أنباء وآراء
علم المواد: المـاس أكثـر صـلابةً
المواد المركّبة التي تتضمن الماس هي من بين الأكثر صلابة في العالم، لكنها تفشل تحت الظروف القاسية. هناك شكل جديد من الماس، ذو بنية نانوية، مصنوع من سلف الكربون الشبيه بالبصل، قد يتغلب على هذه المشكلة.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/510220a
- English article
- Published online:
الماس مادة شهيرة وقوية ذات صفات استثنائية، كمقاومتها الهائلة للتآكل وصلابتها. لهذا السبب.. فمنذ فترة طويلة يُستخدم الماس في أدوات القَطْع والحَفْر، لكن ضعف استقراره الحراري حدّ من تطبيقاته. في العدد الصادر في الثاني عشر من يونيو1 الماضي من دورية Nature الدولية، أورد هوانج وزملاؤه طريقة لتخليق توأم نانوي (nanotwinned) للماس، حيث تتشارك بلورات نانومترية بعض نقاط الشبكية البلورية، وقد وجد الباحثون أن المادة الجديدة الناتجة أكثر صلابة وذات استقرار حراري أعلى من الماس الموجود في الطبيعة.
لعل المصريين القدماء هم أول من استخدم الماس في الأدوات، رغم عدم وجود دليل كافٍ على ذلك. حفر الصخور بالماس يرجع تاريخه بشكل أكثر توثيقًا للقرن الثامن عشر2. أدت الحاجة إلى أنصال حفر عالية الصلابة والمقاومة للتطبيقات الصناعية في الحفر والتنقيب عن البترول في الثمانينيات، إلى تطوير نوع جديد من المواد فائقة الصلابة تتكون من حبيبات ماس مترابطة مع كوبالت معدني. العيب الأساسي لهذه المواد هو أن الكوبالت يحفز تكسير الماس إلى جرافيت في درجات الحرارة الأعلى من 700 درجة مئوية. في تلك الفترة نفسها تقريبًا3 تم تطوير مركّب ماس، حيث تم استبدال الكوبالت بمادة سيراميكية هي كربيد السيليكون، وتبين أنها مستقرة تحت الظروف القاسية والكاشطة أثناء قَطع الصخور، ولدرجات حرارة تزيد عن 1200 درجة مئوية. ومع ذلك، فإن هذة المادة المركّبة من الماس والمستقرة حراريًّا لم يتم اعتمادها حتى الآن على نطاق واسع كعنصر قَطع في أدوات التعدين والتنقيب والصناعات التحويلية، وذلك لأسباب تتعلق بالتكلفة.
العيب الأساسي في المواد المركّبة القائمة على الماس هو انخفاض مقاومة الكسر بها (مقياس مقاومة المادة لانتشار التصدُّع)، الذي يمكن أن يسبب لهم فشلًا كارثيًّا. كلما ازادت صلابه مواد الماس المركبة، التي تحتوي على تركيزات أعلى من الماس؛ انخفضت مقاومتها للكسور. ومع ذلك.. فإن هذه المواد لها مقاومة عالية ضد التآكل، وشكلّت الأساس لأدوات طويلة العُمر في الاستخدام الصناعي، شريطة أن يتم التحكم في التحميل الميكانيكي عليها.
إنّ التحكم في الصلابة لا يتم من خلال التركيب فقط؛ بل إن حجم الحبيبات في الأطوار التأسيسية للمواد هو أيضًا عامل مؤثر. في المواد الصلبة والهشة، مثل مواد الماس المركّبة ، فإن الصلابة والقوة تزيد مع تناقص حجم الحبيبات، كما عبرت عن ذلك علاقة "هول-بِتش" (Hall-Petch)4،5. عادة، يرافق هذا التحسن في الصلابة انخفاض في مقاومة الكسر؛ هذة العلاقة العكسية تم قبولها بشكل عام كنموذج، حتى تم التحقق بدقة من الخصائص الميكانيكية للمواد ذات البنية النانوية. في مثل هذه المواد، لا تسري العلاقة العكسية عندما يكون حجم الحبيبات أقل من حوالي 100 نانومتر، ومن ثم يمكن فعليًّا أن تزيد مقاومة الكسر مع تناقص حجم الحبيبات6. هذه المواد، بما في ذلك مواد الماس المركّبة مع مكوناتها من الحبيبات النانوية، قد ثبُت أن لها مقاومة استثنائية للكسر.
أثبتت تقنيات تقليل حجم الحبيبات لتحسين مقاومة الكسر للمواد فائقة الصلابة أنها ناجحة، ولكنها محدودة كما يبدو باقتصارها إما على المواد المعنية أو التكنولوجيا المستخدمة. لذا.. بدا أن إدخال تحسينات أخرى على هذه المواد غير محتمل، ما لم يتم اكتشاف سبيكة مواد نانوية حبيبية ذات صلابة ذاتية أعلى. ومع ذلك.. استطاع هوانج وزملاؤه1 إثبات أن حدوث مزيد من الانخفاض في مقياس طول الحبيبات المرتبط بالصلابة الذاتية يمكن تحقيقه.
قدَّم باحثون من المجموعة نفسها في وقت سابق بحثًا7 عن طريقة لصنع نموذج توأم نانوي لنيتريد البورون − مادة شبيهة بالماس في الترتيب الذري. لذا.. قرروا تقليد تلك العملية مع الماس، بإخضاع جسيمات الكربون النانوية التي تتكون من أغلفة متحدة المركز مثل الجرافيت (معروف باسم جسيمات نانوية من الكربون البصلي؛ الشكل 1) لضغوط في حدود 18-25 جيجا باسكال وعند درجة حرارة 1850- 2000 مئوية. تباعًا، تكوّنت المادة الشفافة الناتجة من توائم نانوية وبلورات نانوية من الماس.
الشكل 1 | نموذج كمبيوتر لجسيمات نانوية كربونية بصلّية. استخدم هوانج وزملاؤه1 هذه الجسيمات النانوية لصنع شكل من الماس فائق الصلابة، وذي بِنْيَة نانوية. (الصورة مأخوذة من المرجع 1).
صلابة مواد هوانج ومجموعته بلغت نحو 200 جيجا باسكال؛ وللمقارنة، فإن قيم صلابة الماس أحادي البلّورة تتراوح مابين 60 إلى 130 جيجا باسكال، وتلك التي تتكون من بلّورات الماس النانوية بدون توائم نانوية هي 130-145 جيجا باسكال (المرجع 8). وهناك خاصية غير عادية أخرى، وهي مقاومتها العالية للكسر، وهي أكبر من مثيلتها من مواد الماس المركّبة المتاحة تجاريًّا. وبشكل ملحوظ، كان ماس التوائم النانوية مستقرًّا ضد الأكسدة في الهواء عند درجات حرارة أعلى من 1000 درجة مئوية − أعلى مما توقَّعه الباحثون.
أعد هوانج وزملاؤه قطعًا ملّيمترية الحجم من مادتهم على نطاق مختبري بحثي، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كانت طريقتهم العملية يمكن استخدامها على نطاق صناعي. سيعتمد النجاح جزئيًّا على إمكانية تحضير المواد الأولية بجودة عالية بما فيه الكفاية. سبق استخدام تقنية التصليد الحراري Sintering في إنتاج ماس ذي بلّورات نانوية – عبر الانصهار في درجة عالية من الحرارة و/أو الضغط − لتصنيع السنادين التي تُستخدم في دراسات طور المواد8 الجيولوجية عالية الضغط ودرجة الحرارة، ويمكن توقع تطبيقات علمية مماثلة لماس التوائم النانوية. ومع ذلك، فإن خصائص زحف المادة (ميل المادة للتشوه الدائم كاستجابة للضغوط الميكانيكية طويلة الأجل) والإجهاد بحاجة إلى القياس. إذا كانت آلية تشوه المادة تتغير من تلك المرتكزة على عيوب البلورات إلى تلك المعتمدة على الانزلاق عند حدود الحبيبات، كما يحدث عادة خلال تشوه "معدن فائق" عندما يتم تسخين المواد الصلبة، سيتكون هناك إذن حاجة إلى إيجاد طُرق لحصر حدود الحبيبات9.
تقدمت صناعة الماسات النانوية خلال العقد الماضي على نحو كونه فضول فكري للوصول إلى مواد تعمل بشكل كامل ومفيدة لمجموعة واسعة من التطبيقات. تُستخدام جسيمات النانو المنفردة، التي تتكون من بضع مئات فقط من ذرات الكربون المرتبة في بنية الماس، في مجالات متنوعة، مثل توصيل الدواء داخل الجسم، والتصوير الحيوي، وتوليد الأنسجة10. ماسات النانو، سواء أكانت مجمعة، أم غير مجمعة في سوائل التشحيم، يمكن أيضًا أن تشكل فواصل منخفضة الاحتكاك؛ تقلل من تآكل مكونات الحركة على المستويين العياني والمجهري11.
على القَدْر ذاته من الأهمية تأتي البحوث المبتكرة والنامية بسرعة في التجميع والتصليد الحراري للماس النانوي لصنع مواد مركّبة صلبة بحيث يكون لها مدى كبير من الخصائص المميزة، مثل التوصيل الحراري العالي، والنفاذ البصري، والخمول الكيميائي، والمقاومة العالية لأضرار الأشعة. إنتاج هذه المركّبات تم في البداية بمقاييس أعلى قليلًا من تلك الخاصة بالجسيمات النانوية نفسها، ولكن التقدم الاستثنائي في تكنولوجيا الضغط العالي ودرجة الحرارة المرتفعة8 يتيح الآن فرصة إنتاج المواد بأحجام تناسب تطبيقات العديد من الصناعات. قد يقودنا إدماج ماس التوائم النانوية والبلورات النانوية في المواد المركّبة إلى مواد جديدة لها خصائص أكثر استثنائية.
Affiliations
-
Division of Earth Science and Resource Engineering, Commonwealth Scientific and Industrial Research Organisation (CSIRO), Pullenvale Queensland 4069, Australia
References
- Huang, Q. et al. Nature 510, 250–253 (2014).
- Tolansky, S. in Science and Technology of Industrial Diamonds Vol. 2 (ed. Burls, J.) 341–349 (Ind. Diamond Inform. Bur., 1967).
- Wilks, E. & Wilks, J. Properties and Applications of Diamond (Butterworth-Heinemann, 1991).
- Petch, N. J. J. Iron Steel Inst. 174, 25–28 (1953).
- Hall, E. O. Proc. Phys. Soc. Lond. B 64, 747–753 (1951).
- Zhao, Y. et al. Appl. Phys. Lett. 84, 1356–1358 (2004).
- Tian, Y. et al. Nature 493, 385–388 (2013).
- Irifune, T. & Sumiya, H. in Comprehensive Hard Materials Vol. 3 (eds Mari, D., Llanes, L. & Nebel, C. E.) 173–191 (Elsevier, 2014).
- Suryanarayana, C. & Al-Aqeeli, N. Prog. Mater. Sci. 58, 383–502 (2013).
- Mochalin, V. N., Shenderova, O., Ho, D. & Gogotsi, Y. Nature Nanotechnol. 7, 11–23 (2012).
- Ivanov, M. et al. Nanosyst. Phys. Chem. Math. 5, 160–166 (2014).