكلات البكتيريا أو الآكلات) إلى الجينوم في صورة "مباعِدات" بين تسلسلات2 كريسبر. ولاحقًا، حين يتم نسخ صف تتباعات كريسبر المحتوية على العناصر المباعدة الدخيلة، تنتج3 قطعًا من الحمض الريبي الصغير المتدخل الخاصة بكريسبر، التي ترشد إنزيمات كاس لاستهداف وتكسير تسلسل الحمض النووي المكمل4−6 لتلك المباعدات. أثبتت هذه المناعة المكتسبة فعاليتها ضد هجوم الآكلات في مزارع الألبان البادئة، التي تُستخدم بشكل واسع في تصنيع2 الزبادي والجبن.
ورغم أنه معروف أن دخول حمض نووي فيروسي إلى الجينوم يقوم بتنشيط المناعة5 المعتمِدة على الكريسبر، إلا أن المعلومات المتاحة قليلة عن الكيفية التي تقوم بها البكتيريا بالتعرف على جينومات الآكلات؛ لتقوم بالمباعدة، أو على ديناميكيات عملية اكتساب المناعة، التي يمكن اعتبارها "لقاح" للبكتيريا ضد الآكلات. فعادةً ما تقوم الآكلات باحتلال الآليات الجزيئية لعائلها خلال دقائق. لذا.. ظلت قدرة البكتيريا على الاستجابة المناعية السريعة لغزًا.
قام هاينز وزملاؤه أولًا بتعريض خلايا البكتيريا للفيروسات المعيبة.وتم إنتاج هذه الفيروسات إما بتعريض الآكلات إلى الأشعة فوق البنفسجية (UV)، أو باستخدام فيروسات سليمة ذات قابلية للتعديل عن طريق منظومة القطع RM التي تستخدم إنزيمات القطع لتكسير الحمض النووي الفيروسي بعد دخوله إلى العائل. في كلتا الحالتين، يمكن للفيروس المعيب حقن الحمض النووي بداخل الخلية، ولكنه لا يستطيع التكاثر. في الحالة الثانية، تنتج عن حقن الفيروسات لمادتها الوراثية في الخلايا المصابة قطع متفرقة من الحمض النووي الفيروسي. تحقن الآكلات ـ تم إضعافها عن طريق الإشعاع ـ حمضًا نوويًّا غير قابل للتضاعف، يمكن معرفة تسلسله لاحقًا بواسطة تتابعات كريسبر.
بحث مؤلفو الدراسة بعد ذلك عن بكتيريا عائلة ناجية، ووجدوا أن تلك التي نجت اكتسبت قطعًا إضافية تُباعِد ما بين تسلسلات كريسبر الأصلية، مما يشير إلى أن آلية التكيف المناعي المعتمدة على كريسبر استطاعت الوصول إلى الحمض النووي الفيروسي، واستخدامه لصالحها (شكل 1). ورغم أن غالبية الخلايا قد ماتت، فإن بعض الخلايا المصابة اكتسب قطعًا من جينوم الآكلات بين تسلسلات كريسبر خاصتها. وعلى وجه التحديد، فإن وجود الفيروسات المقطعة، والفيروسات التي تم إضعافها بالإشعاع، زاد من نسبة البكتيريا المحصّنة من ثلاثة إلى أربعة أضعاف، وعشرة أضعاف، بالترتيب، مقارنةً بوجود فيروسات سليمة. يشير هذا تِباعًا إلى أن عملية التحصين المناعي حدثت نتيجة وجود الفيروسات المعيبة.
عرض هاينز1 وزملاؤه بكتيريا لفيروسات آكلة غير قادرة على التضاعف، إما بسبب طفرات الحمض النووي التي تم إحداثها بالتعرض للأشعة فوق البنفسجية (UV)، أو بسبب تكسُّر الحمض النووي إلى قطع بواسطة إنزيمات نظام التعديل بالقطع (RM) الخاص بالبكتيريا. يشير المؤلفون إلى أن قطع الحمض النووي الفيروسي (الأحمر) من الآكلات غير القادرة على التضاعف يمكنها أن تدخل في تتابعات كريسبر التي تحتوي على مباعِدات من عملية تحصين مناعي سابقة (الأصفر)، وبالتالي، من خلال نظام كريسبر-كاس المناعي، فإن المباعدات حديثة الاندماج تعطي الخلية مناعة مكتسبة محددة التسلسل ضد الفيروسات السليمة ذات الصلة.
فى الخطوة التالية، استخدم هاينز وزملاؤه خطة "تحدي فيروسي" ثنائية، تم فيها حقن خلايا البكتيريا العائلة بالآكلات السليمة والمعيبة في نفس الوقت، وذلك لإثبات أن الفيروسات غير القادرة على التضاعف يمكن استخدامها لتنشيط حصانة مناعية ضد الفيروسات السليمة من السلالات الأخرى المشابهة. أظهرت هذه التجربة أن معظم خطوات عملية التحصين المناعي التي تحمي الخلايا من الآكلات السليمة نشأت كنتيجة للآكلات المعيبة. يشير المؤلفون إلى وجود ارتباط مباشر بين نسبة الآكلات غير القادرة على التكاثر، وعدد أحداث التحصين، مقارنة بتجربة استخدمت فيها آكلات سليمة. يذكَرنا هذا باستخدام الفيروسات المضعفة والبكتيريا لتحصين البشر ضد مسببات الأمراض.
تؤكِّد هذه الدراسة ـ بشكل قاطع ـ مبدأ إمكانية استخدام فيروسات معيبة؛ لتنشيط حصانة مناعية من خلال الأنظمة المعتمدة على كريسبر−كاس. ورغم أن استخدام فيروسات مُضْعِفَة للتحصين ليس جديدًا، فإن النتائج التي تشير إلى إمكانية استخدام فيروسات مُضْعِفَة لتنشيط مناعة مكتسبة معتمدة على كريسبر في البكتيريا لها عواقب عملية. وحتى الآن، كانت دراسة الأنظمة المعتمِدة على كريسبر−كاس بشكل عام، واكتساب المباعدات على وجه الخصوص، يعوقها العدد المحدود من نماذج أنظمة كريسبر القابلة لاكتساب مباعدات (على عكس مجرد استهداف وقطع الأحماض النووية). هناك توقُّع بأن استخدام الفيروسات المُضْعِفَة سيسمح للباحثين بزيادة فاعلية عملية التحصين المعتمدة على كريسبر، واستخدام نظم كريسبر−كاس في البكتيريا ذات النظم المعطلة. وسوف يَلْزَم الأبحاث في المستقبل أن توضح ما إذا كان حمض نووي الكروموزومات والبلازميدات (جزيئات صغيرة دائرية من الحمض النووي غير الكروموزومي موجودة في البكتيريا والعتائق) يتبع القواعد الجزيئية ذاتها التي يتبعها حمض نووي الفيروسات.
ومع ازدياد عدد أنظمة كريسبر−كاس النشطة، يمكن استخدام آليات جزيئية معتمدة على كاس بصورة أكبر في تطبيقات التقنية الحيوية، مثل هندسة بكتيريا مقاومة للآكلات أو البلازميدات، أو استخدام تكنولوجيا كريسبر−كاس لتحرير الجينوم وتنظيم التعبير الجيني في الأشكال الحية المتعددة، من البكتيريا للحيوانات7,8.ستساعدنا نتائج هاينز وزملائه في فَهْم الدور الذي يلعبه كريسبر في سباق التسلح بين الميكروبات والفيروسات التي تهاجمها في الظروف الطبيعية، كما ستعد الساحة لتطبيقات قادمة لنظم كريسبر−كاس.
Affiliations
-
Department of Food, Bioprocessing and Nutrition Sciences, North Carolina State University, Raleigh North Carolina 27695, USA
References
- Hynes, A. P., Villion, M. & Moineau, S. Nature Commun. 5, 4399; http://dx.doi.org/10.1038/ncomms5399 (2014).
- Barrangou, R. et al. Science 315, 1709–1712 (2007).
- Brouns, S. J. J. et al. Science 321, 960–964 (2008).
- Marraffini, L. A. & Sontheimer, E. J. Science 322, 1843–1845 (2008).
- van der Oost, J., Westra, E. R., Jackson, R. N. & Wiedenheft, B. Nature Rev. Microbiol. 12, 479–492 (2014).
- Garneau, J. E. et al. Nature 468, 67–71 (2010).
- Hsu, P. D., Lander, E. S. & Zhang, F. Cell 157, 1262–1278 (2014).
- Sander, J. D. & Joung, J. K. Nature Biotechnol. 32, 347–355 (2014).