أنباء وآراء
جينوميات: الاختفاء في مكان ظاهر
الإصدارات الأخيرة عن اتحادات "مشروع إنكود، ومودإنكود" تضاعف عدد مجموعات البيانات الخاصة بالعناصر الوظيفية في جينومات الدودة، وذبابة الفاكهة، والإنسان.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/512374a
- English article
- Published online:
كان وضع تَسَلْسُل الجينوم البشري وجينوم الكائنات النموذجية ـ مثل ذبابة الفاكهة والديدان ـ واحدًا من الإنجازات العلمية الكبرى في عصرنا. ترمّز هذه التسلسلات معلومات خاصة بأنواع معينة تتعلق بالجينات المرمزة وغير المرمزة للبروتينات، والمعلومات التنظيمية التي تحدد متى وأين يتم تفعيل الجينات. ورغم أن هذه المعلومات الجينومية موجودة في التسلسل، إلا أن فهم ـ أو حتى مجرد تحديد ـ العناصر الوظيفية المختلفة والربط بينها، يمثل تحديًا كبيرًا. في محاولة لتحديد جميع العناصر الوظيفية في جينومات البشر، وذبابة الفاكهة سوداء البطن، والديدان الربديّة الرشيقة، أُطلقت مشروعات بحثية1,2 خاصة تحت عنوان موسوعة عناصر الحمض النووي (إنكود ENCODE) وعناصر الكائن النموذج مودإنكود (modENCODE). وفي العدد الصادر في 28 أغسطس الماضي، من دورية Nature الدولية، ثمة خمسة أبحاث7-3 لخَّصت أحدث البيانات من هذه الاتحادات. تضيف هذه المنشورات مجتمعةً أكثر من 1600 مجموعة بيانات جديدة، مما يرفع إجمالي عدد مجموعات البيانات المستمَدّة من إنكود ومودإنكود إلى ما يقارب 3300 مجموعة (الشكل 1).
تهدف اتحادات إنكود ومودإنكود البحثية إلى تحديد جميع العناصر الوظيفية في الجينوم البشري وجينومات الكائنات النموذجية، كالربدية الرشيقة (دودة)، وذبابة الفاكهة سوداء البطن. تركز أحدث الإصدارات3-7 الخاصة بهذه المشروعات على ثلاثة أنواع من البيانات الرئيسة: تسلسل الحمض الريبي، التي تحدد منتسخات الحمض الريبي من الخلايا، أو من الكائنات ككل. وتسلسل ChIP (الترسيب المناعي للكروماتين) للعوامل التنظيمية، وهي التي تحدد مواقع الجينوم التي ترتبط بها هذه البروتينات. والمقايسات المستندة إلى التسلسل لتوصيف السمات المختلفة للكروماتين (المعقد الذي يتشكل من الحمض النووي وبروتينات الهيستون). يُظْهِر الرسم البياني العدد الكلي لمجموعات البيانات المتاحة الآن لهذه الأنواع من البيانات، مقارنةً بالإصدار السابق19-21 (لاحِظْ أن أرقام الإصدارات السابقة للدودة والذبابة لا تتضمن بعض مجموعات البيانات المستندة إلى المصفوفات الدقيقة).
لا يمكن إنكار التأثير المتوقَّع من بيانات كهذه. وستشكل التفسيرات الأكثر اكتمالًا للجينوم أساسًا لتحسين الدراسات الجينية في كلٍّ من ذبابة الفاكهة سوداء البطن، والديدان الربديّة الرشيقة، وهي كائنات أسهمت بالفعل أكثر من سواها في فَهْمنا لتطور الحيوان والآليات الجزيئية الضالعة به. ويتضح بشكل متزايد أن العناصر المنظِّمة للجينات أساسية للتطور، وأنها كثيرًا ما ترتبط بالمرض؛ وأن التحديد الشامل لهذه العناصر، مثلًا، يتيح تفسير الطفرات المصاحبة للمرض في مناطق الجينوم غير المرمِّزة.
يقدِّم بحثان بيانات عن منتسخات الحمض الريبي –براون وزملاؤه3 في ذبابة الفاكهة، وجِرشتاين وزملاؤه4 في الأنواع الثلاثة جميعها. وقد أسفر تحليل البيانات الذي قام به براون وزملاؤه لترانسكريبتوم ذبابة الفاكهة، والذي جرى تقييمه في 29 نسيجًا، و24 خطًّا خلويًّا، و21 عيِّنة من كامل الحيوانات التي تعرضت لاضطرابات بيئية، عن أكثر من 300,000 منتسخ لـ17,564 جينًا، كان 14,692 منها مرمِّزًا للبروتين (يشار إلى المنتسخات المختلفة للجين نفسه بأنها أشكال متناظرة للمنتسخ). من بين هذه الجينات، تم التعبير عن 57 (5259 منتسخًا) أثناء الاضطرابات فقط، مما يعني أنها ستفلت من التحديد ضمن ظروف المختبر القياسية. كما حدد التحليل أيضًا عديدًا من الأحماض الريبية الجديدة الطويلة غير المرمِّزة، بما فيها تلك التي تتداخل مع الطفرات مسبقة التحديد، والمرتبطة بالعيوب التطورية. وهناك نتيجة أخرى مثيرة للاهتمام، وهي عدد قليل من الجينات العصبية في غالبيتها، والمُفْضِيَة إلى إحداث نصف الأشكال المتناظرة للمنتسخات التي تم تحرِّيها، التي تذكِّرنا بعديد من المنتسخات المعروف عنها أنها مشتقَّة من الجين العصبيDscam 8. تُظهِر هذه البيانات أن أخْذ عينات من أنسجة مختارة في ظل ظروف غير قياسية يتيح تحديد الجينات الجديدة والمنتسخات المتسقة، حتى في الكائنات المدروسة جيدًا.
إنّ العناصر التنظيمية أصعب في تحديدها من المنتسخات، إذ يتم توقُّع وجودها عادة على أساس السمات المميزة للكروماتين (معقد بروتينات الهيستون والحمض النووي في نواة الخلية)، وعن طريق دراسة ارتباط البروتين المنظم بالحمض النووي9، وتنقية توقعات كهذه هي أحد الأهداف الرئيسة لكلا المشروعين، إنكود ومودإنكود. ومن بين أحدث الإصدارات، يضع أرايا وزملاؤه5 وصفًا لسمات ارتباط 92 بروتينًا منظِّمًا بالجينوم، بما فيها عوامل النسخ، والوُحَيْدات الفرعية لبوليمريز الحمض الريبي، والعوامل المرتبطة بالكروماتين، في كلٍّ من الأَجِنّة الكاملة، ويرقات مراحل النمو المختلفة في الربدية الرشيقة. ورغم أن هذا النهج قد يوفر معلومات عن التغييرات التنظيمية أثناء النمو، إلا أنها تبقى محدودة، نظرًا إلى غياب الاستبانة الخلوية10: فعوامل النسخ ترتبط عادة ببروتينات شريكة خاصة بخلية من نوع معين، لترتبط بمواقع مختلفة وتنظم جينات مميزة في أنواع مختلفة من الخلايا. لذا.. يمكن فَقْد الأهداف المرتبطة بعدد قليل فقط من الخلايا في الدراسات المُجْرَاة على الكائن ككل، وتلك التي يُعثر عليها قد تشكل تراكبًا لمواقع الارتباط في خلايا مختلفة. وقد تَجَاوَزَ الباحثون هذه العقبات جزئيًّا من خلال تحديد أنماط التعبير الخاصة بـ180 جينًا، ومن ضمنها تحديد سمات 13 من عوامل النسخ، في المرحلة الجنينية المبكرة في خلية فردية مستبانة.
كما تتضمن بيانات أرايا وزملائه أيضًا السمات الرابطة لعوامل النسخ المتوقعة، التي لا وصف لها خلافًا لذلك. هذا الأمر سيسمح باستنباط فرضيات عن الوظائف المحتملة للبروتينات، وخاصة ـ على سبيل المثال ـ إذا تم تعزيز مواقع الربط قرب أنواع معينة من الجينات11,12.
وإحدى السمات الرئيسة لهذه البيانات الأولية لمشروع إنكود ومودإنكود، هي المقارنة بين الأنواع الثلاثة المدروسة. ولاستكمال بيانات أرايا وزملائه عن الديدان، يقدّم بويل وزملاؤه6 ما يقرب من 500 خريطة جديدة للارتباط على نطاق الجينوم للعوامل المنظِّمة للنسخ في خطوط الخلايا البشرية، وذبابة الفاكهة والربدية الرشيقة. وقد وجد الباحثون أن ما يقرب من نصف حوادث الارتباط في كل من هذه الأنواع تحدث في مناطق هدفية عالية الإشغال HOT)13,14)، حيث تتجمع الارتباطات بكثافة. ورغم أن وظيفة هذه المناطق لم تُقَيَّم بعد، فإن عملنا على ذبابة الفاكهة15 يشير إلى أن عديدًا منها يُعتبر منشطات فعالة، تستهدف النسخ الجيني، لكن بما أن هذه العوامل يمكنها ربط الحمض النووي من دون نتائج وظيفية، خصوصًا في المناطق عالية الإشغال، فإن إسهام كلٍّ من العوامل المرتبطة بالتنشيط الفعال يبقى غير واضح.
وبِغَض النظر عن وجود المناطق العالية الإشغال، تكشف بيانات بويل وزملائه عن عدد قليل فقط من القواسم المشتركة بين هذه الأنواع، ولكن هذا ليس بالأمر غير المتوقع، فالارتباطات التنظيمية والجينات المستهدفة لعوامل النسخ الفردية تتباين بشدة بين أنواع الخلايا المختلفة في النوع الواحد، ولذا.. فإن وجود بعض التداخل في البيانات المستمدة من عيِّنات متنوعة، كخطوط الخلايا البشرية، والذبابة الكاملة، وأجنة الديدان، ليس مستغربًا. وهكذا، فرغم أن مجموعات البيانات قد تكون قيِّمة في كل من الأنواع، فإن فائدتها لدراسة تطور تنظيم الجينات في المقارنات بين الأنواع مشكوك فيها، لأن دراسات كهذه يجب أن تقارن بين أنواع متجانسة من الخلايا تشترك بالخصائص التطورية والوظيفية.
ركّزت المقارنات التي أجراها هُو وزملاؤه7 على سمات الكروماتين التي تميز العناصر الجينومية التنظيمية، مثل إمكانية الوصول إلى الحمض النووي، وتعديلات معينة في بروتينات الهيستون. في 800 مجموعة بيانات جديدة خاصة بالكروماتين، تمكَّنوا من تحديد عديد من الميزات المشتركة بين الأنواع الثلاثة، ومنها نماذج مشتركة لتعديل الهيستون حول الجينات والمناطق التنظيمية. وعمد جِرشتاين وزملاؤه إلى تكامل هذه المعلومات مع بيانات النسخ لتقديم "نموذج عالمي" لتوقع التعبير الجيني. وكما يشير المؤلفون، فهذه القواسم المشتركة ليست غريبة7، وتتسق مع توزيعات التعديلات المعروفة في كل من الأنواع الثلاثة والخميرة. وبدلًا من ذلك.. ركَّز هُو وزملاؤه على الاختلافات الملحوظة، التي تتعلق ـ بالدرجة الأولى ـ بمناطق الكروماتين المُثبَّطة (يتم تثبيط النسخ الجيني في تلك المناطق).
تمثِّل هذه الأبحاث الخمسة إضافةً كبيرة إلى موارد إنكود ومودإنكود العامة. ونحن نتوقع أن يكون لمجموعات بيانات الترانسكريبتوم تأثير مباشر على التفسيرات الجينية في الأنواع الثلاثة كلها، التي يجب أن تؤثِّر على عمل عديد من الباحثين بشكل فوري16,17. ويمكن الزعم بأنه يصعب على العلماء الوصول بسهولة إلى البيانات المتوفرة عن ميزات الكروماتين ومواقع ارتباط عوامل التنظيم، وتوقعات العناصر التنظيمية. فهذا يتطلب تكاملًا مع البوابات المجتمعية16,17 وواجهات تفاعلية بديهية تسمح بتصور البيانات ومرونة التحليلات، وهذه يجري تطويرها في سياق مشروع متصفح الجينوم الذي تعدّه جامعة كاليفورنيا سانتا كروز UCSC Genome Browser project وإنسامبل Ensembl، والاتحادان، وغيرها (مثل i-cisTarget11 أو 12GREAT). ويعتمد نجاح موارد إنكود ومودإنكود على إدماج هذه الواجهات ضمن سير العمل في جميع أنحاء المجتمع البحثي.
وإضافة إلى ذلك.. فرغم شدة ثرائها بالمعلومات، تكشف هذه الأبحاث كيف أن مجموعات البيانات التي أعدت لفهرسة جميع العناصر الوظيفية في ظل ظروف قياسية لا تكفي لفهم تنظيم النسخ، وبيولوجيا الكروماتين وعمله كمعزِّز، ولا تطور هذه الآليات. إن معالجة أسئلة كهذه تتطلب عادة تجهيزات وتجارب أكثر تنوعًا، غالبًا ما تكون معدلة لشكل خاص بكل سؤال. كما إن تحديد العناصر التنظيمية يبقى محدودًا10، لانعدام خصوصية نوع الخلية، ولكَوْن سمات الكروماتين وارتباط العامل التنظيمي عامليّ توقُّع غير دقيقَـيْن لوظيفة العنصر التنظيمي9. وهذه الأبحاث لا تكشف العددَ الذي قد يكون وظيفيًّا من هذه العناصر، والتقديرات المستقلة تمتد على نطاق واسع9,18، لكن البيانات الجديدة ـ بالاقتران مع عمل عديد من المجموعات الأخرى ـ ستساعد بلا شك البحوث المستقبلية في تحديد وفهم ووضع التوصيف الوظيفي للجينات، والعناصر التنظيمية، والجينومات الحيوانية بشكل عام.
Affiliations
-
Research Institute of Molecular Pathology (IMP), Vienna Biocenter (VBC), Vienna 1030, Austria
References
- Celniker, S. E. et al. Nature 459, 927–930 (2009).
- The ENCODE Project Consortium. Science 306, 636–640 (2004).
- Brown, J. B. et al. Nature 512, 393–399 (2014).
- Gerstein, M. B. et al. Nature 512, 445–448 (2014).
- Araya, C. L. et al. Nature 512, 400–405 (2014).
- Boyle, A. P. et al. Nature 512, 453–456 (2014).
- Ho, J. W. K. et al. Nature 512, 449–452 (2014).
- Schmucker, D. et al. Cell 101, 671–684 (2000).
- Shlyueva, D., Stampfel, G. & Stark, A. Nature Rev. Genet. 15, 272–286 (2014).
- Furlong, E. E. M. Nature 471, 458–459 (2011).
- Herrmann, C., Van de Sande, B., Potier, D. & Aerts, S. Nucleic Acids Res. 40, e114 (2012).
- McLean, C. Y. et al. Nature Biotechnol. 28, 495–501 (2010).
- Moorman, C. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 103, 12027–12032 (2006).
- The modENCODE Consortium et al. Science 330, 1787–1797 (2010).
- Kvon, E. Z., Stampfel, G., Yáñez-Cuna, J. O., Dickson, B. J. & Stark, A. Genes Dev. 26, 908–913 (2012).
- Yook, K. et al. Nucleic Acids Res. 40, D735–D741 (2012).
- St. Pierre, S. E., Ponting, L., Stefancsik, R., McQuilton, P. & the FlyBase Consortium. Nucleic Acids Res. 42, D780–D788 (2014).
- Kwasnieski, J. C., Fiore, C., Chaudhari, H. G. & Cohen, B. A. Genome Res. http://dx.doi.org/10.1101/gr.173518.114 (2014).
- The ENCODE Project Consortium. Nature 489, 57–74 (2012).
- Gerstein, M. B. et al. Science 330, 1775–1787 (2010).
- The modENCODE Consortium et al. Science 330, 1787–1797 (2010).