رؤية كونية

الشـرق الأوسـط يمكن أن يسترشـد بقانـون الخلايـا الجذعيـة الأردنـي

تقول رنا دجاني إن الحظر المفروض على الشركات الخاصة التي تستخدم الخلايا الجذعية المستخلَصة من أجنة بشرية يمثل إطار عمل سياسيًّا للدول العربية والإسلامية الأخرى.

رنا دجاني
  • Published online:

A. AWAD


في يناير الماضي، سنّت الأردن قانونًا لضبط الأبحاث والعلاج باستخدام الخلايا الجذعية البشرية المستخلَصة من الأجنة. وهو القانون الأول من نوعه في المنطقة العربية والإسلامية. ولقد كنت جزءًا من مجموعة يرأسها عبد الله عويدي العبَّادي مدير مركز العلاج بالخلايا بجامعة الأردن في العاصمة عمَّان، وهي المجموعة التي دعت لأول مرة إلى ذلك القانون، ووضعت مسودة له لاحقًا. وتُعتبر أبحاث الخلايا الجذعية من موضوعات الساعة في الأردن، نظرًا إلى مكانة المملكة كمركز للرعاية الصحية يجذب المرضى من الخارج. وتُعَدّ الأردن واحدة من الدول القليلة في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك قوانين لحماية المشاركين في التجارب الإكلينيكية. وهذا القانون الأخير ينبغي أن يعمل كمثال يُحتذَى للدول الأخرى في المنطقة.

تحظر القوانين الجديدة على الشركات الخاصة استخدام الخلايا الجذعية البشرية في الأبحاث أو العلاج. ولن يُسمح بالتعامل مع الخلايا الجذعية البشرية سوى من قِبَل المؤسسات الحكومية، أو المعاهد الأكاديمية المموَّلة حكوميًّا بالأردن، التي تتمتع بمستويات أعلى من الشفافية، مقارنةً بالشركات الخاصة، وتخضع لرقابة وزارة الصحة ولجنة متخصصة في هذا الصدد. يحظر هذا القانون أيضًا تقديم تبرعات على هيئة خلايا جذعية أو بويضات، وينص على أن الخلايا المعدَّلة، أو التي تم العبث بها لا يجوز استخدامها لأغراض الاستنساخ البشري. ولا يوجد بحث في الوقت الحالي حول الخلايا الجذعية الجنينية البشرية؛ فهذه خطوة وقائية.

يكمن جزء كبير من الجدل والخلاف المُثارَيْن حول أبحاث الخلايا الجذعية في أنحاء العالم من وجهات نظر مختلفة للأديان الرئيسة بخصوص الأطوار الأولى للحياة. ورغم أن استخدام الخلايا الجذعية الجنينية البشرية يواجه معارضة من الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وبعض كنائس البروتستانت، إلا أنه مقبول في المجتمع اليهودي وفي العديد من الدول الإسلامية. ولا يوجد إجماع حول مبتدأ الحياة الجنينية البشرية، لكن الغالبية العظمى من فقهاء الإسلام يرون أنها تبدأ خلال فترة تتراوح ما بين 40-120 يومًا من بعد الحمل، ومن ثم فَهُم يتبنون فكرة أن البويضة المخصبة منذ خمسة أيام ليس بها روح، أي أنها لا تمثل «حياة بشرية»، بل «حياة بيولوجية». ولذا.. فبالنسبة إلى كثيرين، لا توجد مشكلة أخلاقية في الإسلام فيما يتعلق باستخدام جنين في أوائل الخَلْق لإنتاج خلايا جذعية.

انتهت جميع  نقاشاتنا في الأردن إلى أن أبحاث الخلايا الجذعية  جائزة في الإسلام.

ليس من السهل الوصول إلى هذه النتائج.. فكثير من الدول الإسلامية ترى أن القوانين والمبادئ الأخلاقية الحيوية تستند إلى مصادر الإسلام الثلاثة؛ أولها القرآن الكريم، وثانيها السنة النبوية، وثالثها الإجماع، وأخيرًا الاجتهاد. والاجتهاد هو المبدأ القائل إنّ كل عالِم مؤهَّل للفتوى يحق له البت في الأمور المستعصية بشكل مستقل عن غيره من العلماء. وبناءً على هذه المصادر الثلاثة، وضعت إيران والسعودية وتونس إرشادات حول أبحاث الخلايا الجذعية، لكنها ليست مُلْزِمَة قانونيًّا.

إن قانون الخلايا الجذعية الأردني نتاج سنوات من النقاشات التي أدارتها لجانٌ، قوامها علماء وأطباء وخبراء في اللغة العربية، ومحامون، وفقهاء مسلمون ومسيحيون. وقد نُوقشت المشكلات التي طُرحت ـ ومنها على سبيل المثال.. الخلط ما بين الخلايا الجذعية، والخلايا الجنينية الجذعية ـ واقتُرحت لها حلول. وقد تشارونا مع كلٍّ من اللجنة الوطنية لأخلاق العلوم والتكنولوجيا، ووزارة التعليم. وصدَّقَ مجلس الإفتاء على الصيغة النهائية للقانون.

ووافق المجلس على فتوى أقرَّها العلماء المسلمون في عام 2003، تجيز استخدام الخلايا الجذعية الجنينية من مصادر مقبولة، بما في ذلك البويضات المخصبة قانونيًّا، الفائضة عن الحاجة، والناتجة عن التخصيب المعملي. وكان وراء القرار الذي اتُّخِذ بمنع الشركات الخاصة من استخدام هذه الخلايا مخاوف مِن أنْ تشجع أبحاثها على الإجهاض الذي يُعتبَر مخالِفًا للقانون في الأردن، ما لم تكن حياة الأم أو صحتها عرضة للخطر. وكان المجلس واضحًا في أن القانون الجديد يجب أن يحظر الاستنساخ البشري، ولا ينبغي أن يسمح بخلق الأجنة من مَنِيّ وبويضات غير المتزوجين.

وقد سمح التمييز ما بين المصادر المتعددة للخلايا الجذعية في بداية المناقشات لمجلس الإفتاء بتَبَنِّي موقف أكثر تساهلاً تجاه تقنيات استخدام الخلايا الجذعية غير المستخلصة من الأجنة البشرية. فعلى سبيل المثال.. يستطيع القطاع الخاص بموجب القوانين الجديدة العمل على النقل النووي للخلايا الجسدية (وفيه يتم نقل الحمض النووي البشري من مريض، وزَرْعه في بويضة غير مخصبة ليست بها نواة)، والخلايا الجذعية المعززة متعددة الإمكانات التي يتم تخليقها من خلايا الراشدين.

لقد ثبت الاستخدام العلاجي لزرع نخاع العظم ـ بما في ذلك مستزرعات الخلايا الجذعية المنتِجة للدم ـ في الأردن. ومثل هذه الإجراءات منظمة بالفعل بموجب قوانين حالية للممارسات الطبية، ولذا.. فإن القانون الجديد يطرح تمييزًا واضحًا بين هذه التقينات والعلاج بالخلايا الجذعية الجنينية البشرية.

لا يغطي القانون جميع الجوانب الحالية لأبحاث الخلايا الجذعية واستخدامها فحسب، بل ويفسح المجال أيضًا لمزيد من التعديل مستقبلًا. فهو يقضي بتشكيل لجنة وطنية ستتولى ـ من بين أعمال أخرى ـ مسؤولية رسم الخطوط العريضة لقوانين محددة لحفظ الخلايا الجذعية في بنوك خاصة بها، بما يتفق مع المعايير الدولية.

انتهت جميع نقاشاتنا في الأردن إلى أن أبحاث الخلايا الجذعية جائزة في الإسلام، طالما أن الغرض منها تحسين صحة الإنسان، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لاحترام الحياة البشرية. ومع ذلك.. مع تطور هذا المجال، يتعين على واضعي السياسيات مواصلة الاستثمار في التعليم ونشر الوعي بالفرص والتحديات والشكوك التي تحوم حول أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية البشرية.

إن الإنتاج العلمي للمنطقة العربية الإسلامية محدود، مقارنةً بغيره في مناطق أخرى. وتنفيذ هذه القوانين في الأردن وغيرها من الدول الإسلامية من الممكن أن يساعد على تشجيع الأبحاث، وصولاً إلى المعايير الدولية، والبدء في سد هذه الفجوة.