تأبين

أدولف سايلاخـر (2014–1925)

عالِم الإحاثة، ورائد تحليل حفريات الأنشطة البيولوجية.

ديريك إي جي بريجز
  • Published online:

استخدَم أدولف سايلاخر أبسط الطرق، ألا وهي دقة الملاحظة؛ لتغيير فهْمنا عن الكائنات القديمة. أوضحت تفسيراته لحفريات العصر الإدياكاري Ediacara المعضِلة، التي يرجع تاريخها إلى نحو 578 مليون سنة مضت، قبل ظهور الشُّعَب الحيوانية الرئيسة خلال الانفجار الكمبري، وهي أشكال (حية) وُجِدت بين أقدم الكائنات الكبيرة.

Wolfgang Gerber


أوضح سايلاخر كيف أن حفريات الأنشطة البيولوجية - تلك التي تسجِّل النشاط الحيوي، مثل الحفر الذي تقوم به الحيوانات البحرية - تكشف عن صفات سلوكية معينة. لقد قام بتحليل التأثيرات التي تشكل بِنْيَة عديمة الفقاريات وشكلها الظاهري، وأظهر كيف أن الحفريات المحفوظة على نحو استثنائي (استخدم لوصفها مصطلح الودائع Lagerstätten) هي نتيجة ظروف معينة، مثل انخفاض الأكسجين، والدفن السريع، وتأثير أغشية ميكروبية أحكمت غلق سطح الرواسب وسدّه.

في مهنةٍ امتدت لما بين حدود الأطلسي، أثَّر سايلاخر بشخصيته في علم الإحاثة بقدر ما أثَّر عليه بمؤلفاته المنشورة. وبحضورٍ طاغٍ، لكنه يشجِّع المشاركة في الوقت نفسه، كانت له طريقة في طرح الأسئلة، تأخذ المتحدثين على حين غرة. ولتَمَيُّزها.. استخدم فعلًا مشتقًّا من اسمه لوصفها، هو: «تَأَدْلَفَت» Dolfed.

توفي سايلاخر في 26 إبريل عن عمر ناهز 89 سنة. وكان ميلاده في عام 1925 بالقرب من شتوتجارت في ألمانيا. وقد وجد أولى حفرياته وهو في سن 14 سنة، ونشر أول بحث له عن حفريّات سمك القرش في الصخور المحلية، وهو في الثامنة عشرة من عمره. وقد خدم في البحرية الألمانية في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، قبل دخوله جامعة توبنجن في عام 1945.

وهناك، علَّمه عالِم الحفريات فريدريش فون هونيه استخدام الكاميرا لوسيدا، وهي بمثابة جهاز ذي منشور ومرآة، يُسْقِط صورة «عيِّنةٍ ما» على صفحة من الورق، بحيث يمكن رسمها. وعلى مدار بقية حياته المهنية، رسم سايلاخر الآلاف من الرسوم بهذه الطريقة، سواء أكانت رسومًا توضيحية لمنشوراته، أم عونًا له لفَهْم الحفريات. كان يُؤثِر الكاميرا لوسيدا المحمولة ـ التي كانت تخصّ هونيه ـ على النماذج الحديثة التي تُرْفَق بالميكروسكوبات ذات العدستين العينِيَّتين.

ظل سايلاخر في توبنجن للحصول على درجة الدكتوراة في دراسة الآثار الأحفورية لعصري الجوراسي والترياسي (التي يعود تاريخها إلى حوالي 252 إلى 145 مليون سنة). أمضى وقتًا في المحطة البحرية سينكنبرج على بحر البلطيق، حيث دَرَسَ علم الإحاثة الحديث «actuopalaeontology»، أي استخدام سلوك الكائنات الحية الحالية للاسترشاد به في تفسير الحفريات. وفي عام 1951، أثناء رحلة استكشافية إلى سولت رينج في باكستان، اكتشف سايلاخر والمشرف على رسالته للدكتوراة، أوتو شيندفولف، مسارات الترايلوبايت أو ثلاثية الفصوص في صخور أوائل عصر الكمبري؛ ما أدّى إلى الوصول إلى مفاتيح حول نمط حياة تلك الحيوانات. وفي السنوات اللاحقة، قامت شركات استكشاف النفط بواسطة الحجر الرملي في شمال أفريقيا وجنوب غرب الولايات المتحدة بطلب المشورة من سايلاخر، لأنه يمكنه استخدام حفريات الأنشطة البيولوجية في تفسير العصر والبيئة الترسيبية للصخور.

قضى سايلاخر معظم حياته المهنية في توبنجن، وتقاعد من منصبه كأستاذ بالجامعة في عام 1990. ومن عام 1987 حتى عام 2009، قضى فصول الخريف في التدريس بجامعة ييل في نيو هيفن بولاية كونيتيكت. وفي عام 1992، حصل على جائزة «كرافورد» من الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، وهو ما مَكَّنَه من الترحال في أرجاء العالم، غالبًا مع زوجته إديث، وقام بعمل نُسَخ مقلدة من السطوح التي تحافظ على مجموعة استثنائية من الآثار الأحفورية والحفريات الأخرى، والبِنَى الرسوبية، مثل الحركات الموجيّة الصغيرة ripples. أصبحت هذه التشكيلة معرضه الدولي في جولاته، التي أخذت عنوان الفن الأحفوري.

غيَّرت أفكار سايلاخر تحليل تطور الشكل جذريًّا. لقد انفصل بعيدًا عن الفكرة السائدة القائلة إنّ سمات الشكل الظاهري هي تحوُّرات حدثت من أجل وظيفةٍ ما، وسبر أغوار مجموعات، لا سيما التي في متحف بيبودي للتاريخ الطبيعي في جامعة ييل، للأشكال والبِنَى المتقاربة التي قدَّمت أدلّة على التأثيرات الأخرى. ولم يكن ليكتمل مسلك سايلاخر في دراسة عديمة الفقاريات، دون عرضه لفكرة أن البالون المملوء بالماء يتخذ تلقائيًّا شكلًا شبيهًا بقنفذ البحر، وهو ما يدل على أن ليس كل الأشكال لها دلالة على التكيُّف.

إنّ مقدرة سايلاخر على تفسير الشكل الظاهري من المبادئ الأولى ظهرت كأفضل ما يكون من خلال أبحاثه على حفريات غريبة من العصر الإدياكاري، ذات أشكال مثل سعف، ومغازل، وأقراص. لقد رأى في هذه العيِّنات «مبدأ غريبًا للبناء العضوي»، يتألف من غرف مبطَّنة؛ لتعظيم السطح المتاح للتغذية والتنفس. أسند سايلاخر تصنيف كائنات إيدياكارا إلى مملكة انقرضت، أسماها Vendobionta. ولا تزال العلاقات بين هذه الكائنات مثيرة للجدل، لكنّ أمثلة عديدة من تلك التي فحصها ودَقَّق فيها سايلاخر على خليج ميستيكين بوينت في نيوفاوندلاند بكندا تُظْهِر تنظيمًا كسوريًّا يتحدى تسكينها بسهولة في أي مجموعة حية.

من بين الآثار الأحفورية، فُتن سايلاخر بحفرية Paleodictyon خاصة، وهي بِنْيَة شبكية منتظمة، غالبًا ما تكون سداسية، تتصل بسطح الرواسب عن طريق أنفاق عمودية قصيرة، وتحْدُث في صخور تعود إلى ماضٍ سحيق، كعصر الكمبري. فسَّر سايلاخر هذا الجحر البحري بوصفه «مزرعة» لنمو البكتيريا.

في عام 1976، تم اكتشاف أمثلة حديثة من Paleodictyon في أعماق البحر بواسطة عالِم المحيطات بيتر رونا. وبعد ما يقرب من 30 عامًا، استقلَّ سايلاخر، ورونا متنَ المركب الغاطس «ألفين» Alvin، واستخرجا عيِّنات من حيد منتصف المحيط الأطلسي على عمق 3.4 كيلومترات. وفي عام2003 ، صوَّر فيلم ستيفن لو «براكين الأعماق» Volcanoes of the Deep Sea العالِمَيْن وهما يُحْدِثان شرائح في الرواسب الرخوة التي تحتوي على أنظمة جحور. وللأسف.. نجح الحيوان في الهرب من هذه الجحور.

قام أدولف ـ المسافر العنيد ـ بالتدريس وبإجراء بحوث ميدانية في كل القارات، باستثناء القارة القطبية الجنوبية. لم يجمع الحفريات فحسب، بل أيضًا السجاد، وأختام الأسطوانات القديمة، وأعمال الفن ما قبل الكولومبي، وأَحَبَّ تبادل القصص وهو يتمتع بكأس نبيذ وسيجار. ونشَر أعمالًا عن مجموعة استثنائية من الحفريات، جمعها على مدار 70 سنة من عمره المهني، ولا سيما نصه لعام 2007: تحليل حفريات الأنشطة البيولوجية Trace Fossil Analysis (سبرينجر)، وعمله القادم «ديناميات التغير الظاهري» Morphodynamics (مطبعة CRC). إنّ رسومه الأيقونية وتحليلاته سوف تظل ملهِمة للمعلمين والطلاب لسنوات قادمة.